جماليات رمضان وسلبيات البعض!
-1-
أجمل ما في رمضان، اجتماع الأسرة على مائدة واحدة، وصلاة الفجر جماعة في المسجد، وصلاة التراويح، والجو الإيماني الذي يشيع في بعض النفوس وأكره فيه فجع الناس ونزوعهم إلى اجتياح الأسواق، شراء الأكل بــ «الهبل»، مما يلزم وما لا يلزم، وأشعر بعدم راحة، تجاه أولئك الذين يعتبرون رمضان موسما لصيد التبرعات، واستدراج الأتقياء إلى حفلات إفطار، يختلط فيها النفاق بالتقوى، وأكره طبعا، كل ما يقذفه التلفزيون في وجوهنا، من مسلسلات مغرقة في الانهيار الأخلاقي، والسخف، والسطحية، ونساء شمطاوات ودردبيسات، لم يبقين مسحوقا ولا لونا إلا وضعنه على سحناتهن، وأكره المسابقات وما يصاحبها من خفة دم مصطنعة، وأكره العزايم والحفلات، وأؤثر أن أدخل في طقسي الخاص، البعيد عن الضجيج، والنفاق وأزمات السير، والشتائم التي تتطاير عادة من أفواه السائقين، خاصة قبل موعد الإفطار بقليل، باختصار، استمتع بهذا الشهر الكريم، رغم كل المنغصات التي ابتدعها البشر، وأدَّعي أن مصروفي في شهر رمضان يقل إلى نصف ما أصرفه في غيره، وازعم أنني لم أشتر أي شيء قبل رمضان، ولم أهاجم المولات، ولم أخزن مواد غذائية، بل إنني وأسرتي استمررنا على نفس نسقنا الاستهلاكي، مع نقل وجبة الإفطار إلى السحور، والغداء المتأخر إلى إفطار رمضان، مجرد مناقلات في التوقيت، مع بقاء المنيو كما هو..
-2-
لو كنت صاحب قرار، لمنعت الأطفال الصغار ممن هم دون سن الإدراك من دخول المساجد، هم وآباؤهم وأمهاتهم إن أصروا على اصطحابهم، فهؤلاء متخصصون في تطيير أي لحظة خشوع يحصل عليها المرء بشق الأنفس، خاصة في هذه الأوقات العصيبة التي نمر بها جميعا، ما يجعل الفكر مشتتا، والبصر زائغا، وما أن يمسك المرء بلحظة صفاء أو خشوع، حتى يبعثرها صراخ طفل، أو ركضه، أو رفع عقيرته بالصفير، أو المناداة على أقرانه، المسجد يا سادة ليس ساحة تدريب، ولا ملاذا للارتياح من دوشة العفاريت الصغار، وبالتأكيد ليس حضانة للتخلص من هؤلاء المزعجين، ولا أعتقد أن ما يفعله بعضنا خاصة في رمضان له أي علاقة بتربية الأولاد على الالتزام بالمسجد، وتعلم الصلاة، فهم بما يرتكبونه من حماقات، خاصة في صلاة الترويح، يتسببون بإفراغ الصلاة من مضمونها!.
المصيبة الكبرى، أن هناك من المصلين من لم يكتف باصطحاب أطفاله الذكور للمسجد، بل تعدى إبداعه للأطفال الإناث، حيث يبدأن بالتنقل والقفز من على رؤوس الخلق، وهن يتعثرن بملابس الصلاة الطويلة، في مشهد مثير للحنق والقهر والسخرية، وهو أبعد من يكون عن التقوى الخشوع والتربية السليمة، علما بأن ثمة في كل مسجد مكانا خاصا للنساء!
-3-
قبل رفع الأذان بدقيقة، أكثر أو أقل، يفاجئنا خادم المسجد بفتح مكبر الصوت الخارجي للمسجد، لنقل البث المباشر عبر الراديو لإذاعة القرآن الكريم، ولا يدري أخونا بماذا بدأ المذيع أو القارىء أو أين وصل، فمن الممكن أن نسمع نصف كلمة، تحمل معنى فاحشا، مع أنها ككلمة كاملة قد تكون عظة مباركة، فتح مكبر الصوت فجأة، على قارىء إذاعة القرآن الكريم، أو ملقي أحد الدروس، له عواقب أخرى، خاصة إذا كنت من جيران المسجد، فهو يثير فزعك، لأنك تستمع فجأة لصوت ضخم، غير مفهوم، لا علاقة للمشهد كله بالإسلام، لأنه مشهد مؤذ برمته، ولا بد من إيجاد طريقة ما لانتظار الشبك بين المساجد المختلفة والمسجد الرئيس الذي يرفع فيه الأذان الموحد، أما فتح مكبر الصوت فجأة، في انتظار رفع الأذان، فهو مدعاة للإنزعاج وإثارة الغضب، لا الترحيب بالذكر المبارك، وكم تلقيت من شكاوى بهذا الخصوص، من أناس يصرخ مكبر الصوت في بيوتهم فجأة، فيقومون مفزوعين على صوت أحيانا يكون بلا أي جمال، أو رقة قلب!