الملك نجم الدين إيلغازي
قصة الإسلام النسب والقبيلة
هو الملك نجم الدين إيلغازي ابن الأمير أرتق بن أكسب التركماني، كان ذا شجاعة، ورأي، وهيبة وصيت، حارب الفرنج غير مرة، وأخذ حلب بعد أولاد رضوان بن تتش.
جهاده وأهم المعارك ودوره فيها
أيقظت الحملات الصليبية أمراء وحكام المسلمين للدفاع عن دينهم وبلادهم، جاءت الحملات الصليبية والتي تحمل في طياتها الحقد والحسد والبغضاء على الإسلام، إلا أن هذه الحملات أيقظت المسلمين من سبات عميق، فوضحت لهم رؤيا النصارى، وحقدهم الدفين على الإسلام وأهله، كانت النتيجة الطبيعية للحملات الصليبية أن يظهر من بين المسلمين قادة يحملون راية الجهاد، من هؤلاء القادة الذين رفعوا راية الجهاد الأمير إيلغازي الذي حارب الفرنج ونكل بهم في وقائع كثيرة.
استولى الفرنجة على كثير من المقاطعات الإسلامية، وخربوا كذلك كثير من البلاد، من هذه البلاد حلب ولم يكن بحلب من الذخائر ما يكفيها شهراً واحداً، فخاف أهلها خوفاً شديداً من ملاقاة الفرنجة، ولما رأى الفرنج حالة أهل حلب راسلوهم على أن يسلموهم حلب إلا أن أهلها رفضوا ذلك، مستغيثين بأهل بغداد إلا أن النصرة لم تأت ولم يغاثوا.
وكان الأمير إيلغازي، صاحب حلب، ببلدة ماردين يجمع العساكر والمتطوعة للغزاة، فاجتمع عليه نحو عشرين ألفاً، وكان معه أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي، والأمير طغان أرسلان بن المكر، صاحب بدليس وأرزن، وسار بهم إلى الشام، عازماً على قتال الفرنج.
فلما علم الفرنجة قوة عزمهم على لقائهم، وكانوا ثلاثة آلاف فارس، وتسعة آلاف راجل، ساروا فنزلوا قريباً من الأثارب، بموضع يقال له تل عفرين، بين جبال ليس لها طريق إلا من ثلاث جهات، وفي هذا الموضع قتل شرف الدولة مسلم بن قريش
وظن الفرنجة أن أحداً لا يسلك إليهم لضيق الطريق، فأخلدوا إلى المطاولة، ومن عادة الفرنجة أنهم إذا رأوا قوة المسلمين،راسلوهم بأنهم قادمين عليهم لبث روح الرعب في قلوب المسلمين، فراسلوا إيلغازي قائلين له: لا تتعب نفسك بالمسير إلينا، فنحن واصلون إليك، فأعلم أصحابه بما قالوه، واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا بالركوب من وقته، وقصدهم، ففعل ذلك، وسار إليهم، ودخل الناس من الطرق الثلاثة، ولم تعتقد الفرنجة أن أحداً يقدم عليهم، لصعوبة المسلك إليهم، فلم يشعروا إلا وأوائل المسلمين قد غشيتهم، فحمل الفرنجة حملة منكرة، فولوا منهزمين، فلقوا باقي العسكر متتابعة، فعادوا معهم، وجرى بينهم حرب شديدة، وأحاطوا بالفرنجة من جميع جهاتهم، وأخذهم السيف من سائر نواحيهم، فلم يفلت منهم غير نفر يسير، وقتل الجميع، وأسروا.
وكان من جملة الأسرى نيف وسبعون فارساً من مقدميهم، وحملوا إلى حلب، فبذلوا في نفوسهم ثلاثمائة ألف دينار، فلم يقبل منهم، وغنم المسلمون منهم الغنائم الكثيرة.
وأما سيرجال، صاحب أنطاكية، فإنه قتل وحمل رأسه، وكانت الوقعة منتصف شهر ربيع الأول، ثم تجمع من سلم من المعركة مع غيرهم، فلقيهم إيلغازي أيضاً، فهزمهم، وفتح منهم حصن الأثارب، وزردنا، وعاد إلى حلب، وقرر أمرها، وأصلح حالها، ثم عبر الفرات إلى ماردين.
وكان هذه الواقعة في عام 513 هـ.
واستولى إيلغازي كذلك على ميافارقين وغيرها قبل موته بسنة، ثم سار منجدا لأهل تفليس هو وزوج بنته ملك العرب دبيس الأسدي، وانضم إليهما طغان صاحب أرزن، وطغريل أخو السلطان محمود السلجوقي، وساروا على غير تعبئة، فانحدر عليهم داود طاغية الكرج، فكبسهم، فهزمهم، ونازل اللعين تفليس وأخذها بالسيف، ثم جعلهم رعية له، وعدل ومكنهم من شعار الإسلام، وأمر أن لا يذبح فيها خنزير، وبقي يجئ ويسمع الخطبة، ويعطي الخطيب والمؤذنين الذهب، وعمر ربطا للصوفة، وكان جوادا محترما للمسلمين.
وأما إيلغازي، فتوفي في رمضان بميافارقين سنة 516هـ، فهذا أول من تملك ماردين، واستمرت في يد ذريته.
قالوا عنه
أثنى عليه العلماء ومدحه الشعراء فقال الذهبي "كان فارساً شجاعاً كثير الغزو كثير العطاء".
وقيل فيه
قل ما تشاء، فقولك المقبول *** وعليك بعد الخالق التعويل
واستبشر القرآن حين نصرته *** وبكى لفقد رجاله الإنجيل
وفاته
اتفق أن أكل إيلغازي لحم قديد كثيراً وجوزاً أخضر وبطيخاً وفواكه، فانتفخ جوفه وضاق نفسه، واشتد به الأمر، فرحل إلى حلب، وتزايد به المرض، فسار طغتكين إلى دمشق وبلك غازي إلى بلاده.
ودخل إيلغازي ليتدواى بحلب، فنزل القصر، ولم يخلص من علته.
أقام إيلغازي، وصلح من مرضه، وسار إلى ماردين، ثم خرج منها يريد ميافارقين، فاشتد مرضه في الطريق، وتوفي بالقرب من ميافارقين بقرية يقال لها: عجولين، في أول
شهر رمضان من سنة 516هـ.