ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الدولة الزنكية الأربعاء 01 يونيو 2016, 4:19 am | |
| قصة الدولة الزنكيةقصة الإسلام
كان آق سُنْقُر والد عماد الدين زنكي من أصحاب السلطان ملكشاه الأول، وقيل: إنه كان لصيقه، ومن أخصِّ أصدقائه؛ فقد نشأ الرجلان وترعرعا معًا، ولما تسلم ملكشاه الحكم عينه حاجبًا له، وحظي عنده فكان من المقربين، وأنس إليه ووثق به حتى أفضى إليه بأسراره، واعتمد عليه في مهماته، فكان أبرز قادته.وقد قال عنه ابن كثير: "كان من أحسن الملوك سيرة، وأجودهم سريرة، وكانت الرعية في أمن وعدل ورخص"[1].عمل آق سنقر على توطيد حكمه في حلب، وكان في صراع مع تتش أخي السلطان ملكشاه الأول الذي فشل في التخلص من آق سنقر في فترة حكم أخيه بسبب العلاقات الطيبة بين آق سنقر والسلطان، ولكن بعد وفاة ملكشاه حدث نزاع بين تتش وآق سنقر انتهى بوقوع آق سنقر في الأسر بعد موقعة تل السلطان وقتله هو وبوزان، وأسر كربوغا[2].وتُعدّ الفترة الأولى من قيام الدولة الزنكية مرحلة تمهيد لقيام دولة قوية استطاعت أن توحد المسلمين، وتقف في وجه الصليبيين؛ وذلك للأسباب الآتية:- إقامة أحكام الشريعة.- تبني سياسة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين.- طرد اللصوص وقطاع الطرق والقضاء عليهم، والتخلص من المفسدين.- القضاء على الفوضى التي كانت متفشية في البلاد[3].- معاملة الحكام لأهل البلاد معاملة حسنة؛ فنجد مثلاً أنَّ آق سنقر عامل أهل حلب بالحسنى حتى "توارثوا الرحمة عليه إلى آخر الدهر" على حدِّ قول ابن الأثير[4].وقد ظهر في هذه المرحلة عدة شخصيات كان لها دور كبير في التمهيد لظهور عماد الدين زنكي ونور الدين محمود؛ إذ حملوا لواء الجهاد ضد الصليبيين، وحافظوا على جذوة الجهاد متقدةً في صدور المسلمين؛ ومن هؤلاء:1- قوام الدولة كربوغا (489- 495هـ/ 1096- 1102م) الذي تزعم حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين، ومن ذلك مساندته القوة الإسلامية في أنطاكية أثناء تعرضها للحصار الصليبي في عام (490هـ- 1097م)، ولكنه فشل في حملته بعد الصراع والانشقاق بين قادته.بعد ذلك انغمس كربوغا في النزاعات السلجوقية الداخلية إلى أن تُوُفِّي في مراغة بأذربيجان في (شهر ذي القعدة 494هـ/ شهر أيلول عام 1101م)[5].2- شمس الدولة جكرمش (495- 500هـ/ 1102- 1106م):فبعد وفاة كربوغا قامت نزاعات على تولي حكم الموصل انتهت بفوز جكرمش بحكم الموصل، ولكن أثناء هذه الصراعات حاول بلدوين الثاني دي بورج، صاحب الرها القيام بحملة على حران في (أواسط عام 497هـ/ ربيع عام 1104م)، فما كان من جكرمش إلا أن قام بالاتحاد مع سُقْمان بن أُرْتُق صاحب ماردين وديار بكر، واجتمعوا عند رأس العين ودارت معركة بينهم وبين الصليبيين في (شعبان 497هـ/ 1104م) على ضفة نهر البليخ، وانتصر المسلمون على الصليبيين على ضفاف نهر البليخ، ووقع بلدوين أمير الرّها وجوسلين صاحب تل باشر في أيدي المسلمين[6].3- شرف الدولة مودود (501- 507هـ/ 1108- 1113م):الذي بعد تولِّيه إمارة الموصل كان متمسكًا بفكرة الجهاد ضد الصليبيين؛ لذلك اتحد مع جيرانه من المسلمين وأعدَّ حملة عسكرية في (503هـ/ 1110م) لانتزاع مدينة الرها، وقد سانده إيلغازي الأرتقي أمير ماردين بعساكره من التركمان، وسقمان القطبي أمير أرمينية، وكانت هذه أول مرة يجتمع فيها هذا العدد من الأمراء المسلمين لقتال الصليبيين، وحاصروا الرها لمدة شهرين دون أن يتمكنوا من اختراق استحكاماتها، فرفعوا الحصار عنها خصوصًا بعد قدوم جيش الصليبيين من القدس[7].4- آق سنقر البرسقي:وقد تولى فترتين: الفترة الأولى من 507- 509هـ/ 1113- 1115م، والفترة الثانية من 515- 520هـ/1121- 1126م. وقام في فترته الأولى بالهجوم على الرّها في 508هـ/ 1115م، واكتفى بعد حصارها بتخريب بعض القرى المجاورة مثل سروج، وبلد، وربض الرها، وسميساط. وقام بمحاولات عديدة في محاربة الصليبيين[8].تبدأ فترة الازدهار الفعلية للدولة الزنكية منذ عهد عماد الدين زنكي الذي كان الولد الوحيد لقسيم الدولة آق سنقر، وقد قتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضد الخارجين عليها، ولم يترك وراءه سوى بطلنا الفذ ورائد الجهاد ضد الصليبيين عماد الدين زنكي وهو في العاشرة من عمره.تولى الأمير كربوغا أمير الموصل تربية عماد الدين زنكي وتعهده بالعناية والرعاية وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال، وترقى في سلك الجندية حتى صار مقدم عساكر مدينة واسط، ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة 517هـ/ 1123م في قتاله مع الخليفة العباسي المسترشد بالله ضد أحد الثوار الشيعة واسمه (دبيس بن صدقة)؛ مما جعل السلطان السلجوقي محمود يرقيه ليصبح قائدًا لشرطة بغداد سنة 521هـ/ 1127م، ويعطيه لقب الأتابك أي (مربي الأمير)؛ ذلك لأنه توسم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه.وبعد وفاة أمير الموصل "عز الدين مسعود" حاول بعض المنتفعين تولية ولده الصغير مكانه، لكن عندما ذهب قاضي الموصل بهاء الدين الشهرزوري، وصلاح الدين محمد الياغسياني إلى السلطان محمود طلبا منه تعيين أمير قوي وكفء للموصل التي على حدود الشام حيث الوجود الصليبي، فقرر السلطان محمود أن يسند ولاية الموصل وأعمالها إلى عماد الدين زنكي، وذلك عام 521هـ/ 1127م[9].وباعتلاء عماد الدين زنكي سدة الحكم في الموصل قامت الدولة الزنكية[10].كان عماد الدين زنكي قائدًا محنكًا من دواهي العصر فطنةً وذكاءً وحدةَ بصيرة، كما كان من أشجع الناس وأقواهم وأجرَئِهم على القتال، لا يجاريه أحد من جنده في ذلك، وكذلك كان مربيًا وقائدًا قدوة يعرف كيف يحمس الشباب والنشء ويحفز طاقاتهم، فقبل فتح مدينة الرها وضع مائدته للطعام وقال: "لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها"، وهي كناية عن شدة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلا صبي صغير؛ فقيل له: "ارجع؛ ما أنت في هذا المقام؟!" فقال له عماد الدين زنكي: "دعوه؛ فواللهِ إني أرى وجهًا لا يتخلَّف عني". وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقةً جبارةً عند الصبي، فكان أول طاعنٍ، وأول بطل في هذه المعركة[11].تراوحت علاقة عماد الدين زنكي بالخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية بين التعاون المثمر والعداء الشديد وفقًا للمصلحة العامة والشخصية في نفس الوقت، على أن هذه التقلبات لم تؤثر على مركزه في ولاية الموصل والجزيرة وبلاد الشام.وفي خضم النزاعات السلجوقية سعى كل طامع في السلطة في العراق إلى استقطاب عماد الدين زنكي للاستفادة من قدراته العسكرية[12].وكان للحروب التي حدثت بين السلاجقة فيما بينهم من جهة، ثم فيما بينهم وبين الخلافة العباسية من جهة أخرى، واشتراك عماد الدين زنكي فيها، نتائجُ مهمة على وضعيه: السياسي والعسكري منها:* اتسعت شهرته كأمير ذي قوة مؤثرة في الصراع الدائر في المنطقة.* خرج من تلك الحروب وقد تعرف على عائلة بني أيوب، مما سيكون له أثر كبير في تطور هذه العائلة وازدياد نشاطها.* تدهورت العلاقات بينه وبين الخلافة العباسية[13]. [1] ابن كثير: البداية والنهاية، 12/147.[2] د/ محمد سهيل طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص57:50.[3] د/ طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص47.[4] ابن الأثير: الكامل 8/ 152.[5] محمد سهيل طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص60 :63.[6] السابق نفسه، ص62: 68.[7] د/ محمد سهيل طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص69.[8] السابق نفسه، ص78،79.[9] د/ طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص87، 88. شريف عبد العزيز الزهيري: أبطال سقطوا من الذاكرة، ص137، 138.[10] د/ طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص88.[11] شريف عبد العزيز الزهيري: أبطال سقطوا من الذاكرة، ص141: 143.[12] د/ طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص89: 91.[13] السابق نفسه، ص91: 93. |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الدولة الزنكية الأربعاء 01 يونيو 2016, 4:24 am | |
| تأسيس جيل النصر .. نور الدين زنكي نموذجاد. عادل باناعمة
تعودنا أن تقف الأمة عند مفاصل التاريخ العظيمة، ولحظات الانتصار أو الانكسار الحاسمة، لتملأ ماضغيها فخرًا عند الأولى، وتملأ الدنيا صريخًا وعويلاً عند الثانية.لم نتعود بما يكفي أن نبحث عن الأسباب، عن المياه العذبة التي غذت الثمرة الناضجة، أو عن السوس الذي نخر جذع الشجرة الوارفة فسقطت.لقد عانت القضية الفلسطينية من المشكلة ذاتها.. منذ خمسة قرون والأمة في عامتها لا تعرف إلا صلاح الدين وفتحه لبيت المقدس، وكلما ذكرت فلسطين ذُكر صلاح الدين، بل كلما دعا داعي فلسطين للجهاد والبذل تمتم العجزة: رحم الله صلاح الدين.. لو خرج فينا اليوم صلاح، لقادنا إلى النصر!!وهذا وهمٌ، فقد كان صلاح الدين الثمرة.. فهل هناك ثمرة بدون شجرة؟ وهل هناك شجرة بدون جذور؟ وهل تنبت الجذور إلا من بذرة؟فمن الذي ألقى بذرة الشجرة؟ ومن الذين تعهدها بالسقي والرعاية حتى أثمرت صلاح الدين؟إن صلاح الدين لم يأت فجأة، لم ينزل معجزة من السماء، ولا كان ملكًا مرسلاً، فرد جناحيه على الأمة فانقادت إلى النصر، وحررت بيت المقدس.من قبل صلاح.. كان هناك ألف صلاح.. بل ألف رجل أعظم قدرًا وأجل أثرًا من صلاح. وحسبي أن أقف اليوم مع واحد من هؤلاء الذين مهدوا لصلاح الدين الأيوبي.مع رجل كان هو الذي هيأ -بإذن الله- كل شيء لصلاح الدين. مع البطل العملاق الذي أسس جيل النصر الذي قاده صلاح الدين إلى فلسطين.من هو هذا الرجل؟ وكيف أسس جيل النصر؟ وكيف هيأ الأمور ليقود صلاح الدين الأمة إلى النصر؟ وما هي الخطوات التي اتبعها؟ كيف خطط؟ ماذا عمل؟ على أي سياسة سار؟هذا ما نريد معرفته اليوم..إنّه نور الدين زنكي.. القائدُ الفذُّ الذي مهَّد لصلاح الدين الطريق.والمتأمل في سيرة نور الدين يجدُ أنّه شَرَع السبيل لفتح القدس عبر أربع تأسيسات مهمة:التأسيس الأول: تأسيس القيادة النموذجلقد عمل نور الدين أول ما عمل على أن يصنع للأمة قيادة راشدة تقية تمثلت في شخصه الشريف رحمه الله، فجمع الدين والتقوى والعلم والشجاعة والبصر بالقتال وفنونه.اسمعوا ما يقوله ابن الأثير: "طالعت السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريًا للعدل، وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا من ملك له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، لقد طلبت منه زوجته، فأعطاها ثلاثة دكاكين فاستقلتها، فقال: ليس لي إلا هذا، وكان يتهجد كثيرًا"[1].قال الذهبي: "وكان نور الدين مليح الخط كثير المطالعة يصلي في جماعة ويصوم ويتلو ويسبح، ويتحرى في القوت ويتجنب الكِبر، ويتشبه بالعلماء الأخيار.. وكلُّ من رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره، حكى مَن صحبه سفرًا وحضرًا أنه ما سمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في هجره"[2].وقال الموفق عبد اللطيف: "كان نور الدين لم ينشف له لبد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة ويعمل أغلافًا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف"[3].وكان ذكيًّا ألمعيًّا فطنًا لا تشتبه عليه الأحوال، ولا يتبهرج عليه الرجال.وكان ينام بعد صلاة العشاء ثم يستيقظ في منتصف الليل، فيصلي ويتبتل إلى الله بالدعاء حتى يؤذن الفجر، كما كان كثير الصيام.وجاءه التشريف من الخليفة العباسي بأن يدعى له على المنابر على هذا الوجه: "اللهم أصلح المولى السلطان الملك العادل العالم العامل الزاهد العابد الورع المجاهد المرابط نور الدين وعدته، ركن الإسلام وسيفه، قسيم الدولة وعمادها، اختيار الخلافة ومعزها.. سيد ملوك المشرق والمغرب وسلطانها، محيي العدل في العالمين، منصف المظلوم من الظالمين، ناصر دولة أمير المؤمنين"، فألغى ذلك كله، واكتفى بدعاء واحد هو: اللهم أصلح عبدك الفقير محمود بن زنكي!!.التأسيس الثاني: تأسيس الوحدة النموذجلقد حرص نور الدين على تحقيق أكبر قدر من الوحدة الإسلامية دون أن يريق دماء المسلمين، فقد كان شديد الحفاظ عليها، وكان يقول: لا حاجة لقتل المسلمين بعضهم بعضًا، وأنا أوفرهم ليكون بذل نفوسهم في مجاهدة المشركين.وكانت الإمارات -لما عرف عنه من دين وحزم- تفرح بالانضمام إليه، وتسر بالدخول تحت حكمه.ضمَّ نور الدين حمص ودمشق وتوالت سيطرته على مدن وقلاع الشام حتى خضع معظمها له دون إراقة دماء، ثم تابع جهوده حتى تمكن من السيطرة على مصر التي كانت بيد الفاطميين، وطوق بذلك فلسطين التي كان يستولي عليها الصليبيون، وحقق بذلك وحدة طوقية رائعة كان لها أكبر الأثر في تحرير فلسطين. ثم تمكن بعد ذلك من ضم الموصل والمناطق التي تتبعها إلى حكمه، ثم ضم اليمن إلى حكمه، وبذلك امتدت الجبهة الإسلامية المتحدة من العراق إلى الشام فمصر واليمن؛ مما أنذر بقرب القضاء على الصليبيين.ومن حرص نور الدين على وحدة الأمة أنه لم يستقل بدولته عن خليفة المسلمين، بل كان يعلن نفسه أميرًا تابعًا للخليفة العباسي في بغداد، ولما فتح مصر أسقط الخلافة الفاطمية، ودعا في المنابر للخليفة العباسي المستضيء.التأسيس الثالث: تأسيس المجتمع المسلمحيث حرص على تطبيق أحكام الشريعة، ورفع المظالم، وإنصاف الناس، وكان يقول: حرام على كل من صحبني ألا يرفع قصة مظلوم لا يستطيع الوصول إليَّ.ومن فقهه أنه لما كثرت غزواته، قال له بعض مستشاريه: لو أخذت بعضًا من الأموال المرصودة للفقراء والمساكين، وجعلتها في مصارف الجهاد. فقال رحمه الله: والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك، فإنما تُرزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلات أقوام يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ، وأصرفها على من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ؟! وهؤلاء لهم نصيب في بيت المال، كيف يحل لي أن أعطيه إلى غيرهم؟!".كما حرص على البناء الإيماني التربوي والثقافي للجيل المسلم، فاستقدم العلماء العاملين، وأفسح لهم مجال العمل والدعوة، وسعى في بناء المدارس والمساجد، وحارب البدع والأضاليل، وأحيا سمت احترام العلماء وتوقيرهم، وكان يقول عن العلماء: إنهم جند الله، وبدعائهم ننصر على الأعداء، ولهم في بيت المال حق أضعاف ما أعطيهم، فإن رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا. وفي زمانه صارت بلاد الشام مقرًّا للعلماء والفقهاء.وكان يقول: "إنّ البلخي -وهو أحد العلماء- إذا قال لي: يا محمود، قامت كل شعرة في جسدي هيبة له، ويرقّ قلبي"!!كما اعتنى بالإعمار والبناء الحضاري والاجتماعي؛ لأنه أدرك أن مجتمعًا مفكك الأوصال متخلف الحضارة لا يمكن أن يصنع نصرًا؛ ولذلك عمل على كفالة الأيتام وتزويج الأرامل وإغناء الفقراء، وبناء المستشفيات والملاجئ، ودور الأيتام، والأسواق، والحمامات، والطرق العامة، وتوطين البدو، وإقطاعهم الأراضي.كما رتب الزكاة ونظم جبايتها وتوزيعها وفق الأسس الشرعية، وشجع التجارة بتأمين المواصلات، ورفع الضرائب التي تثقل حركة التجارة.وبذلك كله أسس مجتمعًا إسلاميًّا راقيًا؛ دينًا، وحضارةً، وأخلاقًا.التأسيس الرابع: تأسيس الروح الجهادية"لقد سعى نور الدين في إحياء المعاني الجهادية في النفوس وتربية الأمة على معانيها، وتكريس عزة المسلمين ومنعتهم وقوتهم، وبذل الجهد في توفير العدة والعتاد، وحماية المدن، وبناء الأسوار والحفاظ على أرواح المسلمين، وكان يشجع ألعاب الخيل التي تعود على الكر والفر.وكانت معاركه الفعلية، وحروبه التي خاضها ضد النصارى من أكبر ما أحيا روح الجهاد في الأمة.فخلال فترة حكمة التي استمرت ثمانية وعشرين عامًا لم تتوقف معاركه مع الصليبيين مطلقًا -وقد تمكن من تحرير منطقة الرها وأنطاكية- كما أسهم في تحطيم الحملة الصليبية الثانية. وكان انتصاره الأعظم في تل حارم تاجًا يتلألأ على جبينه رحمه الله، فقد استطاع في تلك المعركة الكبرى أن يقتل عشرة آلاف صليبي، وأن يأسر عشرة آلاف، وكان من بين الأسرى أمير أنطاكية وأمير طرابلس وحاكم قلقيلية.هكذا هيأ نور الدين كل شيء لقطف الثمرة وهي تحرير المسجد الأقصى.. وقد كان على وشك قطفها، فإنه في عام 569هـ أعدَّ العُدَّة للهجوم النهائي على بيت المقدس لتحريره من الصليبيين، حتى إنه قد جهز منبرًا جديدًا رائعًا للمسجد الأقصى يوضع فيه بعد الانتصار على الصليبيين.. ولكن المنية عاجلته فتوفي عام 570هـ.وهكذا أصبح الطريق معبدًا أمام خليفته صلاح الدين؛ ليقطف الثمرة، وينال شرف تحرير الأقصى.. وتم له ذلك عام 584هـ عقب معركة حطين.لقد استمر إعداد نور الدين ثمانية وعشرين عامًا، واستطاع صلاح الدين أن يقطف الثمرة خلال أربعة عشر عامًا.لقد كان الإعداد أطول بكثير من قطف الثمرة..وهذه سنة الله في كونه..فهل لنا عظةٌ وعبرة؟المصدر: كتاب (إلى طريق النصر). |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الدولة الزنكية الأربعاء 01 يونيو 2016, 4:26 am | |
| |
|