الملك الكامل محمد بن غازي بن العادل
قصة الإسلامالتعريف به ونشأته
هو الملك الكامل الشهيد ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن السلطان الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب. تملك ميافارقين وغيرها بعد أبيه سنة 645هـ.
ولم يكن صمود الملك الكامل محمد بن شهاب الدين غازي في الجهاد ناتجًا عن فراغ، بل سبق ذلك تربية إسلامية صحيحة، ونشأة قويمة على معاني العزة والحرية. إن الدافع للملك محمد الغازي بصموده أمام
التتار تلك النشأة التي نشأ عليها، ولو نشأ كغيره من الأمراء على الميوعة والخلاعة لما وقف تلك الوقفة، ولباع بلده كما باع غيره، ولرضي بالذل والاستسلام، لكنه الإسلام الذي يحرك النفوس إلى معاني العزة والكرامة والتضحية بالنفس والنفيس.
جهاده وأهم المعارك ودوره فيها
في زمن عز فيه الرجال خرج حفيد صلاح الديني الأيوبي ليقاوم
التتار رغم خذلان المسلمين المجاورين له، إلا أن كل هذه الأشياء لم تفت في عزمه بل مضى بخطا ثابتة حاملاً روحه فوق راحته، لا يبالي بما يلقاه ليدافع عن دينه وأرضه، وليلقن كل متخاذل على مر العصور درسًا في العزة والكرامة والتضحية في سبيل الله.
لما وصلت الأنباء إلى الملك الكامل محمد بسقوط بغداد أعد العدة للجهاد، ولما بلغ الأمر إلى هولاكو أراد أن يفت في عزم الملك الكامل فأرسل إليه رسولاً يوحي إليه بالاستسلام كغيره من الأمراء الأيوبيين، وكان الرسول نصرانيًّا عربيًّا اسمه "قسيس يعقوبي"، وذلك لأمرين حتى يستطيع التفاهم مع الملك الكامل بلغته، والأمر الثاني لتوصيل رسالة غير مباشرة إلى الكامل بأن النصارى مع هولاكو، فوقع الكامل بين أرمينيا النصرانية المتحالفة مع التتار من الشرق، والكرج النصرانية في الشمال الشرقي، ومن الجنوب الشرقي التتار، ومن الغرب إمارات
السلاجقة العميلة للتتار، ومن الجنوب الغربي إمارة حلب العميلة للتتار.
غير أن كل هذا لم يفت في عزم الملك الكامل، وحتى يعلن الحرب على التتار ولا يعطي فرصة لنفسه أو لمن معه بالتخاذل، فقد أقدم على قتل الرسول، معلنًا بذلك الحرب على التتار، "فحاصره عسكر هولاكو نحوًا من عشرين شهرًا حتى فني الناس جوعًا ووباء، وحتى لم يبق بالبلد سوى سبعين رجلاً فيما قيل".
حدّث الشيخ محمود بن عبد الكريم الفارقي قال: سار الكامل إلى قلاع بنواحي آمد فأخذها، ثم نقل إليها أهله، وكان أبي في خدمته، فرحل بنا إلى قلعة منها، فعبرت التتار علينا، فاستنزلوا أهل الملك الكامل بالأمان من قلعة أخرى، وردوا بهم علينا، وأنا صبي مميز، وحاصروا ميافارقين أشهرًا، فنزل عليهم الثلج، وهلك بعضهم، وكان الكامل يبرز إليهم ويقاتلهم، وينكي فيهم فهابوه. ثم بنوا عليهم سورًا بإزاء البلد بأبرجة، ونفدت الأقوات حتى كان الرجل يموت فيؤكل، ووقع فيهم الموت، وفتر عنهم التتار وصابروهم.
فخرج إليهم غلام أو أكثر وجلوا للتتار أمر البلد، فما صدقوا، ثم قربوا من السور وبقوا أيامًا لا يجسرون على الهجوم، فدلى إليهم مملوك للكامل حبالاً فطلعوا إلى السور، فبقوا أسبوعًا لا يجسرون، وبقي بالبلد نحو التسعين بعد ألوف من الناس، فدخلت التتار دار الكامل وأمنوه، وأتوا به هولاكو بالرها فإذا هو يشرب الخمر، فناول الكامل كأسًا فأبى، وقال: هذا حرام. فقال لامرأته: ناوليه أنت. فناولته فأبى، وشتم وبصق -فيما قيل- في وجه هولاكو. وكان الكامل ممن سار قبل ذلك ورأى القان الكبير، وفي اصطلاحهم من رأى وجه القان لا يُقتل، فلما واجه هولاكو بهذا استشاط غضبًا وقتله.
وفاته
ارتقى الملك الكامل إلى العلا في سنة 658هـ رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وطيف برأسه بدمشق بالطبول، وعلق على باب الفراديس، فلما انقلعوا وجاء المظفر دفن الرأس.
قالوا عنه
يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: "كان شابًّا، عاقلاً، شجاعًا، مهيبًا، محسنًا إلى رعيته، مجاهدًا، غازيًا، دينًا، تقيًّا، حميد الطريقة".
وكان الكامل شديد البأس، قوي النفس، لم ينقهر للتتار بحيث إنهم أخذوا أولاده من حصنهم، وأتوه بهم إلى تحت سور ميافارقين، وكلموه أن يسلم البلد بالأمان، فقال: ما لكم عندي إلا السيف.
يقول الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات عن الملك المظفر محمد بن غازي: "كان ملكًا جليلاً دينًا خيرًا، عالمًا مهيبًا شجاعًا محسنًا إلى الرعية، كثير التعبد والخشوع، لم يكن في بيته من يضاهيه".
ومدحه الشعراء لمواقفه المحمودة وصموده في وجه التتار، فقالوا:
أين غازٍ غـزا وجاهـد قومًا *** أثخنوا في العراق والمشرقيـن
ظاهرًا غالبًا ومـات شهيـدًا *** بعد صبــرٍ عليهم عاميـن
لم يشنه أن طيف بالرأس منـه *** فلـه أسـوة برأس الحسيـن
وافق السبط في الشهادة والحمـ *** ـل لقد حـاز أجره مرتين
ثم واروا في مشهـد الرأس ذاك *** الرأس فاستعجبوا من الحالين
وارتجوا أنه يجيء لدى البعـث *** رفيـق الحسين في الجنتين
[1].
[1] المراجع: سير أعلام النبلاء بتصرف يسير - قصة التتار من البداية إلى عين جالوت بتصرف يسير - الوافي بالوفيات.