أحوال علماء المسلمين في رمضان (2)
حال الإمام ابن شهاب الزهري
محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري (58- 124هـ)، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أوَّل من دوَّن الحديث، وأحد أكابر الحفَّاظ والفقهاء، تابعيٌّ من أهل المدينة. كان يحفظ ألفين ومائتي حديث، نصفها مسند.
وعن أبى الزناد: كنا نطوف مع الزهري ومعه الألواح والصحف؛ ليكتب كل ما يسمع.
نزل الشام واستقر بها، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عُمَّالِه: عليكم بابن شهاب؛ فإنكم لا تجدون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه.
وكان الزهري إذا دخل رمضان يَفِرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبِل على تلاوة القرآن من المصحف.
سفيان الثوري
سفيان بن سعيد الثوري (97- 161هـ) أمير المؤمنين في الحديث.. كان سيِّد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، وُلد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسيّ على أن يلي الحكم، فأبى، وخرج من الكوفة (سنة 144هـ)، فسكن مكة والمدينة، ثم طلبه المهديّ، فتوارى، وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيًا، وكان سفيان إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن.
حال العلماء والصالحين في قراءة القرآن في رمضان
"كان الأسود بن يزيد يختم القرآن في رمضان في كل ليلتيْن، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليالٍ".
وعن عبد الملك بن أبي سليمان، أن سعيد بن جبير كان يختم القرآن في كل ليلتيْن.
وقيل: كان الخليفة الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.
وقال مسبِّح بن سعيد: "كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة".
قال الحسن البصري: لم أجد شيئًا من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل.
وقال أبو عثمان النهديّ: "تضيَّفتُ أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يقسِّمون الليل أثلاثًا، يصلي هذا ثم يوقظ هذا".
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبةٌ على مِقْلى ثم يقول: اللهم إنَّ النار قد أسهرتني. ثم يقوم إلى الصلاة.
وعن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام، فنستعجل الخدم بالطعام؛ مخافة الفجر.
وعن داود بن الحصين، عن عبد الرحمن بن هُرْمز قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان. قال: فكان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خَفَّف.
وقال نافع: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقوم في بيته في شهر رمضان، فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله ، ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح.
طبقات السلف في قيام الليل
قال ابن الجوزي: (واعلمْ أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات..
الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل.
الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : "أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ"[8].
الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سُدس الليل أو خمسه.
الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام.
الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين.
الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين ويُعسِّـلون في السحر فيجمعون بين الطرفين.. وفي صحيح مسلم أن النبي قال: "إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلاَّ آتَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ"[9].
الأسباب الميسرة لقيام الليل
الأسباب الميسرة لقيام الليلذكر أبو حامد الغزالي أسبابًا ظاهرة وأخرى باطنة ميسِّرة لقيام الليل؛ فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألاَّ يُكثِر الأكل فيكثر الشرب؛ فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يُتعِب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار؛ فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار؛ فيُحرَم القيام بالليل.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع، وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع -وهو أشرف البواعث-: الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرفٍ إلا وهو مناجٍ ربَّه.