منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الديموقراطية في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:17 am

الديموقراطية في الإسلام


الديموقراطية في الإسلام BOlevel15660   مقدمة
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15661   المبحث الأول: نظرية العقد الاجتماعي
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15662   المبحث الثاني: الديموقراطية المعاصرة وأزمتها
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15663   المبحث الثالث: الديموقراطية في الميزان
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15664   المبحث الرابع: النظام الإسلامي
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15665   المبحث الخامس: الخلافة الإسلامية
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15666   المبحث السادس: مبادئ نظام الحكم في الإسلام
الديموقراطية في الإسلام BOlevel15667   المصادر والمراجع


       

مقدمة

أولاً: تعريف الديموقراطية لغة ومصطلحاً

الديموقراطية (Demoskratia) مصطلح يوناني الأصل، يتكون من شقين: الأول (Demos) وتعني الشعب، والشعب في لسان العرب: القبيلة العظيمة، والجمع شعوب، قال تعالى: ]وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[ (سورة الحجرات: الآية 13).

أمّا الشق الثاني من الديموقراطية (Skratia) فيعنى حكم أو سلطة، بمعنى التحكم في المصير الشخصي، وأحياناً تعني مصير الغير.

ومجموع شقي المصطلح يعني: حكم الشعب، أو سلطة الشعب.

ويلاحظ أن الكلمة في النطق العربي لها، أقرب إلى أصلها اليوناني، مما هو عليه في اللغات الأوروبية الحية.

ويرى منتسكيو ـ وهو من أبرز مفكري عصر النهضة، وممن أسهموا في إرساء نظرية الديموقراطية ـ أنها حكم الشعب، أو من يمثلونه، وفق قواعد نيابية خاصة. فإذا كان الحكم في أيدي فئة من أغنياء الشعب، فتلك هي الأرستقراطية.

ففي الديموقراطية يستطيع كل شخص، وفق قواعد خاصة، تمثيل الشعب، أو حكم الشعب باسم الشعب، أمّا في حالة الأرستقراطية، فإن الحكم محصور في طبقة معينة أو عدة طبقات لا يتعداها. وأحسن شكل للحكم الأرستقراطي هو، ذلك الحكم الذي يقترب من الحكم الديموقراطي.

أمّا الحكم الملكي ـ في رأي مونتسكيو ـ فهو الذي يقوم على هيئات تتوسط، بين الملك والشعب، وتكون لها اختصاصات محددة، تحديداً دقيقاً يحد من سلطان الملك.

ومونتسكيو عندما يتحدث عن هذه الأنواع من الحُكم، إنما ينطلق في الأساس من الواقع، الذي ساد الشعوب الأوروبية في القرن الثامن عشر. إلاّ أن الأمر ليس بهذه السهولة اللغوية، فالاتفاق اللغوي يخفي وراءه خلافاً فكرياً عميقاً حول المفهوم.

وأول هذه الاختلافات يتعلق بالشق الأول (الشعب)، الذي لم يَخْلُ حتى على أيام اليونان القدامى من الغموض. فقد كانت دلالة هذه الكلمة تنصرف إلى هيئة الشعب بكاملها، أو العامة، وقد يقصد بها الكثرة الكثيرة، أو الأغلبية فقط[1].

ولذلك، لم يعد مصطلح الشعب يفي بالغرض، الذي كان مخصصاً له، بعد أن توسع مفهوم الدولة لتصبح (دولة/ أمة)، وأحياناً (دولة/ قارة). ولم يعد مجتمع الدولة هو ذلك المجتمع الصغير المترابط، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً من خلال شعبية واحدة. ولذلك، لم يكن مستغربا مطالبة بعض المفكرين والكتّاب، استبدال مصطلح الشعب بمصطلح جديد مثل (الجماهير)، وجاء هذا الاقتراح كرد فعل، على الشعور بفقدان الترابط الاجتماعي، الذي تُعاني منه مجتمعات اليوم، مجتمعات الاغتراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقد استعمل مصطلح الجماهير، أول مرة على نحو شائع، في فرنسا، خلال السنوات القليلة، التي فصلت بين ثورتي سنة (1830) و(1848). وكان يشار به إلى ذلك الجزء المبعد عن المشاركة السياسية. كما استعمله كارل ماركس في كتاباته، إشارة إلى الطبقة العاملة.

وعلى كلٍ، فالمعنى اللغوي للديموقراطية لا يتطابق مع المعنى الواقعي. وقد عبّر أحد الفلاسفة بصدق عن هذا الواقع، حين وصف الأنظمة السياسية السائدة اليوم بأنها: (ليست طريقة للحكم، سواء عن طريق الأغلبية أم غيرها، ولكنها طريقة لتقرير من سيحكم، فالديموقراطية السائدة اليوم هي رقابة الشعب على الحكومة).

فالنظام السياسي القائم، يمكن أن يوصف بأنه ديموقراطي إلى المدى، الذي يكون فيه صانعو القرارات السياسية، خاضعين لرقابة شعبية فعّالة.

ولذلك، نلحظ اتجاها متزايداً نحو الأخذ بالمعيار الواقعي، في تحديد مفهوم الديموقراطية. ويتزعم هذا الاتجاه مجموعة من المفكرين، ينادون بنظرية النخبة، المبنية على أن الحكم هو دائماً بيد قلة من أفراد المجتمع هم النخبة أو الصفوة. وعلى هذا فالديموقراطية النظرية ليست ممكنة عملياً. وتلا هؤلاء مفكرون آخرون، ربطوا بين الديموقراطية والصراع الدائر بين جماعات (نخب أو أحزاب سياسية). فقالوا إن السلطة يجب أن تكون من نصيب القلة، وأن العامل المميز لهذا النمط من الديموقراطية، هو أن ممارسة السلطة من قبل القلة يجب أن تكون لصالح الكثرة.

والمنطلق الأساسي لهذا الاتجاه، أنه ليس في إمكان جماعة (نخبة أو حزب سياسي)، أن تعتمد على مؤازرة الهيئة الناخبة بصورة تلقائية؛ إذ يتحتم على كل (نخبة) للحصول على التأييد، أن تدخل في حلبة التنافس، مع غيرها من النخب الأخرى، من أجل الظفر بأصوات الهيئة الناخبة. وهذه المنافسة تضمن خلق سياسات معتدلة، وتضمن الإطاحة بأية جماعة تفشل في تحقيق وعودها الانتخابية، في أول فرصة سانحة[2].

وقد عبر بعض المفكرين الغربيين عن هذا الاتجاه، حين وضعوا تعريفاً للديموقراطية حصرها في كونها فقط طريقة سياسية، أو (تنظيم تأسيسي لغرض الوصول إلى قرارات سياسية، يحرز الأفراد عن طريقها سلطة التقرير بالوسائل التنافسية من أجل أصوات الشعب).

كما اقترح آخرون، تحديداً جديداً للديموقراطية المطبقة. فبدلاً من التعريف التقليدي، بأنها سلطة الشعب، قالوا هي (حكم الأقليات المتعددة).

وعلى هذا، أضحت الديموقراطية مجرد طريقة، أو إجراء يتم من خلاله اختيار الحُكام عن طريق الآلة الانتخابية. ولم يعد الحديث عن إمكانيات المشاركة السياسية ممكناً، ولا مرغوباً، وأضحى البديل عن الديموقراطية (تنافس النخب)، هو الشمولية (حكم النخبة الواحدة).

ثانياً: الديموقراطية في الحضارة الغربية

في كل مرحلة من مراحل الصراع، وفي أي شكل من أشكاله، فكرياً أو سياسياً أو اجتماعياً، تتلاحم قوى عديدة، وتشتبك آراء ومثل وقيم، لتسفر عن غلبة بعضها وتفوقها، تفوقاً يجعل لها السيادة على العصر، ويتخذ هذا التلاحم أو الاشتباك صورة صراع بين القديم والجديد، بما يقف وراء كل منهما من قوى، تشده وتسنده.

وتتجمع في هذا الصراع، كل قوى الماضي أمام القوى الناشئة النامية. وينصهر في بوتقته كل تناقض، بين القوى المتحالفة للجديد أمام القديم، في كيانه الفكري والسياسي والاقتصادي، وإن بقيت بذور التناقض الخفي كامنة، تهيئ لمرحلة جديدة من مراحل التطور والصراع، تغلب فيه الحركةُ الخفية الدائبة مظاهرَ السكون البادي.

وقد اجتمعت وتلاحمت وتشابكت في القرن التاسع عشر، كل قوى الماضي بما حققه من تطور ونمو، وبما حفل به العصر من أفكار ومُثُل، وبما جناه من تغيير للقوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة. فتركت لمستها البارزة في هذا القرن، ما يشهده القرن العشرين من صور الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي والعلمي، الذي أخذ يسفر ـ كما يُعتقد ـ عن تغير هائل في شكل هذا العالم وصورته، يُعلي من شأن الحياة والكرامة الإنسانية، ويمهد في الجانب العلمي لعصر الفضاء القادم، بما يمكن أن يكتنفه من تغيرات متوقعه.

فالقوى التي أثبتت وجودها على مسرح الحياة الأوروبية، في أعقاب القرون الوسطى، بقيت تثبت وجودها وتؤكد كيانها خلال القرون التالية، حتى بدأت قوى جديدة تعلن عن نفسها في القرن التاسع عشر وتثبت وجودها. وبدأت مرحلة الصراع بينها وبين القوى القائمة، ـ ولمّا تنتهي بعد ـ حتى أخذت قوى أخرى جديدة تعلن عن نفسها في وجه القوتين المتناحرتين. ولا يُدرى ما يمكن أن تسفر عنه هذه القوى الأخرى. ولكن أَقْيَم ما فيها، أنها تؤمن بالإنسان والكرامة الإنسانية.

وكان العامل الرئيسي الأول في هذه القوى الجديدة، التي خرجت بأوروبا من العصور الوسطى إلى عصر النهضة، ظهور طبقة التجار الغنية، التي تكونت منها الطبقة الوسطى أو الطبقة البورجوازية، التي أخذت تحسد أمراء الإقطاع، ورجال الكنيسة على امتيازاتهم التقليدية، وترى فيها وفيهم عائقاً صلباً يحول من دون تقدمها ونموها. فعملت على القضاء على تلك الامتيازات وتحطيمها، بما تبنته من مُثُل وأفكار، تعبر عن إرادتها ومصالحها.

أمّا العامل الثاني، فهو اتجاه الثورة التجارية إلى القضاء على النظام الإقطاعي، وتبني فكرة الدولة القومية، التي تمنح مصالحها اتساعاً وعمقاً إلى أبعد مدى تصل إليه الدولة، مما أدى في النهاية إلى تقلص حدود المجتمع الإمبراطوري، وانهيار المثل الأعلى لعالم مسيحي واحد، تتمثل وحدته في سلطة الكنيسة الروحية، وتضعف من وحدته السياسية والاجتماعية سيادة النظام الإقطاعي.

وكان أن بحثت هذه الطبقة الجديدة، عن مثل أعلى جديد، قوامه دولة قومية مستقلة، تتمتع بكافة حقوق السيادة على أراضيها، مسؤوليتها في ذاتها، وتجد الضمان لوجودها وسيادتها في القوة. تستعر فيها حُمّى الوطنية، وتعلو كلمة المَلك، الذي وجدت فيه هذه الطبقة البورجوازية النامية مناط مصالحها، ومعقد أملها، وحمايتها من سلطة البابوية، وسيطرة الكهنوت، وأمراء الإقطاع، تسعى لنقل السلطة العليا من الكنيسة إلى حكومة مدنية.

وسخّرت هذه الطبقة الجديدة، الكبرياء القومي للجماهير، التي بقيت تعيش في إطار الاقتصاد الزراعي، لتثبيت الدولة القومية. فقد أزكت الحرب هذا الشعور القومي، وأبرزته، فامتزج السكسون والكلت، مع الغزاة النورمنديين في بريطانيا، لمواجهة تحالف المقاطعات الفرنسية في حرب المائة عام.

واتحد الأمراء المسيحيون في أسبانيا ضد المسلمين، واستطاعت أسبانيا أن تتحد تحت راية شارل الخامس، لتمضي في ظل السيادة القومية إلى كشف العالم الجديد.

ونما الشعور ذاته في دول صغيرة، كسويسرا واسكتلندا، في كفاحهما ضد جيران أقوياء. كما أدت الحروب الأهلية، إلى اتحاد الجماهير حول الملك. فحروب إنجلترا، حملت الناس على الالتفاف حول إدوارد الرابع، الذي يمثل لديهم الأمن والنظام، وحماية السلام الذي ينشدونه. وانتهت الحروب الأهلية في فرنسا، ثم الحروب الدينية بعد ذلك، إلى تنصيب هنري الرابع، ملكاً على فرنسا.

وعملت الطباعة وانتشار الكتب، على تقليل الفروق بين اللهجات الإقليمية. فنشأت لغة موحدة أخذت تحل محل اللاتينية. وأصبح للشعب الواحد، أداة تعبير واحدة، غدت على مر الأيام لها آدابها القومية المميزة، وازداد عدد القراء، فانتشرت الثقافة وامتدت إلى طوائف، كانت من قبل محرومة منها.

ومع قيام الدولة القومية، نشأت النظرية السياسية الحديثة، لتبرير انتقال السلطة من البابا وأمراء الإقطاع، إلى الملك الذي يحكم لمصلحة الشعب، وتسنده البورجوازية التجارية لتحقيق مصالحها النامية.

وكان أول ما يجب على النظرية السياسية الجديدة فعله، هو أن ترد على ادعاء البابا أنه "المصدر الإلهي" للسلطة، فنشأت نظرية "الحق الإلهي للملوك".

ورداً على سلطة أمراء الإقطاع، نشأت نظرية "سلطة الملك المطلقة" على أراضه، وامتزجت النظريتان في النهاية في نظرية سياسية جديدة، هي نظرية "المَلِك المُطْلَق الإرادة"، العالِم المُسْتَنِير الذي يستند في حكمه إلى "الحق الطبيعي"، من دون "الحق الإلهي".

وقد زالت الحاجة إلى مثل هذا الزعم، بعد أن قضت الدولة القومية على كل سلطة كهنوتية، وأصبح الأساس النظري للحكم علمياً، وليس دينياً.

وتتسق نظرية "السلطة المطلقة"، مع مضمون العصر، الذي عاشته، وسيطرت فيه على اتجاهات الفكر السياسي، وإن تأثرت من حيث الشكل، من دون الجوهر، بالصورة الغالبة على المجتمع، الذي نشأ فيه أصحابها ودعاتها من المفكرين.

فمكيافللي، على الرغم من ميله إلى النظام الدستوري، نادى بالسلطة المطلقة لتحقيق الوحدة والنظام لإيطاليا.

بينما رأى بودان، الذي نجح في تتويج هنري الرابع سنة 1589 ملكاً على فرنسا، أن الملكية المطلقة هي أفضل أنواع الحكم. فالدولة في تعريفه (مجموعة من الأسر تحكمها سلطة عليا، ويحكمها العقل أيضاً)، وهي سلطة تعلو على المواطنين والرعايا، لا تخضع لغير القانون الإلهي، فهي مصدر القانون، بل والعرف أيضاً، ولها حتى أن تحدد القانون الإلهي؛ لأن مسؤوليتها تجاه الله وحده، فإنها إذ تجل وتُعلي من التشريع الإلهي، تحظى من الرعايا بطاعة القانون.

ويتفق هذا الاتجاه، مع ما كانت عليه فرنسا من انقسام وتناحر ديني، أدى بها إلى الحرب الأهلية. فكان لا بد من سلطة عليا، تقضى على الفرقة الدينية، وتُقر النظام.

وكان الحال في إنجلترا غيره في إيطاليا وفرنسا، فعلى الرغم من التناحر الديني، الذي قاد الفيلسوف هوبز (في كتابه "العملاق") إلى النظرية نفسها، التي انتهى إليها بودان. فبودان أمام قوة الطبقة التجارية النامية في إنجلترا، وتطلعها إلى السلطة، يبنى نظريته على أساس شعبى، ولكنها تناقض في نتائجها ما كانت تتطلع إليه البورجوازية التجارية القوية، ولجأ إلى فكرة العقد الاجتماعي يستهديها منطقه وغايته.

[1] وهذا الخلط في الأصل اللغوي القديم، أدى إلى خلط في اللغات الأوروبية المعاصرة. فمصطلح الشعب في الإيطالية والفرنسية والألمانية، يدل على اسم مفرد، بينما يدل في الإنجليزية على اسم جمع. ففي اللغات الثلاث الأول، يشير هذا المصطلح إلى كينونة مفردة، بينما يشير في الإنجليزية إلى الجمع والتعدد. وفَهْمُ مصطلح الشعب على أنه كينونة مفردة أو وحدة عضوية، كان تبريراً لأعتى الشموليات، التي شهدتها البشرية في النصف الأول من هذا القرن، في إيطاليا وألمانيا.

[2] ويلاحظ هنا أن الفكر السياسي الغربي بهذا الصورة، يقترب بصورة فاعلة من نظرية أهل الحل والعقد الإسلامية، التي تعني وجود نخبة مسؤولة أمام عموم الأمة. ومن جهة أخرى، فإن هذا يعنى أن محك الاختلاف بين النظريات السياسية، هو في كيفية اختيار النخبة، ومدى إعطائها ضمانات لرقابة سائر الأمة على النخبة.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:18 am

المبحث الأول

نظرية العقد الاجتماعي

أولاً: نشأتها وتعريفها

ظهرت فكرة العقد الاجتماعي سابقة لنشأة المجتمع السياسي عند السفسطائيين الإغريق. فالنظام السياسي في نظرهم، هو نظام اتفق الأفراد على تكوينه للسّهر على مصالحهم. ومن ثم فلا يجوز أن يكون هذا النظام حائلاً من دون تمتعهم بحقوقهم الطبيعية، ولا يتقيد الأفراد بالقانون، إلاّ إذا كان متفقاً وهذه الحقوق الطبيعية. ويبنون الدولة على أساس تعاقدي.

وفكرة العقد الاجتماعي، ليست من خلق مفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر. ولكنها ترجع إلى أبعد من ذلك بكثير. فهي تعود إلى الفلسفة، التي دعا إليها أبيقورس (سنة 347 ـ سنة 275 ق. م) فلقد أكد هذا الفيلسوف، أن الدولة ليست شيئاً مقدساً من عند الله، لخدمة عقائد الإنسان وتوجيهه إلى الحقائق الأزلية، ولا هي مجرد اكتشاف بالعقل، وإنما هي تقوم على فكرة المنفعة المبنية على التعاقد. فهي تنظيم وضعه الإنسان بيده، بقصد ترتيب حياته على أساس المنفعة، بما يُوفِق بين مطالبه ومطالب غيره، وبين حقوقه وحقوقهم، وواجباته وواجباتهم.

ثم انتقلت الفكرة من المدرسة الأبيقورية، إلى بعض مفكري الرومان، في أواخر العصر الإمبراطوري. حيث توصلوا في بحثهم عن السلطة العامة، إلى مقدمات فكر ديموقراطي. فقد انتهوا إلى أن هذه السلطة، وما تنطوي عليه من حق الأمر والنهي، هي ملك الشعب الروماني، ولكنه لا يمارسها بنفسه، وإنما يفوض فيها الحكام بموجب عقد سياسي، تنتقل به السلطة من الرعايا إلى الإمبراطور.

واستمرت الفكرة، كذلك، في العصور الوسطى، حيث فسر بعض المؤرخين نظام الإقطاع، على أساس نوع من التعاقد، يتمثل في يمين الولاء والخضوع، بين الأمير والتابعين له، بما يولده من رابطة شخصية تحمّل الطرفين التزامات متبادلة، هي الخضوع من جانب الأفراد، والالتزام بحمايتهم من جانب الأمير.

كذلك، استعان بهذه الفكرة كل من الكاثوليك والبروتستانت، لمحاربة السلطان المطلق للملوك، الذين ليسوا على دينهم، وذلك فيما قرروه في شأن التفويض الإلهي. فقد ذهبوا إلى أن السلطة، وإن كانت تأتي من الله إلى الحُكام، إلاّ أنها تنتقل إليهم بواسطة الشعب، عن طريق عقد، يتبادل فيه كل من الشعب والأمير الالتزامات.

كما استعان بهذه النظرية، أيضاً دعاة المبادئ الحرة، منذ عصر النهضة. وأخذت بها مدرسة القانون الطبيعي.

وقد كان الاهتمام بفكرة العقد، استمراراً لتلك المعركة، التي ثارت في العصور الوسطى حول سلطة الكنيسة، ثم حول سلطة الملك.

ثانياً: تطور نظرية العقد الاجتماعي في العصور الوسطى

كانت مدرسة القانون الطبيعي قد بدأت تتكون، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. وبدأت نظرية القانون الطبيعي، تحاول أن تتخلص من صبغتها الدينية، التي لحقت بها إبان العصور الوسطى، وتنمو تدريجياً نحو الطابع القانوني. وقال فلاسفتها إن للإنسان حقوقاً طبيعية سابقة على وجود الدولة، ولا يجوز لها انتهاكها، أي: أكدوا قيمة مطلقة للإنسان (غير أن هذا التأكيد كان نظرياً، وقد أهُدر بالفعل عندما وُضع موضع التجربة والاختبار، حينما برزت إلى الوجود سلطة الدولة الحديثة، مهددة الوجود الإنساني في صميمه، أي في حريته).

ولذلك، كان لا بد من البحث عن أفكار جديدة، تُقام على أساسها السلطة الحاكمة، بدلاً من الأفكار التي كانت سائدة، والتي كانت تُعطى لها حقوقاً مطلقة تجاه الأفراد، لا تحدها حدود، وتعجز الأفكار الفلسفية وحدها، أن تقف في وجهها.

وقد وجد الفلاسفة هذه الوسيلة ـ للحد من سلطة الدولة ـ في تأكيد الأصل التعاقدي لسلطة الدولة والفرد، وذلك بتقرير أن العقد هو الأساس الوحيد للمجتمع المدني، وأن الدولة ذاتها مظهر من مظاهر التعاقد السياسي بين الأفراد. وقد قصد بهذا التصوير التعاقدي للسلطة، عدة نتائج محددة، منها:

1. إبراز الصفة الرضائية للحكم.

2. المحافظة، في الوقت نفسه، على الحقوق المقدسة للفرد، استناداً إلى قوة العقد ذاته.

3. التهديد بانفساخ العقد إذا أخلت السلطات بما التزمت به، من المحافظة على هذه الحقوق.

ففي القرنين السابع عشر والثامن عشر، وتحت تأثير الانتقادات، التي وجهت لفكرة وجود قانون طبيعي مطلق لا يجري عليه التعديل والتبديل، بدأ الفلاسفة ينظرون إلى العالم على أنه جهاز آلي من خلق إرادة الإنسان، وليس كائناً عضوياً طبيعياً، كما ذهب إلى ذلك فلاسفة اليونان، وأخذوا، لذلك، يتحمسون لفكرة العقد الاجتماعي، ويستندون إليها.

ولم يجد الفلاسفة والمفكرون في تلك العصور، إلاّ إرادة الفرد الحرة معولاً وأساساً يقيمون عليه نظرياتهم، ويكيّفون الظواهر الاجتماعية، خاصة أصل الدولة والسلطة، على أساسه. وكان العقد هو الوسيلة المعقولة لدى الفلاسفة، لكي تستعملها الإرادة الفردية، سواء في إقامة المجتمع في ما بينهم، أو لتنصيبهم السلطة في ذلك المجتمع. وهكذا ظهرت نظرية العقد الاجتماعي.

ورأى الإمبراطور في القرون الوسطى، في فكرة العقد الاجتماعي، سنداً لحقوقه أمام سلطان الكنيسة، واعتنقها الأمراء، فقامت العلاقات بين الحاكم والمحكوم على أساس من الواجبات المتقابلة، التي تحكمها عقود ضمنية، أو حقيقية.

والأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية، هي أن كل سلطة مصدرها الشعب، وهو الذي يحولها إلى الحاكم ليقوم بالوظائف التي تقتضيها الولاية، مما يُمكن أن يكون سنداً للحاكم باعتباره مصدر السلطات، التي آلت إليه من الشعب، أو سنداً للشعب باعتباره المصدر الأصلي لتلك السلطات. وقد واجه الأمراء الكنيسة، بالتفسير الأول، كما واجه خصوم الاستبداد السياسي ـ من رجال الكنيسة والطبقة الوسطى ـ الحاكم، بالتفسير الثاني.

كما أن هناك أساساً آخر تقوم عليه نظرية العقد الاجتماعي، هو نظرية القانون الطبيعي، التي تبناها مفكرو أوروبا في ذلك الوقت. وتقول هذه النظرية إنّ حياة الفطرة كانت تسودها الفوضى والنزاع، بدافع المصلحة، والأنانية؛ فاضطر الأفراد إلى التعاقد سوياً للخروج من هذه الحالة، إلى مجتمع منظم تحكمه سلطة، قد تنازلوا لها كلية عن كل حقوقهم الطبيعية، غير أنها لا تلتزم قِبَلهَم بشيء، لأنها لم تكن طرفاً في العقد.

بينما يرى آخرون أن حياة الفطرة كانت تسودها الحرية والمساواة، لأن الأفراد كانوا يعيشون في ظل مبادئ القانون الطبيعي العادلة، ولكنهم في سبيل تنظيم هذه الحريات وحمايتها، اتفقوا فيما بينهم على الخروج من حياة الفطرة، إلى مجتمع منظم تحكمه سلطة، فتنازلوا عن بعض حقوقهم الطبيعية، وهو القدر اللازم لإقامة السلطة فقط، واحتفظوا بالقدر الآخر من الحقوق الطبيعية.

لذلك رآها بعضهم حرب الجميع ضد الجميع؛ بينما رآها آخرون حرية كاملة يمارس الناس فيها أعمالهم ويتصرفون في ذواتهم وممتلكاتهم على ما يرونه ملائماً لهم، لا يستأذنون فيها إنساناً، ولا يعتمدون على أحد.

وهي حرية تسودها المساواة؛ فليس لإنسان أن ينال أكثر مما يناله الآخر، فحيث يتساوى أفراد النوع الواحد في الانتفاع، بكل ما تمنحه الطبيعة بالمواهب نفسها، فمن حقهم أن يتساووا تماماً مع بعضهم بعضاً، وهي حرية أيضاً يحكمها القانون الطبيعي، وأحكامه ملزمة، فحيث يتمتع الناس بالمساواة والاستقلال؛ فليس لأحد منهم أن يؤذي إنساناً آخر في حياته، أو صحته، أو حريته، أو أملاكه، أو يعتدي عليه، أو يوقع به نوعاً من الضرر. وعلى كل منهم أن يصون قانون الطبيعة، ويحافظ عليه، ويعاقب كل من يتجاوزه أو يعدوه.

وحين يتجاوز الحاكم حدود القانون، ويفشل في تأمين الحقوق الطبيعية للأفراد، يحق لهم الثورة عليه. فالشعب هو الفيصل الأخير في كل سلطة مدنية.

وقد كان الفيلسوف الفرنسي جان جاك رسو، من أشهر المفكرين الذين أدلوا برأيهم في نظرية العقد الاجتماعي.

ويرى أن حياة الفطرة، كانت حياة تسودها الحرية والمساواة، ولكن الأفراد اتفقوا على الانتقال إلى حياة الجماعة المنظمة؛ لأنها أسعد من حياة الفطرة، وهي ترتقي بالإنسان ومعنوياته، وتُحل العدالة والفضيلة محل الغرائز، والشهوات، وتحكيم العقل في التصرفات، وهم في سبيل ذلك تنازلوا كأفراد طبيعيين، عن كل حقوقهم إلى أنفسهم، باعتبارهم جماعة سياسية منظمة.

ويرى روسو أنه قبل مرحلة تكوين السلطان السياسي والمدني، كان الأفراد أحراراً، متحللين من كل قيد، إلاّ من واجب كل منهم الطبيعي نحو المحافظة على نفسه. ولكن حدثت ظروف جعلت من الصعب استمرار هذه الحالة الطبيعية، ووجد الأفراد أنفسهم مهددين بالفناء، إن لم يبحثوا عن مخرج، بالبحث عن شكل للوحدة، أو الاجتماع من شأنه أن يحمي ويقي الشخص، بحيث يظل متمتعاً بالحرية نفسها التي كان يتمتع بها من قبل، وتلك هي المشكلة الحقيقية والرئيسية، التي يبحث العقد الاجتماعي عن حلها.

ويرى روسو أن طبيعة الإنسان، تجعله لا يتنازل عن حريته، إلاّ في نظير ميزة أكبر منها ستعود عليه. ويقرر أن الانتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة الاجتماعية، يحدث في الإنسان تغيرات عميقة. فهو يجعله خاضعاً للعدل، بدلاً من الخضوع للغريزة، وتصبح أعماله ذات قيمة أخلاقية، بعد أن كانت خلواً منها وهو في الحالة الطبيعية، لأن الإنسان في الحالة الطبيعية كان بريئاً عادلاً، وكان يفعل الخير طواعية، وبشكل طبيعي. أمّا في الحالة الاجتماعية، فإنه يتصرف وفق معايير أخلاقية محددة، وعن علم تام بها، فهو يفعل الخير لذاته، ويقدس الواجب لذاته، فالحالة الاجتماعية تحوّل الإنسان من كائن خاضع للغريزة، إلى إنسان خاضع للواجب الأخلاقي.

وقد سادت نظرية العقد الاجتماعي، الفكر السياسي الحديث حتى الثورة الفرنسية، التي مجدت تعاليم روسو. فأعلت من شأن الحرية والإخاء والمساواة، مما يستهوي أفراد الطبقة الوسطى، أو البورجوازية النامية، التي ظفرت بالحكم والسلطة، وجماهير الطبقة الدنيا من العمال، والمزارعين وإن لم تظفر هذه الجماهير بكسب يذكر.

ثالثاً: نظرية العقد الاجتماعي في الشرق

إن الباحث في مدى أصالة نظرية العقد الاجتماعي عند روسو، يجد أن فكرة الاتفاق أو العقد بين الحاكم والأفراد، أو بين الأفراد بعضهم بعضاً، على الخضوع إلى نوع من نظم الحكم، هي فكرة قديمة. فيذهب كونفشيوس، الفيلسوف والحكيم الصيني (551 ـ 449 ق .م) إلى أن الحاكم مفوض من الله على الأرض، ليحكم وفق عقد يحدد نصوص هذا التفويض.

وفي العصر نفسه، الذي عاش فيه كونفشيوس، نجد أتباع موتسي، وهو من الفلاسفة الصينيين البارزين، يضعون كأساس للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد، عقداً أُبرم بينهم في العصور السحيقة، وعلى كل فرد احترام هذا العقد.

بينما نجد في الحضارة الإسلامية، دلالات خاصة لطبيعة التعاقد بين الحاكم وبين الأمة. فبدءاً من (عقد البيعة)، ومروراً بـ (أهل الحل والعقد)، وانتهاء بالآثار المترتبة على المبايعة من أحكام الخليفة، كالإبقاء والعزل طبقاً لقيامه بما جرى التعاقد عليه، أو إخلاله به، حتى إنه ينعزل بنفسه في بعض الصور، إلى أحكام المبايعين، من وجوب الوفاء، ولزوم الطاعة ما الْتُزِمَت أحكام الشريعة الإسلامية.

بل إن الجانب الإجرائي لعملية مبايعة الخليفة نفسه، يؤكد هذا المعنى التعاقدي.

كل هذه الصور تؤكد الصفة التعاقدية للبيعة بالخلافة. فالخلافة عقد بين الخليفة والأمة بأن يحكم الخليفة بالشريعة، وأن تطيعه الأمة فيما أمر به في حدود الشريعة.

وقد يبدو لمن يفرّقون بين العقد الاجتماعي والعقد السياسي، أن عقد البيعة ما هو إلاّ عقد سياسي لا اجتماعي، لكن، في حقيقة الأمر، لولا وجود عقد اجتماعي، بين أفراد الأمة الإسلامية على الالتزام بالشريعة، ومن ضمنها تنصيب خليفة، ما كان لهذا العقد السياسي أن يوجد. فالعقد السياسي ببيعة الخليفة، ما هو إلاّ أثر من آثار العقد الاجتماعي، بين الأمة الالتزام بالشريعة.

رابعاً: نقد نظرية العقد الاجتماعي

تمثل نظرية العقد الاجتماعي، أحد الجذور الفكرية للديموقراطية. وهناك الكثير من النقد الذي وجِّه إليها، تمثل أبرزه، في النقاط التالية:

1. إنها فكرة خيالية، لا تجد لها سنداً من الواقع أو التاريخ. فهي خاطئة علمياً، فالتاريخ لا يؤيد فكرة التعاقد هذه، كأساس لوجود الجماعة. ولا يوجد في التاريخ مثال لدولة نشأت عن طريق العقد. وكذلك، لا يمكن قبول هذه النظرية على اعتبار التعاقد افتراضاً ومجازاً، لأن ما وراء هذا الافتراض من خطورة لا يخفى، ولأن هذه الفكرة سيترتب عليها إعطاء الدولة سلطة تحديد مدى ما تنازل عنه الأفراد من حريات، ومدى ما تحملوه من التزامات وقيود. وبهذا يُمهد السبيل للحكم المطلق المعيب.

إلى جانب هذا كله، يُلاحظ أن فكرة التعاقد نفسها، بعيدة كل البعد عن خيال الإنسان، في العصور الأولى.

2. تقوم النظرية على افتراض وهمي خاطئ، فحواه أن الفرد كان في عزلة قبل قيام الجماعة. وهذا غير صحيح؛ فالإنسان لا يمكن أن يعيش إلاّ في الجماعة، وبالجماعة، وكل ما يقال غير ذلك لا يعدو أن يكون من وهم الإنسان وخياله.

3. إنها نظرية غير متصورة الوقوع؛ لعدم إمكان رضاء الأفراد، والرضا ركن أساسي في العقد.

4. إن النظرية غير سليمة منطقياً؛ ذلك أن فكرة القوة الملزمة، تقتضي وجود قاعدة تقرر هذه القوة قبل إنشاء العقد نفسه. ومثل هذه القاعدة لا يتصور وجودها إلاّ في مجتمع منظم، لذلك يُستبعد أن يكون العقد، الذي يحتاج إلى حماية السلطة، هو ذاته الذي يقيمها.

5. إن النظرية تناقض نفسها، حين تخول الأفراد الاحتفاظ بحريات طبيعية بعد قيام الدولة. فمعنى ذلك أن لهم حق الخروج من العقد، وفسخه، وتكوين دولة أخرى على إقليم الدولة.

6. إن النظرية عند بعض اتباعها تبرر السلطان المطلق، وعند آخرين لا تمنع من ذلك صراحة، وتُقيم من سلطان الجماعة ومن الإرادة العامة، عند مجموعة ثالثة، سلطاناً رهيباً، لا يستطيع الأفراد في مواجهته دفعاً؛ وسبب ذلك تنازلهم عن كل حقوقهم.

7. إن الحريات والحقوق السياسية، لا يصح أن تكون محلا للتعاقد.

8. من الصعب تصور عقد يمضيه الأفراد عند نشوء الجماعة البشرية، ويظل إلى الأبد مؤثراً على الإنسانية كافة، وملزماً إياها، مهما تعاقبت الأجيال.

ومع هذا فلنظرية العقد الاجتماعي العديد من المزايا، كما كان لها آثار بالغة الأهمية، فمن ذلك:

1. إنها قامت على أسس فلسفية، أوضح من تلك التي قامت على أساسها نظرية القانون الطبيعي، وأكثر تحديداً منها.

2. على الرغم من القول بأنها فكرة خيالية، إلاّ أن هناك من يذكر أمثلة واقعية لمجتمعات قامت في القديم على أساس العقد الاجتماعي[1] ويُدخل بعض الناس في إطار فكرة العقد الاجتماعي، ما قيل به في الفقه الإسلامي من أن الخلافة عقد حقيقي، معناه: الاختيار من الأمة، ووسيلته البيعة الصحيحة القائمة على الرضا[2]. ولكن توجد فروق كبيرة بين نظرية العقد الاجتماعي، وبين نظرية البيعة الإسلامية.

3. اعتدت النظرية بالإرادة الفردية، وجعلتها المصدر الوحيد لإنشاء المجتمع والسلطة، فهي بذلك تُعتبر المصدر الفكري، الذي تأكدت بسببه فكرة الفصل بين السيادة، وسلطة الدولة، وأشخاص الحكام، في التاريخ الحديث.

4. توجد وقائع في التاريخ تؤكد أن أفكار الفيلسوف جان جاك روسو، في نظرية العقد الاجتماعي، كانت هي المحرك الأول للثورة الفرنسية. فعندما اختلف ممثلو العامة مع النبلاء ورجال الدين على كيفية أخذ الأصوات، والجلوس معاً في قاعة واحدة، أو قاعات مختلفة، وعدم رضاء الطوائف الأخرى الجلوس مع العامة، أطلق العامة على أنفسهم اسم (الجمعية الوطنية)، وقرروا أنهم مكلفون بالتعبير عن الإرادة العامة للأمة، وأن عليهم أن يبدأوا ـ بصفتهم نواب الشعب الحقيقيين ـ في وضع دستور لبلادهم، تصان فيه حقوق الشعب، سواء اشترك معهم بقية المندوبين أم لا.

وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فإن المجتمع الأوروبي سيذكر لنظرية العقد الاجتماعي فضلها الأكبر في مد الثورة الفرنسية بروحها وحيويتها، وفي إقامة الحكومة القانونية مقام الحكومة الاستبدادية. كما أنه بفضل هذه النظرية استقرت المساواة، ووضحت الحقوق، والحريات العامة في العالم الغربي، وتحققت نهائيا سيادة الشعوب في أوروبا، وتم إعلاء كلمتها.

5. كان جوهر الديموقراطية، كما كشف عنه روسو، يكمن في أن السيادة للشعب، وبذلك تصبح إرادته القانون. وبهذا التصوير نقل روسو ـ فلسفياً ـ كل السلطة للشعب، وترك لرجال القانون تحويل ذلك إلى أساليب ونظم.

وقد وجدت ـ بالفعل ـ أساليب دستورية لوضع السيادة موضع التنفيذ، من أبرزها الاستفتاء الشعبي، الذي يُعطي للشعب رقابة حقيقية على السلطة في الدولة.

وعلى كلٍ، فالنظرية كانت معيناً فكرياً لا ينضب للحركات السياسية، والتعديلات الدستورية، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

6. لا زالت النظرية حتى اليوم، تتمتع ببريق فكرى، وجاذبية للمفكرين والاقتصاديين يلجؤون إليها لتبرير التغيرات، التي يريدون إحداثها في المجتمع. وأقرب الأمثلة على ذلك أن خبراء التخطيط في مصر نشروا ـ في مجال الدأب لتصحيح مسار الاقتصادي المصري ـ: إن وزارة التخطيط، بلورت المقترحات الجديدة في شكل (عقد اجتماعي جديد) بين الحكومة والشعب، يتمثل في أن تُعيد الدولة توزيع مواردها، لصالح الطبقات ذات الدخل المحدود، وحرمان غير المستحقين من سياسة الدعم. كما يستند العقد الجديد إلى أن إصلاح المسار الاقتصادي، لن يتأتى على حساب الطبقات الكادحة، وأن القطاع العام يجب أن يُعطى فرصة للازدهار للحفاظ على المكاسب الاشتراكية.

ولا شك أن هذا البيان، استخدام جديد لفكرة العقد الاجتماعي وليد القرن العشرين. فالفكرة لم يخبو بريقها بعد.

7. إذا كانت النظرية قد وضَعَت، بصفة رئيسية، الأساس الفكري لحقوق الإنسان وحرياته، حيث افترضت له حقوقاً طبيعية سابقة على وجوده في جماعة منظمة، لا يجوز المساس بها أو حرمانه منها؛ فإن القيمة الحقيقة، التي انبعثت من فكرة التعاقد، هي أنها وضعت، لأول مرة في تاريخ الفكر السياسي، الأساس الفلسفي لفكرة الرقابة الشعبية على السلطة وحدودها، ترتيباً على ما ينتجه العقد من آثار، ولضمان عدم خروج السلطة على مقتضى هذا العقد وشروطه.

8. كانت نظرية العقد الاجتماعي، عاملاً أساسياً في تطوير الفكر السياسي الأوروبي، وكانت عاملاً أساسياً أو مساعداً، في ظهور نظريات الفلسفات السياسية، التي ظهرت بعدها.

[1] يذكر محمد عصفور أن فكرة العقد الاجتماعي ليست مجرد أمر نظري من خلق (روسو) أو غيره، وإنما كانت أمراً واقعياً مارسته بصفة عملية كثير من المجتمعات الدينية القديمة، ومن قبيل ذلك ما جرى عليه أنصار (كالفين) في القارة الأوروبية، والمتطهرون الإنجليز، والاسكتلنديون .. الخ.

[2] وكان الدكتور عبدالرزاق السنهوري، من أوائل الذين عبروا عن هذا المعنى في الفقه الدستوري الحديث، حيث يذكر عن عقد الإمامة إنه عقد حقيقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:19 am

المبحث الثاني

الديموقراطية المعاصرة وأزمتها

تقوم النظريات الديموقراطية، على أساس أن السلطة مصدرها الشعب، ولذلك لا تكون السلطة مشروعة، إلاّ إذا كانت وليدة الإرادة الحرة للجماعة، التي تحكمها.

وأهم النظريات الديموقراطية هي نظرية العقد الاجتماعي، التي تقول بوجود حياة فطرية تسبق قيام الجماعة، وأن الانتقال من حياة الفطرة إلى حياة الجماعة، قد تم بناء على عقد اجتماعي بين الأفراد، بقصد إقامة السلطة الحاكمة.

وقد تبلورت الديموقراطية، في ظل عصر صاخب متشابك التيارات الفكرية، إلاّ أنه كانت هناك العديد من المبادئ، التي أخذت في الاستقرار، والتي جاءت الديموقراطية كبلورة أو نظام جامع لها:

أولاً: التطور الاقتصادي وأثره في تطور الديموقراطية

يمكن القول إن أصحاب الأموال، من الطبقات الجديدة، كانوا وراء محاولات سحب بساط السلطة، من تحت الكنيسة الغربية وأمراء الإقطاع بادئ الأمر، وذلك بالاتفاق مع ملوك الدول، عن طريق تحويل السلطة من الكنيسة والإقطاعيين إلى الملوك. وبعد أن ازدادت قوة أصحاب الأموال، عادوا ليسحبوا بساط السلطة المطلقة من تحت أرجل الملوك.

صاحبَ هذا التطور الفكر السياسي، ولازمه ملازمة وثيقة، تتلقى منه وتلقي إليه تأثيراً متبادلاً. وهو تطورٌ في الفكر الاقتصادي، يعكس مصالح طبقة التجار النامية، كما كان الفكر السياسي يعكس مطالبها وتطلعها إلى الحكم والسلطة.

وقد كان لهذه الطبقة النامية، أثر كبير في نشأة الدولة القومية الحديثة. وكان لقيام الدولة القومية أثر على مصالحها، وكيانها الاجتماعي، ونمو تلك المصالح إلى الحد الذي وصلت إليه الدولة في اتساعها. كما لعبت هذه الطبقة دورها على مسرح السياسة، حين انحازت إلى جانب المَلك، وتوجته بالحق الإلهي المقدس (لدى المسيحيين)، ليُضعف من سلطة البابا والكنيسة، وأضفت عليه من السلطة ما يفوق سلطة الإقطاع، بتأييد حقه في السيادة المطلقة على أراضيه.

وفي ظل الدولة القومية، اتجه التنظيم الاقتصادي إلى بناء دولة قوية عظمى، تُضاعف من أرباح التجار وثرائهم. واضطلعت الدولة بهذا التنظيم، فحل التنظيم القومي للتجارة محل الإشراف أو التوجيه، الذي كانت تقوم به النقابة، أو سلطة المدينة في العصور الوسطى.

وغدا امتلاك الذهب والفضة، مظهر الازدهار الاقتصادي للدولة، والدعامة الكبرى لحكومة قوية. فعملت الدول، التي تملك المناجم على اكتنازهما، ومنع تصديرهما مع استيراد أكثر ما يمكن استيراده منهما، وهي سيادة أدت إلى تعويق التجارة، وإن لم تعق تدفق النقد أو الاحتفاظ به.

أمّا الدول، التي لا تمتلك مصادر السبائك، فاتجهت إلى التنظيم التجاري، وشجعت التجارة الخارجية، ووضعت قيوداً صارمة على استيراد السلع، بغية جلب مقدار من النقد يفوق ما تصدره منه. وأصبح تراكم النقد أساساً للثروة القومية، مما أدى إلى ثراء التجار وفقر المستهلكين، فقد ارتفعت الأسعار في الوقت، الذي وقفت الأجور فيه عند حد معين لا تنمو ولا تزيد.

وعرف هذا التنظيم التجاري بـ (المركنتليه)، وظل هذا التنظيم قائماً حتى أخذت طبقة التجار تشعر بقدرتها على الوقوف وحدها، وغدت القيود المفروضة على التجارة والصناعات اليدوية، عبئاً ثقيلاً عليها يعوق حريتها في العمل. فطالبت بالحد من تدخل الحكومة وإشرافها، كما طالبت بحماية حقوق الملكية وحرية التعاقد. ودعت جماعة (الفيزيوقراطيين) إلى حرية التجارة، ملتمسين من قانون الطبيعة، كأرباب الفكر السياسي حينذاك، مسوِّغاً لدعوتهم بالوصول إلى (فيزياء اقتصادية). فإن الحقائق الاجتماعية تخضع لقوانين ثابتة، تربط بينها، لا تتغير ولا تتبدل، يقبلها الناس ويؤمنون بها حالماً يكشفون عنها. وهذه القوانين ليست من صنع البشر، وما في قدرتهم أن يصنعوها، فهي قوانين أزلية خالدة تتفق مع العقل وتعبر عن إرادة الله، وكلّما أمعنوا فيها، ازدادوا توقيراً لها. وعلى قدر ما هي بسيطة، فهي أكيدة وضرورية، تتمثل في بديهيات ثلاث هي: الملكية، والأمن، والحرية.

ثانياً: مبادئ الديموقراطية

1. الحرية

يقوم جوهر الحرية أساساً على الانطلاق، الذي يحمل الأفراد على السعي وراء مصالحهم كيفما يريدون، أو يبتغون، ما داموا لا يتعرضون بالأذى للغير؛ فالفرد سيد نفسه وبدنه وعقله، ولا تعاني الإنسانية من حرية ينطلق فيها الناس كما يحبون، بقدر ما تعاني من تكبيلهم بقيود يفرضها عليهم الآخرون.

فلتثبيت الحرية لا بد من الاستعانة بالقوانين المدنية والجنائية، التي تبين لكل فرد ما له، وما عليه. كما يُستعان بالدين والروح الديني في تهذيب الأخلاق، وتمسك الأفراد بالفضيلة، التي هي في إطاعة القوانين.

2. المساواة

إن الحالة الاجتماعية لا تقضي على المساواة، التي كانت موجودة في حالة الطبيعة بين الأفراد، ولا تستطيع التغلب على حالة عدم المساواة الطبيعية، التي تبدو أحياناً بين الأفراد، سواء من حيث القوة الجسمية، أو من حيث المقدرة العقلية، إذ أصبح الكل سواء بفضل العقد الاجتماعي.

3. السعادة

قد يبدو الحديث عن السعادة سهلاً، ومباشراً، لكنه عميق ووعرٌ، لتفاوت مفهوم السعادة ومقاييسها بين الفلاسفة. أضف إلى ذلك مفهوم الإسلام المتميز للسعادة، واعتبار السعادة الأخروية ركناً أساسياً في مفهوم السعادة. فالسعادة الأخروية في الإسلام، أهم وأبقى من السعادة الدنيوية، مما يؤثر لزاماً على سلوك الفرد، والمجتمعات والأمم.

4. الفردية

تُعد الفردية من أهم المبادئ، التي قامت عليها الديموقراطية. وقد ظهر المذهب الفردي في القرن السابع عشر، وهو يرى أن الفرد سابق على الجماعة، ولذلك فهو أعلى منها قيمة في ضوء لغة القانون في الدور الغلاب، الذي تتقلده (الإرادة الفردية)، وعلى الأخص في مجال (العقود)، وأن أفضل السبل لكفالة (الغايات الفردية) هو أن يترك تنظيم العلاقات الاجتماعية للأفراد قدر الإمكان، فلا يتدخل القانون إلاّ لتكملة إرادة المتعاقدين.

وأكثر من ذلك، فقد اُعتبر القانون ذاته في (النظرية الفردية)، نتاج (عقد اجتماعي)، فكل شيء يعود به المفكر القانوني الفردي إلى فكرة العقد.

5. الإرادة العامة

تمثل الإرادة العامة مبدأ مهماً من المبادئ، التي قامت عليها الديموقراطية. ومن أوائل من أولوا الإرادة العامة اهتمامهم، جان جاك روسو في كتابه (العقد الاجتماعي)، ورأى أن لها وحدها الحق في قيادة قوة الدولة، وتوجيهها نحو الغاية، التي أنشئ من أجلها النظام السياسي. وتمثل الإرادة العامة (الأنا الاجتماعية). وهي صوت الكل، إذ تعبر عن صالح الكل.

وفي الحقيقة فإن الإرادة العامة ليست هي إرادة الجميع، فليست هي مجموع إرادات كل الأفراد، وإنما هي روح عامة تعبر عن الإرادات الخيرة للأفراد، فيما يخص الصالح العام.

وهذه الإرادة ـ وحدها ـ هي مصدر القانون، وهي وحدها التي تمارس السلطان، وتوجه قوى الدولة.

6. فصل السلطات

هو من أهم مبادئ الديموقراطية، يرجع الفضل فيه إلى منتسكيو، الذي كانت مذكراته عن إنجلترا ومناقشاته مع رجال السياسة فيها، ونقده للسلطات سبباً، في خلق مبدأ الفصل بين السلطات، لضمان الحرية، وهو المبدأ الذي أخذت به كل الدساتير الحديثة فيما بعد.

ويُعد مبدأ الفصل بين السلطات، أكبر ضمان للحرية السياسية. ففيه يتم الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تستقل الأولى منها بالتشريع، والثانية بالتنفيذ، والأخيرة بالقضاء، ولا تتدخل أي منها في شؤون السلطتين الأخريين.

وقد أصبح مبدأ الفصل بين السلطات، هو السُّنة الأولى لكل حكم ديموقراطي في العصر الحديث.

7. سيادة الشعب

ومن أهم مبادئ الديموقراطية أنها ناتجة عن السيادة، وتطور مفهومها من نظرية الحق الإلهي إلى السلطة الزمانية، إلى الشعب. ويتنازع مفهوم السيادة نظريتان: التيوقراطية، والديموقراطية.

فالتيوقراطية هي، التي تُرْجِع مصدر السلطة إلى الله، في ضوء: نظرية الحق الإلهي المباشر، التي تدّعي أن الحاكم يستمد سلطته في الحكم من الله مباشرة، من دون تدخل أية إرادة أخرى، ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر.

ونظرية الحق الإلهي غير المباشر، التي تقوم على أن الله لا يتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة، ولا في طريقة ممارستها، وأنه لذلك لا يختار الحاكم بنفسه، وإنما يوجه الحوادث بشكل خاص، يساعد الأفراد على اختيار الحاكم.

وقد نشأت نظرية السيادة في فرنسا في القرن السادس عشر، دفاعاً عن سلطة الملوك، وتمييزاً لها عن السلطات الأخرى التي كانت تنازعها، وهي سلطة أمراء الإقطاع في الداخل، وسلطة الإمبراطور والبابا في الخارج، خاصة النزاع الذي ثار بين الملك والبابا، وانبثق عنه بعض النظريات، التي احتج بها كل من الأطراف المتنازعة. وكان على هؤلاء الملوك أن يلجأوا ـ في الدفاع عن أنفسهم ـ إلى السلاح ذاته الذي استخدمته البابوية. ولهذا السبب تم نقل هذه النظرية، من القانون الكنسي إلى النظرية الدستورية، حيث صاغ منها فقهاء القانون الفرنسيون نظرية السيادة.

ونتيجة لذلك فإن السلطة ـ عند هوبز ـ تكون دائماً مطلقة. كما أن السّيادة عند بعض المفكرين، تعني سلطة عليا، متميزة وسامية فوق كل الشعب، وتحكم من مكانها ذاك المجتمع السياسي كله. ولهذا السبب، فإن هذه السلطة تكون مطلقة، غير محدودة، لا في مداها، ولا في مدتها، وبلا مسؤولية أمام أي إنسان على الأرض.

وقد ربط روسو أيضاً، بين نظريته في العقد الاجتماعي، ومفهوم السيادة. فالعقد الاجتماعي يعطي المجتمع السياسي سلطة مطلقة على كل أعضائه. هذه السلطة المطلقة، التي تتولاها إرادة عامة، تحمل اسم السيادة.

فالسيادة سلطة عُليا آمرة، لا تقبل التصرف فيها أو التنازل عنها، وهي منفصلة عن الشعب وسامية عليه، أي فوق الشعب وتحكم من مكانها ذاك المجتمع السياسي كله. هذه السلطة، التي تتجلى بأظهر ما تتجلى في فرعها التشريعي، تتميز بقدرتها على وضع القوانين بمفردها، وفرضها على الرعايا من دون موافقة منهم. وهي تتميز، فضلاً عن ذلك، بخاصية أخرى أساسية، هي أنها سلطة غير محدودة، لا ترد عليها أية قيود.

وتتلخص خواص السيادة، فيما يلي:

أ. السيادة إرادة لا يمكن أن يُفرض عليها أي التزامات، من إرادة أخرى.

ب. السيادة وحدة واحدة ولا تقبل التجزئة، فالإقليم الواحد لا يمكن أن توجد به سوى سيادة واحدة.

ج. السيادة غير قابلة للتفويض، فصاحب السيادة لا يمكن أن ينقلها لآخر.

د. السيادة غير قابلة للتملك، بمضي المدة.

ومع الثورة الفرنسية، ظهر مبدأ مهم للغاية أثرّ بقوة في تطور الديموقراطية، وهو مبدأ: السيادة للأمة، حيث ينص دستورها (الدستور الفرنسي لسنة 1791) أن السيادة للأمة باعتبارها شخصاً مستقلاً، ومتميزاً عن الأفراد المكونين لها. فالأمة ليست فقط مجموعة الأفراد، الذين يرتبطون بإقليم محدد، والذين يجمعهم مَثَلٌ أعلى مشترك، وذكريات وآلام آمال مشتركة، فضلاً عن وحدة الدين واللغة، لكن الأمة إضافة إلى كل ذلك، هي شخص معنوي كبير، له ضمير وإرادة متميزان عن ضمائر وإرادات الأفراد.

وقد ترتب على انتقال السيادة إلى الأمة، مجموعة من النتائج المهمة، منها:

أ. أن القانون لا يُعد مُعبراً، إلاّ عن الإرادة العامة للأمة.

ب. ما دامت السيادة للأمة، فإن النائب لا يعتبر ممثلاً فقط للدائرة التي انتخبته، وإنما يعد ممثلاً للأمة جمعاء.

ج. أن الأمة وحدها صاحبة الحق، في وضع الدستور وتعديله.

وقد حدث تطور جديد في مفهوم السيادة للأمة، حين تحولت السيادة إلى الشعب، في الدستور الفرنسي لسنة 1793.

وتتفق نظرية السيادة للشعب، مع نظرية السيادة للأمة، ولكن ليس بوصفها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها، بل بوصفها مكونة من عدد من الأفراد، تكون السيادة لكل فرد منهم، فالسيادة وفقاً لذلك تنقسم بين جميع أفراد الجماعة.

وعلى ذلك، فالفرق بين النظريتين، يبدو في الآتي:

أ. ما دام كل فرد يملك جزءاً من السيادة في نظرية السيادة للشعب، فإن الانتخاب يكون حقاً، بينما يكيف على أنه وظيفة، وفقاً لنظرية السيادة للأمة.

ومن ثم تؤدي نظرية السيادة الشعبية، إلى تقرير حق الاقتراع العام. أمّا نظرية سيادة الأمة، فهي لا تتنافى مع تقييد حق الاقتراع بشروط مالية، أو بشروط تتعلق بالأصل أو الجنس.

ب. وفقاً لنظرية السيادة للأمة، يكون النائب في البرلمان ممثلا للأمة كلها، وليس فقط لدائرته الانتخابية، أو الحزب المنتمي له، أي أنه ليس وكيلاً عن ناخبيه، وإنما وكيلٌ عن الأمة، ومن ثم فليس للناخبين إعطاء تعليمات محددة إلى النائب، وتكليفه بالاقتراع بناء عليها، بل يبقى النائب حراً في إبداء آرائه، التي يستريح لها ضميره، متحرياً مصلحة الأمة ككل، وليس مصلحة دائرته الانتخابية.

وعلى العكس من ذلك في نظرية سيادة الشعب، التي توزع السّيادة بين أفراد المجتمع، بحيث يكون النائب ممثلاً لجزء من السيادة، الذي يملكه ناخبوه، وعلى ذلك فلهم أن يعطوا تعليمات ملزمة للنائب عنهم، لأنه يُعَد وكيلاً عنهم ملزماً بتنفيذ وكالته، وللناخبين عزله في أي وقت.

ج. الأمة بوصفها وحدة دائمة، لا تتمثل في هيئة الناخبين في وقت معين فقط، بل تشمل أيضاً الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة. ونتيجة لذلك، فإن الأخذ بنظرية سيادة الأمة، لا يؤدي دائماً إلى النزول على إرادة الأغلبية، التي قد تمثل رغبات عارضة. أمّا في نظام السيادة الشعبية، فإنه يتعين دائماً الأخذ برأي الأغلبية.

د. يترتب على نظرية سيادة الشعب، الأخذ بنظام جمهوري، بينما تتواءم سيادة الأمة حتى مع النظم الملكية.

هـ. نظرية سيادة الشعب تؤدى إلى الديموقراطية، التي هي التعبير عن إرادة الشعب.

وهكذا يبدو الارتباط الوثيق، بين تطور مفهوم السيادة في الفكر الغربي، وأثره على نظرية الديموقراطية.

ثالثاً: الوسائل والغايات

لا يخلو مُؤَلَفٌ سياسي من ذكر معايير خاصة للديموقراطية، مثل التنافس الحزبي، وحكم الأغلبية، وحقوق الأقلية، والمعارضة، والحكومة البديلة، والمراقبة، والتوجيه، إلى آخر ما يراه الكُتّاب والمفكرون.

وعلى كل، فالديموقراطية المرغوبة، هي ديموقراطية وسائل وغايات، ويجب الاهتمام بالوسائل، قدر الاهتمام بالغايات، إذ إن الديموقراطية الحقة لا تعيش من دون وسائل وإجراءات كفيلة بتحقيقها بصورة سليمة، بعيدة عن العنف والظلم. ولا بد لنجاح أي نظام ديموقراطي ودوامه، من وجود اتفاق أساسي، على هذه الوسائل والغايات. فديموقراطية الوسائل تجعل الديموقراطية جسداً بلا روح، كما أن ديموقراطية الغايات تجعل الديموقراطية "يوتوبيا"[1] بعيدة المنال.

وليس للوسائل الديموقراطية من جدوى، إذا لم تكن لها غايات ديموقراطية، ومُثُلٌ أخلاقية تهدف إلى تحقيق السعادة الروحية، والمساواة، والحرية، والعدالة، والإخاء الإنساني.

والواقع أن الاتجاه المعاصر، في الفكر السياسي الغربي، يَعُدُ الديموقراطية آلة سياسية فقط، مما يدفع كثيرٌ من المواطنين، إلى العزوف عن المشاركة في تسيير دفة هذه الآلة.

والتأكيد على الوسائل، قد يُفضي إلى اعتبار الوسيلة غاية في حد ذاتها (وقد نعيش في الوسائل، ونقضي العمر كله مع الوسائل، من دون بلوغ الغايات).

ولابد من التأكيد على أن الديموقراطية، كمجموعة من القيم، والديموقراطية، كطريقة لصنع القرارات السياسية، هما مظهران يكمّل أحدهما الآخر. فالديموقراطية كطريقة في الحياة، لا تنفي كونها نظاماً سياسياً قائماً على مجموعة من المؤسسات والوسائل، التي تهدف إلى تحقيق الحرية، التي هي غاية الديموقراطية القصوى.

ولا شك في وجود كثيرٍ من الغايات، التي كانت الديموقراطية تتوخاها وتحرص على بلوغها، ومن ذلك العديد من القضايا، التي كانت تبرز في المجتمع، أو التي برزت نتيجة للتطورات الاجتماعية، الناشئة عن التطورات الاقتصادية والسياسية.

كما أن مبادئ الديموقراطية (التي سبق ذكرها)، هي في الوقت ذاته غايات تسعى الديموقراطية إلى المحافظة عليها، في حركة تفاعلية دائمة على أرض الواقع.

ومع هذا، فيمكن رصد بعض الغايات، التي تسعى الديموقراطية إلى تحقيقها، ممثلة في الآتي:

1. الحرية المدنية والاجتماعية

فالحرية إحدى المبادئ، التي قامت عليها الديموقراطية، وهي أيضاً إحدى الغايات، التي تتوخى الديموقراطية الحفاظ عليها، في كل أشكالها ومراميها وانطلاقاتها.

2. العلاقة المتوازنة بين الحرية الفردية، والسلطة العامة، والمجتمع

يقع سلوك الفرد حيال غيره، تحت رقابة المجتمع، أمّا سلوكه حيال ذاته، فله مطلق الحرية على جسده وعقله، ما لم يبدر منه ما يسيء إلى نفسه، فيتدخل المجتمع بالنصح والتعليم والإقناع. فإن لم يجدِ ذلك، فمن حق المجتمع أن ينبذه، أو يعاقبه، إذا وجد في ذلك خيراً له. ولهذا، فإن من غايات الديموقراطية، تنظيم وتحديد طبيعة الحدود، التي يمارسها المجتمع شرعاً في سلطانه على الفرد. فما يخص الفرد وحده هو من حقوقه، أما ما يخص المجتمع، فهو حق للمجتمع.

فسلطة المجتمع ويمثلها سيادة العرف، وسلطة الحكومة، ويمثلها القانون، لا يجوز لهما أن يتعرضا لحرية الفرد، إلاّ لحماية الغير منه، أو لمنعه من الإضرار بنفسه أو بغيره؛ فالإنسان حر في كل ما يتعلق بذاته، ولكنه ليس حراً في أن يصيب الآخرين بالضرر.

3. تنظيم المجتمع عن طريق العلم

وهو من أهم غايات الديموقراطية، لأن العلم حق لكل فرد في المجتمع، وهو إرادة محايدة وموضوعية في أحكامها.

4. الإصلاح الاجتماعي

إن غاية الديموقراطية رفع الجهل والفقر والمرض عن أفراد المجتمع، فضلاً عن الخرافات والأوهام.

5. الإصلاح النيابي

تدرجت الحقوق النيابية طبقاً لتطور طبقات المجتمع، بدءاً من حق النبلاء، فحق الممولين أو أصحاب رؤوس الأموال، وانتهاءً بحق كل المواطنين.

6. التوازن بين طبقات المجتمع

وهو من أهم غايات الديموقراطية، فلا تستعبد الطبقة العليا الطبقة الفقيرة، كما لا تعتدي الطبقة الفقيرة على الطبقة الغنية.

7. العمل على تنمية الفضائل، وإذكاء العقل لدى الأفراد

فمنفعة المجتمع لا تُحَقَقَ إلاّ بضمان حرية الفرد، وفي هذا الإطار تحدد غاية الحكومة. فلا تقاس الحكومة الصالحة، إلاّ بمقدار ما يتمتع به أفرادها من فضائل الخُلق والسُلوك، والتقدم العقلي العام.

8. تحقيق المنفعة

ولم يتفق مفكرو الغرب على مفهوم محدد للمنفعة، ففضل بعضهم تقديم منفعة الفرد على منفعة المجتمع، بينما ذهب آخرون إلى تفضيل منفعة المجتمع، على ألاّ تطغى على حرية الفرد.

9. الحرية الفكرية، وحرية العمل

لا يتحقق ما ينبغي في الأفراد، من فضائل وسلوك عقلي عام، إلاّ عن طريق حرية العقل، وحرية العمل.

أمّا عن حرية الفكر وإبداء الرأي، فيرى بعض العلماء، أن الإجماع ليس دليلاً على الصواب، وليست القلة دليلاً على الخطأ، وحرمان الفرد من إبداء رأيه مضرة للناس، وحرمان للإنسانية من دواعي الرقي والتقدم، فإذا كان الرأي صواباً فقد حُرم المجتمع من فرصة نافعة، وإن كان خطأ، فقد حُرم من فرصة المقارنة، التي تؤكد ما هو عليه من حق. فالرأي مهما بلغ فساده، ومهما بلغ إيمان الناس بضرره، فليس هناك ما يبرر حرمان صاحبه من عرضه والدفاع عنه. كما أن الرأي مهما بلغ صوابه لا بد أن تمحصه المناقشة.

أمّا حرية العمل، فلا ضير من إطلاقها، كحرية الرأي سواء بسواء، ما دام ذلك لا يتسبب في ضرر بالآخرين، فما يَصْدُق على حرية الرأي، يَصْدُق على حرية العمل، ولن تستقيم الحياة ما لم تتأكد شخصية الفرد.

رابعاً: أزمة الديموقراطية المعاصرة

تبرز أزمة أي نظرية، في عدم قدرتها على تحقيق الفروض، أو الغايات، التي قامت من أجلها، وعجزها عن الوفاء بها. بل إن عدم القدرة عن اتخاذ غايات أسمى،تُمثل عجزاً أشد. بينما يمثل التراجع، أو الانتكاس، عن الغايات والمثل، نوعاً آخر من العجز، أو بُعداً من أبعاد الأزمة.

في الستين سنة الأخيرة، جرت محاولات عدة لاستبدال النظرية الديموقراطية التقليدية، التي وُجدت أساسها في الحكم الشعبي المباشر، وكانت تؤكد على مجموعة من المُثُل والغايات الأخلاقية. وقد رأى بعض مفكرو الغرب، نسخ هذه النظرية بأخرى تقوم على معايير وأسس مغايرة. وانصب النقد المعاصر على المفاهيم الأساسية، التي تشكل مضمون النظرية التقليدية، لأنها:

1. تتخيل صورة طوباوية (مثالية)، غير واقعية للطبيعة البشرية.

2. أنها لم تورد تحديداً دقيقاً لمفاهيمها الأساسية.

وقد واجهت الديموقراطية المعاصرة أزمتين هما:

أ. أزمة المشاركة

يُعد حق المشاركة في صنع القرارات السياسية في المجتمع الحديث، عنصراً مميزاً للحكم الديموقراطي. فكل الحكومات الديموقراطية، تسعى إلى توسيع المشاركة السياسية إلى أقصى مدى، لغرض دعم شرعيتها. وطالما أن الناس أحرار ومتساوون، فإن المشاركة تعد أداة رئيسية، لتجسيد هذه الحرية والمساواة.

والمشاركة في حقل السياسية، تعني الاشتراك في عمل قانوني، أو اتخاذ قرار سياسي. وعلى هذا تعني المشاركة جزءاً من كُلٍ أكبر، بحيث لا يُستطاع تملكه كله، ولكن يمكن اقتسامه مع الآخرين. ولذا، تستدعي المشاركة وجود الجماعة. ومن هنا ثار سؤال قديم: هل تكون المشاركة السياسية حقاً للجميع، أم تكون حكراً على من يعرفون كيف يستخدمونها بحكمة؟

وقد اختلفت الآراء في هذا المقام، فبعض النقاد الغربيين، يرى أن نسبة قليلة من المواطنين في الغرب، هي التي تؤدي حقوق المشاركة، التي لا تتعدى في الواقع، وضع المواطن ورقة الانتخاب في الصندوق، أثناء فترة الانتخاب، أو التصويت بنعم أو لا، على البرامج الحزبية المعروضة عليه، والمعدّة سلفاً من قبل أداة الحكم، من خلال مؤسسة الاستفتاء.

ويؤكد هؤلاء النقاد على أن السياسة العامة، ليست انعكاساً للخير العام، كما يعتقد أنصار الديموقراطية التقليدية.

وبناء على ذلك، تبنى العديد من المفكرين الغربيين المعاصرين، نظرية جديدة تتلاءم مع الأوضاع السياسية الحاضرة. وكانت أعلى الصيحات الرافضة للقديم، هي المنادية بنظرية "النخبة الديموقراطية". وقد توالت الكتابات المناصرة لها، خصوصاً عند علماء السياسية الأمريكيين. وأصبح هذا الجانب، يغطي حيزاً كبيراً من المؤلفات المعاصرة في الديموقراطية.

والكشف عما يحدث من تزييف للرأي العام، عن طريق المؤسسات السياسية، وممارسات أجهزتها وآلياتها، يعكس مدى التزييف الواقع على المشاركة.

فالاستطلاعات، بصفة عامة، لا تُستخدم أساساً لغرض معرفة مواقف المواطنين، أو تأكيد حقهم في المشاركة الفعالة في الحكم، بل تعمل على تزييف وعيهم، وتبرير سياسيات معينة للنخبة.

وتنحصر مطالب أنصار نظرية "النخبة الديموقراطية"، التي يحاولون بها تقديم بديل للديموقراطية التقليدية في الفكر الغربي، فيما يلي:

(1) تحقيق المجتمع التعددي، الذي يكفل وجود أنماط متعددة من المرشحين متنافسة، سلمياً، ومرتبطة بعضها ببعض، ومفتوحة نسبياً، للدخول والخروج منها.

(2) اتفاق أساسي، على الأقل بين المرشحين، على قواعد المنافسة، من أجل الوصول إلى السلطة.

(3) انتخابات تضمن فرصاً متساوية وعادلة للمواطنين، للمشاركة دورياً في اختيار الحكام.

(4) يجب أن تكون المادة البشرية السياسية (المرشحون)، من مستوى جيد.

(5) أن تكون الحكومة قادرة من السيطرة على الموقف، وعلى توجيه خدمات البيروقراطية ذات التدريب الجيد، وذات التقاليد، والمراكز الاجتماعية المرموقة.

(6) أن يكون هناك ضبط للنفس، وأن يسود التسامح بين المرشحين.

(7) تُمنع الهيئة الناخبة، حالماً تقوم بمهمة اختيار الحكام، من التدخل في العمل السياسي لممثليها ـ بأي نوع من أنواع التدخل ـ حرصاً على استقرار النظام.

(Cool أن تكون السلطة الحاكمة، قادرة على فض المنازعات، التي قد تحدث بين المرشحين.

(9) أن تكون السلطة الحاكمة، قادرة على فرض وتنفيذ القرارات اللازمة، لتحقيق المصلحة العامة المشتركة.

(10) إيجاد إدارة اقتصادية فعالة.

(11) إيجاد ضمانات كافية، لمنع نشاط من يريد تغيير البنية الأساسية للمجتمع.

ب. الأزمة الأخلاقية

كان من المفترض أن تعكس الديموقراطية مُثُلاً وقيماً أخلاقية، وهو ما كانت تحاول الديموقراطية التقليدية تمثله، بل وتحقيقه على أرض الواقع.

ولكن مع انهيار المثل والأخلاق، ليس فقط على أرض الواقع، بل أيضاً على المستوى الفلسفي، أضحت الديموقراطية، مدعوة إلى التخلص من تلك المثل والقيم الأخلاقية، لتصبح فقط أداة للحكم.

ثم أُعلِن موت الفلسفة نفسها، التي تبحث في الأخلاق والقيم، وترك كل شيء لتفترسه النسبية على يد الفيلسوف الألماني نيتشة. ويعد (جوزيف شومبتير)، النموذج المعبر عن هذه الحالة الصارخة في الفكر الفلسفي السياسي الحديث، حيث صب جام غضبه على القيم والمثل التقليدية، كالخير العام، وإرادة الشعب، والإرادة العامة، التي نادى بها روسو، واعتبرها شومبتير مجرد خرافات. وعلى هذا اقترح مفاهيم جديدة، فبدلاً من مفهوم (حكم الشعب) اقترح مفهوم (حكم معتمد على الشعب) أو (حكم لصالح الشعب).

ولم تزد الديموقراطية، من وجهة نظر هؤلاء الفلاسفة، عن كونها تنظيماً تأسيسياً القصد منه التوصل إلى قرارات سياسية، حيث يحرز الأفراد من خلاله، سلطة التقرير بواسطة التنافس على، أو الصراع من أجل، الظفر بصوت الشعب.

فلم ترتبط الديموقراطية عند هؤلاء النفر، بغايات أو مثل محددة، يجب الكفاح من أجلها. بل هي لديهم طريقة من الطرق، أو آلة من الآلات، أو نمط من التنظيم القائم، على مؤسسات تهدف إلى الوصول إلى قرارات سياسية. أو على حد تعبير أحد المفكرين الفرنسيين المعارضين: تقنية للحكم خاضعة لمعيار الفعالية وحده.

فالديموقراطية من وجهة النظر هذه، مذهب له غايات ووسائل، ولكنها غايات غير محددة، وإنما تتكيف بحسب الوضع السياسي.

والسمة المميزة، لهذا الموقف من الديموقراطية، هو عدم الثقة الشديدة بالمواطن العادي، حينما يدخل الميدان السياسي، لعدم قدرته على القيام بدور ما، خلال العملية السياسية.

وترتب على ذلك، أن الوسائل السياسية، التي أتاحتها نظرية "النخب الديموقراطية" للمواطن العادي، لم تتعد حقه في قبول أو رفض من سيحكمه، من خلال العملية الانتخابية. وكانت النتيجة المنطقية، هي حصر حق المواطن السياسي في انتخاب القادة والحكام، والنقاش. ولا يُطلب من المواطن إلاّ العمل على جعل الآلة الانتخابية تدور بنجاح، وأن يتحلى بضبط النفس الديموقراطي.

بل وصلت الأزمة إلى حد التحذير من دكتاتورية الأغلبية، وإطاحتها بالنخب السياسية، مما يؤدي إلى الفوضى. فيحذّر أحد المفكرين السياسيين، المؤسسين لنظرية النخب الديموقراطية، من أن عدم الثقة في حكم النخب، يمكن أن يقود إلى الفوضى السياسية، وأن الأرستقراطية لم تَعُدْ العدو التقليدي للديموقراطية، وإنما الطبقات الوسطى، هي الآن، عدو الديموقراطية. فإن أخشى ما تخشاه الديموقراطية ـ كما يتصوره ـ أن تتولى هي نفسها تحطيم قادتها بيدها، وإحلال نخب ذات نزعات مضادة للديموقراطية، محل الصفوة الديموقراطية. ويخلص إلى المناداة، ببقاء السلطة بيد النخب الحاكمة، التي تملك كل أسباب الامتياز المعترف بها من قبل الجميع.

[1] مدينة فاضلة، عالم مثالي بعيد تحقيقه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:20 am

المبحث الثالث

الديموقراطية في الميزان

أولاً: الإسلام والديموقراطية

يرى كثير من الباحثين في العصر الحديث، ولا سيما في البلاد الإسلامية، تشابهاً، أو تطابقاً، بين الإسلام والديموقراطية. وبصرف النظر عن أن الدافع الذي دعا بعضهم إلى القول بهذا الرأي، فالحقيقة الثابتة، هي أن بين الإسلام والديموقراطية من التخالف، مثل ما بينهما من التوافق. وربما كان الأقرب إلى الصواب القول إن وجوه الخلاف تغلب، أو هي أهم، من وجوه التماثل.

فمن خلال مفهوم الإسلام للعَقْد السياسي، ومسؤولية الحكم، وطبيعة التعاقد، ومكانة الأمة، وخصائص إرادتها، والعلاقة بينها وبين الحاكم، نتبين أنه ليس فقط بين الإسلام من الوجهة السياسية والنظام الديموقراطي أوجه تشابه، بل إن أهم ما تحتوى عليه الديموقراطية من عناصر، وأفضل ما تتميز به من صفات، يشتمل عليه الإسلام.

فإن كان يُراد بالديموقراطية، كما عرفها أبراهام لنكولن[1]: (حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب)، فهذا المعنى متمثل، ولا شك، في نظام الدولة الإسلامية، باستثناء أن الشعب ينبغي أن يُفهم في الإسلام على نحو خاص، أو شامل.

وإن كان يراد بالديموقراطية ما صار يُقرن بها عادة، من وجود مبادئ سياسية، أو اجتماعية معينة: مثل مبادئ المساواة أمام القانون، وحرية الفكر والعقيدة، وتحقق العدالة الاجتماعية، وما إلى ذلك، أو كفالة حقوق معينة، كحق الحياة والحرية والعمل، وما أشبه، فلا شك في أن كل تلك المبادئ متحققة، وهذه الحقوق مكفولة في الإسلام.

ويُلاحظ أن نظرة الإسلام إلى هذه الحقوق، من حيث المنشأ الطبيعي تختلف. فقد تُعد حقوقاً، أو تقرر على أنها هي الأصل في الأشياء، أو أنها هي القانون، الذي وضعه الله للوجود، أو الفطرة، ولكن مع كل ذلك، لا يؤثر هذا الاختلاف في النظرة في طبيعة تلك الخصائص أو الحالات؛ والنتيجة واحدة، وهي أن الإنسان تُضْمن له كل هذه الحقوق.

والشريعة الإسلامية، إنما ترمي إلى أن تحقق العدالة المطلقة في أكمل صورها، وأن تتحقق للإنسان أسمى وأكرم حياة، يمكن أن تليق بإنسانيته.

أمّا إن كان المراد من الديموقراطية، ما تعارف عليه الناس من أنها نظام يستتبعه، مبدأ الفصل بين السلطات، فهذا أيضاً مقرر في النظام الإسلامي. فالسلطة التشريعية في الإسلام، وهي أهم السلطات في أي نظام ديموقراطي، مودعة في الأمة كوحدة، ومنفصلة عن سلطة الإمام، أو رئيس الدولة. فالتشريع يصدر عن الكتاب والسُّنة، أو إجماع الأمة، أو الاجتهاد، وهو بهذا مستقل عن الإمام، بل هو فوقه، والإمام ملزم ومقيد به؛ وما الإمامة في الحقيقة إلاّ رئاسة السلطة التنفيذية. والقضاء مستقل أيضاً، لأن القاضي لا يحكم وفقاً لرأي الحاكم، أو الرئيس، وإنما يحكم وفقاً لأحكام الشريعة، أي أمر الله وسُّنة رسوله.

وإن فكرة الإجماع، وهي من خصائص الشريعة الإسلامية، التي انفردت بتقريرها، لتؤيد أن للأمة وإرادتها مكاناً في النظام الإسلامي، أرقى مما يمكن أن تناله في أي نظام ديموقراطي، مهما كمل.

فالمسلمون قد قرروا أن إرادة الأمة معصومة، وأنها من إرادة الله. لذا جُعلت مصدراً للتشريع، وإن كانت تعتمد في النهاية على مصدري الكتاب والسُّنة. ومن الناحية العملية، تُمثل هذه الإرادة إجماع المجتهدين من علماء الأمة.

وقد قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسير الآية الكريمة: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[ (سورة النساء: الآية 59)، ما يلي: أَمْرُ الله بالطاعة هنا وارد على سبيل الجزم، ومن أَمَر الله بطاعته هكذا يجب أن يكون معصوماً؛ لئلا يترتب عليه أمر الله بفعل الخطأ ومتابعته ثم قرر أن المعصوم لا يجوز أن يكون بعض الأمة، وإنما هو مجموعها ممثلا في أهل الاجتهاد.

واستنتج من هذا أن الآية حجة على الإجماع، وخلص إلى أن المراد "بأولي الأمر"، أهل الحل والعقد، من علماء الأمة القادرين على الاجتهاد والاستنباط إذا أجمعوا؛ وهم المعروفون بهذه الصفة في كتب أصول الفقه. وقد قرر الشيخ محمد عبده مثل هذا التفسير، مع تعديل يسير كما اختاره غيره من علماء المعاصرين.

ثانياً: خصوصية التجربة الديموقراطية

يستشعر المتتبع لتاريخ الديموقراطية في العالم الغربي، مدى تأثير خصوصية الظرف التاريخي، على نشأتها وتطورها. فلعله إن لم يكن في أوروبا كنيسة تحكم بالحق الإلهي، وأمراء يحكمون بالإقطاع، لمَا كانت هناك ديموقراطية، أو على الأقل في صورتها الراهنة. فلو كان هناك ظرف تاريخي مغاير، لنتجت عنه نظرية سياسية مغايرة، والدليل على ذلك، أن الديموقراطية في الغرب ليست صورة واحدة، ولا نظرية واحدة، ولا تَعْريف واحد. وبين تطبيقاتها كثير من الاختلاف بين الدول الغربية، نتيجة الاختلاف بين الظروف التاريخية لتلك الدول.

ومرد ذلك أن على كل حضارة الاحتفاظ بخصوصيتها، الفكرية والتاريخية والثقافية. وينبع التطوير، أول ما ينبع ـ عادة ـ من الخصوصية. فالحضارة العالمية الواحدة وهمُ سراب وكذبة كبرى، يراد من ورائها تثبيت وتدعيم السيطرة الغربية المهيمنة على سائر الحضارات، خاصة تلك التي تطرح مفهوما مغايرا لها، كالحضارة الإسلامية، والحضارة الصينية، مثلاً. لذلك ينبغي مراعاة خصوصية كل حضارة، خاصة في الزمان والمكان.

والديموقراطية في تطورها، لا تدين بالشكر للمفكرين والرأسماليين فقط، بل تدُين أيضاً ببالغ الشكر للآلاف من العمال الفقراء، الذين طحنتهم ماكينة النفعية، وغلواء الفلسفة الفردية، حتى أخذ فلاسفة النفعية ومفكرو الفردية يقيّمون، ويلمسون الآثار السيئة، لبعض أفكارهم على فقراء المجتمع، ويسعون في تعديل تلك الأفكار. فالسعادة حق لكل المواطنين، وليست، كحق الانتخاب، حكراً على طبقة النبلاء والممولين فقط.

وعندما أصبحت العدالة الاجتماعية أكثر المطالب إلحاحاً، تبنتها الاتجاهات الاشتراكية الجديدة، التي كان الراديكاليون والنفعيون والفرديون يحاربونها. فالمبادئ والفلسفات، التي كانت وراء الديموقراطية لم تكن لتؤدي بنفسها إلى العدالة الاجتماعية، لولا نشوء تيارات أخرى معارضة، استطاعت أن تحصل للطبقات الدنيا من العمال على حقوقها.

ومما يؤكد خصوصية كل حضارة، إشكالية الأصول الفكرية. فبقدر ما تحاول كثيرٌ من التيارات الفكرية، داخل المجتمعات المسلمة، التخلص بأكبر قدر، وأسرع وقت، من أصولها الفكرية الخاصة، يحاول الفكر الغربي الحديث، أن يبني بنيانه على أساس من خصوصيته الحضارة الخاصة به، بدءاً من الفكر اليوناني والروماني القديم.

ولا يخفي على متتبعي النهضة الغربية الحديثة، مدى ما لاقاه الفكر اليوناني والروماني من إحياء وبعث، ولو عن طريق مصادر وسيطة (كالمصادر العربية المترجِمة لكثير من ثقافة اليونان)، ثم الاعتماد عليه بعد ذلك، في التطوير والتجديد.

فلا بد، إذن، من التراكم في البناء الحضاري، ولم يصح قط لحضارة أنها بدأت من (الصفر الحضاري)، كما لم يصح لها أنها بدأت، على أساس حضاري مغاير لها.

ولهذا، فإن كل المحاولات الحديثة، لإفقاد المسلمين الخصوصية الحضارية، هي إمّا محاولات للسيطرة، إن كانت من الآخرين، أو محاولات للالتحام بهم والتبري من الحضارة الإسلامية، إن كانت من الداخل.

ولا يمكن أبدا أن تكون هناك محاولة مخلصة، للتقدم والرقي والتجديد والإصلاح، إلاّ وهي تُعنى تماماً بالارتكاز على الخصائص، والأسس الحضارية والفكرية، للأمة المسلمة.

في ضوء ما سبق من خصوصية التجربة، واختلاف الأصول الفكرية، التي تُميز الحضارات بعضها عن بعض، يتقرر التميز الشديد للفكر الإسلامي، في تصوراته ومبادئه وأطروحاته.

فحتى القرن السابع عشر، كان الفيلسوف هوبز يدافع عن الحكم الشمولي المطلق، ويسلب الأفراد كل حقوقهم، بينما لا يُعطي الإسلامُ الحاكمَ مثل هذا الشمول ولا الإطلاق، ولا يسلب الأفراد حقا من حقوقهم.

وفي القرن الثامن عشر، هاجم الفيلسوف جون مل، فكرة حق الانتخاب السياسي لكل مواطن، وجعل في كتابه "الحرية" حريته تلك، حقاً لشعوب من دون شعوب، في حين يسوي الإسلام بين الناس جميعاً على أساس واحد من التقوى. خطب رَسُولِ اللَّهِ r فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ" ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ rَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22391).

فالإسلام يُعطي كافة الأمة حق البيعة العامة، بعد البيعة الخاصة (بيعة أهل الحل والعقد)، وللإنسان الحق في أن يرتضي البيعة أو يرفضها.

وتكشف السيرة النبوية المشرفة، أن مما صدّ سادة قريش وكبراءها عن الدعوة الجديدة، أنها تسوّي بين الناس، مما يعنى خسرانهم (في تصورهم) للكثير من المصالح المادية، وهؤلاء هم الذين يقابلون في التاريخ الأوروبي طبقة النبلاء والرأسماليين.

ففي حين يقرر الإسلام العدالة الاجتماعية منذ البداية، تضطر ديموقراطية النبلاء والرأسماليين إلى الاعتراف بها، تحت وطأة ثورات العمال الدامية.

ويؤكد هذا المؤلف اختلاف المركز الحضاري نفسه، لكل من الحضارتين الإسلامية والغربية. فبينما يمثل النص (القرآن) مركز الحضارة الإسلامية، يمثل الإنسان مركز الحضارة الغربية. فالاختلاف يبدأ من مركز الحضارة، من نقطة الانطلاق الحضاري، فكيف تتأتى نقطة التقاء بين حضارتين افترقتا ابتداء منذ لحظة انطلاقهما، ومن هنا كان الإسلام يمثل التحدي الحضاري الحقيقي للهيمنة الغربية.

وكذلك اختلاف المصدر بين الحضارتين، له تأثيره وخطره. فمفهوم المصدر، أحد المفاهيم الفارقة، الذي يتحدد بناء عليه كثير من القضايا، التي يفترق فيها الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي، حيث تتشكل في ضوء المصدر، مفاهيم أخرى مهمة، تمثل حجر أساس في نظرية الديموقراطية، كالإرادة العامة والسلطان والدولة.

فالإرادة العامة تمثل أحد الأسس النظرية للديموقراطية. ومن جانب آخر، فهي داخلة في مفهوم الأمة في الإسلام. ومن هنا يكون الفرق، بين مفهوم الإرادة العامة في الغرب وفي الإسلام. فهذه الإرادة ـ وحدها في الغرب ـ هي مصدر القانون، وهي وحدها، التي تُمارس السلطان، وتوجه قوى الدولة. على حين أن مصدرية القانون في الإسلام هي للشرع، والأمة بأسرها مؤتمنة على هذا الشرع وعلى تطبيقه، وعلى رقابة من أسند إليهم مهمة التطبيق، فالإرادة العامة في الإسلام مسؤولة عن مراقبة تطبيق الشريعة، وليست هي مصدر التشريع. بل إن هذا الإشكال، ينبني على اختلاف المركز الحضاري نفسه لكل من الحضارتين، الإسلامية والغربية؛ فبينما يمثل النص مركز الحضارة الإسلامية، يمثل الإنسان مركز الحضارة الغربية.

ويتفرع على ذلك اختلاف كبير في مفهوم السلطان والدولة، وواجبات كُلٍ وحقوقه. ففي الحضارة الإسلامية يدور الكل حول الشرع، أخذاً وتطبيقاً، وحماية ودفاعاً، وخدمة. وفي الحضارة الغربية يدور الكل حول الإنسان، سعياً لتحصيل المتعة والسعادة له.

إن النموذج الذي يقدمه الغرب، في دعوته للتخلص من المصدرية الإسلامية بخصوصيتها، بل التخلص من الإيمان بالله ـ مطلق الإيمان ـ حتى يمكن التقدم والتطور، هو نموذج لم يصنعه كل مفكرو الغرب، بل وجد منهم ـ وممن ساهموا بشكل أساسي في تكوين تلك الحضارة ـ من يدعو بقوة إلى الإيمان بالله. ولا شك أن هؤلاء تُمثل أزمتهم مع الإيمان، أزمة كنسية في المقام الأول، حتى اضطروا إلى الخروج إلى مطلق الإيمان بالله، بعد أن عجزت الكنيسة عن إقناعهم.

بل وجُد من هؤلاء المفكرين الغربيين، من قرُبَ بفكرته عن الله، وعلاقته بالموجودات، من فكرة شرع الله في الإسلام.

فمونتسكيو في كتابه "روح القوانين" ـ الذي يعد أحد أعظم ثلاثة كتب قادت الفكر السياسي والاجتماعي الأوروبي في القرن الثامن عشر، - على الرغم من تعصبه الشديد لديانته المسيحية ضد الإسلام يرى أن هناك عقلاً مبدئياً، وهو الله، والقوانين عبارة عن العلاقات، التي توجد بينه وبين الموجودات المختلفة، وفيما بينها وبين بعضها. فعلاقات الله بالكون تتلخص في أنه خلقه وفق قواعد وضعها هو، وهو يحفظه ويصونه، وفق القوانين نفسها التي خلقه بمقتضاها، فالعالم المادي والحال هذه مَسُود بقوانين لا تتغير لأنها أساس وجوده واستمراره.

كما يرى مونتسكيو ضرورة الاستعانة بالدين، والروح الديني، في تهذيب الأخلاق، وتمسك الأفراد بالفضيلة، التي هي في إطاعة القوانين. وأن يعتقد الناس في وجود الله؛ لأن في نكران وجوده تأكيداً لاستقلال الأفراد (أي لضياع حقوقهم)، فحيث لا يكون لديهم إيمان، فإنه يتبعه بالضرورة عصيانهم وتمردهم.

ويرى مونتسكيو أن الحاكم، الذي يحب الدين ويخشى الله، هو كالأسد الذي يخضع لليد التي تحنو عليه، أو الصوت الذي يهدئه. والحاكم، الذي يخشى الله ويكره الدين، كالأسد الذي يقرض السلسلة، التي تحول بينه وبين الهجوم على المارة في طريق. والحاكم، الذي لا يدن لله أبداً، كالأسد المخيف، الذي لا يشعر بحريته، إلاّ عندما يهجم ويفترس. ويذهب مونتسيكو إلى أن التدين، بأي دين، خير ألف مرة من عدم التدين مطلقاً.

على حين يرى الفليسوف الهولندى الشهير سبينوزا، أن العالم يسير بالقضاء والقدر، وأن كل ظواهر هذا العالم، فيزيقية كانت أم إنسانية، إنما تعتمد على الإرادة الإلهية.

بل إن علماء القانون في عصر النهضة، وعلى رأسهم الرئيس داجسو الفرنسي، يذهبون إلى أن القوانين تصدر عن فكرة أو فلسفة خاصة، لسلطة عليا، متحكمة في المجتمع، ومشبعة بتلك الفكرة، والقانون الوضعي في المجتمع، ليس في هذا المعنى إلاّ تعبيراً عن إرادة الله. ذلك أن القانون، صادر عن الحاكم الذي يتولى السلطة، والذي يعد نظرياً ممثلاً عن الله في المجتمع، فهو قد اختاره لينوب عنه في حكمه، وهو إذ يتصرف إنما يعبر عن الإرادة الإلهية، مستهدفاً من ذلك تحقيق أكبر نفع للمجتمع، الذي ولى أمره، وهو بعد مسؤول أمام الله عن هذا التصرف.

إن هذا الفكر أقرب إلى روح الإسلام، منه إلى الوضع، الذي انتهت إليه الحضارة الغربية اليوم. فالشريعة، في إطار هذا التصور، هي الأساس التي يصدر من خلالها الحاكم، ويعتمد في تصرفاته. فهي مجموعة القواعد والقيم، التي يلتقي حولها أفراد المجتمع ويؤمنون بها، وبسلامتها كشريعة خاتمة، بينما اضطر مفكرو الغرب إلى الخروج عن ديانتهم، حيث قصرت عن إعطاء الإجابات الصحيحة والملائمة للنمو والتقدم. فالخروج عن الكنيسة ـ وليس عن الإيمان ـ ضرورة في إطار الفكر الغربي، وليس هو كذلك في إطار الفكر الإسلامي.

إذن، فليس من الضروري أن تكون مصدرية الشرع الإسلامي فكرة ثيوقراطية (أي ربط الدين بالسياسة)، وليس من الضروري أن تكون الحكومة القائمة على هذه الفكرة هي حكومة ثيوقراطية، كما يحلو لمعارضي الحكم الإسلامي أن يصورها.

ثالثاً: نظرية السيادة، وأثرها على الديموقراطية

قبل أن تنضج ثمرة الفكر الغربي الحديث، استطاع روسو ـ بشفافية تسجل له ـ أن يستبطن مدى ما ستؤدي له حركة التطور الفكري والسياسي في أوروبا، من محق لإنسانية الإنسان.

ويبدو أن الغرب الديموقراطي، في سعيه الدؤوب إلى تقدم الإنسان، ينسى الإنسان نفسه، وسط زحام الاهتمام بالتقدم. فيصبح "التقدم فقط"، وليس تقدم الإنسان، هو الغاية المنشودة.

فعندما أُعلن عن انتهاء عصر الفروسية، وبدأ عصر الأنانية وحب الذات، انتهي عصر الإنسان، وبدأ عصر المادة. لذلك، كانت فكرة السيادة في الغرب، منتزعة من الصراع بين الكنيسة، كسلطة إلهية، وبين الجهات المعادية لها، وهي جهة الملوك والإقطاعيين، ومؤيديهم من الفلاسفة والمفكرين.

والأسئلة التي تطرح نفسها، بعد ذلك، هي:

·   هل لأسباب نشأة السيادة، كما هي في المفهوم الغربي، اعتبارٌ ما في النظام الإسلامي؟

·   وهل مضمون نظرية السيادة وأساسها، يتفقان مع ما تقدمه النظرية الإسلامية في سلطة الدولة من مضمون، وما تستند عليه من أساس؟

·   وهل لهذا الجدل الفكري في الغرب، وما نشأ عنه من مذاهب ونظريات، اعتبار عام في كل المجتمعات الإنسانية الأخرى، بحيث يصلح، كله أو بعضه، لأن يُردد في بيئة أخرى؟

فالمسيحية فصلت بين الدين والدولة، حتى تميزت البلاد المسيحية بوجود سلطتين منفصلتين: سلطة الكنيسة، والسلطة الزمنية. وقد أدى ذلك الفصل، مع أسباب أخرى، إلى ذلك الصراع المرير، الذي استمر طيلة القرون الوسطى، حتى القرن الثامن عشر، والذي ما زال يجد صداه في الخطابات البابوية والقرارات الكنسية للفاتيكان إلى هذا اليوم.

لئن حدث هذا في الغرب المسيحي وفي ظل المسيحية، فإن الإسلام لم يعرفه، بل هو بطبيعته لا يمكن أن يعرفه. فالإسلام لا يقر وجود سلطتين منفصلتين، لأن الإسلام نظام شامل.

وقد قرر مفكرو الإسلام هذه الحقائق، وبينوا خصائص الإسلام، حتى أصبح كل ذلك بديهياً، حتى في أذهان كثير ممن كانوا ينكرون على دينهم ذلك.

وبعد هذا، فالسلطة في الإسلام لم تمر في نشأتها، بما مرت به السلطة والسيادة في الغرب، والإسلام لا يعرف فكرة ازدواجية السلطة. لذلك، لم يكن للفقه الإسلامي أن يعرف "نظرية السيادة" كما عرفها الغرب، فضلاً عن أنه لا يعرف تعبير "السّيادة".

وإذا كان الإسلام لا يعرف السيادة، ـ نظرية أو تعبيراً ـ فإنه يعرف، ولا ريب، نظرية السلطة والسلطان. فالسلطة طبقاً للنظرية الإسلامية، مقيَّدة بأحكام القرآن والسنة، التي تشكل نوعاً سامياً من القانون الدستوري، الذي يعلو على القانون الوضعي.

وتوجد ضمانات لتقييد السلطة في النظرية الإسلامية، بينما نظرية السيادة ـ كما هي في الفكر الغربي ـ لا تعرف هذه الضمانات، بحكم أنها لا تعرف فكرة التقييد ذاتها، ولا تعترف بها. على حين أن النظرية الإسلامية، لم تكتف بوضع قيود على السلطة فقط، بل عُنيت، أيضاً، بوضع ضمانات لهذا التقييد. وهذه الضمانات على نوعين:

تمثل أولهما في مبدأ الشورى، بما يمثله من ضرورة رجوع الحكام إلى الأمة، في الأمور المهمة.

وتمثل ثانيهما في مبدأ الرقابة من الأمة نفسها على تصرفات الحكام، وحقها في عزلهم إن صدر عنهم ما يبرر ذلك.

إن هذه النتيجة لا تدعو فقط، إلى تبرئة الفكر القانوني الإسلامي من كل صلة بنظرية السيادة، بل تدعو كذلك، إلى تخليص الفكر القانوني المقارن من هذه النظرية؛ لأنه ونظرية الاستبداد سواء بسواء.

ولا توجد سوى نظرية واحدة صالحة للسيادة، هي تلك التي تُقرر أن الله الخالق، هو صاحب السيادة على العالم المخلوق.

ولكن في النظام السياسي، وبيد حكام من البشر، لا يمكن استخدام نظرية السيادة استخداماً صحيحاً، لأنه طبقاً للتحليل النهائي لفكرة السيادة، لا توجد سلطة دنيوية يمكن اعتبارها صورة الله على الأرض، أو نائبة عن الله في الأرض. فالله هو مصدر السلطة، التي يوليها الشعب هؤلاء الحكام. وعلى ذلك فإن هؤلاء الحكام ليسوا نواباً عن الله، وإنما هم نواب الشعب، ولا يمكن أن ينفصلوا عن الشعب ويتميزوا عنه، ليحكموه من علِ.

[1] رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1860، عُرف "محرر العبيد في أمريكا".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:20 am

المبحث الرابع

النظام الإسلامي

عَرِف الإسلام، الدولة بأركانها ودعائمها. وهذه قضية مسلّمة في الفكر الإسلامي، على الرغم من بعض ما أثير حولها.

وفي الحقيقة، يصعب إرجاع نشأة الدولة الإسلامية لأي من النظريات، التي تحاول الكشف عن نشأة الدولة، كالنظريات التيوقراطية، التي تُرجع مصدر السلطة إلى الله تعالى، وكنظرية تأليه الحاكم، ونظرية الحق الإلهي المباشر، ونظرية الحق الإلهي غير المباشر (التفويض الإلهي)، أو تلك النظريات، التي تُرجع نشأة الدولة إلى البشر، كنظرية التغلب والقوة، ونظرية التطور العائلي، ونظرية التطور التاريخي، ونظرية العقد الاجتماعي[1].

فكما لا يخفى، فإن واضعي هذه النظريات، في محاولة لتفسير نشأة الدولة، لم يعنوا أنفسهم بدراسة التجربة الإسلامية في الدولة، ضمن ما درسوه من تجارب الدول، مستخلصين ما توصلوا له من نظريات.

ولئن عَرِفَ التاريخ الإسلامي، نظام حكم إسلامي، فإن الإسلام ـ باعتباره شريعة سماوية خاتمة ـ لم يأت بنظام خاص محدد، يفرضه على المسلمين في كل زمان ومكان، وإنما أتى بمبادئ عامة تصلح لكل زمان ومكان، دون التعرض للتفصيلات، والأساليب والجزئيات، التي بطبيعتها تتطور وتتغير بتغير ظروف الزمان والمكان، لتُراعي فيها كل أمة ما يلائم حالها، وتقتضيه مصالحها.

وبناء على ذلك، فالإسلام فيما يتعلق بنظرية الدولة، لم يدخل في تفاصيل ذات قيم نهائية مطلقة، أو مزودة بحق الشرعية المطردة، التي لا تقبل تغييراً ولا تبديلاً؛ وإنما اكتفي بوضع المبادئ العامة، والقواعد الكلية، التي ينبغي أن تعتمد عليها هذه النظرية. فالنظرية الإسلامية في الدولة ـ بالنسبة للجزئيات والتفصيلات ـ شأنها شأن سائر النظريات السياسية الإسلامية، قبالة للتغيير والتبديل والإضافة، وصيغها ليست نهائية ولا قطعية، ولا هي موضوعة في قالب جامد.

فالإسلام يسمح بتطوير وتحوير النظريات السياسية، التي اجتهد العلماء المسلمون في صياغتها، طبقا لمتطلبات العصر، وظروف الزمان والمكان، بشرط أن تستند تلك النظريات، إلى المبادئ العامة، التي جاء بها الإسلام في ميدان النظريات والأنظمة السياسية، أو ما يطلق عليه في الاصطلاح (القانون الدستوري).

ولهذا، فالذي يهم المسلمين اليوم، هو استنباط نظرية في الدولة مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، تحقق مقتضيات الحياة العصرية ومتطلباتها، ولا تخرج، في الوقت نفسه، عن أسس الشريعة الإسلامية ومقتضياتها.

أولاً: مبادئ النظام الإسلامي

تتجلى في الأتي:

1. الشريعة والفقه والقانون

فالقانون الإسلامي، أو كما يسميه الفقهاء المسلمون، (الفقه)، أوسع نطاقاً من القانون في التشريعات المعاصرة. ذلك أن القانون بالمعنى الحديث، يشتمل على قسمين، هما: القانون العام، والقانون الخاص. أمّا الفقه الإسلامي، فلا يقتصر على هذين النوعين فقط، بل هو أوسع نطاقا، لأنه يدرس مسائل خارجة عن نطاق القانون بالمعنى الضيق، كأحكام العبادات، وبعض قواعد الصحة العامة، وآداب السلوك والأخلاق.

كما أن الفقه الإسلامي يشتمل على شق آخر، هو علم الأصول، الذي يدرس مصادر التشريع (القرآن والسُّنة والإجماع والقياس وما إليها)، ويبحث في طرق استنباط الأحكام الفرعية، من تلك المصادر. كما يُعد الفقهاء دراسة العقائد علماً مستقلاً، هو علم الكلام أو التوحيد.

2. الدستور والقانون العام في الفقه الإسلامي

تدخل أحكام الخلافة، أو نظام الحكومة في الإسلام، بطبيعتها في نطاق (علم الفروع)، وعلى وجه التحديد، في شقه المتعلق بالقانون العام والقانون الدستوري، مع أن الفقهاء يعتبرونها من مباحث علم الكلام.

ولا شك في وجود قانون عام، وقانون دستوري في الفقه الإسلامي. ولكن الفقهاء المسلمين لم يستعملوا هذه المصطلحات، ولم يقروا بوضوح التفرقة القائمة في القوانين الحديثة، بين القانون العام والقانون الخاص، بل ساروا على بحث الأمور المتعلقة بهذين الفرعين معاً، من دون تمييز أحدهما عن الآخر. فيدرسون العقود مع الحدود، إلى جانب قواعد الإدارة، ونظام القضاء والولايات.

لذلك، فإن تحديد نطاق القانون العام في الفقه الإسلامي، واستنباط قواعد التنظيم الدستوري، أو الإداري، أو الدولي، على أسس مستقلة ومتميزة عن القانون الخاص، مهمة شاقة وعسيرة، لجدتّها على الفقه الإسلامي. ويزيد من صعوبة ذلك، أن مسائل القانون العام، لم تحظ من الفقهاء المسلمين في العصور السابقة، بالعناية نفسها، التي بذلوها في مسائل القانون الخاص.

3. نظام الحكومة الإسلامية (الخلافة)

تتسع نظرية الخلافة، لجميع القواعد المتعلقة بنظام الحكومة الإسلامية، سواء دخلت في نطاق القانون الدستوري، أو القانون الإداري، أو المالي. إلاّ أنها لا تمثل جميع قواعد القانون الدستوري في عُرف التشريعات الحديثة، ولا في نظر الفقه الإسلامي.

4. استقلال التشريع

تُعد القواعد المنظمة للسلطة التشريعية، من أهم مباحث القوانين الحديثة، ومن أهم أبواب الفقه الإسلامي كذلك. لكنها مع ذلك، لا تعتبر في نظر الفقهاء المسلمين، داخلة في نطاق نظام الخلافة، الذي يتمثل في أحكام الخلافة؛ لأن حكومة الخليفة، لا تملك أي سلطة تشريعية في الإسلام.

ومبدأ استقلال التشريع عن الحكومة، يحد من سلطاتها. فلا يستطيع الخليفة أن يكون حاكماً مطلقاً، وهذا من أهم خصائص نظام الحكم في الإسلام. فسلطة الخليفة مقصورة على المسائل التنفيذية، وتعيين القضاة. وإن كانت اختصاصاته واسعة في هاتين الناحيتين، إلاّ أنها لا تشمل حق التشريع. فليس لخليفة المسلمين مطلق السلطة، ولا يملك جميع السلطات.

والسبب في ذلك أن التشريع الإسلامي، في الأصل، تشريع سماوي، فالقرآن والسُّنة هما المصدران الأولان للتشريع، وبعد وفاة النبي r، بقى للشريعة الإسلامية مصدر متجدد يتولى إرشاد الأمة، وهو الإجماع، الذي يأتي في المرتبة الثالثة، من مصادر التشريع الإسلامي.

إن اعتبار إجماع الأمة من مصادر التشريع الإسلامي، هو نواة المبدأ الحديث، الذي يجعل إرادة الأمة مصدر السلطات، والذي يُعبر عنه بمبدأ "سيادة الأمة"، في النظم العصرية.

هذا المبدأ، الذي يقوم عليه التشريع الإسلامي، هو المبدأ نفسه، الذي يقوم عليه النظام النيابي الحديث. لكن الذي يميّز النظام الإسلامي، أن ممثلي الأمة ـ في القيام بوظيفة التشريع ـ هم المجتهدون، أي العلماء الذين يعترف لهم بالوصول إلى مرتبة الاجتهاد.

5. فصل السلطات

يعتبر مبدأ فصل السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، حجر الزاوية في النظم الدستورية الحديثة.

وكان الفقه الدستوري الحديث، يبالغ بادئ الأمر في تطبيق هذا المبدأ تطبيقاً كاملاً، لكنه أصبح الآن يميل إلى الاعتدال، ويراعى ضرورة التعاون بين الهيئات التي تباشر هذه السلطات الثلاث.

وأمّا الفقه الإسلامي فيجمع بين التشدد والاعتدال. فهناك فصل تام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل يبالغ الفقه الإسلامي في ذلك الفصل، إلى درجة لم تصل إليها النظم البرلمانية الحديثة، التي يعترف أغلبها لرئيس الدولة ببعض الاختصاصات في التشريع، عن طريق اقتراح القوانين، أو الاعتراض عليها، أو إصدارها، أو إصدار قرارات لها قوة القوانين.

إن مبدأ فصل السلطات، هو أساس نظام الحكم الإسلامي، على الأخص فيما يتعلق بالسلطة التشريعية، لأنها مستقلة تماماً عن مؤسسة الخلافة.

أمّا بالنسبة للسلطة القضائية، فعلى الرغم من أنه يدخل ضمن اختصاصات الخليفة تولية القضاة، إلاّ أن الفقهاء قرروا، أن القضاة لا تنتهي ولايتهم بوفاة الخليفة الذي عينهم. وهذا يؤكد بوضوح مبدأ الإسلام في الخليفة، وأنه فقط نائبٌ عن الأمة في مباشرة السلطة التنفيذية، وفي تعيين القضاة. ومعنى ذلك، أن الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ليس كاملاً في النظام الإسلامي، إلاّ أن السلطتين، معاً، يشتركان في تطبيق الشريعة، والخضوع لها خضوعا كاملاً.

وعلى هذا، يجوز الاعتراض، بشدة، على ما ذهب إليه أحد الباحثين المعاصرين، في قوله: (لا يأخذ نظام الخلافة بمبدأ الفصل بين السلطات، خلافاً للأنظمة الدستورية الغربية، فالخليفة هو صاحب السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي ذلك أحد المآخذ، بل لعله أكبر المآخذ والانتقادات، التي يوجهها البعض إلى نظام الخلافة، لأنه لا يأخذ بذلك المبدأ، الذي قُبِل في الفقه الدستوري الغربي كأهم ضمان للحرية).

إن مبدأ الفصل بين السلطات في الحكم الإسلامي، مقرر لا يخفى. فليس للحاكم أي سلطة تشريعية، وليس له أي سلطة قضائية. فالحاكم له حق التعيين بسبب نيابته عن الأمة، وليس له حق التدخل في القضاء، بل للأمة الاعتراض عليه إذا أساء اختيار بعض القضاة، وطلب عزلهم. وإن الراجح ـ فقهاً ـ من عدم عزل القضاة بموت الخليفة يؤكد هذا المعنى، وأن حق الأمة هو المراعى أولا وأخيرا، وأن تعيين الخليفة للقضاة هو أشبه بالإجراءات، ولا يعبر مطلقا عن حق التدخل في السلطة القضائية. والتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الفهم لاستقلال القضاء، كما يؤكد على تقرير مبدأ الفصل بين السلطات، وأن ما وقع خلاف ذلك في التاريخ الإسلامي، فإنما هو خروج عن المبدأ.

ولهذا، سرعان ما وقع الباحث نفسه في الاضطراب، واضطر إلى الاعتراف بوجود مبدأ الفصل، حيث يقول، بعد أن ذكر بعض الوقائع التاريخية: (ومما تقدم يتبين أن الخليفة في عهد الخلفاء الراشدين لم يكن حاكماً مطلقاً، يجمع بين يديه سلطات التشريع والإدارة والقضاء، فالتشريع كان يقوم به في هذا العهد جماعة من المجتهدين، بصفة أساسية. وأمّا القضاء فكان وظيفة مستقلة. فالإسلام قد عرف جوهر مبدأ فصل السلطات، وهو الذي يقول إن السلطات يجب ألاّ تُجمّع في قبضة يد شخصية أو هيئة واحدة، بل يجب توزيعها وتقسيمها بين هيئات مختلفة).

ومما يؤكد هذا الاستقلال، إخضاع الحاكم في الإسلام لرقابة القضاء، التي ذكرها الباحث نفسه حتى إنه وافق على ما سبق ذكره، من أن تعيين الخليفة للقضاة، إنما هو بموجب نيابة الخليفة عن الأمة، فقال: (ولئن كان الخليفة هو الذي يولي ويعزل القضاة، فإن هؤلاء لم يكونوا نوابا عن الخليفة، بل كانوا نواباً عن جمهور الناس ... على أننا إذا رجعنا إلى صدر الإسلام، وإلى عهد الخلفاء الراشدين، فإنه يتبين لنا أن القضاء كان بمنأى عن تدخل الخليفة، على الرغم من أنه يُعين القضاة).

والأدلة الشرعية والوقائع التاريخية، على هذا المبدأ الرقابي (الذي يؤكد المبدأ الأهم، وهو فصل السلطات) كثيرة، قد استوعبتها المؤلفات الخاصة بالقضاء في الإسلام.

6. إجماع الأمة

إن الأمة في الإسلام هي المعبِّرة عن الإرادة الإلهية بإجماعها، وليس الخليفة أو الحاكم بسلطته. فالإجماع نوع من التعبير عن الإرادة الإلهية، بينما الخليفة لا يملك أن يُعطي لنفسه حق التعبير عن الإرادة الإلهية، لأنه لا يملك سلطة التشريع.

إن كل صورة الديموقراطية الحديثة، لا يمكن أن ترقى إلى ما قرره الإسلام، من أن إرادة الأمة، المتمثلة في الإجماع (بشروطه المقررة أصولياً) هي، التي تعبر عن إرادة الله. فللأمة وحدها، من دون حكامها حتى لو كانوا خلفاء، حق التعبير عن الإرادة الإلهية، بعد القرآن الكريم والسُّنة المشرّفة.

والإجماع هو مصدر التشريع الفقهي المتجدد، وأهمية الإجماع كمصدر للتشريع، تزداد إذا لوُحظ أنه يمثل مع الشورى، أساس النظام النيابي في الإسلام. ولذلك، وصفه المستشرق جولدزيهر بأنه مفتاح التطور التاريخي الإسلامي، من الناحية السياسية والعلمية والتشريعية.

ويسد الإجماع حاجات المجتمع الإسلامي، إلى أحكام جديدة تزداد بمضي العصور، وتغير الظروف. فهو، إذن، أداة فنية ضرورية لصياغة أحكام الشرعية وتقنينها. ولكي يواصل الإجماع تطوره، لا بد من صياغته وصياغة أدواته، في صور معاصرة، تسمح بانطلاقه.

ولهذا، تبطل حجة بعض الباحثين المعاصرين، فيمن وقف موقفاً معارضاً من الإجماع عامة، ومن الإجماع في مجال القانون الدستوري خاصة، حتى قال: (الرأي عندنا أنه لا مكان للإجماع في عصرنا هذا بين مصادر الشريعة الإسلامية، ولا سيما بصدد الأحكام الشرعية الدستورية) وذهب في موضع آخر إلى أن الإجماع متعذر عملاً، في هذا العصر.

فمن الجهة الأصولية، فلا معنى لقصر الإجماع على القرون الثلاثة الأولى، لأن الإجماع، كغيره من مصادر الشريعة، باق إلى يوم الدين. وتبطل حجة من قالوا باستحالة الإجماع. لأن ذلك خلط من بين مستويين: مستوى الحجة، ومستوى الإجراءات.

فالقول باستحالة انعقاد الإجماع، هو حديث في الإجراءات، ولكن أقرب دليل على عدم استحالته إجرائياً هو وقوعه، ونقله في العديد من القضايا بما لا يدع مجالاً للشك في انعقاده، وإمكانه. وإذا كان هذا الإجماع قد وقع في ظل ظروف تقنية بدائية، فكيف نقول هذا في عصر الهاتف المحمول، فضلا عن غيره من وسائل الاتصال الحديثة السريعة.

وإذا كان الاقتراح القديم، بإيجاد مجمع لهيئة الاجتهاد، يضم أكابر العلماء من كافة بلاد الإسلام، تحول بينه العديد من المشكلات، أصعبها المشكلات السياسية، فإن تيسر سبل الاتصال اليوم، يقرب هذا الاقتراح من التنفيذ خطوات وخطوات.

وفي ضوء هذه المبادئ الثلاثة الأخيرة (استقلال التشريع ـ فصل السلطات ـ إجماع الأمة) يمكن الإجابة عن السؤال، الذي طرحه بعض الباحثين المعاصرين: هل يجوز الأخذ بالتشريع الدستوري الصادر من أولي الأمر، في نطاق مبادئ الشريعة الإسلامية، بين مصادر الأحكام الشرعية الدستورية في العصر الحديث، ولا ريب في حجية التشريع الصادر من الخليفة أو الولاة، في حدود أحكام الشريعة الإسلامية، (كما بينها القرآن والسُّنة) مستدلاً بما ورد فيهما من أدلة وجوب الطاعة؟

للرد على هذا يمكن القول: إذا كان المراد "بأولي الأمر"، أهل الحل والعقد، الذين هم نخبة الأمة وعقولها، وأصحاب الكفايات منها، ومن لهم الرقابة على الحاكم، ومن لهم عزله إذا فَعَل ما يقتضي العزل، فليس قولهم حجة شرعية قطعاً. وأولو الأمر بهذا المفهوم، بينهم عموم وخصوص نسبي، مع أهل الإجماع. فرب عالم لا يكون من أهل الحل والعقد، ورب مَنْ هو مِنْ أهل الحل والعقد وليس عالماً معتبراً قوله في الإجماع.

وأمّا إذا كان المراد بأولي الأمر: الولاة والحكام، فليس قولهم ـ مع وجوب طاعتهم ما نصحوا لله ورسوله والأمة ـ حجة شرعية، وعده حجة شرعية، هو أمرٌ منافٍ تماماً لمبادئ النظام الإسلامي.

والذي لا ريب فيه حقاً، وجود فارق قاطع بين حجية القول، وبين وجوب الطاعة، وأن الخلط بينها أمر غير محمود، وإن وجوب طاعة أولي الأمر، مبدأ مقرر شرعاً لا طعن فيه، إلاّ أنه لا يعنى أبدا الحجية الشرعية.

وبالاصطلاح القانوني: فإن الهيئات التشريعية المعاصرة، لا ينبغي أن تتجاوز في النظام الإسلامي حد تفسير القانون، أو شرح القانون، أو وضع اللوائح التنفيذية.

ويُقصد بالقانون هنا، الشريعة الإسلامية قطعاً، ويدخل في التفسير والتنفيذ، كافة الوقائع للإيمان القطعي بعموم الشريعة، وصلاحيتها. وأنه مهما وردت نازلة لا نعرف حكم الشرع فيها، فمرد ذلك لعجز البشر عن إدراك الحكم الشرعي، وليس لعجز الشريعة ـ في نفسها ـ عن الإجابة.

7. سيادة الأمة

إن مبدأ سيادة الأمة في الإسلام، يعني سيادة الشريعة، لأن روح التشريع الإسلامي تفترض، أن السيادة المطلقة، بمعنى السلطة غير المحدودة، إنما هي لله، فهو وحده صاحب السيادة العليا، ومالك الملك. وإرادته هي الشريعة، التي لها السيادة في المجتمع، ومصدرها هو القرآن والسنة والإجماع.

فالإجماع يعنى أن الأمة صاحبة السيادة، فكأن السيادة الإلهية والحق في التشريع أصبحا بعد انقطاع الوحي، وديعة في يد مجموع الأمة، لا في يد الحُكام ولو كانوا خلفاء.

فالسيادة في الإسلام لا يملكها فرد، مهما كانت مكانته، خليفة أو أميراً أو حاكماً، أو هيئة من أي نوع، وإنما هي لله القدير، الذي فوضها للأمة في مجموعها.

والواقع أن المتتبع لأقوال فقهاء الإسلام، بصدد الحاكم وسلطة الحكم، لا يشك في أن الأمة في مفهومهم، هي صاحبة السلطة السياسية، ومستقرها، وأن الحاكم ما هو إلاّ أداة في يد الأمة تمارس به سلطتها.

8. مصادر التشريع الإسلامي للقانون الدستوري

يهتم علماء القانون، عادة، ببيان مصادر التشريع للفروع القانونية المختلفة. إذ إن المصادر تختلف باختلاف تلك الفروع. فالقانون الدستوري الوضعي، تتلخص مصادره في التشريع الدستوري (الدستور)، وبعض القوانين العادية (كقانون الانتخاب)، والعرف (مع ملاحظة أن العرف الدستوري، يختلف عن العرف العادي المعروف في القانون الخاص. والمقصود بالعرف الدستوري، ما جرت عليه الهيئة الحاكمة).

ومهما اختلفت المصادر الوضعية، للفروع القانونية المختلفة، فإن المصادر الشرعية واحدة بالنسبة للجميع: القرآن، والسُّنة، والإجماع، وما يتبعها من مصادر تبعية، حيث تستنبط الأحكام الشرعية المختلفة من تلك المصادر، على اختلاف الأبواب والفروع.

ومن الأهمية بمكان، عند الحديث عن المصادر الشرعية للقانون الدستوري، أن يُنتبه لمِا للقواعد والضوابط الفقهية من أهمية تشريعية، حيث تُوظف فقهياً، لاستنباط الحكم الشرعي في النوازل المستجدة، فلا بد من العناية بجمع هذه القواعد والضوابط، وتنظيمها في إطار كلي.

9. البناء الأخلاقي والقيم الدينية

إن البناء الأخلاقي، القائم على قيم الدين وتعاليمه، يُعد أصلاً مقرراً ملزماً للجماعة المسلمة، وهي تمارس الحكم.

ويُؤسس البناء القيمي الإسلامي على العلم، والعمل بمقتضاه. وهذه القاعدة الثابتة تضم المبادئ المقررة، بمقتضى النصوص من الكتاب والسُّنة النبوية. وبذلك، فإن المجتمع المسلم، من خلال أسس التربية الدينية الإيمانية أولاً، ثم الخلقية السلوكية ثانياً، مجتمع مؤهل لإقامة السلطة السياسية والإدارية، خاصة وأن المواطن الفرد، وقد أحاطته التربية الصحيحة، يكون متوائماً مع فطرته الذاتية المستمدة من طاعة الله ورسوله، لا من سلطة تسلطية بشرية.

10. الالتزام بمقاصد الشريعة

وهذا مبدأ أساسي، فلا بد لأي نظرية مقترحة، أن تتحقق فيها المقاصد الشرعية، وأن تعمل على تحقيق تلك المقاصد، على أرض الواقع.

فلا بد عند صياغة نظرية إسلامية للحكم، أن تكون تحت مظلة المقاصد الشرعية. وعلى الناظر في هذه المقاصد، أن يميز بين مقامات الأقوال والأفعال، الصادرة عن النبي r، وبين أنواع تصرفاته المختلفة: في القضاء، والفتوى، والإمامة، والتشريع، والهدي، والصلح، والإشارة على المستشير، والنصيحة، وتكميل النفوس، وتعليم الحقائق العالية، والتأديب.

فأمّا حال التشريع، فهو أغلب أحوال النبي، وأمّا حال الإفتاء فله علامات، وأمّا حال القضاء فهو حين الفصل بين المتخاصمين. وهذه الأحوال الثلاثة كلها شواهد التشريع، وليست التفرقة بينها إلاّ لمعرفة اندراج أصول الشريعة تحتها. والفتوى والقضاء كلاهما تطبيق للتشريع، ويكونان، في الغالب، لأجل المساواة بين الحُكم التشريعي، والحُكم التطبيقي.

وقد عُنيَ فقهاء الشريعة الإسلامية، باستنباط القواعد العامة، والأسس الكلية من تصرفاته، عليه الصلاة والسلام، بالإمامة. فحتى تلك التصرفات الخاصة بظرف سياسي خارجي، فإنها، وإن لم تكن عامة لغيرها من الظروف السياسية، فإنه يستفاد منها حكمة تشريعية، أو علة مستنبطة، يدور معها ذلك التصرف السياسي المأثور، وجوداً وعدماً. ولهذا، فإن للفقهاء من دقة البحث، والتجريد النظري، ما يستطيعون به أن يستخلصوا من التصرفات الخاصة المبادئ والقواعد العامة[2].

ففقهاء الشريعة فرقوا ـ وليس كما يرى بعض الباحثين[3] ـ بين ما يُعد وما لا يُعد تشريعاً عاماً، وصاغوا من الجميع قواعد عامة، ومقاصد شرعية لا ينبغي الخروج عليها.

ثانياً: خصائص النظام الإسلامي

تتميز الدولة الإسلامية بعدد من الخصائص، التي تميزها عن غيرها من الدول، فمن ذلك:

1. إنها دولة دينية، ولكن لا يعني ذلك أنها دولة ثيوقراطية، بالمعنى المسيحي الغربي.

2. إنها دولة عقدية، نشأت بناء على تعاقد حقيقي تم بين أفرادها، وبين قائدها ومؤسسها الأول.

3. إنها دولة شرعية ـ قانونية ـ يخضع فيها الحاكم والمحكوم لحكم الشرع، ويترتب على ذلك نتائج مهمة مثل:

أ. وجوب التزام منهج الشورى.

ب. إرساء دعائم الحق، والعدل، والمساواة، والحقوق، والحريات.

ج. وجوب السمع والطاعة، ـ للحاكم المسلم ـ على الأفراد في الدولة.

د. وجوب بذل المناصحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

4. إنها دولة واحدة، بمعنى أن الإسلام، كدين ودولة، لا يجيز فكرة التعدد، لأنه يفتح الباب للفرقة والشتات، اللذان نهى عنهما الدين، وأمر بخلافهما.

5. إنها دولة عقائدية، تقوم على أساس عقدي، هو توحيد الله عز وجل، والدخول في دينه والتزام شريعته. وهذه هي غاية الدولة الإسلامية، فهي لا تسعى فقط إلى تحقيق رفاهية الأفراد، ونشر الأمن بينهم، والحفاظ على حرياتهم وحسب، بل تسعى إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ودعوة الناس إلى الدخول في دين الله، وجهاد المعاندين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه[ (سورة آل عمران: الآية 110).

]لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[ (سورة الحديد: الآية 25).

6. تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، هي الغاية التي ترمي إليها دولة قامت على أساس من الإيمان.

ثالثاً: أسس النظام الإسلامي

يمكن تعريف الأسس والدعائم، التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام، بأنها القواعد التي تُبنى عليها دولة الإسلام، ويُستلهم منها النهج السياسي للحكم.

وقد اختلف أهل العلم، حول تحديد هذه الأسس وحصرها، وإن كان خلافهم لفظياً وليس جوهرياً، إذ لو اطلع كل فريق على ما زاده الفريق الآخر من أسس، لقال به. وأهم هذه الأسس، كما أوردها العلماء:

1. العبودية لله وحده، فلا معبود بحق سواه.

2. العدل والعدالة وهما من أسس نظام الحكم. ويشمل مفهوم العدل عدداً من الأسس، منها: عدل الحاكم، والعدل مع غير المسلمين، والعدالة الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية، والعدالة القانونية.

والآيات القرآنية، التي وردت في الحث على العدالة كثيرة، مثل قوله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل[  (سورة النساء: الآية 58)، وقوله: ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان[ (سورة النحل: الآية 90).

كما وردت الأحاديث النبوية أيضاً، حاثة على وجوب العدل، ومنع الظلم، وفي مقدمتها قوله r، فيما يرويه عنه الإمام أحمد في مسنده: ]إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشَدَّهُمْ عَذَابًا إِمَامٌ جَائِر[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 11099).

وأجمع العلماء على أن العدالة، تعد أول الشروط الواجبة في الإمام (أو الحاكم). وقد ذهبت العدالة في الإسلام مدى بعيداً، أبعد مما عُرف في أي دين أو قانون آخر، إذ نجد القرآن يأمر بالعدل، حتى ضد النفس، ومع الأعداء، أو المحاربين. يقول سبحانه وتعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا[ (سورة النساء: الآية 135)، فإن الله يأمر في هذه الآية أن يكون للناس عدولاً، حتى ولو جاء ذلك العدل ضد أنفسهم أو الوالدين أو ذوى القربى. وقوله تعالى: ]وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ (سورة المائدة: الآية Cool.

ولذلك، اشتهر العرب المسلمون في صدر الإسلام، بالعدالة والتسامح مع غير المسلمين من أهل الكتاب أو أهل الذمة، وذلك فيما يعترف به العلماء والباحثون الغربيون أنفسهم.

ونطاق العدالة في الإسلام عام شامل. فالإسلام لا يتطلب العدالة، كما قد يُظن، من رجال القضاء فحسب، بل هي واجبة على كل من يمارس سلطة أيا كانت؛ ذلك هو ما يفسر به المفسرون قوله تعالى: ]وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل[ (سورة النساء: الآية 58).

ومما تشمله العدالة، فيما يرى بعض رجال الفقه الإسلامي، أن يُحسن الإمام (أو الحاكم) اختيار من يتولون المهام أو المناصب.

والملاحظ أن الفقه الوضعي في العصر الحديث، لا يذكر العدالة إلاّ في صدد الحديث عن القضاء، حيث يُطلق على الوزارة، التي تتبعها المحاكم، "وزارة العدل". ولكن إذا ترك ميدان القضاء، إلى ميدان الحكم (أي الميدان الدستوري والسياسي) فلا يذكر العدالة ولا يُشير إليها، فرجال الفقه الدستوري يذكرونها بين خصائص النظام الديموقراطي، ولا نجدهم يشترطونها في رئيس الدولة (أو غيره من رجال الحكم)، كما يشترطها رجال الفقه الإسلامي. كما لا نجدهم يشترطونها في سياسة الحكم، كما يشترطها رجال الفقه الإسلامي.

[1] نظرية تأليه الحاكم وجدت في العصور السحيقة، وإلى العصر الحديث فقد كان الإنسان يعبد حاكمه، مثل ما في مصر الفرعونية، وفي بلاد فارس والروم والصين واليابان، حيث كان الحاكم يصطبغ بصبغة إلهية ونظرية الحق الإلهي المباشر تعني أن الحاكم ليس إلها، ولكنه يحكم باختيار الله، وقد سادت هذه النظرية أوروبا بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين للمسيحية ونظرية الحق الإلهي غير المباشر (التفويض الإلهي) تعني أن الله لا يتدخل بإرادته المباشرة، سواء في تحديد السلطة أو اختيار الحاكم، وإنما يوجه الحوادث بشكل معين يساعد الشعب على اختيار نظام الحكم، فالسلطة تأتي للحاكم من الله بواسطة الشعب ونظرية التغلب والقوة نعني أن البقاء للأقوى، وقد قامت وتقوم الكثيرة من الدول بناء على هذه النظرية ونظرية التطور العائلي نادى بها أرسطو، حيث رأى أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يكوِّن أسرته الصغيرة التي تتفرع مكونة العائلة، فالعشيرة، فالقبيلة، فالمدينة، التي هي نواة الدولة ونظرية التطور التاريخي نادى بها دوجي، حيث يرى أن الدولة فقط واقعة اختلاف سياسي، فالدولة توجد في كل مرة يوجد في الجماعة اختلاف سياسي من أي نوع كان، ومن ثم فهي واقعة تاريخية تتحول بها جماعة بشرية إلى دولة ونظرية العقد الاجتماعي تناولها البحث بالتفصيل في محلها.

[2] يقول حازم عبدالمتعال الصعيدي: ولهذا فليس من المقبول ما أطلقه بعض الباحثين من أن فقهاء الشريعة، الذين عرضوا لبحث ما يعد وما لا يعد من السُّنة تشريعاً عاماً، يقررون أنه لا يعد تشريعاً عاماً ما صدر عن الرسول، صل الله عليه وسلم، باعتبار ما له من الإمامة والرياسة العامة، وذلك لأنه إنما بُنِىّ على المصلحة القائمة في عصره.

[3] يقول حازم عبدالمتعال الصعيدي: (إنه لمما يثير الدهشة أن ننظر فنجد الكثيرين، بل الغالبية العظمى من علماء الشريعة، يغفلون إغفالاً تاماً تلك التفرقة بين ما يُعد وما لا يُعد من السُّنة تشريعاً عاماً، وهي تفرقة بالغة الأهمية)، ونرى أن كلامه في الحقيقة هو الذي غفل من مدارك الفقهاء ومسالكهم في استنباط الأحكام، وتفريقهم الحاسم بين مراتب أقوال وأفعال النبي، صل الله عليه وسلم، بل واختلافهم في ذلك، ما ترتب على ذلك من اختلافات اجتهادية في الفروع الفقهية المختلفة، وكثرة ذلك وانتشاره سواء فيما يتعلق بأحكام الإمامة أو غيرها يغنى عن ضرب المثال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:21 am

المبحث الخامس

الخلافة الإسلامية

أولاً: وجوبها

إذا كان العدل هو أول خصائص النظام الإسلامي، فإن الخلافة هي أميز تلك الخصائص، في إطار اختيار الخليفة، عن طريق بيعة الخاصة (أهل العقد والعقد)، ثم بيعة العامة.

فالخلافة في حقيقتها، رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا، خلافة عن النبي r.

وقد ميزّ العلماء، بين ثلاثة أنواع من نظم الحكم: الحكم الواقعي، الذي تسيطر فيه القوة؛ والحكم السياسي، المبني على قواعد العقل؛ والحكم الإسلامي المبني على الشريعة.

والحاكم أو الخليفة في الإسلام، لا يُمارس السلطة على أنها امتياز شخصي له، بل هو أمين على السلطة، يمارسها بصورة مؤقتة ونيابة عن الأمة.

ويرى الدكتور عبدالرازق أحمد السنهوري، في مؤلفه عن الخلافة، أن عقد الإمامة عقد حقيقي مبني على الرضا، وأن الخليفة أو رئيس الدولة في الإسلام، يتولى السلطة نيابة عن الأمة، فالأمة صاحبة السلطة، تفوض الحاكم في ممارسة السلطة، نيابة عنها، ووفقا لعقد صحيح بينها وبينه.

ثانياً: تميُّزها مفهوماً ومصطلحاً

ظهر الإسلام، بعد أن سبقته ديانات سماوية وغير سماوية، فلم يُعْرف ولم يُسمَّ بغير الإسلام. ثم قامت الخلافة، بعد النبوة، ونيابة عنها، بعد أن سبقتها أنظمة سياسية متعددة، في أنحاء كثيرة من العالم، بعضها ديني خالص، وبعضها مدني خالص، وطائفة خضعت للملكية، وأخرى نَعِمت بالجمهورية. ومع ذلك فلم يُعْرف نظام الإسلام السياسي، ولم يُسمَّ إلاّ بالخلافة. وبقيت الخلافة أربعة عشر قرناً، عنواناً على نظام إسلامي، ورمزاً لحضارة إسلامية.

وقد نشأت بعد الإسلام، وبعد قيام نظام الخلافة، أنظمة متعددة، ومذاهب وفرق شتى، اختلفت في الدين، وفي السياسة، وفي الاقتصاد وفي الاجتماع، وفي كل شؤون الحياة. وكان للدراسات العربية نصيب في هذه التيارات العديدة، التي نشأت، وكان لبعض هذه التيارات أنصار ومعجبون، وربما كان لها متبعون معتقدون، يدعون إليها بمختلف الوسائل والطرق، وربما حمّلوا النصوص ما لا تطيق، وربما فسّروا حوادث التاريخ على غير وجهها، وربما خلطوا بين النص والواقع التاريخي، فحمّلوا النصوص أوزار الواقع. وقد صدرت كتب متعددة هذه الأيام، تحاول أن تجر نظام الإسلام إلى هذا النحو أو ذاك، وأن ترى فيه ما هو بعيد عنه في الحقيقة والواقع.

إن الخلافة، كنظام سياسي في الإسلام، نظام مستقل، إذا أشبهته بعض الأنظمة السياسية القديمة أو الحديثة في بعض نواحيه، فهذا لا يقرّبه منها، ولا يبعده عنها، وإنما يجعله نظاماً خاصاً قائماً بين النظم القديمة والحديثة. لا يمكن أن يكون ملكياً؛ لأن الخليفة يحكم الناس طول حياته، ولا جمهورياً لأنه يفترض أن يُنتخب انتخاباً، ولا اشتراكياً لأنه أمرَ بالعدل، والإحسان، والمساواة، ورعاية اليتيم، والفقير، والمسكين، وفرض الزكاة، ولا رأسمالياً لأنه احترم الملكية الفردية، ولم يلغ الغنى، وإنما الخلافة نظام ديني سياسي فريد، بين هذه النظم، لا يجوز أن يُطلق عليه اسم من الأسماء القديمة أو الحديثة، ولا يُسمى بغير اسمه. هذا ما يقرره العلم الخالص، وما تفرضه الدراسة المتجردة للإسلام، باعتباره نظاماً مستقلاً، بالمقارنة مع الأنظمة السياسية الأخرى.

أضف إلى ذلك، إن هذه المصطلحات السياسية الحديثة، كالديموقراطية، والجمهورية، والاشتراكية وغيرها، أصبحت لها مدلولات خاصة لا تحيد عنها تقريباً، على الرغم من أن الملكية مثلاً مطلقة، ودستورية، وبين بين؛ والجمهورية برلمانية، ورئاسية، وشعبية ديموقراطية؛ وغير ذلك، والاشتراكية أنواع وطبقات، واختلاف في التطبيق. غير أن هذه المصطلحات جميعاً ترجع إلى أصل واحد، له تعريفات محددة في المعاجم السياسية، وفي الكتب التي يتداولها أهل الاختصاص. لذلك، فليس من العدل، ولا من العلم، أن يُسمى نظام عمره أربعة عشر قرناً، باسم حديث قد يتفق معه في أمور، ويختلف معه في أمور أخرى، وربما كانت مواضع الاختلاف، أكثر بكثير من مواضع الاتفاق.

ثالثاً: طبيعتها

يمثل نظام الخلافة ـ بلا شك ـ أهم ما تجسدت فيه مبادئ الإسلام السياسية. وقد كثرت أقوال الباحثين في ذلك، من العرب والأعاجم. وربما كان طه حسين من أفضل المفكرين، الذين تحدثوا في هذه الموضوع، قال:

(الذين يظنون أن نظام الحكم، في هذا الصدر من حياة المسلمين كان إلهياً، يُخدعون عن رأيهم هذا بما يجدون في أحاديث الخلفاء وخطبهم، وفي أحاديث الناس عنهم وإليهم، من ذكر الله وأمره وسلطانه وطاعته. يحسبون أن هذا كله يدل على أن نظام الحكم، منزلٌ من السماء، مع أنه لا يدل في حقيقة الأمر، إلاّ على شيء يسير خطير في وقت واحد، وهو أن الخلافة عهد بين المسلمين وخلفائهم، وأن الله أمر المسلمين بأن يوفوا بعهد الله إذا عاهدوا، سواء أكان هذا العهد متصلاً بشؤون الحكم أم متصلاً بالعلاقات الخارجية، أم متصلاً بما يكون بين الأفراد من العهود والمواثيق؛ فالله يأمر باحترام العهود، والله شاهد على ضمائر الناس حين يوفون بالعهود، أو ينكثونها، والله يثيب من وفى بالعهد، ويعاقب من نكثه عقاباً شديداً.

فليس بين الإسلام وبين المسيحية، مثلاً، فرق من هذه الناحية. فالإسلام دين يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويوجه إلى الخير ويصد عن الشر، ويريد أن تقوم أمور الناس على العدل، وتبرأ من الجور، ثم يُخلي، بعد ذلك، بينهم وبين أمورهم يدبرونها كما يرون، ما داموا يرعون هذه الحدود؛ ولا تزيد المسيحية على هذا ولا تنقص منه؛ ولأمر ما قال عيسى u، للذين جادلوه من بنى إسرائيل: (أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، وما أشك في أن عيسى u، لم يرد أن يُعطى ما لقيصر لقيصر بغير حقه، أو أن تقوم الصلة بين قيصر وبين الناس على الظلم والجور والخوف).

لم يكن نظام الحكم، إذن، أيام النبي تيوقراطية مقدسة، وإنما كان أمراً من أمور الناس، يقع فيه الخطأ والصواب، ويُتاح للناس أن يعرفوا منه وأن ينكروا، وأن يرضوا عنه ويسخطوا عليه.

ويظن آخرون، أن نظام الحكم أيام النبي وصاحبيه، كان نظاماً ديمقراطياً، وهذا تجوّز في الألفاظ، وخروج بها عن الدقائق من معانيها؛ وقد ينبغي أن نتبين معنى الديموقراطية بالدقة، قبل أن نقول إن نظام الحكم، هذا أو ذاك، كان أو لم يكن ديموقراطياً.

الديموقراطية لفظ يدل به على حكم الشعب بالشعب وللشعب، أي على أن يختار الشعب حكامه اختياراً حراً، ويراقبهم مراقبة حرة، ليتبين أنهم يحكمونه لمصلحته هو، لا لمصلحتهم هم، ويعزلهم أن لم يرض عن حكمهم، ولم يطمئن إلى الثقة بهم.

على هذا النحو فُهمت الديموقراطية، في العصور القديمة عند اليونان، وكذلك تفهم الديموقراطية في العصور الحديثة عند الأمم، التي تصطنع هذا النظام، على اختلاف مع ذلك في فهم كلمة الشعب؛ فهذه الكلمة كانت تضيق في أيام اليونان، مثلاً، حتى لا تدل إلاّ على جماعة ضئيلة من المواطنين، لهم وحدهم جميع الحقوق، يستوون فيها أمام القانون. على حين لا تستمتع الكثرة الكثيرة من الناس بشيء من هذه الحقوق، ولا تُسهم في أمور الحكم بنصيب. وكان هذا اللفظ يتسع بعد الثورة الفرنسية، إلى حيث يشمل عدداً ضخماً من المواطنين، يكون لهم الاستمتاع بالحقوق السياسية، ولكنه لا يشملهم جميعاً؛ فهو محدد بملك مقدار من المال، أو أداء مقدار معين من الضرائب، أو تحصيل قدر معين من الثقافة؛ ثم اتسع في آخر القرن الماضي حتى شمل المواطنين جميعاً من الرجال، منذ بلوغهم الرشد، ثم اتسع في هذا القرن حتى شمل الرجال والنساء منذ بلوغهم الرشد. وللديموقراطية بعد ذلك، سواء أكانت ضيقة أم واسعة، نظم مقررة تكفل استمتاع الشعب بحقوقه، واختياره لحكامه، ومراقبته لهؤلاء الحكام.

فإذا فُهمت الديموقراطية على هذا المعنى الدقيق، فليس من شك في أن نظام الحكم، في الصدر الأول من حياة المسلمين لم يكن ديمقراطياً؛ فالشعب لم يكن يختار حكامه بهذا المعنى الدقيق، وليس الشعب هو الذي اختار النبي r ليبلغه رسالات ربه، وليقيم الأمر فيه بالقسط والعدل؛ ولكن الله أرسل رسوله فاتبعه من اتبعه، وخالف عنه من خالف عنه؛ وإذا قيل إن الذين اتبعوا النبي r من أصحابه، قد اختاروه ليكون لهم حاكماً، فهم لم يختاروه على النحو، الذي يُختار عليه الحكام في النظام الديموقراطي، وهم لم يكونوا يراقبونه ولا يحاسبونه، وإنما كان النبي r يستشيرهم فيشيرون عليه، وكانوا يشيرون عليه حسبة أحياناً، وكان يقبل منهم، أو لا يقبل.

وليس من الدقة في شيء أن يُقال، إن حكم أبى بكر وعمر كان حكماً ديموقراطياً، بالمعنى الدقيق، فليس كل المسلمين قد اختاروا أبا بكر وعمر لأمر الخلافة، وإنما اختارهما فريق بعينه من المسلمين، هم أولو الحل والعقد من المهاجرين والأنصار، على ما كان بينهم في ذلك من اختلاف أول الأمر.

ولم يُستأمر العرب، الذين مات النبي وهم مسلمون، من أهل مكة والطائف والبادية في اختيار أبى بكر أو عمر، وإنما اختارهما أهل المدينة، فسمع لهم سائر المسلمين وأطاعوا.

فإذا أطلق لفظ الديموقراطية على هذا المعنى العام، الذي يُفهم منه حاجة الحكام إلى رضا الشعب عنهم، وثقة الشعب بهم، وأخذ الحكام أنفسهم بأن يسيروا في الشعب سيرة تقوم على العدل والمساواة، وتبرأ من التسلط والاستعلاء، يُمكن أن يُقال إن نظام الحكم في الصدر الأول للإسلام، كان نظاماً ديمقراطياً بهذا المعنى، الذي ليس له مقاييس، ولا معايير، ولا حدود. وسيُرى أثر ذلك، فيما عرض للمسلمين من أمور الفتنة أيام عثمان.

وقد يظن بعض الناس، أن نظام الحكم في ذلك الصدر من الإسلام، كان نظام السلطان الفردي العادل؛ فلم يكن للنبي، ولا لصاحبيه من بعده شركاء في الحكم، وإنما كان لهم من أصحابهم مشيرون، لا يُلزمهم بمشورتهم أحد؛ ولكن النبي وصاحبيه كانوا على ذلك يتوخون العدل، ولا يتوخون غيره.

وهذا النحو من التفكير، يَقْرُب نظام الحكم، إلى حد ما، من النظام الذي عرفه الرومان أيام الملوك والقياصرة؛ فقد كان ملوك روما وقياصرتها لا يتوارثون الحكم حتماً، وإنما يُنتخب أكثرهم انتخاباً، وكان أحدهم إذا انتُخب، وَلِي الأمر حياته كلها، إلاّ أن تخلعه من الحُكم ثورة أو موت.

إن الفرق بين هذا النظام الروماني، وبين النظام الإسلامي، أيام النبي r وصاحبيه، هو أن العدل كان وحده قوام الحكم، فيما عَرِف المسلمون من هذا النظام. على حين كان ملوك الرومان وقياصرتهم، يتجاوزون العدل والقسط في كثير من الأحيان.

فمن المعروف أن الدين كان له سلطانه، في اختيار الملوك والقياصرة عند الرومان، وفيما يكون من سيرة هؤلاء الملوك والقياصرة. ولكن الفرق بين النظام الروماني والإسلامي، هو الفرق بين دين ودين، كما أنه الفرق بين جنس وجنس، وبين بيئة وبيئة؛ فلم يكن للدين، الذي سيطر على ملوك الرومان خاصة، وعلى قياصرتهم إلى حد ما، من النقاء والسّمو ما يشبه نقاء الديانات السماوية من قريب أو بعيد؛ إنما كان دين الرومان يقوم على العيافة، والزجر، واستطلاع ضمائر الغيب بطرق تثير الضحك والسخرية، وكان تطور الشعب الروماني، من حياته الساذجة الأولى إلى حياته المعقدة، مُباعداً كل البعد لتطور الشعب العربي، من جاهليته إلى إسلامه؛ فقد كان التطور الروماني مادياً، إن صح هذا التعبير، نشأ من تقدم الحضارة قليلاً قليلاً. على حين كان التطور العربي معنوياً، نشأ من تغير النفس العربية بتأثير الإسلام، وكأنه كان تطوراً من داخل إلى خارج. تغيرت النفس العربية، فتغيرت الحياة المادية للعرب، على حين كان التطور الروماني من خارج إلى داخل، تغيرت ظروف الرومان الخارجية، فتطورت نفوسهم وضمائرهم.

والبيئتان، من بعد ذلك، مختلفان بمقدار ما يكون الاختلاف، بين إيطاليا والحجاز. إذن فليس غريباً ألاّ يكون هناك تشابه، بين نظام الحكم الروماني أيام الملوك، أو أيام القياصرة، ونظام الحكم في الصدر الأول للإسلام.

ولعل تشابهاً، بعيداً أو قريباً، كان بين نظام الحكم الروماني أيام الجمهورية، ونظام الحكم الإسلامي بعد وفاة النبي r. فقد كان الرومان يختارون قناصلهم، على نحو يوشك أن يشبه اختيار المسلمين لخلفائهم؛ وإلى شيء من ذلك نحا الأنصار حين قالوا للمهاجرين : منا أمير ومنكم أمير، ثم كان سلطان القنصل بعد اختياره، يشبه في عمومه وشموله سلطان الخلفاء؛ إلاّ أن سلطان القنصل كان موقوتاً بسنة واحدة، وكان سلطان الخلفاء يمتد مدى الحياة، بعد اختيار الخليفة؛ وكان سلطان القنصل مقيداً بالقوانين، التي تصدرها جماعة الشعب، والقرارات التي يصدرها مجلس الشيوخ، كما كان سلطان الخليفة مقيداً بالحدود التي رسمها الدين، وبما يرى كبار الصحابة من رأي، وبما تميل إليه، أو تنحرف عنه، عامة المسلمين.

ولكن هذه كلها وجوه للتشابه، يظهر فيها التكلف والتصنع والإبعاد؛ فإذا أضفنا إليها مظاهر الحكم، التي كانت تحيط بالقنصل، ولم يكن يحيط منها شيء بالخليفة، وإذا أضفنا إلى ذلك بعض النظم، التي اقتضتها ظروف الجمهورية الرومانية، لتقييد سلطان القنصل، وحماية العامة من تحكمه، كنظام الزعماء، الذين كانت الدهماء تنتخبهم ليكفوا عنها جور القنصل إن هَمَّ القنصل بشيء من الجور؛ إذا أضفنا هذه الفروق إلى وجوه الشبه تلك المتكلفة، كان من الواضح أن ليس هناك صلة، بين نظام الحكم العربي، في ذلك العهد القصير، وبين نظم الرومان في عهد الملوك، أو عهد الجمهورية، أو عهد القياصرة.

لم يكن نظام الحكم الإسلامي في ذلك العهد، نظام حكم مطلق، ولا نظاماً ديمقراطياً، على نحو ما عرفه اليونان، ولا نظاماً ملكياً، أو جمهورياً أو قيصرياً مقيداً، على نحو ما عرفه الرومان. وإنما كان نظاماً عربياً خالصاً، بيّن الإسلام حدوده العامة من جهة، وحاول المسلمون أن يملؤوا ما بين هذه الحدود، من جهة أخرى.

فنظام الحكم العربي الإسلامي في ذلك العهد، لم يكن ملكياً، ولم يكن يؤذي النبي وصاحبيه شيء، كما كان يؤذيهم أن يُظهر لهم الملك؛ وهو لم يكن جمهورياً، فلم يُعْرف في نظم الجمهورية، نظاماً للرئيس المنتخب يرقى فيه إلى الحكم، فلا ينزله عنه إلاّ الموت؛ ولم يكن قيصرياً بالمعنى، الذي عرفه الرومان، فلم يكن الجيش هو الذي يختار الخلفاء. فهو إذن نظام عربي إسلامي خالص، لم يُسبق العرب إليه، ثم لم يقلدوا بعد ذلك فيه.

رابعاً: خصائصها

تتميز الخلافة الإسلامية، عن الحكومات الأخرى، بالخصائص الآتية:

1. أن اختصاصات الخلافة الإسلامية، بصفة عامة، تقوم على التكامل، بين الشؤون الدنيوية والدينية.

2. أن حكومة الخلافة ملزمة، بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية.

3. أن الخلافة الإسلامية، تقوم على وحدة العالم الإسلامي.

فالخلافة الإسلامية حكومة من نوع خاصٍ، له خصائصه المميزة له؛ فإذا لم تؤخذ بعين الاعتبار هذه الخصائص، فلا يُمكن فهم الجدل الطويل، الذي يدور حول وجوب الخلافة أو عدم وجوبها.

1. وجوب الخلافة

يرى أهل السُّنة والمعتزلة، أن الخلافة واجب شرعي؛ ولكن يختلفون في أساس هذا الوجوب، فبينما يرى أهل السنة أن سند وجوب الخلافة هو الإجماع، يرى عامة المعتزلة أن سند الوجوب هو العقل.

وهناك طائفة من المعتزلة، ترى أن سند وجوب الخلافة، شرعي وعقلي في وقت واحد.

بينما يرى الشيعة وجوب الخلافة، لكن استناداً إلى النص على الإمام، حسب ما تقرره أصولهم.

فأهل السُّنة يستندون إلى الإجماع، حيث توجد سوابق تاريخية مؤكدة، أجمع الصحابة فيها على ضرورة اختيار واحد منهم رئيساً يقوم مقام النبي r، بل شرعوا في انتخاب الخليفة قبل أن يُدفن النبي r، مما يؤكد صفة الاستعجال والخطورة لهذه المسألة (تنصيب الخليفة)، في نظرهم.

ومهما كان الخلاف بين الأنصار والمهاجرين، أو بين بعض المهاجرين وبعض آخر، فإنه كان مقصوراً على اختيار شخص الخليفة من بين المرشحين، ولكنه لم يَنْصَبْ قط على مبدأ وجوب اختيار الخليفة، ولا على وجوب الخلافة.

ويستند المعتزلة في القول بوجوب الخلافة، إلى أنها واجبة بحكم العقل. فوجود حكومة للمجتمع الإسلامي، ضرورة يحتمها العقل، لأنه لا يمكن وجود مجتمع دون رئيس.

وواضح أن حجة المعتزلة، تنصب على مبدأ وجود حكومة في المجتمع الإسلامي، كغيره من المجتمعات. لذلك، كانت حجتهم، مقارنة لما قال به غيرهم من فلاسفة الحكم الأوربيين، على أساس وجوب الخلافة، ولم يحاولوا وضع تنظيم كامل لحكومة الخلافة، على الأساس العقلي الذي يتميز به مذهبهم.

ويستطيع أهل السُّنة أن يردوا على حجج المعتزلة، بأنها تبرر وجود حكومة، ولكنها لا تصلح أساساً لوجوب ذلك النظام المتميز من أنظمة الحكم، وهو الخلافة.

ولهذا، فإن الدليل العقلي إذا كان يستوجب وجود سلطة عامة، أيا ما كان شكلها، فإن الدليل الشرعي هو الذي يستوجب أن تكون هذه الحكومة، قد توفرت فيها الخصائص المميزة لنظام الخلافة.

والفرقة الإسلامية الوحيدة، التي خرجت على الإجماع بوجوب الخلافة، هي فرقة الخوارج، حيث ذهبوا إلى أن الخلافة ليست ضرورية دائما، فإن الناس يمكن أن يحققوا مصالحهم وينظّموا أمورهم من دون حاجة إلى سلطة نظامية تحكمهم. كما أن الخلافة ليست نافعة دائما، حيث لا يمكن الوصول إلى الخليفة والانتفاع به في جميع الأوقات، إلاّ لعدد قليل. كما أن الخلافة أدت في كثير من الأحيان، إلى الفتن والحروب. كما أن تنصيب الخليفة ليس ممكناً دائماً، إذ الشروط اللازمة في الخليفة لا يمكن توافرها في جميع الأوقات. وفي هذه الحالة إذا فرضنا على المسلمين إقامة خليفة، فمعناه أننا نلزمهم باختيار خليفة لم تتوفر فيه الشروط الشرعية، وهذا يخالف الشرع، أو نلزمهم بعدم اختيار خليفة، وهذا مخالف أيضا للشرع.

2. موقف الشيخ علي عبدالرازق[1]

أخذ الشيخ علي عبدالرازق برأي الخوارج، مضيفاً إليه بعض ما رآه حجة في نظره، وقد بنى نظريته في الخلافة، على فكرتين أساسيتين:

أ. أنه لا سند لوجوب الخلافة في العقل، ولا في الشرع، وأن الإجماع الذي يستند إليه أهل السُّنة، في وجوب الخلافة، لم يوجد. وحجته في ذلك أنه إذا استثنينا الخلفاء الراشدين، نجد أن الخلافة، قامت بعد ذلك على القوة، كما أن العقل الذي يستند إليه المعتزلة في وجوب الخلافة، إنما يستلزم إقامة حكومة نظامية من أي نوع، وليس الخلافة في حد ذاتها.

ويُرد القائلون بوجوب الخلافة، على الشيخ علي في هذه الفكرة بأنه خلط بين أمرين، كان من الواجب أن يميز بينهما. فهو يخلط بين وجود نظام الخلافة، وبين اختيار الخليفة، والمسلمون لم يخلطوا قط بينهما. فمن ناحية مبدأ وجوب نظام الخلافة، أجمع المسلمون عليه منذ قيام أبي بكر فيهم خطيباً معلناً ضرورة إقامة الخلافة الإسلامية، لضمان تنفيذ الشريعة، وأقره الصحابة على ذلك، وأجمع عليه المسلمون من بعد.

أمّا القوة والعنف، فكانت تهدف إلى فرض خليفة بعينه، واضطهاد منافسيه. والفتن بين المسلمين إنما كان سببها تنافس المرشحين على الوصول إلى منصب الخلافة، وهو أمر طبيعي في جميع الأمم. وقد كان الخلاف محصوراً في دائرة المناقشات السلمية، في عهد الخلفاء الراشدين، حينما كانت حرية الرأي مكفولة. لكن بعد ذلك لجأ بعض الفرق إلى السيف ليستولوا على المنصب بالقوة، وهي ظاهرة معروفة في تاريخ جميع الإمبراطوريات الكبرى، ولم تكن خاصة بالتاريخ الإسلامي، ولا مقصورة على الخلافة الإسلامية.

فمن الخطأ، إذن، أن يُقال: إن المسلمين لم يجمعوا قط على وجوب الخلافة، بسبب أنهم كانوا مختلفين على الأشخاص، الذين يتولون هذا المنصب، فالخلاف كان منصباً على الأشخاص، لا على المبدأ ذاته.

ب. أمّا الفكرة الثانية، التي استند إليها الشيخ علي عبدالرازق، وجعلها أساساً لادعاءاته، فهي: أن الإسلام نظام ديني بحت، ولا شأن له بالحكم، وأن النبي، r، جاء برسالة روحية دينية، وأنه لم يقصد قط إلى إنشاء دولة إسلامية. ويؤيد هذا الزعم بدراسة نظام الحكومة في عهد النبي. وينتهي في دراسته إلى أن ما وضعه النبي من أنظمة، كانت فقط أنظمة فطرية غير محكمة.

ويسأل بعد ذلك، عما إذا كان النبي r، قد قصد من هذه الأنظمة إنشاء حكومة، أم أنه كان يعتبر الغاية الوحيدة نشر ديانته؟ ثم يناقش الرأي القائل بأن الرسالة النبوية تضمنت الأمرين: تبليغ الرسالة، وإقامة حكومة تنفّذ الشريعة.

ويرد عليه القائلون بوجوب الخلافة، أن ضعف الأنظمة التي أقامها، النبي للحكم، ينقض هذا الرأي. فلو كان إنشاء الدولة داخلاً في الرسالة حقيقة، لوضع النبي r للدولة أُسسا وقواعد واضحة ومحددة.

بم إذن يفسر علي عبدالرازق، مظاهر السلطة الحكومية، التي مارسها النبي r؟

هناك تفسير يرفضه الشيخ علي، وهو التفسير القائل بأن النبي r، أقام هذه النظم، باعتباره رئيس دولة.

أمّا التفسير الذي يراه، فهو أن هذه النظم، كانت من مقتضيات سلطته الروحية لتبليغ الرسالة، وهذه السلطة خاصة بشخص النبي r، ولا تنتقل بعد وفاته. ويؤيد ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث، التي تدل في نظره، على أن النبي r ما أُرسل إلاّ ليبلغ الناس رسالة ربه، من دون أن يكون له سلطان عليهم.

ويرد عليه القائلون يوجب تأسيس الخلافة في الإسلام، بأن علينا أولاً أن نحدد المقصود من (الدين) و(الدولة). فقد استعمل الشيخ علي هذين المصطلحين في معرض حديثه، وكأنه يقصد بهما المعنى الأوروبي المعاصر، أي: أن الدولة هي مجموع سلطات ثلاث: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، وأن الدين هو القواعد، التي تتعلق بعقيدة الفرد وعلاقته بربه وعباداته. وعلى هذا الأساس يرى أن النبي، لم يؤسس دولة بالمعنى المعاصر.

والحقيقة أن فكرتي الدين والدولة، لم يكن التمييز بينهما قائماً في عهد النبي r، على نحو ما هو قائم الآن. وهذا ما يفسر الصبغة الدينية، التي اصطبغت به النظم السياسية في الإسلام.

أمّا القول بأن النُظم في العهد النبوي غير محكمة، فقولٌ لا يصلح سنداً لنظريته، لأن عدم الإحكام كان سببه الحالة الفطرية، التي كان عليها مجتمع شبه الجزيرة العربية، وكانت لا تسمح بوجود نظم دقيقة معقدة. فالنبي r قد وضع لحكومته، أصلح النظم الممكنة في زمنه، لأنها تناسب حالة المجتمع، ولا يُعاب عليه أن حكومته لم تشمل النظم الموجودة في الدول الحديثة، لأن هذه النظم ما كانت تناسب المجتمع الذي يعيش فيه، ومع ذلك، فإن حكومة النبي، أقامت دولة حقيقية، لا تقل في نظمها عن الدولة الرومانية أو الفارسية.

كما أن هذه النُظم، كانت تحمل في طياتها عوامل التطور والنمو. وقد تطورت بالفعل من دون أن تخرج بذلك، عن كونها مؤسسة على الإسلام. فالسلطات التي باشرها النبي، إنما كانت أنظمة مدنية حقيقية، كأي حكومة أخرى، وكان يفرض بمقتضاها عقوبات جنائية، على من يُخالف أحكام التشريع الإسلامي، ولم يكتف بالجزاءات الأخروية التي يفرضها الدين. وكان له عمال إداريون، وجيش مسلح، أي أنه كان حاكماً دنيوياً.

وعلى كلٍ، فإن التجاوزات التاريخية، كاستغلال الخلفاء للقوة والسيطرة، والصفة الدينية للخلافة، فهي ممارسات لا تعيب نظام الخلافة نفسه، وإنما تقع تبعتها على الشعوب، التي رضخت للحكومات الاستبدادية، التي أخلّت بالنظم الإسلامية، وخالفت الشريعة مخالفة صريحة.

خامساً: الفروق الأساسية بين الديموقراطية، والخلافة الإسلامية

تتمثل أهم الفوارق بين الديموقراطية والخلافة الإسلام، في الأمور الثلاثة التالية:

1. الأمر الأول

إن المراد بكلمة (شعب) أو (أمة) في الديموقراطية الحديثة، كما هي في عالم الغرب، كيان بشري محصور في حدود جغرافية، يعيش في إقليم واحد، تجمع بين أفراده روابط من الدم، والجنس، واللغة، والعادات المشتركة. أي أن الديموقراطية مقترنة، لا محالة، بفكرة القومية، أو العنصرية، وتسايرها نزعة التعصب أو العصبية.

وأما في الإسلام، فالأمة ـ في الأصل ـ ليست فقط الكيان البشري، الذي يربط بين أعضائه وحدة المكان، أو الدم، أو اللغة. فهذه روابط صناعية، أو عارضة، أو ثانوية؛ ولكن الرابطة أصلاً هي الوحدة في العقيدة: أي في الفكرة والوجدان. فكل من اعتنق الإسلام من أي جنس، أو لون، أو وطن، فهو عضو في دولة الإسلام.

فنظرة الإسلام إنسانية، وأُفُقه عالمي، وإن كان هذا لا يمنع، بل قد يكون ضرورياً لتحقيق الصالح العام، أن يوجد في داخل تلك الدائرة العامة دوائر خاصة: إقليمية أو قومية، من أجل التنظيم، أو تحقيق أغراض وطنية، أو محلية، لا تتعارض مع الأغراض العامة. وإذا وجدت الروابط الأخرى، وهي وحدة الوطن والأصل واللغة وغيرها، إلى جانب الرابطة الأساسية، وهي وحدة العقيدة، كان هذا أقوى تأكيداً لوجود الأمة، وظهور الدولة.

ودليل ما تقدم قوله تعالى مخاطباً نبيه r: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا[ (سورة سبأ: الآية 28)، وقوله تعالى: ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[ (سورة الأعراف: الآية 158)، وقوله تعالى ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[ (سورة الأنبياء: الآية 107).

2. الأمر الثاني

إن أهداف الديموقراطية الغربية الحديثة، أو أي ديموقراطية ظهرت في الأزمنة القديمة، هي أهداف دنيوية، أو مادية؛ فهي ترمي إلى تحقيق سعادة كيان بشري بعينه، من حيث تحقيق مطالبه في هذه الحياة الدنيا. فترمى إلى إنماء الثروة، أو رفع الأجور مثلاً، أو كسب حربي.

ولكن أغراض النظام الإسلامي، أو الديموقراطية الإسلامية إن صح هذا التعبير، فتشمل مثل هذه الأهداف في الدنيا، وتعطيها ما يجب لها من أهمية، مع إبعاد فكرة التحيز القومي. فتجمع إلى جانبها أهدافاً روحية، بل إن الأهداف الروحية هي الأساس، والأوْلى، والأسمى.

فدولة الإسلام تنظر في أعمالها، إلى الآخرة على أنها الغاية، فتقوم بكل أعمال الخير، التي يأمر بها الدين، وتؤدي إلى رضوان الله، وتحقق المطالب الروحية للإنسان. كما أنها تجعل الدين، أو القانون الأخلاقي، المقياس، الذي تقيس به أعمالها، وكل تصرفاتها.

3. الأمر الثالث

إن سلطة الأمة في الديموقراطية الغربية مطلقة، فالأمة هي صاحبة السيادة؛ فهي، أو المجلس الذي تنتخبه، تضع القانون، أو تلغيه. والقرارات التي يصدرها هذا المجلس تصبح قانوناً واجب النفاذ، وتجب لها الطاعة، حتى وإن جاءت مخالفة للقانون الأخلاقي، أو متعارضة مع المصالح الإنسانية العامة. فالديموقراطية الحديثة مثلاً، تُعلن الحرب من أجل سيادة شعب على غيره، أو الاستيلاء على سوق، أو استعمار مكان، أو احتكار منابع الثروات، وفي سبيل ذلك تسفك دماء، وتُزهق أرواحٌ، وتشقى الإنسانية كلها بذلك.

ولكن في الإسلام ليست سلطة الأمة مطلقة من دون قيد، وإنما هي مقيدة بالشريعة: بدين الله، الذي اعتنقه، والتزم به كل فرد منها. فهي لا تستطيع أن تتصرف إلاّ في حدود هذا القانون، وهذا القانون مستمد من الكتاب والسُّنة.

وإذا كان هذا القانون قد اعترف، بأن إرادة الأمة الكلية، هي أحد مصادر القانون، فالمفهوم أن هذه الإرادة تعتمد على ما جاء في الكتاب والسُّنة أيضاً، في صورة ما، فلا بد للإجماع من مستند من الكتاب أو السُّنة.

فالأمة في الإسلام، أو الديموقراطية الإسلامية، ملتزمة بالقانون الأخلاقي، ومقيدة بمبادئه، وقد فرض الدين عليها واجبات، وكلفها بمسؤوليات.

هذه هي أهم الفروق، بين الديموقراطية والخلافة الإسلامية. وفي ضوء ذلك تكمُن الإجابة على السؤال: أين إذن مقر السيادة؟ أو من هو صاحب السيادة، بالمعنى الدستوري الحديث، في الدولة الإسلامية؟

إن كان الإسلام لا يتطابق مع أي من النظم المعروفة، التي ذُكرت، فليس الحاكم، إذن، هو صاحب السيادة؛ لأن الإسلام ليس أوتوقراطية؛ ولا رجال الدين أو الآلهة، لأنه ليس ثيوقراطية؛ ولا القانون وحده لأنه ليس نوموقراطية؛ ولا الأمة وحدها، لأنه ليس ديموقراطية، بهذا المعنى الضيق.

والجواب الصحيح أن السيادة في الإسلام مزدوجة، فالسيد أمران مجتمعان، ينبغي أن يظلا متلازمين، ولا يتصور قيام الدولة وبقاؤها، إلاّ بوجود هذا التلازم. هذان الأمران هما:

أ. الأمة.

ب. القانون أو شريعة الإسلام.

فالأمة والشريعة، معاً، هما صاحبا السيادة في الدولة الإسلامية.

فالدولة الإسلامية، إذن، على هذه الصورة نظام فريد، خاص بالإسلام. لا يصح القول بأنه يتطابق مع أي من النظم المعروفة؛ ولذا ينبغي أن يوضع للدولة الإسلامية اصطلاح خاص بها، وتسمى باسم يمثل حقيقتها.

وما دام مثل هذا الاسم لم يوضع، أو لم يُهتد إليه بعد، فيكتفي بأن يشار إليها على أنها (النظام الإسلامي).

فإن كان لابد من استعمال لفظ ديموقراطية، مع مراعاة الفوارق الأساسية، فيمكن أن يوصف هذا النظام على وجه تقريبي بأنه: ديموقراطية، إنسانية، عالمية، دينية، أخلاقية، روحية، ومادية معاً، أو يجوز أن تجمع كل هذه الصفات في تعبير موجز، فيقال : إنها هي (الديموقراطية الإسلامية).

هكذا ذهب الدكتور ضياء الدين الريس في اقتراحه، بخصوص تسمية النظام الإسلامي، وإن كان ثمة اقتراح آخر، وبناء على ما تقدم من الحديث عن الخلافة الإسلامية، وأنها أميز خصائص النظام الإسلامي، أن يسمى بـ: النظام الخلافي، أو "نظام الخلافة"؛ لعدة أمور منها:

أ. إن مصطلح الخلافة هو مصطلح إسلامي خالص، لا يخشى معه من إسقاط أي دلالات غربية على الفكر الإسلامي.

ب. إن الخلافة هي أميز خصائص النظام الإسلامي.

ج. إن لهذا الاسم من الشهرة والخصوصية، ما يجعل معناه يتبادر من دون أدنى لبس.

د. إنه محدد الدلالة عن المصطلح الإسلامي الآخر (الإمامة)، لاشتراكه بين الإمامة الصغرى والكبرى، ولو قلنا: (الإمامة الكبرى) لتميز عنه مصطلح الخلافة، بكونه أكثر اختصاراً.

سادساً: البيعة الإسلامية، ونظرية العقد الاجتماعي

إذا كانت نظرية العقد الاجتماعي، تُعد من أهم النظريات الديموقراطية، فلا بد من عقد مقارنة، بينها وبين ما يقدمه الفكر الإسلامي في هذا الصدد، وهي نظرية البيعة، حيث يُدخل بعض المفكرين في إطار فكرة العقد الاجتماعي، ما قيل به في الفقه الإسلامي، من أن الخلافة عقد حقيقي معناه الاختيار من الأمة، ووسيلته البيعة الصحيحة القائمة على الرضا.

فمن الأمور البينة، أن الدولة الإسلامية لا يرجع الأصل في نشأتها إلى عقد اجتماعي. فلا يوجد مثل هذا العقد في تاريخ الدولة الإسلامية (كما هو الشأن في سائر الدول الأخرى)، وإن كانت نظرية العقد الاجتماعي (ومثلها سائر النظريات الديموقراطية)، تقوم على أساس أن السلطة مصدرها الشعب، وتتفق مع ما هو مقرر في الإسلام، من أن الأمة هي مصدر السلطة.

ويُلمح في التاريخ الإسلامي مشابهة ـ إلى حد ما ـ بين بيعتي العقبة المعروفتين في هذا التاريخ، وذلك العقد الاجتماعي. فالنظرية الغربية ترجح أساس الدولة إلى فكرة العقد، ومن الأمور المعلومة أن بيعتي العقبة، اللتان تم الاتفاق أو التعاقد فيهما، بين رسول الله r، ووفود المدينة، كانتا نقطتي التحول في حياة الإسلام، وحجرا الزاوية في بناء الدولة الإسلامية، إذ لم تكن هجرة الرسول r إلى المدينة، وتأسيسه للدولة الإسلامية، إلاّ إحدى النتائج التي ترتبت عليهما.

ولكن يلاحظ أن بين العقد الاجتماعي وبيعتي العقبة، أوجه خلاف جوهرية، تتمثل في الآتي:

1. العقد الاجتماعي، الذي تحدث عنه روسو وغيره من الفلاسفة، كان خيالاً فقط، لم يجد أي سند من الواقع. ولا يوجد في التاريخ مطلقاً ما يماثل هذا العقد المزعوم، ولا يمكن قبول هذه النظرية على اعتبار التعاقد افتراضا ومجازاً. ذلك، لأنه لا يخفى ما وراء هذا الافتراض من خطر عظيم، لأن هذه الفكرة سيترتب عليها إعطاء الحاكم، سلطة تحديد مدى ما تنازل عنه الأفراد من حريات، ومدى ما تحملوه من التزامات وقيود.

أمّا عقد البيعة فيستند، كما هو معروف، إلى ماض تاريخي ثابت. فقد حدث مرتين في العهد النبوي عند العقبة، وكان له أثرٌ واضح في قيام الدولة الإسلامية، فهو عقد تاريخي، وحقيقة يعرفها الجميع.

ثم إن الحاكم في الإسلام، ليس له سلطة تحديد مدى ما للأفراد من حريات وحقوق. فهذه الحريات نصت عليها مصادر الشريعة الإسلامية، وقررت الضمانات الكفيلة بالمحافظة عليها.

2. يُرجح العقد الاجتماعي أصل الدولة إلى اتفاق، أو إلى تعاقد الأفراد فيما بينهم، على الحياة في جماعة.

ومعلوم أن الاتفاق في بيعتي العقبة، لم يكن على تأسيس دولة. فقد كان الاتفاق في البيعة الأولى على التوحيد، وقواعد الأخلاق الاجتماعية. وأمّا البيعة الثانية، فقد كان التعاقد فيها، إلى جانب الأمور السابقة، على التضامن في الحرب والسلم، وعلى الطاعة في المعروف، والمجاهرة بالحق.

3. تقول نظرية العقد الاجتماعي، إن الحاكم أو رئيس الدولة، يستمد سلطانه بناء على عقد بينه وبين الأمة.

ومن الأمور البينة أن النبي r، لم يكن يستمد سلطانه، كرئيس للدولة الإسلامية، نتيجة للاتفاق، أو التعاقد، الذي تم في بيعتي العقبة، وإنما ثبت له هذا السلطان بحكم الله، ووحي السماء. وقد صرح بذلك القرآن الكريم، فقال تعالى: ]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه[َ (سورة النساء: الآية 80)، وقال: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ (سورة الأحزاب: الآية 36).

4. العقد الاجتماعي ليس في حقيقته، وسيلة لإبداء رأي الأمة أو المجتمع، في شأن عام من شؤونها، أو أمر مهم من أمورها، كالبيعة. وإنما هو تعاقد واتفاق بين الأفراد، على الحياة في جماعة. فهو أمر شخصي يتتبع الأفراد، لأن العقد الاجتماعي يكون الاستيعاب فيه شاملا لجميع الأفراد المكونين للجماعة، ومن يخطئه التعاقد لا يعتبر داخلا في الجماعة، ولا منتميا إليها.

أمّا البيعة، فهي وسيلة للتعبير عن رأي الأمة، في شأن عام من شؤونها. وليس يلزم لسلامة هذا التعبير شرعاً، أن يشترك فيه كل أفراد الأمة، بل يكفي الأغلبية، كما هو الشأن في الدساتير الحديثة.

ومن المعروف أن بيعتي العقبة، لم يحضرهما كل أفراد المجتمع الإسلامي في وقت حدوثهما، فقد حضر البيعة الأولى اثنا عشر رجلاً من أهل المدينة، بينما حضر البيعة الثانية ثلاثة وسبعون رجلاً، وامرأتان.

5. بيّن التاريخ الإسلامي، أنه بعد وفاة الرسول r، تولى الخلفاء الحكم عن طريق بيعة الخلافة. وهنا يُلاحظ شبهٌ كبير وعجيب بين فكرة هذه البيعة، ونظرية العقد الاجتماعي. فعلماء الفقه الإسلامي قالوا: إن (الإمامة عقد)، أي إن الإمامة (أو الخلافة) تثبت بالاختيار والاتفاق، لا بالنص والتعيين.

وحجتهم في ذلك، أن الإمامة لا يمكن أن تنعقد، إلاّ بأحد طريقين: النص ـ ويقصدون به التعيين من الله ـ والاختيار، أي من الأمة، وما دام الطريق الأول لم يقم عليه دليل، فلا يبقى إلاّ الطريق الثاني، وهو أن الأمة هي التي تختار من يتولى أمورها، وذلك بواسطة البيعة الصحيحة، القائمة على الرضا.

فالعقد الاجتماعي، إذن، يماثل البيعة من حيث إن كلاً منهما تعاقد، يستهدف تزويد الحاكم أو رئيس الدولة بالسلطات اللازمة، لأداء ما يُناط به من واجبات.

6. ترد النظرية الغربية أساس الحريات والحقوق العامة، إلى العقد الاجتماعي عند نشوء الجماعة السياسية، ولكن الحقوق والحريات الفردية في الإسلام، لا يرجع الأساس فيها إلى البيعة، ولا إلى التعاقد.

7. يظل العقد الاجتماعي، إلى الأبد، منتجاً آثاره على الإنسانية كافة، وملزماً إياها مهما تعاقبت الأجيال، ولكن عقد البيعة بين الأمة وبين الخليفة، يظل منتجا لآثاره ما دام سليماً، فإذا طرأ على البيعة ما يبطلها بطلت، وكان لذلك صداه على مركز الخليفة.

إن البيعة الإسلامية، لها أهمية بالغة في الفكر الدستوري الإسلامي، لأنها تبعد تماماً عن نظام الخلافة كُل شبهة ثيوقراطية، وتؤكد ما سبق تقريره، من أن الأمة هي أساس السلطة.

[1] بدأ الجدال حول هذه المسألة حين خرج الشيخ علي عبدالرازق بكتابه "الإسلام وأصول الحكم"، وزعم فيه أن الإسلام دين ورسالة سامية، ولا علاقة له بالحكم والسياسية، وقد انبرى العديد من كبار العلماء بالرد عليه ومن أهمهم: رد الشيخ محمد الخضر حسين، شيخ الأزهر سابقاً، في كتابه "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم"، ومحمد ضياء الدين الريس، في كتابيه ` النظريات السياسية الإسلامية`، و`الخلافة الإسلامية في العصر الحديث`، ومحمد سليم العوا في ` النظام السياسي للدولة الإسلامية`، وغير ذلك من المقالات والأبحاث. وقد وجدت هذه الفكرة صدى عن دعاة العلمانية، ممن يحاولون إنشاء تيار يسمونه بالاستنارة والاستناريين، تشبها بعصر الاستنارة الأوروبي، الذي استطاع مفكرو أوروبا خلاله الخروج من أسر الكنيسة الغربية، والنهوض بأممهم. ومع احترام التجربة الأوروبية في إطار خصوصيتها، واحترم ما ترتب عليها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:23 am

المبحث السادس

مبادئ نظام الحكم في الإسلام

أولاً: الشورى

هي ملزمة للحاكم، مع تفويض صورتها للأمة. ويُعد مبدأ الشورى أهم المبادئ الدستورية، أي تلك المبادئ، التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام. فطبيعة نظام الحكم، الذي يقره الإسلام، أن يكون نظاماً شورياً. فقد أوجب الله، سبحانه وتعالى، الرجوع إلى الأمة في آيتين، ورد فيهما النص صريحاً على وجوب إتباع هذا المبدأ؛ جاء النص الأول في صورة أمر للرسول، r، فمن باب أولى أن تكون أمته مأمورة به، فقال تعالى: ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر[ (سورة آل عمران: الآية 159).

وجعل الله من بين صفات المؤمنين، تبادل الرأي والتشاور في أمورهم، فذكر في سورة الشورى ]فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون[ (سورة الشورى: الآيات 36ـ 38)، فبيّن أن من صفات المؤمنين الأساسية، أنهم يتصرفون في الأمور، ويقررون الآراء، بالتفاهم والمشاركة، وتبادل الرأي : أي بالشورى.

وبيّن المفسرون ـ في وجوه ـ الفائدة، من أمر الله سبحانه رسوله r بالشورى. فمن ذلك أن الرسول r أُمِرَ بالشورى، ليَقتدي به غيره في المشاورة. وأن هذه الآية الكريمة نزلت عقب ما ابْتُليً به المسلمون يوم أحد. ومع أن ما وقع في ذلك اليوم قد أبان أن رأي من أشار على الرسول r، بالخروج لم يكن صواباً، فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الأمر بالعفو عنهم، ومشاورتهم أيضاً : أي إن الأمر هو أمر بالاستمرار في مشاورتهم، على الرغم مما ظهر من خطأ رأيهم. وهذا يؤكد أهمية الشورى، ويبيّن مقدار عناية الدين بها. ومن الوجوه، التي ذكرها المفسرون أيضاً، أن الرسول، r، أُمر بالشورى، لا لأنه محتاج إلى آراء من يستشيرهم، ولكن لأجل أنه إذا شاورهم في الأمر، اجتهد كل واحد منهم في استخراج الوجه الأصلح، فتصير الأرواح متطابقة متوافقة على تحصيل أصلح الوجوه فيها. وتطابق الأرواح الطاهرة على الشيء الواحد، مما يعين على حصوله. وهذا هو السر عند الاجتماع في الصلوات، وهو السر في أن صلاة الجماعة، أفضل من صلاة المنفرد.

وجاءت الأحاديث مؤيدة لما ورد في القرآن، من الإشادة بشأن الشورى والحث على اتباعها، والتنويه بفضائلها. وقد روي عن الرسول r أحاديث كثيرة تدعو إلى المشورة، وأخذ الرأي قبل البت في الأمور. وقد ورد في مأثور القول: ما ندم من استشار، ولا خاب من استخار. فقد ورد عن رَسُولُ اللَّهِ r قوله: ]إِذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3737) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولُ اللَّهِ r قال: ]الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ[.(سنن أبو داود، الحديث الرقم 4463)، وكثيراً ما كان، r، يقول لأصحابه، في مواطن كثيرة : (أشيروا على).

أمّا السنة العملية، فمليئة بالشواهد، التي تدل على أن رسول الله r، كان دائم التشاور مع أصحابه، يكره الاستبداد بالرأي؛ وكثيراً ما نزل عند حكمهم، وإن كان رأيه في بادئ الأمر يخالف ما ذهبوا إليه. والوقائع في ذلك كثيرة : فمنها استشارته، r، المسلمين في شأن اختيار المكان الذي ينزلون فيه يوم بدر، وأخذه برأي الحباب بن المنذر. واستشارته فيما يعمل بشأن من أسروا في تلك الموقعة، فوافق على رأي أبى بكر، الذي أشار حينئذ بالفداء. وقبوله لرأي الكثرة من المسلمين حين أشارت بالخروج يوم أحد. وعمله بمشورة السَّعدين: ابن معاذ وابن عبادة، إذ أشارا يوم الأحزاب بعدم مصالحة رؤساء غطفان، إلى غير ذلك من أمثلة متعددة. ومما ورد عن أبى هريرة t قوله: ]مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ [r (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1636) وقد اقتدى أصحاب رسول الله r، به واتبعوا سُنته.

والروايات عن عمر t، في جمعه للقراء (أي العلماء) واستشارتهم في كل ما يهم المسلمين، كثيرة متواترة، ومن ذلك تشاوره معهم في أمر الخراج، وهكذا كان مَثلُ غيره من باقي الولاة والخلفاء، في صدر الإسلام. فهذا كله يقطع، بأن نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، كان نظاماً شورياً، أساسه الشورى.

والواقع أن كتب التاريخ والتفسير والحديث زاخرة بالأمثلة، التي تدل على أن الرسول r كان دائم التشاور مع أصحابه. كذلك، كان شأن الخلفاء الراشدين. فقد كانوا يرجعون إلى الصحابة في كل ما يهم المسلمين. ولا يخلو مؤلف إسلامي، يبحث في أمور الحكم والولاية، من الحديث عن الشورى، والتنويه بفضائلها، ومحاولة إقامة الأدلة على وجوب إتباعها، والدعوة لأن تكون هي القاعدة في كل حكم إسلامي.

وإذا كان مبدأ الشورى يبدو هذه الأيام، من المبادئ البدهية، التي لا يجادل فيها اثنان، فإنه لم يكن كذلك إلى عهد قريب، في أكثر بلدان العالم. ويحدثنا تاريخ الحضارات، أن الشورى نشأت في الإسلام نشأة طبيعية، خلافاً لنشأتها عند الأمم الأخرى، حيث كانت ثمرة جهاد طويل، وصراع بين الحُكام والمحكومين. وساعد على ظهورها آثار الكُتّاب، والمصلحين، والحكماء، والفلاسفة، ومؤلفاتهم، وأخذت في الانتشار رويداً رويداً، غالباً، بالعنف والقتل والدم، ونادراً باللين والحكمة.

وإذا كانت فرنسا أوضح الأمثلة على ذلك، فإن تاريخ الشورى فيها (أو الديموقراطية على المصطلح الغربي) لا يعدو نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، من حيث نشأته. أمّا من حيث الدعوة إليه، فلعله قد بدأ في أساطير لافونتين، خلال القرن السابع عشر، ثم جاء المفكرون المصلحون في القرن الثامن عشر، من أمثال فولتير ومنتسكيو وروسو وديدرو وغيرهم، وأخذوا ينبهون الأمة إلى حكم نفسها بنفسها، أو إلى حكم الديموقراطية، كل على طريقته، وبما اختار من أسلوب الدعوة. ولقي بعضهم من الاضطهاد والإبعاد، ما يلقى معظم المصلحين، إن لم نقل كلهم، في كل عصر ومصر. فلمّا اندلعت الثورة الفرنسية، رافقتها الدماء، وركب الناس الذعر نتيجة للإرهاب، وقضى كثير من الأبرياء بجريرة العاصين، وشهدت الأمة الفرنسية من عواصف الظلم والجور، ما لم تلق من قبل، وأصبح مشهد "المقصلة" (المشنقة) من المشاهد اليومية التي ألفها الشعب. ونادى المنادي بالقانون الأساسي، وبحقوق الإنسان، وأخذ الحاكمون يتعثرون في طريق محفوفة بالمكاره، وظلت فرنسا قرناً وبعض القرن، حتى استقامت فيها الأمور، ووُطد نظام الديموقراطية على النحو الذي نراه اليوم فيها، وفي كثير من الدول المتحضرة، وأصبح يجري في دم كل مواطن، لا يرى عنه بديلاً.

أمّا في بلاد الشام، فلم يُسمع بكلمة الشورى قبل عام 1908، يوم استؤنفت الحياة الدستورية في الإمبراطورية العثمانية، وأخذ الناس يسألون: ما معنى القانون الأساس؟ ما معنى المشروطية؟ وراح المثقفون يشرحون للناس معنى هذه المصطلحات، وقد نسى عامة الناس مبادئ الإسلام وأوامره ونواهيه، بعد أن رزحوا دهراً طويلاً بعيدين عن مثله العليا، وأهدافه السامية.

وحينما قرر الإسلام مبدأ الشورى، قضى بذلك على عدو الإنسانية الفاضلة ومفسدها، وهو الاستبداد بالحكم والرأي، واحتكار التشريع والتصريف والإرادة، وحقق للفرد كرامته الفكرية، وللجماعة حقها الطبيعي في تدبير شؤونها.

والقرآن لا يريد من الشورى، حين يضعها بين عنصري الصلاة والإنفاق في سبيل الله، تلك الصورة الهزيلة التي ألفتها الأمة في الماضي، وجرى عليها أهل البغي والاستبداد، واتخذوها شعاراً يخفون به طغيانهم، وإنما يريدها القرآن حقيقة نقية في واقعها، كما يريد من الصلاة والإنفاق حقيقتهما المحققة لأثرهما، الخالصة مما يكدر صفوهما.

فالإسلام رفع الشورى إلى الحد، الذي اعتبرها فيه من دعائم الإيمان، وصفة من الصفات المميزة للمسلمين. فسوّى الله بينها وبين الصلاة والإنفاق في قوله ]وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[ (سورة الشورى: الآية 38).

فجعل للاستجابة إلى لله نتائج، بيّن أبرزها، وأظهرها، وهي: إقامة الصلاة، والشورى والإنفاق.

وإذا كانت الشورى من الإيمان، فإنه لا يكمل إيمان قوم يتركون الشورى، ولا يحسن إسلامهم، إذا لم يقيموا الشورى إقامة صحيحة.

وترتيباً على ذلك، فإن الشورى فريضة إسلامية، واجبة على الحكام والمحكومين. فعلى الحاكم أن يستشير في أمور الحكم والسياسة، وكل ما يتعلق بمصلحة المسلمين، وعلى المحكومين أن يشيروا على الحاكم في هذه المسائل كلها، سواء استشارهم الحاكم، أم يستشرهم.

وقد تنبه فقهاء الإسلام إلى هذا كله، فقرروا: إن الشورى من أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها، ومن عزائم الأحكام التي لا بد من نفاذها. ورتبوا على ذلك، أن مَنْ ترك الشورى من الحكام، فعزله واجب بلا خلاف. ذلك أن السلطة، طبقاً للنظرية الإسلامية، مقيَّدة بأحكام القرآن والسنة، التي تشكل نوعاً سامياً من القانون الدستوري، الذي يعلو على القانون الدستوري الوضعي.

وهناك ضمانات تقييد السلطة في النظرية الإسلامية للشورى. وفي الحقيقة فإن نظرية السيادة ـ كما هي في الفكر الغربي ـ لا تعرف هذه الضمانات، بحكم أنها لا تعرف فكرة التقييد ذاتها، ولا تعترف بها.

أمّا النظرية الإسلامية، فلم تكتف بوضع قيود على السلطة، وإنما عُنيت أيضاً بوضع ضمانات لهذا التقييد. وهذه الضمانات على نوعين:

تتمثل أولاهما في الشورى، بما تمثله من ضرورة رجوع الحكام إلى الأمة في الأمور المهمة.

ويتمثل الثاني في الرقابة من الأمة نفسها على تصرفات الحُكام، وحقها في عزلهم إن صدر عنهم ما يبرر العزل. لذلك فإن الشورى مقيدة للسلطة.

لزوم الشورى وتنوع صورها: كانت خلافة أبى بكر، مستندة إلى الانتخاب العام المباشر. وكانت خلافة عمر، بالاستناد إلى عهد أبى بكر، الموثّق بالشورى والتفويض. أمّا خلافة عثمان، فقد تمت استناداً إلى هيئة انتخابية، ابتكرها عمر بن الخطاب قبيل وفاته، عرفت فيما بعد باسم (أهل الشورى)، وهي تسمية اصطلاحية حادثة.

وهكذا نرى، أن دلالة تنوع صور الشورى، في عصر الخلافة الراشدة، يُعطي تأكيداً على لزوم الشورى كمبدأ، مع ترك مساحة واسعة للظرف السياسي، ليحدد صورة الشورى المناسبة.

ثانياً: المساواة

المساواة بين الناس قائمة في أشياء كثيرة: فمساواة في أصل الخلقة، ومساواة أمام القانون، ومساواة أمام القضاء، ومساواة بين المسلم والذمي، ومساواة بين الرجل والمرأة.

وحين قرر الإسلام هذا المبدأ، فيما يرى بعض الباحثين، جاء بمبدأ جديد، وكان أسبق في هذا المقام، مما هو معروف من التشريعات في العصر الحديث.

وكان المبدأ الجديد، الذي جاء به الإسلام، وهو مبدأ المساواة، أهم المبادئ التي جذبت قديماً نحو الإسلام الكثير من الشعوب الأخرى. وكان مصدراً من مصادر القوة للمسلمين الأولين، وذلك فيما يقرره بعض المستشرقين أنفسهم.

وفي مقدمة الآيات، التي تدعو إلى المساواة قوله تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ (سورة الحجرات: الآية 10)، وقوله سبحانه وتعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 13).

وأحاديث النبي r وسننه العملية في المساواة، لا يدركها الحصر. وهي تتضمن المساواة، التي قررها الإسلام، مساواة الأفراد جميعاً أمام القانون. فليس هناك فرد، مهما علا مقامه، يعلو على آخر في تطبيق القانون فأمير المؤمنين والولاة، كل أولئك متساوون أمام القانون مع غيرهم من أفراد الأمة، فلا امتياز لأولئك في شيء على هؤلاء، كما أنهم جميعا متساوون أمام القضاء، فليس لطائفة خاصة محاكم خاصة، وليس في الإسلام، بوجه عام، منزلة، أو ميزة لطائفة، أو أسرة معينة من الطوائف أو الأسر، فلا امتياز إلاّ بالتقوى والعلم وصالح الأعمال، ولا تفرقة بسبب الأصل، أو الجنس، أو اللون، أو الثروة.

ويتبين مما تقدم أن الإسلام حين قرر مبدأ المساواة، قرره بصوره المختلفة المعروفة في الفقه الدستوري الحديث: مساواة أمام القانون، مساواة أمام القضاء، مساواة في الحقوق السياسية.

ثالثاً: الطاعة لأولي الأمر

تجب الطاعة في المعروف، وما وافق الشرع. وتستلزم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أن يتقبل الأفراد طاعة هذه السلطة، لأن الأصل في هذه الأوامر والنواهي، أنها بقصد تحقيق الصالح العام ومقاصد الشرع.

ويمثل الخضوع للسلطة العامة، تعارضاً بين حرية الفرد وطبيعته، التي تأنف من الخضوع للغير، وتسعى للتمرد على أوامر السلطة الحاكمة إرضاء لنزواته. لذلك، لا يُذعن الفرد لأوامر السلطة ونواهيها، إلاّ إذا ارتبطت بجزاء مادي يُوقّع على المخالف لها، ولهذا كان الجزاء المادي ركنا مهماً من أركان القاعدة القانونية، لكي تنال احترام الأفراد.

وحتى هذا الجزاء، لا يكفي لتحقيق الاحترام والتقديس للقانون. فإن الفرد كثيراً ما يسعى لمخالفة القانون، مع حرصه على التفلت من الجزاء المرتب على المخالفة. ولهذا، نجد فقهاء القانون عاجزين عن توفير الاحترام لهذه القواعد القانونية، منفصلة عن الجزاء المرتب عليها، وكذلك نجد دعاة الأخلاق، لم يصلوا بعد إلى إقناع الأفراد، بضرورة الانقياد إلى أوامر السلطة.

أمّا في الإسلام، حيث يرتبط الأمر والنهي بالعبادة لله وحده، فإن هذه المشكلة تكون غير ذات بال. فالمسلم، الذي رضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، يجد في نفسه الباعث على احترام أوامر الله تعالى ونواهيه.

ومن هذا المنطلق الإيماني، الذي يسود المجتمع الإسلامي، نجد الجاني، الذي ارتكب جريمته في الخفاء وتحت جنح الظلام، يتقدم إلى السلطة الحاكمة لإقامة الحد عليه، كما في حديث ماعز والغامدية ]‏أَنَّ ‏مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ‏ ‏أَتَى رَسُولَ اللَّهِ r‏ ‏فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ‏ ‏تُطَهِّرَنِي ‏فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ r‏ ‏إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلاَّ‏ ‏وَفِيَّ‏ ‏الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ وَلا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ‏ ‏فَرُجِمَ ‏ ‏قَالَ فَجَاءَتْ‏ ‏الْغَامِدِيَّةُ‏ ‏فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ‏ ‏مَاعِزًا ‏فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ‏ ‏فَرَجَمُوهَا ‏ ‏فَيُقْبِلُ ‏ ‏خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ‏ ‏بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا ‏ ‏فَتَنَضَّحَ ‏الدَّمُ عَلَى وَجْهِ‏ ‏خَالِدٍ ‏فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ r‏ ‏سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلاً يَا ‏خَالِدُ‏ ‏فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ‏ ‏لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ ‏مَكْسٍ ‏لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3208)، معترفاً بجرمه من غير إكراه، يطلب توقيع العقوبة.

وبعد هذا البيان، فإن الأدلة الشرعية على وجوب الطاعة مشهورة، كقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[ (سورة النساء: الآية 59)، وغيرها من الآيات.

كما تواترت الأخبار النبوية الصحيحة، بالحث على طاعة الأئمة والولاة، ففي الحديث المتفق عليه فعن أبي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r: قَالَ ]مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6604) وعن ابن عمر قال: كان رسول الله، r، في نفر من أصحابه فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: ]يَا هَؤُلاَءِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ قَالُوا بَلَى نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ قَالُوا بَلَى نَشْهَدُ أَنَّهُ مَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَأَنَّ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ طَاعَتَكَ قَالَ فَإِنَّ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَنْ تُطِيعُونِي وَإِنَّ مِنْ طَاعَتِي أَنْ تُطِيعُوا أَئِمَّتَكُمْ أَطِيعُوا أَئِمَّتَكُمْ فَإِنْ صَلَّوْا قُعُودًا فَصَلُّوا قُعُودًا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 5421).ولا يخفى أن طاعة أولي الأمر، لم تأت استقلالاً، وإنما جاءت تبعا لطاعة الله ورسوله، فأولي الأمر لا يفردون بالطاعة في كل ما أمروا به، ولكن يطاعون فيما هو طاعة لله.

رابعاً: الشريعة الإسلامية

إن عقيدة التوحيد، التي قامت الدولة الإسلامية عليها، تعني أن يكون الحُكم لله، بما شرع في كتابه، وعلى لسان رسوله، r.

والشريعة الإسلامية لها خصائصها، فهي ربانية من حيث المصدر، ومن حيث الغاية والوجهة، مما يترتب عليه كمال المنهج، وعصمته من التناقض والاختلاف، والبراءة من التحيز والهوى، والتحقق بالاحترام وسهولة الانقياد، والتحرر من عبودية الإنسان للإنسان.

وإذا كانت الشريعة الإسلامية ربانية من حيث المصدر والغاية، فإنها إنسانية من حيث إنها تخاطب الإنسان وتكّرمه، وتتوائم مع طبيعته، ولا تفصل بين الجانب الروحي والمادي فيها.

ومن خصائص الشريعة الإسلامية، الوسطية ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[ (سورة البقرة: الآية 143).

فعن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ فَيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ r وَأُمَّتُهُ فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ] وَالْوَسَطُ الْعَدْل[(صحيح البخاري، الحديث الرقم 3091).

كما تتميز الشريعة الإسلامية، بالوضوح التام في الأصول والعقائد، والوضوح في الشرائع، والوضوح في الغايات والأهداف، والوضوح في المناهج والطرائق.

كما تتميز الشريعة الإسلامية بالثبات والمرونة، في الوقت ذاته، محققة بذلك الحل لتلك المشكلة، التي تواجه المشرعين الوضعيين. فقد أودع الله تعالى في الشريعة عنصري الثبات والخلود، والمرونة والتطور، في آن واحد، بما لها من خلود، وبما أنها الشريعة الخاتمة.

خامساً: الحرية

اعترف الإسلام بالفرد وحرياته وحقوقه، وكان ذلك في زمان لم يكن للفرد فيه حق، أو حرية تجاه السلطة.

سادساً: مسؤولية أولي الأمر

من المبادئ الدستورية، التي قررها الإسلام وأخذ بها، مبدأ مسؤولية الحاكم. فالخليفة يعد مسؤولاً عن أعماله جميعاً، ومسؤوليته مزدوجة. فهو مسؤول أمام الأمة، كما هو مسؤول أمام الله، وإذا ثبت أن الخليفة قد خان الأمانة حق عزله.

سابعاً: الاستعانة بالأمناء

ويجب على الأمة أن تستعين بالأمناء في النيابة عنها في تنفيذ الشريعة، وتولي المسؤولية. كما يجب على الحاكم أن يستعين بالأمناء، في كافة الأعمال التي ينيبهم فيها.

ثامناً: الوحدة السياسية للأمة

تنقسم الدول في الفقه الوضعي ـ من حيث شكلها وتكوينها ـ إلى قسمين رئيسيين: الدول البسيطة أو الموحدة، والدول المركبة أو الاتحادية. وهذه الأخيرة تنقسم بدورها إلى عدة صور.

ومن جهة أخرى، فإن الدولة الإسلامية على مستوى الواقع، أخذت أشكالاً مختلفة على اختلاف المراحل التاريخية، التي مرت بها، بدءاً من الدولة الإسلامية في صدر الإسلام، ثم الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، ثم الدولة العثمانية، وأخيرا الدولة الإسلامية في العصر الحديث.

تاسعاً: كفالة الحقوق والحريات في الإسلام

أقر الإسلام حق الملكية الفردية، وكفله بأحكام عدة. فقد نهي القرآن، في مواضع مختلفة، عن الاعتداء على مال الغير، من ذلك قول الله تعالى: ]لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[ (سورة النساء: الآية 29)، ومن ذلك أيضاً تقرير عقوبة شديدة على السرقة ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (سورة المائدة: الآية 38).

ولكن الإسلام لم يجعل حق الملكية حقا مطلقا، وإنما قيده بما يجعل صاحبه أشبه بالوكيل عن الجماعة، فيما تحت يده من أموال. والآيات القرآنية الدالة على أن المال، الذي في أيدي البشر، هو مال الله، كثيرة، منها قوله تعالى: ]وَءَاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ[ (سورة النور: الآية 33).

ولذلك، فرض الله على المسلمين الزكاة عن أموالهم، ثم جعل للحاكم الحق في أن يأخذ منهم فوق الزكاة ما يلزم لحاجة الجماعة، كلمّا دعت الضرورة إلى ذلك، دفعا للضرر، ورفعا للحرج، وصونا لمصالح المسلمين. بل قد ذهب الإمام علي كرم الله وجهه، إلى وضع حدٍ أعلى لحاجة المسلم، وقدره بأربعة آلاف درهم سنوياً لمدة عام، فما زاد على ذلك فهو فضل يجب إخراجه، ولا يحق له إمساكه، وأكثر الفقهاء على ذلك.

أقر الإسلام الملكية بنوعيها، الفردية منها والجماعية. والآيات الدالة على إقراره للملكية الفردية كثيرة، وهذا الإقرار يتجلى، أيضاً، فيما فرض الدين من فرائض، وفيما ندب إليه من صدقات. ولذلك، لا يجوز لوليّ الأمر أن يعتدي على ملك فرد من الأفراد، وليس له أن يجعله في منفعة عامة مملوكة لجماعة المسلمين، إلاّ إذا تطلبت مصلحة المسلمين ذلك، فيأخذه الإمام عن رضا أو عن قهر ببدله (أي مقابل تعويض) من دون غبن على صاحبه، وذلك لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

ولا يجوز أن يؤخذ مُلْك إنسان، بلا عوض لمصلحة عامة، بل يجب تعويضه من بيت مال المسلمين تعويضا عادلاً. فإن لم يكن فيه ما يقوم بذلك، كان لوليّ الأمر أن يفرض على القادرين من الوظائف المالية، ما يقوم بحاجة الدولة، ويدفع ما نزل بها بالقسطاس المستقيم، فيعم بذلك جميع القادرين كلاً بقسطه، ولا يقصره على بعضهم، وبذلك يشترك كل قادر في دفع ما لَمَّ بالأمة مما يجب دفعه.

وقد كفل الإسلام للفرد حرية إبداء الرأي. والآيات القرآنية والأحاديث النبوية كثيرة في هذا الصدد، مثل قوله تعالى: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 104). ومن الأحاديث قول النبي r: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: ]خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r خُطْبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ حَفِظَهَا مِنَّا مَنْ حَفِظَهَا وَنَسِيَهَا مِنَّا مَنْ نَسِيَهَا فَحَمِدَ اللَّهَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أَلاَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ أَلاَ إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى مِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا أَلاَ إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالأَرْضَ الأَرْضَ أَلاَ إِنَّ خَيْرَ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا وَشَرَّ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الرِّضَا فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ وَسَرِيعَ الْغَضَبِ وَسَرِيعَ الْفَيْءِ فَإِنَّهَا بِهَا أَلاَ إِنَّ خَيْرَ التُّجَّارِ مَنْ كَانَ حَسَنَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ وَشَرَّ التُّجَّارِ مَنْ كَانَ سَيِّئَ الْقَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَسَنَ الْقَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ أَوْ كَانَ سَيِّئَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ فَإِنَّهَا بِهَا أَلاَ إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلاَ وَأَكْبَرُ الْغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ قَالَ أَلاَ إِنَّ مِثْلَ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 10716).

وكان الخلفاء الراشدون، رضوان الله عليهم، يدعون الناس للمجاهرة بآرائهم، ويذكرونهم بأن إبداء الرأي، ليس فقط حقاً للفرد، بل هو واجب عليه.

على أن الشأن بصدد حرية الرأي، يختلف من الوجهة الشرعية باختلاف ما إذا كان الرأي متعلقاً بأمر من الأمور ذات الصبغة غير الدينية، أو ما إذا كان من الأمور ذات الصبغة الدينية.

ففي الأمور الدنيوية، غير ذات الصبغة الدينية، فإن للفرد الحرية أن يُبدي من الآراء ما يشاء، ولكن من دون عدوان (أي من دون أن يكون قاذفاً أو ساباً أو داعياً إلى فتنة الخ) فقد قال سبحانه وتعالى: ]لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ[ (سورة النساء: الآية 148).

وأمّا في الأمور ذات الصبغة الدينية (أو الشرعية)، فإن لكل مجتهد في غير موضع النص، أن يجتهد برأيه في حدود أصول الدين الكلية وقد جاء في السُّنة: أن كل مجتهد مأجور: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 5286) فالمثوبة على الاجتهاد حتى في حالة الخطأ، دليل على أن الإسلام يقدر حرية الرأي، ويحث على إبدائه.

وقد شهد العالم الاجتماعي الفرنسي الكبير، الدكتور جوستاف لوبون، أن العرب أول من علّمَ العالم، كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.

وقد كفل الإسلام أيضاً حرية العقيدة الدينية، وهناك العديد من الآيات القرآنية، التي تكفل هذه الحرية، ومن أولها قول الله تعالى: ]وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ[ (سورة يونس: الآية 99)، وقوله: ]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ[ (سورة البقرة: الآية 256).

كما نجد من الآيات القرآنية، ما يحث الفرد على أن يكوِّن عقيدته عن طريق البحث والنظر والتأمل، لا عن طريق المحاكاة وتقليد الآباء، كقوله سبحانه وتعالى: ]أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ[ (سورة الأعراف: الآية 185)، وقوله: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ[ (سورة البقرة: الآية 170).

وقد شهد التاريخ الإسلامي في مختلف عهوده، كفالة لحرية العقيدة، كما شهد تسامحاً من حكام المسلمين مع غير المسلمين (من أهل الكتاب أو أهل الذمة) لم يُشهد مثله في غير عهد الحكم الإسلامي من عهود الحكم الأخرى، وذلك مما اعترف به الكثيرون من المستشرقين والعلماء الغربيين بل إن بعض أولئك المستشرقين ورجال الدين من الغربيين، يعترفون للحُكام العرب بأنهم أشد الأمم الأسيوية تسامحاً.

لم يقف الإسلام عند تقرير حرية التملك، وحرية الرأي، وحرية العقيدة، بل اعترف بالحريات جميعا، فالحرية الشخصية مكفولة. ففيما يتعلق بحرية التنقل، نجد أن هذه الحرية هي مما تشمله، في نظر بعض علماء الفقه الإسلامي، حرية المأوى، وفي أحكام الإسلام ما يكفل هذه الحرية، فإن النفي أو الإبعاد إنما يُعد عقوبة، لم يذكرها القرآن الكريم إلاّ جزاء للذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ]إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ (سورة المائدة: الآية 33).

أمّا حق الأمن، أو حرية الذات، أو الحرية الفردية، كما يُعبر بعض علماء الإسلام، فقد كفله الإسلام بما قرره من عقوبات، تشمل ما هو معروف بالحدود والتعازير. وقد اتفقت كلمة المسلمين على أن العقوبات، مما لا تثبت بالرأي والقياس، وأنها لا تثبت إلاّ بالنص. وقد قال تعالى: ]فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ[ (سورة البقرة، الآية 193)، كما قال سبحانه وتعالى: ]فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[ (سورة البقرة، الآية 194)، ففي النهي عن العدوان إلاّ على ظالم، وفي الأمر بأن يكون الاعتداء على الظالم مماثلا لاعتدائه لا يزيد، في ذلك كله كفالة لحق الأمن.

وقد جاء النص على حرمة المسّكن صريحاً، في قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا[ (سورة النور: الآية 27).

ومن كل ما تقدم، يتبين أن الإسلام أقر الحريات والحقوق الفردية في صورها، وأشكالها المختلفة. وكان له في هذا المجال، دور عظيم وفضل السبق في وقت كان مبدأ السلطة في أشد قوته.

على أن الإسلام لم يجعل من تلك الحقوق حقوقاً مطلقة، وإنما عمل على التوفيق بين حقوق الفرد وحرياته ومبادئ التكافل الاجتماعي، وسار في طريق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفوارق بين الثروات، طريقاً بعيداً، حتى وصف بعض الباحثين أو المفكرين الإسلام، بأنه نظام اشتراكي.

روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله، r، أنه قال: ]بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ r إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3258).

ومما يذكر عن عمر، t، أنه قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء ورددتها على الفقراء" ، وقد قال هذا حين أحس أن بعض بذور الخلافات في النظام الاجتماعي، قد بدأت تظهر في أواخر خلافته، بسبب الغنى المفرط، الذي بلغه بعض المسلمين، نتيجة للغنائم، التي آلت إليهم عقب انتصارهم على الفرس وعلى الروم، ونتيجة لما جرى عليه عمر، من الإغداق على المجاهدين الأوائل في العطاء.

وقد كان مذهب الصحابي الجليل أبى ذر الغفارى t، في التملك، أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من حاجته. بل إن أبا ذر ذهب إلى أكثر من ذلك، فطالب الخليفة عثمان باستعمال سلطة الدولة في تحقيق مذهبه الاقتصادي. ولم يكن أبو ذر يكتفي بالدعوة إلى مذهب نظري، بل جعل من حياته شاهداً على صدق ما يقول، والروايات عنه في ذلك كثيرة ومتواترة.

ومما سبق نستخلص خصائص الدولة الإسلامية فيما يلي:

1. إن الدولة الإسلامية تعتمد في تكوينها على الوحدة الدينية، وأن جميع من شملتهم هذه الوحدة، هم أمة واحدة، وإن اختلفوا في اللغة أو الجنس، أو الحكومات أو سائر المميزات القومية. فولاية الإسلام واحدة، وهي تشمل الشعوب والأقاليم، التي تنبسط عليها هذه الولاية. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالجنسية، لأن الإسلام دين وجنسية معاً.

2. للولايات الأعضاء في دار الإسلام، في المجال الداخلي، شخصيتها الذاتية غير الخارجة على الإسلام. والولاة، كقاعدة عامة، لهم حرية كاملة في تصرفاتهم، فهم يبرمون الأمور على وفق ما يرون، على أنهم يخطرون الخليفة بما يحدث من عظائم الأمور. وكان للولايات كثير من مظاهر الاستقلال الاقتصادي والمالي والإداري.

3. الدولة الإسلامية في تكوينها وشكلها، دولة متحدة، على أساس أن حكم الإسلام يسودها، وأن ولايته تمتد إلى الأمصار، التي يعيش في أقاليمها مَن تربط بينهم الأخوة الإسلامية، قال تعالى: ]وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ[ (سورة المؤمنون: الآية 52)، وقال تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ (سورة الحجرات: الآية 10)، إلى غير ذلك من النصوص الصريحة.

شرع الإسلام العديد من الوسائل، التي تحقق خضوع الحاكم في الدولة الإسلامية للقانون، وتكفل تحقيق حريات الأفراد، فمن ذلك:

1. وجود تشريع أساسي إلهي: إن مبدأ خضوع الدولة للقانون، يعني التزام الحاكم في جميع تصرفاته بما ارتضته الجماعة من قواعد عامة ملزمة، وإذا كانت تلك القواعد للجماعات في عالم اليوم من صنع البشر، فالدولة الإسلامية لها تشريع أساسي إلهي، يجب على الجميع الخضوع له.

2. الاعتراف بالحقوق الفردية في الإسلام: اعترف الإسلام بحقوق الإفراد وحرياتهم العامة، وجعلها سداً حصيناً أمام سلطان الحاكم.

3. تنظيم أمور الحكم في الإسلام: لم يقف الإسلام عند حد تقرير الحقوق الفردية، وجعلها حواجز منيعة أمام سلطات الحاكم، بل نظم شؤون الحكم، ولم يجعل للحاكم سلطة مطلقة.

4. الفصل بين السلطات في الإسلام: وهذا المبدأ هو، أيضاً، أحد الوسائل الأساسية، في ضمان الديموقراطية في الإسلام.

5. إخضاع الحاكم في الإسلام لرقابة القضاء: إن الأدلة الشرعية، والوقائع التاريخية، على هذا المبدأ الرقابي المهم، (والذي يؤكد المبدأ الأهم من فصل السلطات) كثيرة، قد استوعبتها المؤلفات الخاصة بالقضاء في الإسلام. وقد قاد[1] النبي r من نفسه، واستبرأ[2] الأمةَ مما قضى فيه. ومن المشهور في هذا المقام كذلك، مواقف عمر بن الخطاب، وعلي بن أبى طالب، وغيرهم.

6. مسؤولية الحاكم في الإسلام: إن الحاكم مسؤول تمام المسؤولية عن تصرفاته، وتصرفات نوابه وعماله، مما يعد وسيلة حاسمة في خضوع الحاكم للقانون، وَجْعُل الحاكم تحت رقابة القضاء، يحول تماماً من دون الاستبداد والظلم.

وقد قال بعض المفكرين المعاصرين، أننا: (إذا أردنا الموازنة بين الإسلام وسواه من النظم الحديثة، هالنا الفرق، بين دين لحمه وسداه الديموقراطية الحقة، ومذاهب تضلل باسم الديموقراطية الناس والأمم، لتوسع نفوذها في الأرض.

إن جميع عناصر الديموقراطية موجودة في الإسلام، فالحريات مكفولة، والمساواة بين الناس تامة، والحاكم يُحاسب على أعماله، ويقدم للقضاء، ومسؤوليته كاملة عن كل صغيرة وكبيرة يرتكبها، والحكم أساسه مشيئة الشعوب، والعدالة لا تنتهي فيه عند حد، ولم يستثن من أحكامها فرد مهما عظم، ولا طائفة أو عنصر أو شعب. يقول عمر في وصيته للخليفة من بعده: (اجعل الناس عندك سواء، لا تبال على من وجب الحق، ثم لا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والأثرة، والمحاباة فيما ولاك الله)، وحقوق الإنسان في الحياة والحرية والأمن والتعليم والتأمين الاجتماعي، يحميها الله ورسوله.

جاء الإسلام فحرر الإنسان من الوهم والتقليد، والجمود والجهل، والفاقة والاضطهاد والاستبداد ودعا إلى تحرير الأرقاء، ورفعهم إلى منزلة السادة، وحرر المرأة من جور الرجل، وساواها به في الحقوق والواجبات، وحرر الطبقات من طغيان العصبيات، والثروة والحسب، وحرر المجتمع من الخرافات والأضاليل، وحرر الأمم من استبداد الطغاة والزعماء والفوضى والأثرة، ومن جموح الشهوات وتقديس الماديات، والجنوح إلى الشر والفساد في الأرض، ومن التقليد الضار، والإيمان الأعمى بما كان يؤمن به الآباء والأجداد.

والإسلام يقرر أن الناس أصلهم واحد، فالمساواة تامة بين الناس جميعا، والعلاقات بين الأمم علاقة محبة وتعاون ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 13).

ويمكن أن نلخص أسس الديموقراطية في الإسلام فيما يلي:

1. مبدأ حكم القانون.

2. حكم الشعب للشعب.

3. الحكومة وجدت لخدمة الشعب، والعمل على رفاهيته.

4. روح التسامح والحرية الاجتماعية، وحرية الرأي للأفراد والجماعات.

5. الحرية الاقتصادية التي تتجه إلى تحقيق رفاهية الناس أجمعين، والتي تؤدي التزاماتها للدولة والفقراء.

6. محاربة أي لون من ألوان التمييز بين الناس.

[1] قاد: أي طلب القود، وهو قتل القاتل أخذاً بدم القتيل.

[2] استبرأ: طلب الإبراء من الدَّين والذنب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الديموقراطية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الديموقراطية في الإسلام   الديموقراطية في الإسلام Emptyالإثنين 13 يونيو 2016, 3:24 am

المصادر والمراجع

أولاً: القرآن الكريم

ثانياً: الحديث الشريف

ثالثاً: الكتب

1. أبو الأعلى المودودي، "الدستور الإسلامي"، دار التراث العربي، د ت.

2. إسماعيل بن عمر بن كثير عماد الدين أبو الفداء، "تفسير القرآن العظيم"، المكتبة التجارية، القاهرة 1356هـ/ 1937م.

3. أنطوني دي كرسبني، وكينيث مينوج، "أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة"، ترجمة نصار عبدالله، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1996.

4. تقي الدين بن تيمية، "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"، تحقيق محمد البنا، دار الشعب، 1970.

5. توفيق الشاوي، "فقه الشورى والاستشارة"، دار الوفاء، ط 1، 1412 هـ/1992م.

6. ثروت بدوي، "أصول الفكر السياسي"، دار النهضة العربية، 1972.

7. ثروت بدوي، "النظم السياسية"، دار النهضة العربية، 1964.

8. جمال أحمد السيد جاد المراكبي، "الخلافة بين نظم الحكم المعاصرة"، جماعة أنصار السنة المحمدية، 1414هـ.

9. جمال الدين أبو الفضل، ابن منظور، "لسان العرب"، دار المعارف، د ت.

10. حازم عبدالمتعال الصعيدى، "النظرية الإسلامية في الدولة"، دار النهضة العربية، ط 1، 1397 هـ/1977 م.

11. حسن سعفان، "تراث الإنسانية"، روح القوانين لمونتسيكو، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995.

12. حسن سعفان، "تراث الإنسانية"، مقالة عن العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995.

13. حسين فوزى النجار، "تراث الإنسانية"، مقالة عن الحرية، لجون ستيوارت مل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1995.

14. روبوت ماكفير، "تكوين الدولة"، ترجمة حسن صعب، دار العلم للملايين، بيروت 1966.

15. سعدي أبو جيب، "دراسة في منهاج الإسلام السياسي"، دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، 1985.

16. سلام مدكور، "مناهج الاجتهاد في الإسلام"، د ن، ط 1، القاهرة، 1974.

17. السيد أحمد فرج، "السلطة الإدارية والسياسية الشرعية في الدولة الإسلامية"، دار الوفاء، ط 1، 1414 هـ/ 1993 م.

18. السيد صبري، "مبادئ القانون الدستوري"، د ن، القاهرة، ط 4، 1949.

19. سيد قطب، "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، دار الشروق، ط 5، د ت.

20. السير توماس أرنولد، "الدعوة إلى الإسلام"، تعريب حسن إبراهيم شحاتة وآخرون، بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، ط 2، 1957.

21. شكيب أرسلان، الأمير، "التعصب الأوروبي أم التعصب الإسلامي"، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1352هـ.

22. الصديق محمد الشيباني، "أزمة الديموقراطية المعاصرة"، دراسة تحليلية، المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، ليبيا، دار الشروق، ط 2، القاهرة، 1990.

23. طعيمة الجرف، "نظرية الدولة والمبادئ العامة للأنظمة السياسية ونظم الحكم"، مكتبة القاهرة الحديثة، 1973.

24. طه حسين، "الفتنة الكبرى"، دار المعارف، د ت.

25. ظافر القاسمي، "نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي"، الكتاب الأول، الحياة الدستورية، دار النفائس، ط 3، 1400/1980.

26. عبدالحليم محمود، "أوروبا والإسلام"، دار الشعب، القاهرة، 1392هـ/ 1972م.

27. عبدالحميد متولى، "القانون الدستوري والأنظمة السياسية"، دار المعارف، 1966.

28. عبدالحميد متولي، "مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة"، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط 4، 1976.

29. عبدالرزاق أحمد السنهوري، "أصول الحكم في الإسلام"، ترجمة نظرية الخلافة الجديدة نادية عبدالرزاق السنهوري، "مراجعة وتقديم توفيق محمد الشاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.

30. عبدالفتاح عبدالباقي، "القانون والحياة"، المكتبة الثقافية، إصدار وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، الكتاب الرقم 28 لسنة 1961.

31. عبدالقادر عودة، "الإسلام وأوضاعنا السياسية"، المختار الإسلامي، د ت.

32. عبدالقادر عودة، "التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي"، مؤسسة الرسالة، ط 4، 1983.

33. عبدالمتعال الصعيدي، "السياسة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين"، دار الفكر العربي، 1962.

34. عبدالمتعال الصعيدي، "السياسة الإسلامية في عهد النبوة"، دار الفكر العربي، ط 2، 1960.

35. عبدالمتعال الصعيدي، "القضايا الكبرى في الإسلام، دار الفكر العربي، ط 2، 1960.

36. عبدالملك بن هشام، "السيرة النبوية"، طبعة المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.

37. عبدالوهاب خلاف، "السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية"، د ن،1350 هـ.

38. عز الدين علي، ابن الأثير، "الكامل في التاريخ"، مطبعة أحمد الحلبي، القاهرة، 1303هـ.

39. عصمت سيف الدولة، "النظام النيابي ومشكلة الديموقراطية"، القاهرة للثقافة العربية، 1976.

40. علي جمعة، "الإجماع عند الأصوليين"، دار النهار، القاهرة، 1998.

41. علي محمد حسنين، "رقابة الأمة على الحكام، دراسة مقارنة بين الشرعية ونظم الحكم الوضعية"، المكتب الإسلامي بيروت، ومكتبة الخاني، الرياض، ط 1، 1400 هـ/ 1980.

42. فؤاد العطار، "النظم السياسية والقانون الدستوري"، دار النهضة العربية، 1974.

43. فؤاد محمد النادي، "طرق اختيار الخليفة"، دار الكتاب الجامعي، ط 1، 1400 هـ/ 1980 م.

44. فتحي عبدالكريم، "الدولة والسيادة"، مطبعة وهبة، ط 2، القاهرة، 1984.

45. فخر الدين الرازى، "مفاتيح الغيب"، مؤسسة المطبعة الإسلامية، القاهرة، د ت.

46. محمد أبو طاهر، الفيروزآبادي، "القاموس المحيط"، مطبعة مصطفي الحلبي، د ت.

47. محمد الخضري، "محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية"، د ن، القاهرة، د ت.

48. محمد الصادق عرجون، "حرية الفكر في الإسلام"، د ن، القاهرة، 1956.

49. محمد الغزالي، "حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة"، دار الشروق، القاهرة، د ت.

50. محمد بخيت المطيعي، "حقيقة الإسلام وأصول الحكم"، مطبعة السلفية، د ت.

51. محمد رشيد رضا، "تفسير المنار"، مطبعة المنار، ط 2، القاهرة، 1307 هـ.

52. محمد ضياء الدين الريس، "النظريات السياسية الإسلامية"، مكتبة دار التراث، ط 7، 1979.

53. محمد عصفور، "الحرية بين الفكرين الديموقراطي والاشتراكي"، ط1، القاهرة،1961.

54. محمد كامل ليلة، "النظم السياسية"، دار الفكر، القاهرة، 1963.

55. محمد مأمون الشناوي، ومحمد عبدالمنعم خفاجي، "الإسلام ومبادئه الخالدة"، مجموعة مقالات وأحاديث، مكتبة القاهرة، ط 1، 1372 هـ/ 1953 م.

56. محمود شلتوت، "الإسلام عقيدة وشريعة"، دار الشروق، ط 12، القاهرة، 1983.

57. نعيم عطية، "القانون والقيم الاجتماعية"، دراسة في الفلسفة القانونية، سلسلة الكتب الثقافية، العدد الرقم 257، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، د ت.

58. يحيى الجمل، "الأنظمة السياسية المعاصرة"، دار الشروق، القاهرة، د ت.

رابعاً: رسائل وأبحاث

1. أديب نصور، "دراسات حول الديموقراطية"، محاضرات لطلبة الدارسات العليا، جامعة قار يونس، ليبيا، 1978.

2. علي الخفيف، "الملكية الفردية وتحديدها في الإسلام"، بحث مقدم إلى المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، شوال 1383هـ/ مارس 1964م.

3. محمد شومان، "الموضوعية والتحيز في قياسات الرأي العام"، بحث، ضمن أبحاث إشكالية التحيز، التي قدم لها وحررها الدكتور عبدالوهاب المسيري، مطبعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ونقابة المهندسين المصرية.

خامساً: مقالات

1. جالك مارتيان، "فكرة السيادة"، المجلة الدولية للتاريخ السياسي والدستوري.

2. عبدالوهاب خلاف، "مصادر التشريع الإسلامي مرنة"، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، عدد أبريل ـ مايو، 1945.

سادساً: الجرائد

1. جريدة "الأخبار"، الصادرة في 26 أغسطس 1977.

2. جريدة "الأهرام"، الصادرة في 26 أغسطس 1977.

3. جريدة "الجمهورية"، الصادرة في 26 أغسطس 1977.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الديموقراطية في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة-
انتقل الى: