منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة Empty
مُساهمةموضوع: ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة   ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة Emptyالجمعة 03 يونيو 2016, 10:57 pm

ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة
د. راغب السرجاني
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة Bitar

اتَّسم العلماء المسلمون بسمة مميِّزة ألا وهي موسوعيتهم، ففي كل فروع المعرفة صنَّفوا، وقلَّما اقتصر إنتاج العالم منهم على تخصُّص واحد، بل كان يتناول شتى فروع المعرفة في مؤلفاته، وإن كان بعضهم قد ذاع صيته في مجال مُعَيَّن، بجانب ما يُجِيد من المجالات الأخرى، ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين نبغوا في علمي النبات والصيدلة العالم العبقري الفذُّ ابن البيطار، الذي يُعَدُّ رائدًا من رُوَّاد هذين العِلْمَيْن؛ لِمَا قدَّمه من إسهامات عظيمة غيَّرت مجرى البحث فيهما؛ لذلك قال عنه ابن أبي أصيبعة: "هو الحكيم الأجل العالم النباتي... أوحد زمانه، وعلامة وقته في معرفة النبات وتحقيقه واختياره، ومواضع نباته، ونعت أسمائه على اختلافها وتنوُّعها" .
من هو ابن البيطار؟
هو أبو محمد ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، نسبة إلى مدينة مالقة التي وُلِدَ فيها بالأندلس أواخر القرن السادس الهجري، وكان والده بيطريًّا حاذقًا؛ لذلك لُقِّبَ بابن البيطار -وهو لقب مشتقٌّ من كلمة عربية تعني ابن البيطري- نسبة إلى عمل والده.
وفي صغره أحبَّ قضاء وقته في الغابة المجاورة لقريته، فترسَّخ في نفسه منذ الصغر حبُّ الطبيعة، وازداد تقديره لها، فكانت مراقبة (ابن البيطار) للتنوُّع النباتي والحيواني وراء حُبِّه لعلم النباتات؛ فكانت الغابة بمثابة أول مدرسة له في علم النبات، ثم تتلمذ ابن البيطار بعد ذلك على يد عالم إشبيلية أبي العباس أحمد بن محمد بن فرج النباتي صاحب الشهرة العظيمة في علم النبات، إلا أن ابن البيطار فاق أستاذه، بل امتاز في أبحاثه العلمية والتجريبية والتطبيقية على باقي عشَّابي زمانه .
صفات ابن البيطار ومناقبه
جمع ابن البيطار بين عبقرية علمية فذَّة، وأخلاق فريدة رائعة قلَّما تُوجَدُ في غيره، وهذا ما شهد به كل من خالطه وعايشه؛ ومنهم ابن أبي أصيبعة الذي قال: "ورأيتُ من حُسْنِ عشرته، وكمال مروءته، وطيب أعراقه، وجودة أخلاقه ودرايته، وكرم نفسه، ما يفوق الوصف ويتعجب منه" .
رحلات ابن البيطار العلمية
كانت نفس ابن البيطار توَّاقة للعلم دائمًا، فرحل في بداية العشرينيات من عمره لطلبه، متحمِّلاً المشاقَّ في سبيل ذلك؛ حيث جاب بلاد اليونان والروم والمغرب، ومَرَّاكش والجزائر وتونس، ثم تابع جولاته منتقِّلاً إلى آسيا الصغرى مارًّا بأنطاكية، ومنها إلى سوريا، ثم إلى الحجاز وغزَّة والقدس وبيروت ومصر، وقد اجتمع مع علماء تلك البلاد فتدارس معهم أنواع النبات، وخواصَّه وفوائده، ولم يكتفِ بقراءة الكتب والمصنَّفات، فكان يدرس النبات في منابته، بل ويدرس الأرض التي تُنْبِته، وعن ذلك يقول ابن أبي أصيبعة: "شاهدت معه في ظاهر دمشق كثيرًا من النبات في مواضعه" .
ثم استقرَّ ابن البيطار في مصر في عهد الملك الكامل، حيث عيَّنه رئيسًا للعشَّابين، واعتمد عليه الكامل في الأدوية المفردة والنبات، وبعد وفاته خدم الملك الصالح نجم الدين أيوب، فكان حظيًّا عنده مُتَقَدِّمًا في أيامه .
إبداع ابن البيطار العلمي
لم يُبْدِع ابن البيطار من لا شيء، بل اعتمد على مَنْ سبقه من علماء النبات والصيدلة وقرأ كتبهم، وفنَّد آراءهم بِنَاءً على تجارِبَ ومشاهداتٍ قام بها بنفسه، وهذا ما يؤكِّده ابن أبي أصيبعة الذي عايش ابن البيطار في ترحاله؛ حيث قال: "قرأتُ عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس فكنتُ أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئًا كثيرًا جدًّا، وكنتُ أُحْضِر لدينا عدَّة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدس وجالينوس والغافقي، وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفنِّ..." . هكذا نجد ابن البيطار قد نوَّع في مصادر عِلْمِه؛ حيث اطَّلع على كل ما تُرْجِمَ من كتب اليونانيين وعلوم الأوائل من غير العرب، وقد ساعده على ذلك معرفته بعدد من اللغات كالفارسية واليونانية.
ولم يكتفِ ابن البيطار بذلك، بل واطَّلع على كل ما كتبه علماء المسلمين في هذا المجال؛ فدرس ما كتبه ابن سينا والإدريسي وابن العباس النباتي دراسة مستفيضة حتى أتقنها تمامًا، وشرح النقاط الغامضة فيها، ورغم إفادته من مؤلَّفات السابقين، إلاَّ أنها كانت موضع تصحيحاته، ونقده في كثير من الأحيان.
وهذا ما دعا (راملاندو) في كتابه: (إسهام علماء العرب في الحضارة الأوربية) إلى القول بأن: "إسهام ابن البيطار في مجال علم النبات يفوق إنتاج السابقين من ديسقوريدس إلى القرن العاشر الهجري". كما يذكر (الدومييلي) في كتابه: (العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي) أن ابن البيطار "كان مشهورًا بأنه أعظم النباتيين والصيدليين في الإسلام، مع العلم أن مؤلَّفاته تعتمد على كتب السابقين له، فقد سجَّلت في جملتها تقدُّمًا بعيد المدى".
وقبل الحديث عن مؤلَّفات ابن البيطار الرائدة يجب أن نُلْقِيَ نظرة شاملة على تطوُّر علم الطبِّ وعَلاقته بالصيدلة خاصَّة في القرنين السادس والسابع الهجريين؛ لأن لذلك التطوُّر أثره على إبداعات ابن البيطار فالإنسان صناعة عصره؛ حيث شهد هذان القرنان بناء العديد من المستشفيات وظهور الاكتشافات الطبِّيَّة الجديدة؛ مثل اكتشاف الدورة الدموية لابن النفيس.. كما ظهرت أيضًا الصلة الوثيقة بين الصيدلة والطبِّ؛ حيث كان الطبيب يُعِدُّ أدويته بنفسه كما نجد ذلك عند ابن سينا، الذي خصَّص بعض أجزاء من كتابه (القانون) لدراسة الأدوية والعقاقير المهمَّة، التي يَعْتَمِد عليها في علاجه، في هذا الجوِّ العلمي الرائع ظهرت مؤلَّفات ابن البيطار الرائدة في علم النبات والصيدلة؛ منها كتابه: (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) الذي ألَّفه بعد دراسات عملية، قائمة على التجربة والمشاهدة كأساس لدراسة النبات والأعشاب والأدوية، وقد شرح في مقدِّمة كتابه المنهجَ الذي اتَّبعه في أبحاثه قائلاً: ما صحَّ عندي بالمشاهدة والنظر، وثبت لديَّ بالمخبر لا بالخبر أخذتُ به، وما كان مخالفًا في القوى والكيفية والمشاهدة الحسِّيَّة والماهيَّة للصواب نبذْتُهُ ولم أعمل به .
وقد بيَّن ابن البيطار في كتابه (الجامع في الأدوية المفردة) أغراضَه من تأليف هذا الكتاب، ومنها يتجلَّى أسلوبُهُ في البحث، وأمانته العلميَّة عند النقل، واستناده على التجربة كمعيار لصحَّة الأحكام، ثم بيَّن غرضه من تأليف هذا الكتاب فقال: "استيعاب القول في الأدوية المفردة، والأغذية المستعملة على الدوام والاستمرار عند الاحتياج إليها في ليل كان أو نهار، مضافًا إلى ذلك ذكر ما ينتفع به الناس من شعار ودثار، واستوعبت فيه جميع ما في الخمس مقالات من كتاب الأفضل ديسقوريدوس بنصِّه، وكذا فعلت أيضًا بجميع ما أورده الفاضل جالينوس في الستِّ مقالات من مفرداته بنصه، ثم ألحقتُ بقولهما من أقوال المُحْدَثِين في الأدوية النباتية والمعدنية والحيوانية ما لم يذكراه، ووصفت فيها عن ثقات المُحْدَثِين وعلماء النباتيين ما لم يصفاه، وأسندتُ في جميع ذلك الأقوالَ إلى قائلها، وعَرَّفْتُ طُرُقَ النقل فيها بذكر ناقلها، واختصصتُ بما تمَّ لي به الاستبداد، وصحَّ لي القول فيه ووضح عندي عليه الاعتماد" .
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة Bita2كما رتَّب ابن البيطار مفردات كتابه ترتيبًا أبجديًّا، مع ذكر أسمائها باللغات المتداوَلَة في موطنها، ويقول (جورج سارتون) عن هذا الكتاب: "وقد رتَّب ابن البيطار مؤلَّفَه (الجامع في الأدوية المفردة) ترتيبًا يستند على الحروف الأبجديَّة؛ لِيَسْهُلَ تناوله، وقد سرد أسماء الأدوية لسائر اللغات المختلفة، واعتمد علماء أوربا على هذا المؤلَّف حتى عصر النهضة الأوربية" .
كما دوَّن ابن البيطار أيضًا الأماكن التي يَنْبُتُ فيها الدواء، ومنافعه وتجاربه الشهيرة، وكان يُقَيِّد ما كان يجب تقييده منها بالضبط والشكل والنقط تقييدًا يضبط نُطْقَهَا؛ حتى لا يقع الخطأ أو التحريف عند الذين ينسخون أو يطَّلعون عليه؛ وذلك لأهمِّيَّة الدواء وتأثير الخطأ على حياة الناس.
كما إنه دوَّن فيه كل الشروح والملاحظات المتعلِّقَة بتخزين النباتات وحفظها، وتأثير ذلك على الموادِّ الفعَّالة والمكوِّنات الغذائيَّة الموجودة فيها.
وقد احتوى كتاب ابن البيطار على شروح مفصَّلة لعدد كبير من الأدوية؛ بلغ 1400 دواء بين نباتي وحيواني ومعدني، ومنها 300 دواء جديد من ابتكاره الخاصِّ، معتمِدًا على مؤلَّفاتٍ أكثر من مائة وخمسين كتابًا؛ بينها عشرون كتابًا يونانيًّا، وقد بيَّن الخواصَّ والفوائد الطبِّيَّة لجميع هذه العقاقير، وكيفية استعمالاتها كأدوية أو كأغذية.
وقد تُرْجِمَ (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) إلى عدَّة لغات، وكان يُدَرَّس في معظم الجامعات الأوربية حتى عهود متأخِّرة، وطُبِعَ بِعِدَّة لغات وبِعِدَّة طبعات، وفي اللغة العربية طُبع عام (1874م) بمصر في أربعة أجزاء، ونشرته دار صادر في بيروت عام (1980م) في مجلَّدين، ويوجد العديد من المخطوطات لهذا الكتاب مُوَزَّعة في عدد من مكتبات العالم ومتاحفه.
وهناك كتاب آخر يُعَدُّ من إبداعات ابن البيطار العلمية، ألا وهو كتابه: (المغني في الأدوية المفردة)، الذي قسمه إلى عشرين فصلاً؛ يحتوي على بحث الأدوية التي لا يستطيع الطبيب الاستغناء عنها، ورتَّبت فيه الأدوية التي تُعَالِجُ كل عضو من أعضاء الجسد ترتيبًا مبسَّطًا، وبطريقة مختصرة ومفيدة للأطباء ولطلاب الطبِّ.
وقد اتَّسم أسلوب ابن البيطار العلمي بالنزعة النقدية، مع التزامه الكامل بالموضوعية والنزاهة العلمية، ويتَّضح ذلك من خلال مناقشته لآراء السابقين عليه من العلماء والأطباء والعشَّابين، فلقد نقدهم في عدَّة أمور، وكان نقده بَنَّاءً؛ فهو يرفض الآراء التي يَثْبُتُ أن ناقلها قد انحرف عن سواء السبيل ومنهج العلماء السليم، أو لأنها لم تَثْبُتُ أمام مقاييسه العلمية التي يعتمد عليها، وهو لا يكتفي برفضها، بل إنه يتجاوز الرفض إلى توجيه النقد الشديد إلى الناقل أو القائل؛ لأنه افترى على الحقِّ.
وأكبر دليل على نزعته النقدية كتابه: (الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام)، الذي نقد فيه كتاب (منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان)، وهو الكتاب الذي جمع فيه ابن جزلة (ت493هـ) الأدوية والأغذية والأشربة؛ حيث نبَّه ابن البيطار على أخطائه، وما غلط فيه من أسماء الأدوية؛ حيث يقول في مُقَدِّمَتِه: "أمَّا بعد فإنه ما أشار عليَّ -مَنْ خَلُصَتْ بإرادة الخير لي نِيَّتُه، وندبني إلى ما رجوت- أن أتعرض لبعض الكتب الموضوعة في الحشائش والأدوية المفردة، فأستطلع بسائط أدويته، وأتعقب ما جرى فيها من التباس أو غلط، وأُعْلِمُ بما وقع فيه من الأوهام في الأسماء والمنافع، فوضعتُ في ذلك مقالة تشتمل معناها على وفاء المقصود، معتمِدًا على يقين صحيح، أو تجربة مشهودة، أو علم متحقّق" .
وله أيضًا في ذلك كتاب: (شرح أدوية كتاب ديسقوريدس)، وهو عبارة عن قاموس بالعربية والسريانية واليونانية والبربرية، وبه شرح للأدوية النباتية والحيوانية، وله أيضًا (الأفعال الغريبة والخواص العجيبة).
آراء علماء الغرب فيه
لقد شهد العديد من علماء الغرب بعبقرية ابن البيطار العلمية؛ حيث تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه: "إن ابن البيطار من أعظم عباقرة العرب في علم النبات؛ فقد حوى كتابه: (الجامع) كل علوم عصره، وكان تحفة رائعة تنمُّ عن عقل علمي حيٍّ؛ إذ لم يكتفِ بتمحيص ودَرْس وتدقيق 150 مرجعًا من سالفيه -الذين اعتمد عليهم في بحوثه- بل انطلق يجوب العالم بحثًا عن النباتات الطبية؛ فيراها بنفسه ويتيقَّن منها، ويُجْرِي تجارِبه عليها، إلى أن وصل به الأمر ليبتكر 300 دواءٍ جديدٍ من أصل 1400 دواء التي تضمَّنها كتابه، مع ذكر أسمائها، وطرق استعمالها، وما قد ينوب عنها؛ كل هذا عبارة عن شواهد تُعَرِّفُنا تمامًا كيف كان يعمل رأس هذا الرجل العبقري" .
كما يصفه المستشرق ماكس مايرهوف فيقول: "إنه أعظم كاتب عربي خُلِّد في علم النبات" ، ويعترف جورج سارتون بقيمة كتابه (الجامع في الأدوية المفردة) قائلاً: "إنه خير ما أُلِّف في هذا الموضوع في القرون الوسطى، بل إنه لأضخم نتاج من نوعه منذ ديسقوريدس حتى منتصف القرن السادس عشر" .
وفاة ابن البيطار
وقد توفِّي ابن البيطار رحمه الله بدمشق سنة (646هـ/ 1248م)، ولكن ما زالت آثاره باقية حتى الآن، شاهدة على عبقريته العلمية النادرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة   ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة Emptyالأحد 05 مايو 2024, 7:18 pm

ابن البيطار.. العشّاب الذي استخرج أسرار النبات من الأندلس إلى المشرق


ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة %D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%B4%D8%A8



ساهر والكتاب مؤنسه، والتفكر في أمر الدواء والأعشاب شاغله، همه الأكبر تصنيف النباتات واستخراج الدواء للأدواء من مساحيق العيدان والأوراق. هكذا كانت حياة ابن البيطار الذي شق طريقه نحو النبوغ العلمي، حين كان الطريق إلى إشبيلية محفوفا بالأخطار، مليئا بالكمائن، وجيوش الصليبيين تُغير على مدن الأندلس.





ويعرض فيلم “ابن البيطار.. شيخ العشّابين” -الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “العلماء المسلمون”- حياة ابن البيطار وإنجازاته، بوصفه واحدا من أبرز العلماء المسلمين الذين تركوا بصمة في التاريخ، وأضافوا للبشرية خدمات واختراعات مميزة في مجالات متعددة.

أبو العباس بن فرج.. كاشف أسرار النباتات في حدائق إشبيلية

وُلد ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد الأندلسي في مدينة مالقة بالأندلس حوالي عام 593 هـ الموافق لعام 1197م. وكان يتردد على أستاذه أبي العباس بن فرج النباتي في إشبيلية، ليستكشف على يديه أسرار النبات والأعشاب، وظل يتجول مع أستاذه ويتوقفان عند كل عشب أو نبات مختلف، ويدونان كل ملاحظة وكأنهما يجمعان رحيق العلم.
اهتم الفتى بدراسة النباتات منذ صغره، واتخذ من الحدائق والبساتين منطلقا له، فكان شغوفا بكل وريقة وزهرة وبذرة وثمرة، حتى صار عشّابا ماهرا لا يضاهيه أحد في علمه، في حين كانت عائلته تشتغل بالبيطرة؛ أي مداواة الحيوانات، ولعل ذلك أحد أسباب تسميته بابن البيطار. وقد تميّز ابن بيطار بوصفه واحدا من علماء النبات والأدوية الذين لمعت شهرتهم وذاعت في الآفاق.

ابن البيطار.. هجرة من الأندلس في طلب العلم والمجد

كانت تهديدات الصليبيين المستمرة لمدينة مالقة سببا في هجرة ابن البيطار بعيدا عن مسقط رأسه، مُضطرا لا راغبا. يقول الباحث في التاريخ والوثائق عماد أبو غازي: وُلد ابن البيطار في فترة مليئة بالصراعات والاضطرابات، فقد بلغ ما سُمي بحرب الاسترداد في الأندلس مدى بعيدا، في وقت كانت فيه الممالك الإسلامية في مرحلة اضطراب وصراع داخلي، فهو صراع من الجانبين؛ داخل الدويلات الإسلامية التي ما زالت قائمة في الأندلس، وتقدم للممالك المسيحية التي تحاول إعادة السيطرة على أراضي الأندلس.
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة %D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%AD%D8%B1%D8%A8بسبب الحروب الصليبية على الأندلس، هاجر ابن البيطار إلى الشرق
ومن مالقة إلى بلاد الإغريق والرومان -حيث مواطن الحكماء القدامى مثل غالينوس وأبقراط وديسقوريدس- تنقّل ابن البيطار، قبل أن يستكمل رحلته إلى مصر، وفي القاهرة حظي بإعجاب الملك الكامل الأيوبي الذي كان يجاهد الصليبيين نهارا، ويفرغ لمجالس العلم ليلا، وقد أثبت ابن البيطار كفاءة وسِعة علم في معرفة النباتات والأعشاب واستخداماتها، فكان من أوائل العلماء الذين استخرجوا الأدوية وحضّروها من النباتات.
يقول أستاذ فلسفة العلوم بجامعة الإسكندرية ماهر عبد القادر إن تميّز ابن البيطار دفع الملك الكامل لتعيينه رئيسا للعشّابين والنباتيين في البيمارستان (كلمة فارسية الأصل، تعني مستشفى ومعهد لتدريس الطب)، مما أتاح له الاطلاع على أشياء جديدة، ومن ثم العمل في المعامل على تركيب الأدوية بطريقة علمية صحيحة، وفق الأصول التي كانت معروفة في ذلك الوقت.

ابن البيطار.. رحلة استقصاء الأعشاب في آسيا الصغرى

كان ابن البيطار على يقين من أن عالم النبات غير محدود، فلم يكفّ عن البحث والتنقيب في كل مكان عن الجديد في دنيا الأعشاب.
ومن القاهرة انتقل إلى دمشق، حيث قصد مدرسة “الدخوار”؛ أكبر مدرسة علمية في دمشق في ذلك الوقت. وهناك سنحت الفرصة له ليلم بأعشاب آسيا الصغرى والشام بعد أن أحصى أعشاب مصر والمغرب والأندلس.
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة %D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A9ارتحل ابن البيطار من مالقا في الأندلس غربا إلى اليونان ومن ثم إلى مصر شرقا
لكن الباحث عماد أبو غازي يرى أن انتقال ابن البيطار للشام ومصر جعله ينتقل لمنطقة صراع أخرى، غير أن الفارق تمثّل في أن حضارة الأندلس كانت إلى أفول وتراجع، بينما كانت حضارة المشرق في صعود وانتصار مع الدولة الأيوبية.
ويشير أبو غازي إلى أن ابن البيطار تنقل بين دمشق والقاهرة عاصمتي دولة الأيوبيين، حيث عاش في رحاب بلاط الكامل الأيوبي ثم الصالح نجم الدين أيوب، وأنجز منجزه العلمي الكبير في هذه المرحلة.

ابن البيطار.. وشهادة تلميذه ابن أصيبعة

يُعد ابن أصيبعة أحد أهم تلاميذ ابن البيطار، فهذا الطبيب والكحّال -المولود في دمشق- صحب ابن البيطار في كثير من أسفاره، وتتلمذ على يديه أكثر من 10 سنوات. وقد سجّل ابن أصيبعة في كتابه “عيون الأنباء” الجانب العلمي في حياة ابن البيطار؛ من مشاهداته للنبات، وجمعه لها، ومعرفة ألوانها وطعومها وروائحها، بغية استخلاص الدواء منها.
يقول ابن أصيبعة عن أستاذه: رأيت من حسن عشرته، وكمال مروءته، وطيب أعراقه، وجودة أخلاقه ورأيه، وكرم نفسه، ما يفوق الوصف ويُتعجب منه.
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة %D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D8%B5%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9ابن البيطار يعلم تلميذه ابن أصيبعة أنواع الأعشاب وفوائدها
أما ابن البيطار فيقول عن نفسه: استوعبت جميع ما في كتاب الأفضل ديسقوريدوس، وكذلك فعلت في جميع ما أورده الفاضل غالينوس، ثم ألحقت بقولهما من أقوال المحدثين في الأدوية النباتية والحيوانية والمعدنية ما لم يذكراه.

“الأدوية المفردة”.. خلاصة علوم الأولين وتجارب المؤلف

يرى الباحث في التاريخ والوثائق عماد أبو غازي أن ابن البيطار لم يكن مجرد قارئ ومجمع لكتابات من سبقه من علماء العرب وغيرهم، لكنه عاين بنفسه أنواع الأعشاب، وكتب عنها وعن فوائدها واستخداماتها.
استطاع ابن البيطار أن يُلخّص في كتبه كتب من سبقوه، إلا أن إنجازه العلمي لم يقتصر على التصنيف والتلخيص، بل عمد إلى ابتكار ما يزيد عن 300 دواء جديد، يستأثر هو بفضل ابتكارها جميعا. وعن ذلك يقول: إن الله خلق الجماد والنبات والحيوان ليتخذ منها الإنسان الوسائل؛ وهي الأدوية المختلفة، وأنواع الأغذية.
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة %D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%B4%D8%A7%D8%A8عاين ابن البيطار بنفسه أنواع الأعشاب، وكتب عنها وعن فوائدها واستخداماتها
وفي كتابه الأهم “الأدوية المفردة”، يُصنّف أنواع النباتات واستخدامات كل منها. ويُنظر إلى هذا الكتاب على أنه مهم جدا، ففيه أضاف ابن البيطار أشياء جديدة أهمها ربطه الدواء بالعضو الذي تداويه في الجسم.
يقول ابن البيطار: الثوم إن أكل نيئا أو مشويا أو مطبوخا؛ صفّى الحلق وسكّن السعال المزمن، وإذا أُحرق وعُجن بالعسل؛ أبرأ الدم العارض تحت العين، أما إذا طُبخ مع خشب الصنوبر وأُمسك طبيخه في الفم؛ جفّف وجع الأسنان.

ابن البيطار.. “توخيت صحة النقل فيما أذكره”

صنّف ابن البيطار في كتابه ما يزيد عن ألف نوع من الأعشاب والنباتات، ومع كل نبات كان يسرد كل ما ذكره علماء العرب عنه كالرازي والزهراوي، وعلماء الإغريق والرومان كغالينوس وديسقوريدوس. لكنه في كتابه يؤكد قائلا: وقد توخيت صحة النقل فيما أذكره عن المتقدمين وفيما أُحرزه عن المتأخرين، وما كان مخالفا في القوى والكيفية والمشاهدة الحسية في المنفعة والماهية نبذته وهجرته مليا.
ويشير أستاذ فلسفة العلوم بجامعة الإسكندرية ماهر عبد القادر إلى أن كتابي ابن البيطار مكملين لبعضهما؛ فكتاب “مفردات الأدوية” مرتب بحسب أعضاء الجسم، أما كتاب “الجامع” فرُتّب بحسب حروف المعجم، وبهذا صنّف النباتات في 28 مجموعة.

تتبع الخرافة.. هنات لا توهن تاريخ شيخ العشابين

لم نعرف على وجه الدقة ما إن كان ابن البيطار قد مارس الطب، وإن رُوي أنه كان يختبر الأدوية على نفسه، ويستشير الأطباء للتأكد من صحة الأدوية التي يصفها، إلا أن حرصه على التجربة والتثبت من المعلومات الصحيحة، لم يمنعانه من الإيمان ببعض خرافات عصره؛ فيصف في كتابه بعض الوصفات التي تتضمن بول الصبيان ولبن النساء المرضعات، وغيرها من المكونات التي لا يستسيغها العقل ولا الذوق.
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة %D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%B1%D8%AF%D8%A9في كتابه “الأدوية المفردة” صنّف ابن البيطار ما يزيد عن ألف نوع من الأعشاب والنباتات
ومع ذلك فإن أخطاء ابن البيطار لا تقلل من شأنه بوصفه شيخ العشّابين المسلمين، فموسوعته الجامعة تُرجمت إلى لغات العالم، وامتازت بالأمانة العلمية الشديدة في النقل، ورد المعلومات إلى مصادرها.
ولم تقتصر معرفة ابن البيطار على الأدوية العشبية فقط؛ فقد أورد في كتابه عددا من المكونات غير النباتية مثل الكحول والرصاص الأسود والذهب والنحاس وغيرها، كما فرّق بين أنواع التربة واستخداماتها الطبية مثل الطين النيسابوري وغيرها.

ابن البيطار.. أحلام محققة وحلم مؤجل لما بعد الوفاة

ترك شيخ العشابين “ابن البيطار” موسوعة علمية ليس لها مثيل في عصره، جمعها من ترحاله حول العالم من غربه إلى شرقه، وهو الترحال الذي أُجبر عليه بسبب غارات الصليبيين على مسقط رأسه في الأندلس، وقد ساعده على نبوغه العلمي ملوك الدولة الأيوبية، فوفّروا له ما شاء من إمكانات وأكرموه بالمناصب، غير أنهم لم يحققوا له حلمه في النصر المبين على الصليبيين.
تُوفي ابن البيطار عام 646 هـ الموافق لعام 1248 م، بعد حياة امتدت من أواخر القرن الـ12 حتى منتصف القرن الـ13 تقريبا.
ولأنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه؛ فلم تمهل المنية شيخ العشابين، ولو أنها أخّرته عامين فقط لرأى حلمه يتحقق أمامه رأي العين، بهزيمة نكراء تلحق الصليبيين في المنصورة، لكنه معلوم منذ الأزل أنه “لكل أجل كتاب”
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
ابن البيطار.. عبقرية علمية نادرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: علماء وادباء-
انتقل الى: