منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 علم الفلك في الحضارة الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الفلك في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: علم الفلك في الحضارة الإسلامية   علم الفلك في الحضارة الإسلامية Emptyالجمعة 03 يونيو 2016, 10:45 pm

البتاني .. فلكي ورياضي فذ
قصة الإسلام


علم الفلك في الحضارة الإسلامية ShapeEFDs


بعد أن حمل المسلمون أنوار الإسلام إلى الدنيا، ورفعوا لواء الحضارة والعلم والمعرفة قرابة قرون ثمانية فيما بين الأندلس غربًا وبلاد السند شرقًا، تركوا للمعرفة الإنسانية تراثًا لم تتركه أمة قبلهم ولا بعدهم، يتمثل في أمهات الكتب والمعاجم والموسوعات التي خطتها أقلام العلماء والأدباء الذين أفنوا أعمارهم في التفكير المثمر والإنتاج الغزير نثرًا وشعرًا وعلمًا وفنًّا، وكانوا يطربون لصرير أقلامهم كما يطرب الموسيقار لألحان الآلة التي يعزف عليها.
ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ، الفلكي أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البَتّاني. يكنى بـ"البتاني" نسبة إلى مسقط رأسه "بَتّان"، كما يكنى بـ"الرقّي" نسبة إلى مدينة "الرقة"، التي قضى بها معظم حياته مع الكثير من الأسر الحرانية، وأنجز بها الكثير من أرصاده وإنجازاته العلمية.
ولد أبو عبد اللّٰه البتاني حوالي عام (240هـ/854م) في "بتان" بإقليم حران. وينسب إقليم حران إلى مدينة حران التي كانت تقع بشمال غرب العراق بين مدينتي الرقة والرها بشمال غرب العراق. وكانت أسرته تدرِّس قديمًا الديانة الصابئية، ومنها جاءت نسبة "الصابئي" إليه مع أنه كان مسلمًا قبل أن يكون عالمًا.
أمضى البتاني معظم حياته يرصد الأجرام السماوية بمرصد الرقة أو مرصد "البتاني" من عام (264هـ/878م) حتى عام (306هـ/918م). وقصد بغداد في إحدى مهماته العلمية، لكنه توفي عام (317هـ/929م) في الطريق أثناء عودته في قصر "جيس" إلى الغرب من دجلة، قليلاً قرب سامراء.

دراسة البتاني وحياته العلمية

لا تتوافر تفاصيل عن أساتذة البتاني والمرحلة التعليمية في حياته، لكن المعروف أن "علي بن عيسى الأسطرلابي" و"يحيى بن أبي منصور" كانا أكبر الفلكيين في العصر الذي نشأ فيه، ويحتمل أنه تتلمذ على أحدهما -خصوصًا وإن الأول كان حرانيًّا مثله- أو على بعض تلاميذهما. الأمر المؤكد أن البتاني قد استوعب المؤلفات الفلكية المتوافرة في عصره، خصوصًا المجسطي لبطلميوس، والذي كتب فيما بعد تعليقًا عليه، وانتقد بعض آراء بطليموس الواردة فيه.
ذكر ابن النديم في "الفهرست" أن البتاني بدأ رحلته مع الرصد الفلكي عام (264هـ/878م).
ومن الثابت أن البتاني أقام فترة بمدينة الرقة، وأجرى بها قسمًا من أرصاده التي تواصلت حتى عام (306هـ/918م) وفقًا لما ذكره ابن النديم، وأنه أقام فترة أخرى بمدينة أنطاكية بشمال سوريا، حيث أنشأ المرصد الذي عرف باسم "مرصد البتاني".
وعمومًا كان عصر البتاني، عصر ازدهار علم الفلك الإسلامي وعصر تتابع الإنجازات العلمية الإسلامية في مجال هذا العلم. والجدير بالذكر أن البتاني قد نشأ في عائلة جُلّ أفرادها علماء، فهو أحد أحفاد العالم الكبير "ثابت بن قرة" (ت 288هـ/901م).

إنجازات البتاني العلمية

حقق البتاني إنجازات بارزة في علم الهيئة (الفلك)، إضافةً إلى إنجازاته في العلوم الرياضية (حساب المثلثات، والجبر والهندسة) والجغرافيا. ونظرًا لروعة إنجازاته الفلكية، حاز لقب "بطليموس العرب" تشبيهًا له بالعالم الفلكي والرياضي والجغرافي السكندري "كلوديوس بطليموس" الذي عاش في القرن الثاني الميلادي.
والبتاني يعرف في الغرب باسمه المحرف "ألباتيجنوس" (Albategnius)، و"ألباتيجين" (Albategni).

إنجازات البتاني في علم الفلك

أهم إنجازات البتاني الفلكية، أرصاده الصحيحة التي تعد أدق ما أجراه الفلكيون العرب من أرصاد، ومن أدق الأرصاد التي أجريت حتى القرن السابع عشر، الأمر الذي ما زال يثير دهشة وإعجاب علماء الفلك؛ نظرًا لافتقار البتاني للآلات الفلكية الدقيقة التي توافرت في القرنين الماضيين، ولا نقول ما هو موجود منها الآن! وفي إطار تلك الأرصاد الصحيحة، رصد البتاني زاوية الميل الأعظم، وقاس موضع أوج الشمس في مسيرتها الظاهرية فألفاه قد تغير عن القياس الذي أجراه بطليموس في القرن الثاني الميلادي. وهذه هي أهم إنجازات البتاني في الفلك:
- صحح البتاني قيمة الاعتدالين الصيفي والشتوي.
- حسب قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار فوجدها (35) دقيقة و(23) ثانية. والدراسات الفلكية تبين لنا أنه لم يخطئ إلا في دقيقة واحدة حسب طول السنة الشمسية بدرجة عالية من الدقة، وبخطأ مقداره دقيقتان واثنتان وعشرين ثانية فقط.
- أجرى أرصادًا دقيقة للكسوف والخسوف. اعتمد عليها فلكيو الغرب في حساب تسارع القمر أثناء حركته خلال قرن من الزمان.
- برهن على احتمال حدوث الكسوف الحلقي للشمس. وفي ذلك مخالفة وتصحيح لرأي الفلكي السكندري بطليموس.
- حقق مواقع عدد كبير من النجوم، وصحح بعض نظريات حركات القمر وكواكب المجموعة الشمسية.
- توصل إلى نظرية قوية الأسانيد، توضح وتفسر أطوار القمر عند ولادته.
- أوضح البتاني حركة الذنب للأرض.

إنجازات البتاني في حساب المثلثات

- وصل البتاني إلى بعض المعادلات الأساسية والحلول المهمة في علم حساب المثلثات الكري (Spherical Trigonometry)، وهو العلم الرياضي الذي أسهم إسهامًا كبيرًا في ارتقاء علم الفلك.
- البتاني هو أول من استبدل "الوتر" الذي كان بطليموس يستعمله بـ"الجيب"، وهو إحدى النسب المثلثية ويساوي حاصل قسمة طول الضلع المقابل للزاوية على وتر المثلث القائم الزاوية.
- توصل البتاني إلى معادلة جبرية لحساب قيمة الزاوية بمعلومية النسبة بين جيبها وجيب تمامها.
- البتاني هو أول من حسب الجداول الرياضية لنظير المماس.
- البتاني هو من أوائل العلماء المسلمين الذين استخدموا الرموز في تسهيل العمليات الرياضية.

البتاني يصحح رأي بطليموس

كان الفلكيون قبل البتاني وعلى رأسهم بطليموس، يقولون بثبات ميل حركة أوج الشمس بحساب دائرة الفلك، إلى أن جاء البتاني فبيَّن أن الميل يتغير مع الزمن، وأن أوج الشمس والتباعد المركزي لمسارها قد تغير منذ عهد "أبرخس"، على الرغم من أن بطليموس أكد ثباتها. ولم ينس البتاني أن يوضح أن حركة أوج الشمس هي حركة الاعتدالين، ومن ذلك أوجد أن طوال السنة المدارية هو (365) يومًا و(5) ساعات و(46) دقيقة و(34) ثانية، أي بخطأ نقصانٍ مقداره دقيقتان و(22) ثانية. بينما كان خطأ بطليموس بزيادةٍ مقدارها (6) دقائق و(26) ثانية.
كما أنه أوضح كيفية تغير القطر الظاهري للشمس والقمر، مثبتًا إمكانية حدوث الكسوف الحلقي للشمس، بعكس ما كان يظنه بطليموس. وقد استخدم البتاني في إثبات ذلك أجهزة فلكية من صنعه، منها جهاز لقياس الارتفاع الزاوي للشمس. هذا الجهاز الذي يتألف من عامود شاقولي طوله موضوع على مستوى أفقي يقاس عليه طول ظل هذا العامود.

مؤلفات البتاني

ألف البتاني عددًا كبيرًا من المؤلفات، تضمنت أرصاده الدقيقة ومقارناته بين التقاويم المعروفة لدى الأمم المختلفة (الهجري، الفارسي، الميلادي، القبطي)، وأوصافه للآلات المستخدمة في عمليات الأرصاد الفلكية وطرق صناعتها. ومن أهم مؤلفات البتاني: كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، ورسالة تحقيق أقدار الاتصالات، وشرح المقالات الأربع لبطليموس، وكتاب تعديل الكواكب، وكتب ورسائل في علم الجغرافيا، وكتاب الزيج الصابئ أو زيج البتاني.
و"الزيج" هو أهم كتب البتاني العلمية، وضعه عام (287هـ/900م) على أساس أرصاد قام بها في الرقة وأنطاكية في العام نفسه، متخذًا "زيج الممتحن" ليحيى بن منصور مرجعًا له. ويعد "الزيج الصابئ" أهم وأصح الأزياج المعروفة التي أثمرتها الحضارة الإسلامية، وسمي بـ"الزيج الصابئ" نظرًا لانتماء البتاني إلى طائفة صائبة حران، الذين عدّهم الرسول علم الفلك في الحضارة الإسلامية R_20 ضمن أهل الكتاب قبل أن يسلموا.
ويشتمل "الزيج الصابئ" على مقدمة، وسبعة وخمسين فصلاً، ضمّنها البتاني الكثير من أرصاده الفلكية وأفكاره ونظرياته في علم الفلك. وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية أكثر من مرة في القرن الثاني عشر، كما أمر "ألفونسو العاشر" في "قشتالة" بنقله إلى الإسبانية، وأطلع عليه كبار الفلكيين الأوربيين ومنهم "كوبرنيك" (Copernicus) في القرن السادس عشر الميلادي.
وفي عام (1899م) طبع الزيح الصابئ بـ"روما"، بعد أن حققه "كارلو نللينو" عن النسخة المحفوظة بمكتبة الاسكوريال بإسبانيا. ويضم الكتاب أكثر من ستين موضوعًا أهمها: تقسيم دائرة الفلك وضرب الأجزاء بعضها في بعض وتجذيرها وقسمتها بعضها على بعض، معرفة أقدار أوتار أجزاء الدائرة، مقدار ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار وتجزئة هذا الميل، معرفة أقدار ما يطلع من فلك معدل النهار، معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، معرفة أوقات تحاويل السنين الكائنة عند عودة الشمس إلى الموضع الذي كانت فيه أصلاً، معرفة حركات سائر الكواكب بالرصد ورسم مواضع ما يحتاج إليه منها في الجداول في الطول والعرض.
عرف البتاني قانون تناسب الجيوب، واستخدم معادلات المثلثات الكرية الأساسية. كما أدخل اصطلاح جيب التمام، واستخدم الخطوط المماسة للأقواس، واستعان بها في حساب الأرباع الشمسية، وأطلق عليها اسم "الظل الممدود" الذي يعرف باسم "خط التماس".

البتاني في عيون علماء الغرب

اعترف الفلكي الشهير "إدموند هالي" بدقة أرصاد البتاني، واعترف بذلك أيضًا "كاجوري" في كتابه "في تاريخ الرياضيات"، كما أشار مؤرخ العلم "جورج سارتون" إلى البتاني بإعجاب شديد باعتباره أعظم الفلكيين المسلمين. واعترف المستشرق الإيطالي "نللينو" أن أرصاد البتاني في الزيج الصابئ، كان لها أعظم الأثر على تطور علم المثلثات الكروية في أوربا. وقال عنه "جوزيف شاخت" في كتابه "تراث الإسلام": "يعتبر البتاني مبرزًا بين جميع الفلكيين العرب والمسلمين. فقد وضع جداول الزيج الصابئ، وقام بأرصاد عديدة لها جانب كبير من الدقة لدرجة أنه استطاع إثبات حدوث الكسوف الحلقي للشمس". وبعد ذلك بعدة قرون، تمكّن "دنثورن" (Dunthorne) بالاعتماد على أرصاد البتاني من تحديد تسارع القمر في حركته حول الأرض.
وعن البتاني ذكرت دائرة المعارف الإسلامية الإنجليزية: "البتاني فلكي ورياضي عربي مشهور، ويعتبر أحد أعلام رجال الفلك في العالم، ولد في (بتان) بنواحي حران. وقد أسهم في وضع أساس علم المثلثات الحديثة ووسع نطاقها، واكتشف الكثير من حقائق علم الفلك، ولم يُعلَم أحدٌ في الإسلام بلغ مبلغ البتاني في تصحيح أرصاد الكواكب وامتحان حركتها. وهو أول من اكتشف (السمت) و(النظير) وحدد نقطتهما في السماء، وعني برصد الكسوف والخسوف، وصحح بعض نتائج بطليموس الإسكندري".
ولمكانة البتاني العلمية، أطلق علماء الفلك الغربيون اسمه على أحد سهول القمر (Albategnius). كما ذكره معجم ماكميلان لعلم الفلك ضمن قائمة مشاهير علم الفلك عبر التاريخ. وفي كتابه "The Spirit of Islam" أي "روح الإسلام" يقول المفكر الإسلامي الهندي "سيد أمير علي" عن البتاني: "شكلت جداوله الفلكية -المترجمة إلى اللغة اللاتينية- ركائز علم الفلك لقرون عدة، ومع ذلك، فالبتاني معروف أكثر في تاريخ الرياضيات باعتباره أول من أدخل الجيب وجيب التمام بدلاً من الوتر في الحسابات الفلكية وحساب المثلثات".
ويعتبر كتاب "الزيج الصابئ" واحدًا من أهم مائة كتاب في التراث العربي الإسلامي الكريم، وأهم كتاب فلك عربي إسلامي؛ لأن القائمة التي عددت المائة كتاب، لم تحو من كتب الفلك العربية الإسلامي شيئًا غيره.
المصدر: مجلة حراء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الفلك في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الفلك في الحضارة الإسلامية   علم الفلك في الحضارة الإسلامية Emptyالجمعة 03 يونيو 2016, 10:46 pm

علم الفلك في الحضارة الإسلامية
قصة الإسلام


علم الفلك في الحضارة الإسلامية 22511_image002

كانت لدى المسلمين بواعث عملية ودينية للاهتمام بعلم الفلك؛ فاتساع الأرض الإسلامية، وصحراوية كثير منها، يحتاج لمعرفة النجوم والسير على هداها. كما أن تعيين أوقات الصلاة في كل بلد يستلزم معرفة الموقع الجغرافي طولاً وعرضًا، وموقع الشمس في فلكها، ويقتضي تحديد القبلة معرفة موقع البلاد، وكذلك يوجب تحديد صيام رمضان ونهايته معرفة طرق رؤية الهلال، في ظل الظروف التي قد لا تكفي العين المجردة للقيام بالأمر.
معرفة المسلمين بعلم الفلك قبل العصر العباسي
ظلت معرفة المسلمين بعلم الفلك في فترة صدر الإسلام والعصر الأموي معرفة متواضعة، تقتصر على ما يدرك بمجرد العيان، كما ذكر "نلّينو"، دون أن تتكئ على أسس علمية ثابتة، أو معرفة موسعة بعلوم الرياضيات، باستثناء ما تردد عن ترجمة كتاب في الفلك بعنوان "عرض مفتاح النجوم" لهرمس الحكيم، ترجم في ذي القعدة من سنة (125هـ/ 743م). ورُوي كذلك أن الوزير الفاطمي "أبا القاسم علي بن محمد الجرجاني" عثر في خزانة الكتب الفاطمية عام (435هـ/ 1044م) على كرة من نحاس من علم بطليموس مكتوب عليها "حُملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية" حفيد معاوية بن أبي سفيان، وهي رواية تؤكد ما تردد عن اهتمام الأمير خالد بالفلك وغيره من علوم الأوائل، وأنه أول من تُرجم له كتب الطب والنجوم والكيمياء.
ويوشك الإجماع بين المصادر التاريخية أن ينعقد على أن نهضة الفلك في العصور العباسية بدأت على يد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، الذي شغف بالعلوم خاصة بالفلك، فكان يصطحب معه نوبخت الفارسي المنجم، فلما ضعف عن الخدمة أمر المنصور بإحضار ولده (أبي سهل بن نوبخت)؛ ليقوم مقامه.
وسعى الخليفة أبو جعفر المنصور إلى إحياء علم الفلك مستعينًا في ذلك بطائفة من علماء الهند؛ ففي سنة (154هـ/ 770م) حضر إلى بغداد عالم هندي ذو دراية واسعة بعلم الفلك، مصطحبًا معه كتابًا في الفلك باللغة السنسكريتية يسمى "السِّدَّ هَنتا" أو "السِّد هانْتَ"، ألفه أحد علماء الفلك الهنود. وقد عُرف الكتاب بعد ترجمته إلى العربية بكتاب "السند هند"، ويشتمل على مقدمة وجيزة، مُرْفَق بها عدد من الجداول الفلكية في تحركات الأجرام السماوية، وطلوع ومغيب البروج، وقد حسبت هذه الحركات على أسس دورات زمنية تضم آلاف السنين.
وإذا كان الفزاري قد استعمل في كتابه الأسس والمناهج الهندية في الحساب، ووضع جداول فكلية جديدة (زيج)، وحفظ لنا على العموم أصل المذهب الذي أطلق عليه في العلم العربي "مذهب السند هند"، فإنه أجرى فيه تعديلات وإضافات جوهرية، وقام بتحويل حساب التوقيت الهندي إلى سني العرب؛ أي إنه استبدل به حساب السنين القمرية المستعمل لدى المسلمين.
وفي عهد المنصور ظهر كتاب (السند هند) الذي اختصره الخوارزمي وصنع منه زيجه الشهير في طول البلاد العربية وعرضها، وعول فيه على أوصاف (السند هند) وخالفه في التعاديل والميل، فجعل تعاديله على مذهب الفرس، وميل الشمس فيه على مذهب بطليموس، واخترع فيه من أنواع التقرب أبوابًا حسنة، استحسنه أهل ذلك الزمان وطاروا به في الآفاق... لكن كتاب المجسطي البطليموسي كان أكثر الكتب التي أفادت العرب فلكيًّا.
وقد نقل أبو يحيى البطريق كتاب المقالات الأربع لبطليموس في صناعة أحكام النجوم، وهي ذيل على كتابه (المجسطي).
كما نُقلت كتب أخرى أرسلها ملك الروم إلى المنصور بناء على طلبه، وقد صنع إبراهيم الفزاري أول مرصد عربي لرصد الأجرام السماوية، وهو المسمى الأسطرلاب.
وفي أيام المأمون، أنشأ المأمون في بغداد (بيت الحكمة)، وألحق به مكتبة ضخمة، وبنى مرصدًا في بغداد وآخر في تدمر، وقد أشرف على ذلك فريق عمل على رأسهم علي بن عيسى الأسطرلابي، الذي وضع كتابًا هو الأول من نوعه في كيفية عمل الأسطرلاب، وفي عهد المأمون قام بنو موسى بأعمال فلكية مهمة، وكتبوا في ذلك. كما أنهم شجعوا العلماء وبذلوا لهم الكثير لترجمة الكتب، ومساعدتهم في أبحاثهم.
ونذكر أيضًا أبا سعيد الضرير الذي ألف كتابًا عن طرق رسم خط الزوال، والعباس بن سعيد الجوهري الذي اشترك في مرصد بغداد... وهناك الخوارزمي النابغة في علوم عديدة إلى جانب الفلك، ويقال إنه اشترك مع فريق من العلماء في قياس محيط الأرض أيام المأمون، وله جداول فلكية سماها السند هند الصغير، كما ذكرنا من قبل.
وهناك كوكبة من علماء الفلك الكبار عاشوا في مصر، منهم الصوفي، الذي رصد مواضع النجوم وقاس مقدار لمعانها وتوزيعها في مجموعات رسمها بدقة، والخجندي، والصاغاني، والسجزي، والنسوي... والكوهي الذي كان رئيس الفلكيين بمرصد السلطان شرف الدولة البويهي... وفي الأندلس نجد النابغة أبا إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بالزرقلي، وهو خير من قام بالأرصاد الفلكية وصناعة الأسطرلاب وتحسينه، حتى سمى إنجازه بالصحيفة الزرقالية.
المراصد وآلاتها في الحضارة الإسلامية
مما يدل على الربط المحكم بين العلمي والعملي، والديني والدنيوي في حضارتنا، وجود هذه المجالات التطبيقية القائمة على الفكر، والتي تخدم الدين والدنيا معًا، في هذه الفترات المبكرة من بروز الحضارة الإسلامية. ومما لا شك فيه أن علم الفلك من هذه العلوم، فهو علم متصل بالرياضيات، ولا بد فيه من إعمال العقل بقوة، ومن عمق النظر إلى الكون، ومن استعمال أدوات تجعل لعمله قيمة، بل تجعل له نتائج ذات قيمة.
وقد بدأ إنشاء المراصد في سنة 215هـ تقريبًا عندما أمر الخليفة المأمون العباسي بإنشاء عدد من المراصد، وبإجراء دراسة تقويمية مقارنة للمعلومات التي جاءت في كتاب المجسطي، سواء في صميم علم الفلك أم في المراصد والآلات المستخدمة فيها؛ مما يوجب عليهم رصد الكواكب واختبار حقيقة ما جاء فيها، ومن ثَمَّ أقيم المرصد المأموني بالشماسية بأعلى بغداد تحت إشراف الفلكي "سند بن علي"، وأحمد المروزي الشهير بحبش الحاسب.
وقد عمل في هذا المرصد عدد من مشاهير الفلكيين، منهم: يحيى بن أبي منصور كبير منجمي المأمون، والعباس بن سعيد الجوهري، وخالد بن عبد الملك، وأبناء موسى بن شاكر، وثابت بن قرة.
وفي الوقت نفسه أمر المأمون بإنشاء مرصد في دمشق على جبل قاسيون، فأنجز وبوشر العمل فيه في السنة نفسها.
ثم أقيمت بعد المأمون مراصد أخرى، منها مرصد أبناء موسى بن شاكر محمد والحسن وأحمد، وكانوا من المتقدمين في علوم الفلك والرياضيات الذي أقاموه قريبًا من الجسر ببغداد، كما أقيم مرصد بالرقة عرف بمرصد البتاني؛ لطيلة عمل محمد بن جابر البتاني فيه، ومرصد آخر في أنطاكية عمل فيه البتاني بعض الوقت.
ومعروف أن أعمال الرصد تحتاج إلى آلات وعدد مختلفة لرصد الكواكب والأفلاك، وقد جهزت المراصد منذ عهد المأمون بالعدد والأجهزة المطلوبة، ولا سيما أن آلات الرصد المتوارثة عند الإغريق كانت بدائية بسيطة لا تفي بالمطالب العلمية للمسلمين المتطلعين إلى تطوير علم الفلك وتحسين أدواته ووسائله؛ ولذا اجتهد العلماء المسلمون في تطوير الآلات القديمة من ناحية، وفي اختراع آلات جديدة تعاونهم على النهوض برسالتهم من ناحية أخرى. يقول دونالد ر.هيل: "وقد أجرى المسلمون تحسينات على هذه الآلات، فأضافوا مقاييس جديدة، وابتكروا نسخًا معدلة، وأنشئوا آلات أكبر".
والأسطرلاب أو أصطرلاب (أسطر لابون = أسطر: النجم، لابون: المرآة) كلمة يونانية قيل إنها لعلم قياس ارتفاع النجوم فوق الأفق، أو ما عرف بعلم النجوم (أسطرنوميا) "Esternomia"، وكان الفزاري أول من عمل الأسطرلاب في الإسلام في القرن الثاني للهجرة (القرن الثامن الميلادي)، وكتب الفزاري عنه، فتعرفنا من خلال ذلك إلى طريقة صناعته له، فكان هناك الأسطرلاب ذو الحلقة، والأسطرلاب المسطح الذي يعد أقدم الأنواع وأكثرها شيوعًا.
وقد ألف في الأسطرلاب العديد من علماء الفلك العرب، مجددين ومضيفين، منهم: عمر بن عبد الرحمن الصوفي، وأبو الريحان البيروني... وغيرهم.
ويستعمل الأسطرلاب في معرفة أوقات الصلاة، وتعيين اتجاه القبلة، وتعيين المواقع لقياس مساحة الأرض، ولاستخراج عمق الآبار. وهو في الأساس لاستخراج ارتفاع النجوم، أو معرفة محيط الكرة الأرضية، ومعرفة درجات الطول والعرض، وحساب الشهور والتواريخ؛ وقد يقوم الأسطرلاب بأعمال فلكية تعد بالمئات.
أشهر أعلام الفلك في الحضارة الإسلامية
من الصعب حصر أعلام الفلك وأشهر الفلكيين في الحضارة الإسلامية، بيد أننا نؤكد أن الفلك كان من أهم العلوم التي اهتم بها المسلمون والعرب، بل نستطيع القول إنه كان علمًا شائعًا، في كل الحواضر والبلاد؛ بحيث يصبح من الصعب أن نحصر علماء الفلك في بلد واحد من بلاد الحضارة الإسلامية، أو لدى جنس واحد من أجناس هذه الحضارة، عربًا أو تركًا أو فرسًا (وكلهم متعربون)، أو في لغة واحدة من لغات الحضارة الإسلامية كالعربية أو الأردية أو الفارسية أو التركية، وكلها ذات صلة بالعربية القرآنية (لغة الإسلام الأم).
ونتيجة لهذه الصعوبة في حصر العلماء المشتغلين بالفلك وإعطاء هذه الصفحة المشرقة حقها في الحضارة الإسلامية نحيل الدارسين إلى الكتب المتخصصة في علم الفلك عند المسلمين، وإلى كتب أعلام الفلك أنفسهم، كما أن هذه الصعوبة تفرض علينا أن نقدم أبرز هؤلاء الأعلام بصفة عامة، فمن أبرزهم -عدا من ذكرنا في ثنايا الصفحات السابقة- ابن الهيثم وابن يونس، وابن الدمي، وابن برغوث، وابن عراق، وأبو جعفر الخازن الخراساني، وإسماعيل بن مصطفى، وأولغ بك، والجوهري، والدينوري، والشلي، والصاغاني، والطرابلسي، والفرغاني، وقاضي زاده الرومي، وقطب الدين الشيرازي، والكندي، والكوهي، والمجريطي (نسبة إلى مجريط- مدريد)، والبيروني (ت 440هـ) العلامة المعروف صاحب الآثار الباقية، وتحقيق ما للهند من مقولة، وله مؤلفات في الفلك نقل بعضها إلى الفرنسية وغيرها، وله نظرية فلكية سماها علماء أوربا: (قاعدة البيروني)... والبوزجاني (ت 376هـ) له ثمانية مؤلفات في الفلك، نقلها المستشرقون إلى بعض اللغات، ومنها الفرنسية، وقاموا بدراستها وتحليلها.
وأخيرًا فإن فضل المسلمين في علم الفلك على العالم يتلخص في:
1- نقل المسلمين للكتب الفلكية القديمة عند اليونان والفرس والروم والسريان، وتصحيح بعض أغلاطها والتوسع فيها، لا سيما أن أصول تلك الكتب ضاعت ولم يبق منها غير ترجماتها في العربية، وهذا ما جعل الأوربيين يأخذون العلم عن المسلمين، فكانوا -أي المسلمون- بذلك أساتذة العالم فيه.
2- إضافاتهم المهمة واكتشافاتهم الجليلة التي تقدمت بعلم الفلك شوطًا بعيدًا.
3- جعلهم علم الفلك استقرائيًّا، وعدم وقوفهم فيه عند حد النظريات، كما فعل اليونان.
4- تطهير علم الفلك من أدران التنجيم.
المصدر: صحيفة الوسيط الإلكترونية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الفلك في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الفلك في الحضارة الإسلامية   علم الفلك في الحضارة الإسلامية Emptyالجمعة 03 يونيو 2016, 10:47 pm

إسهامات علماء المسلمين في الفلك
د. راغب السرجاني

ارتبط علم الفلك عند المسلمين بكثير من شعائر دينهم، فظهرت الحاجة إلى دراسته لتحديد أوقات الصلاة بحسب الموقع الجغرافي والفصل الموسمي، وكذلك تحديد اتجاه القبلة، ومتابعة حركة القمر لتحديد بدء الصوم، والحجِّ، وغير ذلك.

اهتمام القرآن بالفلك

علم الفلك في الحضارة الإسلامية 202_image002 جاءت آيات قرآنيَّة كثيرة تهتمُّ بالفلك والكون المحيط بالإنسان بكل معطياته، وأيضًا تحثُّ المسلمين على النظر في ملكوت السموات والأرض؛ ومن ذلك قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 37-40]. وقال جلّ شأنه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْـحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْـحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس: 5، 6]. ثم يذهب القرآن أبعد من ذلك، فيذكر كواكب معيَّنة ونجومًا بأسمائها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق: 1-3]، وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49].
وإلى جانب ذلك فقد أتى القرآن بحقائق علميَّة لا يمكن لأحدٍ فهمها أو مجرَّد محاولة تفسيرها ما لم يكن لديه علم واسع بعلم الفلك، وهو ما استوجب اهتمام وعناية خاصَّة من العلماء المسلمين.

اهتمام المسلمين بالفلك

اطَّلع المسلمون في بداية تطويرهم لعلم الفلك على ما خلَّفه علماء الحضارات السابقة فيه؛ فقاموا أولاً بترجمة الكتب الفلكيَّة التي ألَّفها اليونان والكلدان والسريان والفرس والهنود، وكان أول كتاب قام علماء المسلمين بترجمته هو كتاب (مفاتيح النجوم) المنسوب إلى هرمس الحكيم[1]، ترجموه من اليونانية إلى العربيَّة، وذلك أواخر عصر الدولة الأمويَّة، وكان من الكتب الفلكيَّة المهمَّة المترجمة عن اليونانية أيضًا كتاب (المجسطي) لبطليموس في علم الفلك وحركات النجوم، وكان ذلك في العصر العباسي[2].

أبناء موسى بن شاكر

لقد نبغ في العصر العباسي ثلاثة عرفوا بأنهم أبناء موسى بن شاكر، وموسى بن شاكر هذا هو فلكي كان في بلاط الخليفة المأمون، فلما مات تعهد المأمون أولاده بالعناية والرعاية صغارًا، وأوكلهم إلى الفلكي يحيى بن أبي منصور، وإلى حين أن يكبر الصغار كان الخوارزمي يصحِّح أخطاء بطليموس من موقعه في بيت الحكمة ببغداد. فلما كبر الصغار نبغ منهم في الفلك محمد بن موسى بن شاكر، وأفسح المأمون لفلكييه دارًا في أعلى ضاحية من بغداد، بقرب باب الشماسية لرصد النجوم رصدًا دقيقًا علميًّا، وإجراء قياسات مثيرة للإعجاب، كانت تقارن بغيرها في جنديسابور، وبأخرى تُجرى بعد ثلاث سنوات تقع على جبل قاسيون على مقربة من دمشق للمقارنة. وكان علماء الفلك يعملون مجتمعين على وضع جداول الفلك "المجرَّبة" أو "المأمونية"، وهي مراجعة دقيقة لجداول بطليموس القديمة[3].
واستخدم المأمون جماعة من الفلكيين -كان منهم محمد بن موسى بن شاكر- ليرصدوا الأجرام السماوية، ويسجِّلوا نتيجة هذه الأرصاد، وليحققوا كشوف بطليموس الفلكي، ويدرسوا كلف الشمس. واتخذوا كرية الأرض أساسًا بدءوا منه بقياس الدرجة الأرضية بأن رصدوا موضع الشمس من تدمر وسنجار في وقت واحد. وتوصلوا من هذا الرصد إلى تقدير الدرجة بستة وخمسين ميلاً وثلثي ميل - وهو تقدير يزيد بنصف ميل على تقديرنا في الوقت الحاضر، ومن هذه النتائج قدروا محيط الأرض بما يقرب من عشرين ألف ميل. ولم يكن هؤلاء الفلكيون يقبلون شيئًا إلا بعد أن تثبته الخبرة والتجارِب العلميَّة، وكانوا يسيرون في بحوثهم على قواعد علمية خالصة"[4].
والإنجاز الحقيقي أن الحضارة الإسلامية بعد حفظ علم الأمم السابقة، وتصحيح ما كان فيه من أغلاط؛ هو تحويل ذلك العلم من الحيِّز النظري إلى مجال التجارِب العمليَّة، وتطهيره ممَّا شابه مما كان يعتقده العرب في الجاهلية من الدجل والشعوذة، الذي واكب ظهور علم التنجيم في الأمم السابقة؛ حيث أبطلت الشريعة الإسلامية التنجيم وأنكرته، واعتبرته مخالفًا لعقيدة الإسلام.

إنشاء المراصد الفلكية

إن أهم ما يؤكد اهتمام المسلمين بالتجارب العلمية الفلكية هو كثرة بناء المراصد الضخمة والمزوَّدة بالآلات المتنوِّعة والعلماء المتفرِّغين، والتي كانت مبثوثة في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه؛ فبخلاف المراصد التي أنشأها المأمون على جبل قَاسيون[5] في دمشق، وفي الشماسيَّة في بغداد، فقد توالى بعد ذلك إنشاء المراصد في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي؛ فأقام أبناء موسى بن شاكر مرصدًا في بغداد، وفيه استخرجوا حساب العرض الأكبر، وكان مرصد مراغة ببلاد فارس الذي بناه نصير الدين الطوسي من أشهر المراصد وأكبرها، واشتهر بآلاته الدقيقة وتفوُّق المشتغلين فيه، وقد امتازت أرصاد هذه المراصد بالدقَّة، واعتمد عليها علماء أوربا في عصر النهضة وما بعده في بحوثهم الفلكيَّة. وإلى جانب هذه المراصد كانت توجد مراصد أخرى، مثل: مرصد ابن الشاطر[6] بالشام، ومرصد الدِّينَوَرِيِّ بأصبهان، ومرصد ألغ بك[7] بسمرقند، وغيرها كثير[8].
علم الفلك في الحضارة الإسلامية 202_image004وقد استعان العلماء المسلمون في هذه المراصد بآلات وأجهزة ومعدات غاية في الدقَّة وجمال الصنعة يعرفون بها الظواهر الفلكيَّة، وكثير من هذه الآلات كان من اختراع علماء المسلمين ولم تُعرف من قبلهم، وذلك مثل: ذات الأوتار، وذات الحلق، وآلة الربع المجيب، والربع المقنطر، وذات الشعبتين، وذات السمت والارتفاع والحلقة الاعتداليَّة، وأنواع مختلفة من المزاول والمشخصات لقياس الوقت[9]. كما استعان المسلمون أيضًا بآلات من اختراع الحضارات السابقة، وذلك مثل الأَسْطُرْلاَب، الذي احتفظ باسمه اليوناني، وقد طوَّره المسلمون وصنعوا منه نماذج عديدة تتَّفق مع اكتشافاتهم الفلكيَّة، فاخترعوا الأسطرلاب الكرويّ، وأيضًا الزورقيّ، وما زالت كثير من متاحف العلماء تحتفظ بنماذج من هذه الأسطرلابات، وهي تستخدم في قياس ارتفاعات الكواكب عن الأفق، وتعيين الزمن[10].

صناعة الأزياج

وقد نبغ المسلمون في عمل الأزياج لحساب الأجرام السماويَّة، وهي من أهمِّ مستلزمات الرصد الفلكي، والزِّيج عبارة عن جداول رياضية عددية، تحدِّد مواضع الكواكب السيَّارة في أفلاكها، وقواعد معرفة الشهور والأيَّام والتواريخ الماضيَّة، والوقوف على أوضاع الكواكب من حيث الارتفاع، والانخفاض، والميول، والحركات، وتعتمد هذه الجداول على قواعد حسابيَّة وقوانين عدديَّة في منتهى الدقَّة، ومن أشهر الأزياج زِيجُ ابن يونس[11] لعلي بن عبد الرحمن بن يونس[12].
د. راغب السرجاني
 


[1]هرمس الحكيم: شخصية إغريقية اختلطت فيها الحقيقة بالأساطير.
[2]انظر: علي بن عبد الله الدفاع: العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية ص348.
[3]زيجريد هونكه: شمس العرب ص118، 119.
[4]قصة الحضارة 13/182.
[5]قاسيون: جبل مشرف على دمشق، فيه عدة مغاور وفيها آثار الأنبياء. ياقوت الحموي: معجم البلدان 4/295.
[6]ابن الشاطر: أبو الحسن علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد الأنصاري الدمشقي المؤذن، المعروف بابن الشاطر (704- 777هـ/1304- 1375م)، كان رئيس المؤذنين بدمشق، من كتبه "إيضاح المغيب في العمل بالربع المجيب" ورسالة "الأسطرلاب". انظر: ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 4/9.
[7]ألغ بك: محمد طرغاي بن شاه رخ بن تيمور لنك، رابع حكام الأسرة التيمورية في هراة (796هـ- 853هـ/1393م- 1449م)، وكان ماهرًا في العلوم الرياضية. انظر: الزركلي: الأعلام 7/328.
[8]انظر دونالد ر. هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية ص74-82، ومحمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص81، 82.
[9]صديق بن حسن القنوجي: أبجد العلوم 2/92 وما بعدها.
[10]انظر: دونالد ر. هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية ص75، ومحمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص82، 83، وعلي بن عبد الله الدفاع: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص150.
[11]ابن يونس: هو أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن يونس (ت 399هـ/ 1009م) فلكي، من مصنفاته: (الزيج الحاكمي)، ويُعرف (بزيج ابن يونس)، وتوفي بالقاهرة. انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/429.
[12] انظر: صديق بن حسن القنوجي: أبجد العلوم 2/51.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الفلك في الحضارة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الفلك في الحضارة الإسلامية   علم الفلك في الحضارة الإسلامية Emptyالجمعة 03 يونيو 2016, 10:48 pm

المراصد الفلكية في الحضارة الإسلامية
قصة الإسلام

علم الفلك في الحضارة الإسلامية 20088_image002يفخر أبناء آسيا الوسطى المعاصرون بأهم المراصد الفلكية في تاريخ الحضارة الإسلامية, وهما مرصد مراغة شرقًا ومرصد سمرقند غربًا, وكلا المرصدين له أهميته وتاريخه العلمي, والواقع أنهما كانا في سياق منظومة من المراصد تتابع ظهورها على مدى قرون عدة.
إن الاهتمام بالأرصاد الفلكية له في الحضارة الإسلامية أسباب علمية وعملية عدة، لقد عرف العرب جهود علماء الحضارات القديمة في الفلك, وحاولوا تدقيقها وإعادة النظر فيها وتجاوزها إلى مزيد من المعرفة الدقيقة. وكانت الاهتمامات العلمية ذات طابع ديني أيضًا, وذلك لأن تحديد القبلة أمر ضروري لإقامة الصلاة في موعدها بدقة، وأدى هذا المتطلب الديني إلى اهتمام بصناعة المزاول لقياس الوقت, وإلى ظهور ما يسمى باسم علم الميقات.
ولكن بحوث العلماء في الحضارة الإسلامية تجاوزت هذه المتطلبات العملية إلى البحوث الفلكية الأساسية, وكان (المرصد) أو (بيت الرصد) أو (الرصد خانة) من أهم المؤسسات العلمية.
العلماء المبكرون كانوا يقومون بأرصادهم الفردية, ثم بدأت المراصد تؤسس لتكون مؤسسات علمية للدراسات الفلكية العلمية، وهناك فرق بين علم الفلك Astronomy بوصفه علمًا دقيقًا يقوم على الحقائق والقياسات العلمية من جانب، وعلم التنجيم Astrology وما يرتبط به من افتراضات وتصوّرات حول الإنسان ومصيره، وعلاقة ذلك بالكواكب وحركتها من الجانب الآخر.

ثمان وعشرون حركة:

المراصد الفلكية مؤسسات علمية تختص بدراسات (علم الفلك) أو (علم الهيئة), أو (علم المدار السماوي), تقوم المراصد بالقياسات الدقيقة, وتقدم معلومات عن حركة الكواكب يجمعها العلماء في جداول منظمة, يسمى الواحد منها باسم الزِّيج، وهي كلمة فارسية أو باسم القانون. نجد كلمة (الزِّيج) في كتاب البتاني الذي اهتم به الأوربيون وترجموه إلى اللاتينية, كما تعرف كلمة (القانون) بهذا المعنى عند البيروني في كتابه: (القانون المسعودي).
كانت هذه القياسات الفلكية تتم طبقًا لخطة علمية, تقسم السنة الشمسية إلى فترات زمنية محددة, كان عددها في الأغلب ثماني وعشرين حركة, وهذا التقسيم مكّن العلماء من مقارنة المعلومات حول الكواكب بدقة, وفي هذا السياق نجد -مثلاً- منازل القمر, ونجد تسجيل معلومات عن الكواكب الثابتة الأخرى ليلة بعد ليلة منذ بداية الشهر القمري وحتى نهايته.
وكانت هذه القياسات تسجل بدقة تتابع ظهور بعض الكواكب على الأفق يومًا بيوم, كما تسجل حركة الشمس أيضًا، التسجيل والقياسات كانا أساسًا لاستخراج القوانين العلمية.
لقد أفاد العلماء المسلمون من تراث اليونان والهنود, وأضافوا إلى ذلك معلومات كثيرة من خلال القياسات الدقيقة والتصحيحات، وكانت المراصد موقع العمل العلمي، وهذه الجهود تتجاوز مجرد تسجيل المعلومات إلى التوصل إلى قوانين منتظمة، عرفوا زيج بطليموس الذي يمثل علم الفلك عند اليونان، كما عرفوا زيج السندهند, وذكروا -أيضًا- جهود علماء الفرس في القرنين الخامس والسادس للميلاد، وأنها سجلت في (زيج الشاه).
إن الاهتمام بالأرصاد في الحضارة الإسلامية قديم, هناك معلومات عن أرصاد مهمة قام بها علماء كبار في إطار الحضارة الإسلامية, ويبدو أن القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) عرف بداية هذه الجهود في مدينة جنديسابور, تلك المدينة التي كانت مركزًا قديمًا مهمًّا لعلوم اليونان على مدى عدة قرون قبل الإسلام، ولكن الأرصاد التي وصلت إلينا نتائجها كانت في خلافة المأمون، الخليفة العباسي على مدى السنوات (208-218هـ).
لقد سجلت حركة الشمس والقمر تسجيلاً دقيقًا, والمقارنة كانت في البداية بين موقعين, مع مقارنة ذلك بالملاحظات الواردة في كتاب المجسطي لبطليموس.
وتنسب إلى عدد كبير من علماء القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) أرصاد متــعددة, قـام بـها بنو موسى الذين حاولوا استكمال كل كتب الفلك اليونانية بالحصول على مخطوطاتها من البيزنطيين, كانت مواقع هذه الأرصاد بين نيسابور شرقًا ودمشق غربًا, وكان الهدف عمل (زيج ممتَحَن) يمثل إعادة النظر في القوانين المتداولة عند العلماء والمأثورة عن اليونان.
أما القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) فقد عرف عدة أرصاد في منطقة أكبر, استوعبت أيضًا مدن أصفهان والري في إيران والقاهرة في مصر, منها رصد القوهي وأبي الوفاء البوزجاني وعبد الرحمن الصوري والخجندي، ثم ابن يونس الذي أنجز بالقاهرة (الزيج الحاكمي) في عهد الحاكم بأمر الله.
أما في الأندلس فقد اهتم عدد من العلماء بالأرصاد, ومنهم مسلمة المجريطي الذي راجع الجداول الفلكية التي أعدها محمد بن موسى الخوارزمي وترجمت إلى اللاتينية نحو سنة 1120م, وكان تأثيره كبيرًا في الغرب اللاتيني.
لقد وصل إلينا وصف لبناء المراصد الفلكية, كان موقع العمل في المرصد قاعدة كبيرة ومظلمة، وبها فتحة صغيرة في السقف, التداريج المرسومة تسمح بقياس ارتفاع الشمس، وتستخدم هذه المراصد آلات رصدية متعددة, وهناك معلومات عن آلات تماثل ما كان معروفًا عند اليونان على النحو الذي سهّل عمل مقارنات مع الأرصاد التي وصلت عنهم، وثمة معلومات عن آلات يبدو أنها من إنجاز الصين وبلاد الشرق الأقصى, وذلك مثل أنابيب الرصد التي ثبت وجودها في الصين منذ القرن السادس الميلادي وعرفتها المراصد في الحضارة الإسلامية, ويبدو أن المسلمين حصلوا عليها من الحضارة الصينية.
وصف ابن سينا (المتوفَّى 428هـ/1037م) الآلات المستخدمة في المراصد، وكان تصميم الآلات الرصدية وتطويرها مهمة علمية متخصصة، وعلى سبيل المثال كان مؤيد الدين العرضي (المتوفَّى 664هـ/1266م) مسئولاً عن تصميم الآلات في مرصد مراغة، وللعرضي رسالة في كيفية الأرصاد وما يحتاج إلى علمه وعمله من الطرق المؤدية إلى معرفة عودة الكواكب، وهذه الرسالة وصلت إلينا في عدة مخطوطات، تناول العُرضي فيها أدوات المرصد الفلكي في مراغة, وهذه الرسالة مصدر مهم لدراسة الآلات الفلكية في الحضارة الإسلامية حتى القرن الرابع الهجري, وكانت صناعة الآلات الفلكية -وفي مقدمتها الإسطرلاب- معروفة في غرب العالم الإسلامي, وقد وصلت إلينا عدة صور متقنة لإسطرلابات في مخطوطات عربية من أقطار متعددة, بعضها من الأندلس.
ويتضح أن عناية المشرق الإسلامي بالمراصد كانت كبيرة, كان مرصد أصفهان أول مرصد في وسط آسيا وفي عهد ملكشاه (429-485هـ/1037-1092م)، وكان عمر الخيام الذي يعرفه العرب برباعياته ويذكره تاريخ العلم ببحوثه الفلكية أحد علمائه، وكان العمل في المرصد طبقًا لخطة محددة, على أساس علمي، لاحظ العلماء أن دورة كوكب زحل تستغرق ثلاثين عامًا, وأنه الأكثر بعدًا عن الأرض, فوضعت خطة الأرصاد لمدة ثلاثين عامًا، وبدأ العمل بقوة.
أما مرصد مراغة فهو المرصد الذي أداره عالم كبير، هو نصير الدين الطوسي (597-672هـ/1201-1274م) إلى جانب عدد كبير من علماء الفلك ومصممي الآلات الفلكية، كان تمويل إنشاء هذا المرصد سنة 657هـ/1259م من أموال الأوقاف، استمر بناء المرصد أربع سنوات، وكان يتكون من منظومة أبنية على مساحة ستة آلاف متر، ضم المرصد مكتبة علمية متخصصة, احتوت نحو أربعين ألف كتاب, ومسبكة لصنع آلات القياس النحاسية.
حشد العرضي -وهو المكلف بالآلات- أفضل ما عرفه العصر من آلات القياس الفلكية, وطوّرها وابتكر آلات جديدة، كانت خطة العمل المبدئية للأرصاد لثلاثين عامًا, ولكنها اختصرت إلى اثني عشر عامًا هي دورة المشتري, وأهم إنجاز لهذا المرصد هو الزيج الإلخاني, وظل المرصد يعمل نحو خمسين عامًا.
وارتبط تاريخه بعلماء: منهم محيي الدين المغربي, وقطب الدين شيرازي، وكان العلماء الفلكيون الذين عملوا في هذا المرصد كثيرين, وكانت هناك رغبة في جعل هذا المرصد مركزًا عالميًّا, فالتقى فيه علماء من الأندلس ومصر وآسيا الصغرى, كما كان به -أيضًا- علماء من الصين يقدمون معارفهم في الطرق الصينية لحساب الأعياد، ومن أشهر هؤلاء العلماء ابن أبي شكر المغربي الأندلسي (المتوفى بعد 680هـ/1281م) كان قد عاش في مصر, ثم عمل مع نصير الدين الطوسي في المرصد، ذكر له بروكلمان في تاريخ الأدب العربي نحو عشرين عنوانًا, منها: رسالة عن تقويم أهل الصين.
مرصد سمرقند هو مرصد (ألغ بك) بدأ تأسيسه سنة (826هـ-832هـ/ 1420م-1428م) بتمويل من ذلك الحاكم العظيم في وسط آسيا الذي حكم سمرقند (1409-1449م), وهو من أهم حكام الأسرة التيمورية.
كان إنشاء المرصد في إطار منظومة مؤسسات عامة, منها خانقاه ومدرسة وقصر وقاعة العرش ومسجد كبير جدرانه وسقفه من الخشب المقطع, وكلها كانت نماذج رائعة من فن العمارة الإسلامية في آسيا الوسطى.
أما المرصد فكان خطة وضعها نخبة من العلماء, منهم: غياث الدين جمشيد ومعين الدين القاشاني، وقام بقيادة العمل فيه عالم الفلك علي قوشجي, وبإشرافه وضعت الجداول الفلكية (الزيج) سنة 841هـ/1437م، وتضم هذه الجداول أربعة أقسام: قياسات لمختلف العصور والمناطق, ثم المواقيت, ثم مسالك النجوم, ثم موقع الأجرام الثابتة، وتعد هذه الجداول أفضل ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في علم الهيئة, في إطار رؤية علمية عالمية لألغ بك الذي كان يؤثر العلوم ذات الأهمية العالمية على الدراسات القومية.

لقاء الحضارات .. في المراصد

ويبدو أن مرصد سمرقند استمر حتى سنة 1500م، وكشفت آثار هذا المرصد سنة 1908م وتم ترميم القسم المتبقي منه.
لقد استمر قدر من هذه التقاليد العلمية في الحضارة الإسلامية في موقعين متواضعين, مرصد إسطنبول, وبناء الفلكي تقي الدين، ولم يستمر سوى عدة سنوات، وكان استمرار هذه التقاليد أيضًا في مرصد جايبور في الهند 1740م, وفي جنوب غرب دلهي.
أثبت تاريخ كل هذه الجهود العلمية أهمية دعم الحكومات لها بما تحتاج إليه من علماء وعاملين ومبان وأموال، وارتبط النجاح في عصر المأمون بتمويله لأعمال الرصد، وانتهت هذه المشروعات بوفاته.
وكان البويهيون ووزراؤهم يمولون برامج الرصد في الري وأصفهان وشيراز, وتطلب ذلك إقامة محطات متخصصة، وكان دعم الفاطميين لأعمال الرصد في القاهرة مما مكّن من القيام بها.
لقاء الحضارات سمة أساسية في الأعمال العلمية, كان احترام جهود بطليموس أعظم علماء الفلك عند اليونان وكتابه المجسطي وترجمته إلى العربية سمة واضحة, بل عُدَّ كتابه في الفلك بمنزلة كتاب سيبويه في النحو، ولكن علماء الحضارات الإسلامية لم يكتفوا بذلك المصدر العلمي مهما علت قيمته, وعرفوا -أيضًا- ما كان عند الهنود (زيج السند هند). لم يكن هدفهم النقل والاقتباس والتلخيص, بل كان عليهم التثبت من دقة المعلومات بطريقة علمية للوصول من ذلك كله إلى (الزيج الممتحن) بقوانين دقيقة.
ومن هنا أهمية المنهج العلمي للحصول على معلومات جديدة وتحليلها للوصول إلى قوانين علمية, وهذا ما يتم بقياسات. إن تطوير الآلات جزء مهم من مكونات المرصد, إلى جانب أن المبنى لا بد أن يكون مناسبًا، المرصد ذو المبنى السداسي الذي صممه الخجندي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) في مدينة الري كان بمواصفات خاصة (5ر3 x 10 x 20 مترًا), ودخول الشمس من فتحة محددة، وبالداخل تتضح القياسات على صفائح من النحاس، وقد ذكر ابن سينا عدة آلات في كتابه (في الآلات الرصدية) وفيه وصف لآلة قياس بها مسطرة ذات مفصل عمودي تسجل الدورات حول المركز، وهناك آلة بجهاز لتصويب النظر مع إمكان قراءة الدقائق والثواني.
لقد استمر كل مرصد من هذه المراصد عددًا من السنين, وحدثت بعدها نهاية كل مرصد, فكان توقف الجهود والانقطاع العلمي بين الأجيال وانكماش الخبرة في هذا المجال في الحضارة الإسلامية.
كان توقف العمل بوفاة الحاكم الراعي لذلك العمل ظاهرة متكررة، كان مرصد الخجندي في الري بتمويل من فخر الدولة انتهى بوفاته, وقد عمل مرصد أصفهان ثلاثين عامًا, ثم مرصد مراغة خمسين عامًا, واستمر عمل مرصد سمرقند أقل من سبعين عامًا, وبذلك انتهت منظومة المراصد الفلكية الكبرى في الحضارة الإسلامية.
وهناك تساؤل طرح عن لغة العمل في هذه المراصد, هل كانت العربية أم الفارسية أم إحدى اللغات التركية؟ وإذا تصوّرنا أن لغة العمل في مؤسسة علمية هي -أيضًا- لغة المطبوعات العلمية التي يعدها العلماء المنتمون إليها, فقد تكون الإجابة ممكنة من خلال النظر في اللغة التي كتبت بها هذه المؤلفات، ألّف نصير الدين الطّوسي في الفلك خمسة عشر كتابًا, وذكرها بروكلمان في ترجمته للطوسي في تاريخ الأدب العربي، ومن هذه الكتب نجد باللغة العربية كتبًا تقدم المعارف العلمية الأساسية, وهي: تحرير المجسطي, وكتاب البارع في علوم التقويم، وحركات الأفلاك, ورسالة بمدار عطارد وحجمه ومسافته, ومختصر في علم التنجيم ومعرفة التقويم.
ومن الكتب عربية اللغة أعمال أخرى تتضمن تحريرات لكتب يونانية سبقت ترجمتها إلى العربية, منها: تحرير ظاهرات الفلك لإقليدس, وأوتوكليوس في الطلوع والغروب, وكتاب المطالع, ورسالة الأيام والليالي, وأرسترخوس في جرمي النيرين وبعديهما, ونزهة الناظر.
أما الكتب المؤلفة لتهدى إلى الملوك أو تحمل أسماءهم فكانت بالفارسية، وهي التذكرة الناصرية الذي يوجد مخطوطًا في الأصل الفارسي، ويوجد أيضًا في ترجمة عربية, ومنها أيضًا الزيج الإيلخاني الذي وصل إلى الأصل الفارسي وفي ترجمة عربية، ومنها فصول في التقويم بالفارسية, ومنها كتاب عن الإسطرلاب بالفارسية.
وهناك كتب حررت أولاً بالفارسية ثم نقلت إلى العربية, مثل: زبدة الإدراك في هيئة الأفلاك.
من هذه المعلومات نرجِّح كون العربية لغة العمل العلمي التي تقدم بها كتب أساسية وتحرر بها مترجمات قديمة عن اليونانية, وأن السياق الحكومي كان يتطلب تأليف بعض الكتب الفارسية, وقد يكون كتاب تحرير كتاب الثمرة لبطلميوس مثالاً واضحًا لهذه الثنائية, فقد حرر بالعربية في مراغة, ثم ترجم إلى الفارسية وشُرح.
ويبدو أن متطلبات قارئ الفارسية جعلت الطوسي نفسه يترجم كتاب صور الكواكب الثابتة للصّوفي من العربية إلى الفارسية.
وفوق هذا كله, فإن حركة العلماء العرب إلى المرصد تكشف عن وجود قوي للغة العربية في العمل العلمي في داخل المرصد، ومن هؤلاء ابن أبي شكر القرطبي (المتوفى بعد سنة 680هـ/1281م) عاش في مصر, ولكنه بعد ذلك عمل مع نصير الدين الطوسي في المرصد الفلكي في مراغة، وله عشرون كتابًا في الفلك والرياضيات تتصل بتراث اليونان والصين والإيجور, وهم شعب صغير لغته من اللغات التركية، ويعيش في الصين قرب الحدود مع كازاخستان، نجد كتبه تتناول هندسة إقليدس ومخروطات أبولونيوس, وكريات مينلاوس وكريات تيودوسيوس وخلاصة المجسطي لبطليموس, كما ألّف أيضًا رسالة في تقويم أهل الصين والإيجور, وكل هذه المؤلفات باللغة العربية.
وكانت هذه المراصد مجال متابعة واضحة من خارج العالم الإسلامي، ويبدو أن المهتمين بالفلك في الصين ومنغوليا كانوا يتابعون تلك الجهود، ويوضح أحد المخطوطات الفلكية طبيعة العلاقة العلمية بين آسيا الوسطى والصين ومنغوليا.
ذكر بروكلمان كتابًا لأبي محمد عطاء بن أحمد السمرقندي من سنة 764هـ/1462م, كتبه لأمير منغولي في موضوع حساب الزمن وبه لوحات فلكية، والطريف أن المخطوط بالعربية بخط المؤلف, وعليه ملاحظات بالصينية والمغولية.
انتقلت جهود علماء الفلك المسلمين إلى أوربا من خلال الترجمة, ومعها القياسات التي قاموا بها والقوانين التي توصلوا إليها، وكانت الجداول التي يضعها العلماء في الأندلس أو في المشرق تجد طريقها بسرعة إلى أوربا الغربية.
وكان اقتباس الجداول العربية قويًّا منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي), مع هذه الترجمات انتقلت كلمات عربية كثيرة في علم الفلك إلى اللغات الأوربية, ودرس اللغوي الألماني Kunitzsch أسماء النجوم العربية في أوربا 1959م.
وكان لهذه الجهود العربية في علم الفلك أثر كبير في النهضة العلمية في أوربا, وقد بدأت الدراسات حول هذا الموضوع.
ولعل أهم ما تكشف عنه البحوث هو تلك الصلة بين بحوث نصير الدين الطوسي في مرصد مراغة وثورة كوبرنيكوس في علم الفلك, وعنها كتب إدوارد ستيوارت كندي (1966م), وهارتنر (1971م), وفي هذا السياق لاحظ مؤرخو العلم أن إحدى العمليات التقنية التي استخدمها كوبرنيكوس قد عرضها نصير الدين الطوسي (1201-1274م) في مؤلفه الكبير: (التذكرة في علم الهيئة)؛ لذلك سمّاها الباحثون المعاصرون (مزدوجة الطوسي) (1/263).
وكل هذا التقدم في علم الفلك في الحضارة الإسلامية لم تتعهده الأجيال التالية, وحدث ذلك التوقف عن النمو وما صاحب ذلك من انقطاع معرفي, وأصبح ذلك التقدم مرحلة ماضية في تاريخ العلم.
إن التقدم في علم الفلك ارتبط بهذه المراصد في إطار الحضارة الإسلامية، وعندما زار رفاعة الطهطاوي (1801-1872م) باريس انتبه -وهو المسلم الذي عرف أهمية (علم الميقات)- إلى المرصد الوطني الفرنسي بوصفه إحدى المؤسسات العلمية المهمة, وسمّاه (الرصد السلطاني).
ولكن إحياء المعرفة بالتقدم في الحضارة الإسلامية ضروري لتصحيح الوعي المعاصر، وإذا كان العلاّمة فؤاد سزكين (جامعة فرانكفورت) يقوم حاليًا بالإشراف على تنفيذ مشروع جليل لإعادة صناعة الآلات التي أفاد منها العلماء في الحضارة الإسلامية, وفي مقدمتها الإسطرلاب, فإن التخطيط لعمل متحف أو متاحف للعلوم في الحضارة الإسلامية يضم أيضًا منظومة كاملة من كل ما يمكن عرضه من نماذج حقيقية أو مصنّعة تمثل الإنجاز العلمي والتقني إلى جانب الإبداع الجمالي، هو مشروع للمستقبل في عصر المنافسة بين الشعوب والعولمة.
وهذا بطبيعة الحال إلى جانب إعادة الاهتمام بهذا الموضوع في العالم الإسلامي بصفة عامة, وفي منطقة آسيا الوسطى بصفة خاصة, وهي تسعى اليوم إلى عهد جديد يقوم على العمل والتقدم ولقاء الحضارات.
المصدر: موقع التاريخ، نقلاً عن مجلة العربي الكويتية - العدد (5271) بتاريخ 10/2002م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
علم الفلك في الحضارة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: علماء وادباء-
انتقل الى: