مشاكل "دور الحضانة" من يدفع الثمن؟ وكيف نتجنبها؟
الطفل في الحضانة.. وأمه تعمل!
البوصلة - استقصاء آية الجعبري
حضانات الأطفال! وما أدراك؟ اليوم أدعو كل أم عاملة أن تسأل نفسها إن كانت متأكدة من أن طفلها الذي يقضي جل يومه في الحضانة، سيخزن أي نوع من الذكريات في عقله الباطني؟
ولأنني كنت أتوق لتجربة صحفية استقصائية، فقد لبيت إعلانا يتيح هذه الفرصة مع الزملاء في "البوصلة الإخباري"، نصحني الصحفي عبدالرحمن أبوسنينة أن أتبنى الاستقصاء حول معاملة أطفال العاملات في الحضانات، الفكرة استهوتني، لأنها من واقعنا اليومي المعاش، وتعنى بحقوق الإنسان، وتحديدا الطفل، الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
بدأت الرحلة، وتنقلت بين العديد من الحضانات، في العاصمة عمان محل سكني، وفي اربد حيث أدرس الإعلام في جامعة اليرموك، في كل مرة كنت أدخل بصفة مختلفة، مستوضحة مستفسرة، دون أن أتمكن من توثيق الكثير من التجاوزات والمخالفات، حتى لا ينتبهوا لطبيعة عملي وهدفي، لكن يمكنني القول بالفم الملآن، إن كثيرا من المربيات في دور حضانة الأطفال، لم يكن بالخبرة الكافية، إهمال بالنظافة، قلة حرص على تهدئة كل طفل من البكاء، عدم تدقيق على إحضار ذوي الطفل شهادة خلو من الإمراض، وغير ذلك..
الطفل يدفع ثمن اضطرار الأسرة
تضطر النساء للنزول إلى سوق العمل من أجل مساعدة أزواجهن على التزامات الحياة، في بلد كالأردن، عاصمته أغلى العواصم العربية، من هؤلاء جارتنا أم سامر، تقول، "اضطررت للعمل بعد أن ضاق بنا الحال، لكنني بعد مدة لم احتمل الإهمال الذي يتعرض له طفلي سامر، (2عام) في الحضانة، وفي بعض الأحيان عندما أغادر العمل باكرا كنت أرى إهمال طفلي، وسوء النظافة، والجهل في معاملة الأطفال، وينعكس ذلك توترا وقلقا علي، لكنني مكرهة على ذلك في النهاية.
حضانات منزلية بلا مقاييس
قامت معدة المادة آية الجعبري بالتواصل مع إحدى السيدات في منطقة أبو نصير، من اللواتي أنشأن حضانة في المنزل، ونشرن إعلانا عن استقبال الأطفال عبر موقع السوق المفتوح، أخبرتها آية أن لديها طفلة تريد أن تتركها لديها خلال فترة وجودها في العمل، ووافقت على الفور، دون أن تسأل عن عمر الطفلة، أو تطلب تقريرا بخلوها من الأمراض، رغم وجود أطفال آخرين لديها، وطلبت منها صورا للمكان الذي سيقضي فيه الطفل وقته، فأرسلت صورا لنفس صالون البيت بالإضافة إلى غرفة أطفالها البالغ عددهم 3 أطفال، وأخبرتها أنها قررت أن تقوم بإنشاء حضانة داخل المنزل بسبب سوء الأوضاع المادية، وهي المرة الأولى التي تقوم بها وبرسوم شهرية.
من تجارب العاملات
المعلمة دانة أبوسنينة، لخصت لـ"البوصلة" تجربتها وزميلاتها بهذا الخصوص، تقول، "المشكلة تكمن في بيئة الحضانة، فمثلا أغلب الحضانات وحتى الراقية منها يوضع جميع الأطفال من فئات عمرية مختلفة في نفس المكان، وبدون الأخذ بعين الاعتبار أن كل فئة عمرية لها احتياجات خاصة، فالأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة، من الضروري بقاؤهم في غرفة مع مربية، لأن في اختلاطهم مع غيرهم، وبغياب الرقابة، يحصل على سبيل المثال أن يأخذ الطفل الكبير من الصغير "رضاعته الخاصة" ويضعها في فمه، أو أن تقع على الأرض، وترجع للطفل.
أيضا من سلبيات تناول الطعام جماعيا في غرفة واحدة، الاستيلاء على طعام الطفل من طفل آخر، أو لعدم شهية الطفل وقت الإطعام، ثم تصر المشرفات أن ابنك قد تناول كل طعامه، ويقسمن الأيمان على ذلك!
وتستطرد أبوسنينة، "الضرب عند البكاء، أمام الأمهات يكن بغاية اللطف، وبعد ذهاب الأم حدث ولا حرج عن تعنيف الأطفال".
عدم الاكتراث بميول الطفل والاكتفاء بلعبه مع الأولاد أو مشاهدة التلفاز، وإعطائك مبرر لأي سؤال من الأهالي، .. ما بدهم الولد يتحرك، أو يلعب، أو يبكي، فقط يرضع الطفل من الزجاجة، والآخر متصنم أمام التلفاز، والآخر نايم، حتى تنعم بالجلوس على هاتفها أو الحديث مع صديقاتها.
غياب التخصص والمهنية
تبين لي بعد سؤالي لمعظم المربيات عن تخصصهن، أن معظم الحضانات لا تحرص على أن تكون المعلمة تربوية، كي لا تدفع لها راتباً أعلى، وحتى أن الكثير منهن لم يكملن الثانوية العامة، وهنا يحذر أطباء نفسيون من الأمراض والمخاطر النفسية التي تحف بالطفل على أيدي معلمات غير تربويات، فلا تجد المعلمة مانعاً في ضرب الطفل وتعنيفه إن لم تستطع توصيل المعلومة إليه، وهذا الأمر يتكرر عندما تجد نفسها لا تقوى على التحكم في إزعاج الأطفال، وحركتهم، لذا يجب أن تكون العاملات في دور الحضانات مدربات ومؤهلات تربوياً من أجل معاملة سوية مع الأطفال.
يومان من التطوع في دار للحضانة
قضيت يومين كمتطوعة في إحدى دور الحضانة ضمن حدود العاصمة عمان، طلبت منهم أن أعاونهم كمتطوعة محبة لتربية الأطفال والعناية بهم، نجحت في إقناع مديرة الحضانة أخيرا، هذه الدار هي التي تمكنت أن أسجل فيها بعضا من مشاهداتي، توثيقا بالصوت، وأحيانا بالصورة، صراخ المشرفات المستمر على الأطفال، والذي لم يتوقف منذ دخول الأطفال إلى الحضانة و حتى مغادرتهم إياها، استعمال أساليب عنيفة كالعصاة الخشبية ضد أطفال لم يتجاوزوا الأربعة أعوام.
النظافة العامة داخل الحضانة بدرجة عالية من السوء، الأرضية مليئة بالنفايات "ورق، بقايا أطعمة، الجدران متشققة وسقوط أجزاء منها على الأرض مما قد يؤدي إلى إيذاء الأطفال.
المنظفات الخطرة كالهايبكس ومواد أخرى داخل الحمام بمتناول أيدي الأطفال، والموظفات يقلن لبعضهن، إن الإدارة مقصرة بتوفير خادمات لأعمال النظافة فقط.
ما يتفطر له القلب على الأطفال تركهم يبكون لمدة زمنية طويلة، للدرجة التي تجعل الطفل يبدأ بالسعال، أو يصمت من الإنهاك.
تتحدث المشرفات بينهن بكلمات أو قضايا تخص النساء ولا يليق مطلقا أن يسمعها الأطفال، عوضا عن أن يعلم الطفل الأخلاق الحميدة، والتصرف والألفاظ السليمة.
المشرفات اشتكين من الراتب المتواضع الذي لا يتجاوز الـ 90 دينارا مقارنة بساعات العمل من الساعة 7 وحتى 3:30 يوميا.
عن مواعيد إطعام الأطفال، وطريقة تقديمها حدث ولا حرج، فلا وجود للوجبة الموحدة الصحية للأطفال، كما لا يمكن غض النظر عن دور الأم في وضع الغداء اللازم للأطفال الموافق لساعات وجودهم في الحضانة، فمثلا يأتي الطفل في السابعة دون إفطار، تصبح الساعة 10 دون أن يأكل شيئا بعد، وإذا طلب الطعام تؤخره الحاضنة حتى لا يتم اتهامها بعدم إطعام الطفل عند عودته إلى أمه في الساعة الرابعة.
من ملاحظاتي كذلك ترك الطفل وحده في غرفة الألعاب نظرا إلى عدد الأطفال الذي لا يتناسب مع عدد العاملين، كما استغربت من وجود أطفال في عمر 8 إلى 9، مع ما يشكله ذلك من خطورة على الأطفال الأدنى عمرا.
"البوصلة" من جهتها تضع هذه الملاحظات الموثقة بجهد الزميلة آية الجعبري في تصرف مديرية الأسرة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، كما تدعو السيدات إلى التفقد الدائم لأطفالهن داخل دور الحضانة، علما أننا في السابق زرنا مدير الإعلام في وزارة التنمية فواز الرطروط (
رابط المقابلة) ووضعناه بصورة ملاحظاتنا.