من هو محمود زنكي حتى ينصر؟!
د . ديمة طهبوب
«قيل إن نور الدين محمود زنكي قد عاد من هزيمة ماحقة ضد الصليبيين ما نجا منها غيره وعشرة من جنوده فراسل إخوانه وقادته لتجهيز الجيوش للعودة والمعركة، وأقبل يعد نفسه حتى قيل إنه تحشف من كثرة الصوم والصلاة، ولما اجتمع له الجند سار الى حصن حارم وهناك سجد لله متضرعا يدعو» يارب! هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك؛ فانصر أولياءك على أعدائك، يارب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر، اللهم انصر دينك ولاتنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى يُنصر!
وانتصر السلطان محمود نصرا مؤزرا وعاد الصليبييون يريدون احتلال دمياط، ومحمود المجاهد يصيبه الهم فلا تنفرج أسنانه حتى عن ابتسامة ويقول «إني لأستحي من الله تعالى أن يراني مبتسما والمسلمون محاصرون في دمياط بالصليبيين» وأقبل على الاستعداد والصلاة وبينما هو في المسجد فجرا إذ جاءه إمام مسجد القلعة وبشره باندحار الصليبيين عن دمياط، فسأله نور الدين كيف علم ذلك، فقال الإمام: لقد جاءني رسول الله صل الله عليه وسلم في المنام وقال لي»سلم على نور الدين وبشره بأن الفرنج قد رحلوا عن دمياط فقلت:يا رسول بأي علامة؟ فقال: بعلامة ما سجد يوم تل حارم وقال في سجوده: اللهم انصر دينك ولا تنصر محمودا، فلما جاء الإمام الى ذكر من هو محمود الكلب انقبض من قول ذلك، فقال له نور الدين: قل ما آمرك به رسول الله، فلما قال له العلامة كاملة قال صدقت، وبكى نور الدين تصديقا وفرحا بذلك، ثم أصبحوا فجاءت الرسل فإذا الأمر كما أخبر الإمام في المنام».
قيل إن التاريخ يعيد نفسه وقد لا يعيد!! وقيل إن للمرء من اسمه نصيبا وقد لا يكون!!!
فتاريخ المجد حتى يعود دورته ينبغي أن تتوفر له أسباب النصر التي توفرت له بداية، وعلى الناس أن يسيروا على خطى العظماء حتى يستحقوا أسماءهم، وبغير ذلك لا يكون مجد ولا خلود ويبقى إرثهم ويبقون في الصفحات المهملة من تاريخ الخزي والعار.
لقد أجرى الله النصر على يد نور الدين محمود لأنه لم يركن الى منطق الهزيمة والاستسلام والصليبييون يتطاولون في الأرض ويمشون فيها مرحا، بل دان نفسه لله وأوكل أمر النصر إليه سبحانه وقام بما عليه كعبد لا يرى نفسه أكثر من سيف يضرب به الله أعداءه إن شاء استخدمه وإن شاء وضعه وكسره، وكذلك كان قادته وبطانته على قلب رجل واحد في الشجاعة والإقدام، فآخر الطريق محبب إليهم أكثر من أوله: نصر أوشهادة
يعيد التاريخ نفسه عندما يكون محمود محمودا في شعبه لا يسلمهم ولا يخذلهم، لا يكون فيهم بجبروت فرعون وانفراده بالسلطة حتى ادعاء الأولوهية التي أوصلته أن قاد قومه الى سعير وبئس المصير «يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويقوم القيامة بئس الرفد المرفود».
يعيد التاريخ نفسه عندما لا يخون محمود شعبه ولا يكذب أهله ولا يلقي بهم في مهاوي الردى، ويصبح أداة طيعة بيد العدو ويأخذ دورهم في إذاقة شعبه صنوف العذاب.
يعيد التاريخ نفسه عندما يعلم محمود أن النصر يأتي عندما تصبح المآذن رماحنا، والقباب خوذاتنا، والجوامع ثكناتنا، والمؤمنون جنودنا.
يعيد التاريخ نفسه عندما لا يبتسم محمود ولا يأكل ولا يرقد ولا يهدأ حتى تعود مقدسات المسلمين حرة عزيزة لأصحابها فلا يدنسها أحفاد القردة والخنازير.
أما السير في ركاب أبي جهل مع بطانة المنافقين والمتسلقين وراء حتف مبين لا يعيد سيرة النصر ولا ذكرى المنتصرين، فلا تؤملوا خيرا أيها المنتظرون فليس كل محمود محمودا!