الحمد لله الذي تَمَّت بنعمته الصالحات، أكرم عباده بشهر رمضان، ثم زادهم العيد كرمًا منه وزيادةَ إحسان، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد، خير من صَلَّى وصام، وعلى آله وصحبه الأطهار، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والجزاء.
أَمَّا بعد:
فعيدكم مبارك، وتقبَّل الله من المسلمين جميعًا صالِحَ الأعمال، وأعاد علينا رمضان أزمنة عديدة، وأعوامًا مديدة، والأمة الإسلامية في عزٍّ ورَخاء، وأمنٍ وأمان، واعلموا رَحِمَكم الله أن الله - تعالى - من رحمته بعبادِه تابع عليهم مواسِمَ الخير والطاعة، فلا يكاد ينتهي موسمٌ حتى يحل موسم آخر، يتزود فيه العِبَاد من الطاعة، ويتخَلَّوْا بالتوبة عن أدران المعصية، ومن هذه المواسم صيامُ الست من شوال؛ ولذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني ببعض الأحكام المتعلقة بهذه العبادة، فأقول مستعينًا بالله - عَزَّ وجَلَّ -:
أولاً: أصل مشروعية صيام هذه الست قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضان، ثُمَّ أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدَّهر))؛ أخرجه مسلم (1164) عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه.
وكذا ما رواه أحمد في المسند (5/280) وابن ماجه (1715) عن ثوبان - رضي الله عنه - مولَى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((من صام ستة أيام بعد الفطر، كان تمام السنة ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]))، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، (12274).
وقد اختلف العلماء في مشروعية صيامها على قولين:
القول الأول: أنَّه يستحب صيامها، وبه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وطاوس، وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وعامَّة مشايخ الحنفية، وغيرهم، ودليلُهم حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه.
قال النووي في "المجموع"، (6/227): "يستحب صومُ ستة أيام من شوال لهذا الحديث".
وقال ابن مفلح في "الفروع" (5/84): "ويستحب إتْبَاع رمضان بستٍّ من شوال".
القول الثاني: لا يستحب صيامها، وبه قال طائفة من العلماء، كالحسن وأبي حنيفة والثوري ومالك، وغيرهم.
فأَمَّا أبو حنيفة، فعَلَّل ذلك بمشابهة أهْلِ الكتاب؛ حيث زادوا على صيامهم المشروع، قال ابن الهمام في "فتح القدير" (2/350): "صوم ستة من شوال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته، وعامة المشايخ لم يروا به بأسًا".
وأَمَّا مالك، فعَلَّله بأنَّه لم يَرَ أحدًا من أهلِ العلم يصومها، وأنه لم يبلغْه عن السلف صيامها، وأهل العلم يَخافون أن يكونَ بدعة، ويلحقه الجهال بصيام رمضان
[1]، وفي الموطأ (1/311) قال يَحيى الليثي: "وسمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنَّه لم يَرَ أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحدٍ من السلف، وإن أهلَ العلم يكرهون ذلك، ويَخافون بدعته، وأنْ يلحقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك".
وجملة ما استدل به المنكرون ثلاثة أمور:
1- أنَّ الحديثَ الواردَ فيها لا يثبت؛ لأَنَّه من رواية سعد بن سعيد، وهو مُختلف فيه.
وأجاب عن هذا العلماء بأنه لم ينفرد به، بل قد تُوبع عليه؛ قال ابن مفلح في الفروع (5/84): "ولمسلمٍ وغيره من رواية سعد بن سعيد - أخي يحيى بن سعيد - عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب مَرفوعًا: ((مَن صام رمضانَ ثُمَّ أتبعه ستًّا من شوال، فذاك صيام الدهر)) سعد مختلف فيه، وضعفه أحمد، ورواه أبو داود عن النفيلي عن عبدالعزيز - هو الدراوردي - عن صفوان بن سليم، وسعد بن سعيد عن عمر، فذكره، وهو إسناد صحيح، وكذا رواه النَّسائي عن خلاد بن أسلم عن الدراوردي، ورواه أيضًا من حديث يَحيى بن سعيد عن عمر، لكن فيه عتبة بن أبي حكيم، مختلف فيه، ورواه أحمد أيضًا من حديث جابر مرفوعًا، وكذا من حديث ثوبان، وفيه: ((وستة أيام بعد الفطر))، فلذلك استحبَّ أحمد والأصحاب - رحمهم الله - لِمَن صام رمضان أن يتبعه بصوم ستة أيام من شوال".
وقال ابن القيم في "تهذيب السنن"، (3/309) بعد أن ذكر ما أعل به الحديث وأجاب عنه: "وهذه العلل وإنْ منعته أن يكون في أعلى درجات الصَّحيح، فإنَّها لا توجب وهنه"؛ أي: ضعفه.
2- أن فيها مشابهة لأهل الكتاب؛ لكونهم زادوا في صيامهم ما لم يشرع، وكذا من يصوم هذه الست، فيخشى أن يقع في الزيادة على رمضان.
وأجيب عن هذا بأن مفارقة أهل الكتاب تحصل بالفطر في يوم العيد، فيحصل الفصل بين الفرض والنفل؛ قال ابن الهمام في "فتح القدير"، (2/350): "وجه الجواز أنَّه قد وقع الفصلُ بيوم الفطر، فلم يلزمْ التشبُّه بأهلِ الكتاب، ووجه الكراهة أنَّه قد يُفضي إلى اعتقادِ لزومها من العوام؛ لكثرةِ المداومة؛ ولذا سَمِعْنا مَن يقول يوم الفطر: نَحن إلى الآن لم يأتِ عيدنا أو نحوه، فأَمَّا عند الأمن من ذلك، فلا بأسَ؛ لورودِ الحديث به".
3- أنَّه يَخشى على العامة أن يعتقدوا وجوبَها، فيزيدوا في رمضان ما ليس منه.
قال النووي في "المجموع"، (6/227) في الجواب عن هذا: "ودليلنا الحديث الصحيح السابق، ولا معارض له.
وأما قول مالك: "لم أرَ أحدًا يصومها"، فليس بحجة في الكراهة؛ لأَنَّ السنة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم يرَ لا يضر.
وقولهم: "لأنه قد يخفى ذلك، فيعتقد وجوبه ضعيف"؛ لأنَّه لا يَخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله: "إنه يكره صوم يوم عرفة، وعاشوراء، وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد".
قال ابن عبدالبر في الاستذكار معتذرًا لمالك (3/380): "لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب، على أنَّه حديث مدني، والإحاطة بعلم الخاصَّة لا سبيلَ إليه، والذي كرهه له مالك أمرٌ قد بَيَّنه وأوضحه؛ وذلك خشيةَ أن يضافَ إلى فرض رمضان، وأنْ يستبينَ ذلك إلى العامة، وكان - رحمه الله - متحفظًا، كثير الاحتياط للدين.
وأمَّا صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل، وعلى التأويل، الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه - فإن مالكًا لا يكره ذلك - إن شاء الله - لأَنَّ الصومَ جُنَّة، وفضله معلوم لمن رَدَّ طعامه وشرابه وشهوته لله - تعالى - وهو عمل برٍّ وخير، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾ [الحج: 77]، ومالك لا يجهل شيئًا من هذا، ولم يكره من ذلك إلاَّ ما خافه على أهل الجهالة والجفاء، إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائضِ الصيام، مضافًا إلى رمضان، وما أظن مالكًا جهل الحديث والله أعلم؛ لأَنَّه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت، وقد قيل: إنَّه روى عنه مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه، وقد ترك مالكٌ الاحتجاجَ ببعض ما رواه عن بعضِ شُيوخه، إذا لم يَثِقْ بحفظه ببعضِ ما رواه، وقد يُمكن أن يكونَ جهل الحديث، ولو علمه لقال به، والله أعلم".
وعليه، فإذا انتفت هذه العِلَّة، وهي خشية أن يعتقد العامة فرض صيام هذه الست، وصامه الناس على أنَّه نفل ومستحب، ومواصلة لعمل الخير، فلا حرجَ في صيامها على مذهب مالك، بل هي مستحبة.
وبهذا يتبين أن الراجحَ هو استحباب صومها، والله أعلم.
تنبيه: لا يصح أن يجمع في النية بين صيام القضاء، وبين صيام الست من شوال؛ لأن الواجب (وهو القضاء) لا يصح جمعه بالنية مع غيره، بل لا بُدَّ من إفراده بنية تخصه.
ثانيًا: صفة صيامها:
للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّه يستحب صيامها مُتتابعة من أَوَّلِ الشهر، وهذا قولُ الشافعي وابن المبارك، واستدلوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام ستةَ أيام بعد الفطر متتابعة، فكأنَّما صام السنة كلها))
[2]، ولظاهر حديث الباب، واختار هذا القولَ جماعةٌ من الحنابلة، واختاره ابنُ مفلح، كما سيأتي.
قال النووي في "المجموع"، (6/227): "ويستحبُّ أن يصومَها مُتتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخَّرها عن شوال جاز، وكان فاعلاً لأصل هذه السنة؛ لعموم الحديث وإطلاقه".
القول الثاني: أنَّها لا تصام عقب يوم الفطر؛ لأنَّها أيام أكل وشرب، ولكن يصام ثلاثة أيام قبل أيام البيض أو بعدها، وهذا قول معمر وعبدالرزاق، وروي عن عطاء، وأكثر العلماء على أنَّه لا يكره صيام ثاني يوم الفطر.
القول الثالث: أنه لا فرقَ بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله، وهو قول وكيع وأحمد، وهذا أصحها؛ قال في "الفروع"، (5/85): "وتحصل فضيلتها متتابعة ومتفرقة، ذكره جماعة، وهو ظاهر كلام أحمد، وقال: في أول الشهر وآخره.
واستحب بعضُهم تتابعها، وهو ظاهر الخرقي وغيره، وبعضُهم عقب العيد، واستحَبَّهما ابن المبارك والشافعي وإسحاق، وهذا أظهر، ولعَلَّه مراد أحمد والأصحاب؛ لِمَا فيه من المسارعة إلى الخير، وإن حصلت الفضيلة بغيره".
والخلاصة: أنه يحصل فضلُ صومها بصومها مفرقة أو متتابعة، في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره، والأفضل المبادرة بها؛ لأَنَّ ذلك من المسارعة في الخيرات.
ثالثًا: هل يشترط أنْ يتمَّ قضاء رمضان قبل صيامها؟
لأهل العلم في ذلك قولان:
القول الأول: أنَّ فضيلةَ صيام الستِّ من شوال لا تَحصل إلاَّ لِمَن قضى ما عليه من أيام رمضان التي أفطرها لعذر، واستدلوا لذلك بأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر))، وإنَّما يتحقَّق وصفُ صيام رمضان لمن أكمل العِدَّة؛ قال الهيتمي في "تحفة المحتاج"، (3/457): "لأَنَّها مع صيام رمضان؛ أي: جميعه، وإلا لَم يحصل الفضل الآتي، وإن أفطر لعذر".
وبهذا قال جماعة من العلماء المعاصرين، كالشيخ عبدالعزيز بن باز، وشيخنا محمد العثيمين - رحمهما الله.
القول الثاني: أنَّ فضيلة صيام الست من شوال تحصل لمن صامها قبل قضاء ما عليه من أيَّام رمضان، التي أفطرها لعُذر؛ لأَنَّ مَنْ أفطر أيامًا من رمضان لعذر يصدق عليه أنَّه صام رمضان حكمًا، فإذا صام الست مِن شوال قبل القضاء حصل له ما رتبه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأجر على إتباع صيام رمضان ستًّا من شوال، وقد نقل البجيرمي في حاشيته على الخطيب (2/352)، بعد ذكر القول بأنَّ الثواب لا يحصل لمن قدَّم الست على القضاء، مُحتجًّا بقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم أتبعه ستًّا من شوال)) عن بعض أهلِ العلم الجواب التالي: "قد يقال: التبعية تشمل التقديرية؛ لأنَّه إذا صام رمضان بعدها، وقع عما قبلها تقديرًا، أو التبَعية تشمل المتأخرة، كما في نفلِ الفرائض التابع لها؛ اهـ، فيسن صومها وإن أفطر رمضان".
ورجح هذا القول ابن مفلح؛ حيث قال في "الفروع"، (5/86): "يتوجه تحصيل فضيلتها لمن صامها، وقضى رمضان، وقد أفطره لعذر، ولعلَّه مرادُ الأصحاب، وما ظاهره خلافه خرج على الغالب المعتاد، والله أعلم"، وقوله: (يتوجه) ترجيح منه لهذا القول، كما هو معلوم من طريقته.
والذي يظهر لي أنَّ ما قاله أصحاب القول الثاني أقربُ إلى الصَّواب؛ لا سيما أنَّ المعنى الذي تدرك به الفضيلة ليس مَوقوفًا على الفراغ من القضاء قبل الست، فإنَّ مُقابلة صيام شهر رمضان لصيام عشرة أشهر حاصلٌ بإكمال الفرض أداءً وقضاءً، وقد وسع الله في القضاء، فقال: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ [البقرة: 185]، أمَّا صيام الست من شوال، فهي فضيلة تَختص هذا الشهر تفوت بفواته، ومع هذا، فإن البداءة بإبراء الذِّمَّة بصيام الفرض أولى من الاشتغال بالتطوع، لكن مَن صام الست، ثُمَّ صام القضاء بعد ذلك، فإنه تَحصل له الفضيلة؛ إذ لا دليل على انتفائها، والله أعلم.[3] رابعًا: هل تحصل هذه الفضيلة بصيام الست في غير شوال؟
قال بذلك بعض أهل العلم، قال ابن مفلح في "الفروع"، (3/107): "ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال، وفاقًا لبعض العلماء، ذكره القرطبي؛ لأنَّ فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها، كما في خبر ثوبان، ويكون تقييده بشوال؛ لسهولة الصوم لاعتياده رخصة، والرخصة أولى"، وقوله: (يتوجه) يدل على أنَّه يرجح القول بأن هذا الفضل يحصل بصيام الست في غير شوال.
وقوله: (في خبر ثوبان) هو ما سبق ذكره في بداية هذا البحث، وفيه قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من صام ستة أيام بعد الفطر))، وهذا مطلق، وليس مقيدًا بشوال، ولكن يقال: إنَّه مقيد برواية أبي أيوب - رضي الله عنه.
كما يستحب لمن فاته صيامُها في شوال؛ لاشتغالها بالقضاء أنْ يَصومها بعد شوال؛ قال في "أسنى المطالب"، (1/431): "ومَن فاته رمضان فصام عنه شوالاً، استحب له أن يصومَ ستًّا من ذي القعدة؛ لأَنَّه يستحب قضاء الصوم الراتب".
خامسًا: تسمية اليوم الثامن من شوال عيد الأبرار:
لا يَجوز تسمية الثامن من شوال عيد الأبرار، ولا يجوز اتِّخاذه عيدًا؛ لموافقته انتهاء صيام الست من شوال، لمن صامها متتابعة بعد العيد، قال ابن مفلح في "الفروع"، (3/108): "وسَمَّى بعضُ الناس الثامن عيد الأبرار... وقال (أي: ابن تيمية): ولا يجوز اعتقادُ ثامن شوال عيدًا، فإنه ليس بعيد إجماعًا، ولا شعائره شعائر العيد، والله أعلم.
سادسًا: في فوائد معاودة الصيام بعد رمضان.
ومنها:
1- أنَّ صيامَ ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدَّهر كله كما سبق.
2- أن صيامَ شوال وشعبان، كصلاة السنن الرَّواتب قبل الصَّلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإنَّ الفرائضَ تجبر أو تكمل بالنوافل يومَ القيامة، كما ورد ذلك عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من وجوه مُتعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقصٌ وخللٌ، فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال؛ ولهذا نهى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يقول الرجل: "صمت رمضان كله، أو قمته كله"، قال أبو بكرة - رضي الله عنه -: فلا أدري أكره التزكية، أم لا بد من الغفلة؟!
[4] 3- أنَّ مُعاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قَبول صوم رمضان، فإنَّ الله إذا تقبَّل عملَ عبدٍ، وفقه لعمل صالِحٍ بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها.
4- أنَّ صيامَ رمضان يوجب مَغفرةَ ما تقدم من الذُّنوب، وهذه نعمة، ويومَ الفطر هو يومُ الجوائز، فيكون معاودةُ الصيام بعد الفطر شُكرًا لهذه النعمة، فلا نعمةَ أعظم من مغفرة الذنوب، وقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقوم حتى تتورم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! فيقول: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!))
[5]5- أن المبادرة بالعودة للصوم بعد الفطر تدُلُّ على إقبال العبد على الخير، ورغبته في الصيام، وأنَّه لَم يَملَّه ولم يستثقله، والأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء رمضان
[6].
هذا آخر ما تيسَّر جمعه، والتأليف بينه، أسأل الله - تعالى - أن يكون خالصًا لوجهه، ونافعًا لقارئه، وصَلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] "لطائف المعارف"، (389 - 390).
[2] رواه الطبراني في "الأوسط"، (7607)، وضعفه الحافظ ابن رجب في "اللطائف"، (ص390)، وقال الهيثمي في "المجمع"، (3/425): "فيه مَن لَم أعرفه".
[4] أخرجه أحمد (19520)، وأبو داود (2415)، والنسائي (2109) عن أبي بكرة - رضي الله عنه - وأشار أبو داود لضعفه، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، لعنعنة الحسن وهو مدلس، وصححه ابن خزيمة (2075)، وابن حبان (3439).
[5] أخرجه البخاري (1130)، ومسلم (2819) عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه.
[6] انظر: "لطائف المعارف"، (393 - 396) بتصرف.