المال..القوة الناعمة
حسين العسقلاني لا يستطيع أحد أن ينكر ما للمال من قوّة، سواء ظهرت هذه القوة واضحةً في شراء الأسلحة والمعدات، أو كانت خفية من خلال جلب الكثير من المصالح إلى صاحب المال.دعونا نبدأ القصة من أولها، فمنذ وُجد الإنسان على ظهر هذه الأرض وهناك تنازع على مواطن القوّة، وعلى جلب القوت، وعلى الاستحواذ على الأماكن الأنسب للسكن والزراعة والصيد وغير ذلك.
في البداية كانت التدافع بين البشر بقوة الجسد، أو باستعمال بعض الأسلحة البدائية كالعصي والحجارة، وتطورت بعد ذلك إلى ما نراه اليوم.
ومع الوقت ومرور الزمن لجأ الناس إلى التعامل بالنقود، وتبادل المنافع مقابل المال، فبدلا من التدافع بالجسد أصبح التدافع بقوّة المال، فمَن معه مال أكثر يستطيع أن يستولى على ما يريد بقوة المال دون الحاجة إلى العراك بالأيدي والأرجل أو الحجارة، وإذا دعت الضرورة اشترى بالمال سلاحًا وكانت التدافع بالسلاح الذي هو في الأصل بقوة المال.
ولحسن الحظ أصبح العمل والاجتهاد هو الوسيلة للحصول على المال (القوة)، ومن خلاله الحصول على فرص أحسن في المعيشة.
ولكن مع الانحرافات التي حدثت للبشرية على مدار الزمان أصبح للبعض طرقًا غير مشروعة للحصول على المال (القوة) من خلال السرقة أو تجارة الممنوعات أو الرشوة وغسيل الأموال وغير ذلك، وأصبح لهؤلاء أموالاً زادت من قوتهم ونفوذهم على حساب من يعمل ويجتهد بالطرق المشروعة للحصول على القوة التي تعينه على الحياة، ففقد البشرُ جانبًا من التوازن.
وإذا عدنا إلى واقعنا اليوم وجدنا أن أحدث ما وصلنا إليه في البيع والشراء هو صورة طبق الأصل من بداية تنازع البشرية على المأكل والمشرب والمسكن ولكن بطريقة (القوة الناعمة) قوة المال.
فعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى الوحوش وهي تلتهم الفريسة، يتقدم الأقوى من ناحية العضلات فيلتهم ما يريد أولا، ثم يسمح للأضعف فالأضعف بأخذ نصيبه، ولا مكان للضعفاء الذين لا يملكون العضلات إلا إذا شبع أصحاب القوة.
العضلات الآن هي المال - بصرف النظر عن مصدره - فكلما امتلكت مالا أكثر فعضلاتك أقوى، وتستطيع أن تلتهم حظك من الفريسة أولا، وكلما قلّـت قوّتك (أموالك) كلما تضاءلت فرصتُك في أخذ جزء ولو يسير من الفريسة.
الأمر أيضًا بالنسبة للسكن، فعلى قدر أموالك تستطيع أن تأخذ السكن الأفضل والأقرب لقضاء كل مصالحك، وكلما قلّت قوتُك كنتَ أبعد ما يكون عن السكن المناسب لك.
الخلاصة أن المال هو تلك القوّة الناعمة في مجتمعٍ لا يعترف إلا بقدر ما تملكه من مالٍ، فوزنك الحقيقي هو مقدار ما في جيبك أو في حسابك المصرفي من أموال.
والإسلام دعا إلى امتلاك كل أنواع القوّة بوسائلها المشروعة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] ولا شك أن المال هو عصب الحياة وهو مصدر الكثير من أنواع القوة التي يمتلكها البشر اليوم، غير أن المسلم ينبغي أن يوظّف المال بالشكل الصحيح ولا ينسى كذلك حقوق الفقراء والمساكين والمجتمع في هذا المال.
كما حثّ النبي صل الله عليه وسلم على أن يحرص المسلم على ترك ورثته أغنياء فقال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من حديث طويل : (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ )[1]. رواه البخاري
وعلى المسلم أن يحرص قدر استطاعته على أن يكون قويّا في إيمانه قويًا في عزيمته متعففًا عما في أيدي الناس يعمل ويجتهد ويكدّ ويتعب ويمتلك الكثير من أسباب القوة والكرامة.
[1]صحيح البخاري (2/ 81) حديث رقم