ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الثلاثاء 14 يونيو 2016, 11:38 pm | |
|
الفصل الرابع
أنبياء الله من موسى حتى شمويل عليهم السلام
المبحث الثالث عشر: أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى u
أولاً: يوشع بن نون u
هو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام , وهو فتى موسى في قصته مع الخضر, وهو أحد الرجلين اللّذين نجيا من التيه، وأشارا على بني إسرائيل أن يدخلوا قرية الجبارين. وقد صار يوشعu نبياً من أنبياء بني إسرائيل، وقائداً لجيش يتجه نحو الأرض التي أمرهم الله بدخولها. (اُنظر خريطة عبور بني إسرائيل)
كان الله قد أمر موسىu أن يجند بني إسرائيل وأن يجعل عليهم نقباء(كبراء القوم)، قال تعالى: ]وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَءَامَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ[ (المائدة: الآية 12).
وأمرهم الله أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا برسله، ابتداءً من موسىu وحتى محمدe الذي بشر الله به في التوراة.
بعد أن خرج يوشع بن نونu ومعه بنو إسرائيل من التيه, توجهوا إلى الأرض المقدسة عابرين نهر الأردن إلى "أريحا" حيث الحصون المنيعة، والقصور العالية، والسكان الكثيرون، فحاصروها ستة أشهر، ثم أحاطوا بها، وهم ينفخون الأبواق، حتى تفسخ سورها، وسقط دفعة واحدة، فكم كان هذا السلاح الصوتي متقدماً لهذه الدرجة المذهلة في ذلك الوقت، فقد استخدم المهاجمون قوة الصوت سلاحاً لأول مرة (ذبذبات الصوت التي خرجت من الأبواق هي التي حطمت الأسوار)، وكان الله قد حبس الشمس لِيوشع بن نونu حين سار إلى بيت المقدس، ففي حديث أبى هريرة قال: }قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ لِبَشَرٍ إِلاَّ لِيُوشَعَ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ{ (مسند أحمد: 7964).
عندئذ أمر الله بني إسرائيل أن يدخلوا المدينة سجداً (أي راكعين مطأطِئين رؤوسهم), شاكرين لله عز وجل علي ما منَّ به عليهم من الفتح, وأُمروا أن يقولوا حال دخولهم كلمة "حطة"[1] بمعنى حط عنا خطايانا التي سلفت, وجنبنا الذي تقدم من آبائنا.
ولكنهم خالفوا أمر الله, فدخلوا الباب متعالين متكبرين، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، فقالوا: حطا سمقاتا (يعني حنطة حمراء) استخفافاً بأمر الله تعالى، فأنزل الله عليهم عذاباً من السماء بما ظلموا، وبما كانوا يفسقون، قال تعالى: ]وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161)فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ[ (الأعراف: الآيتان 162,161).
وقال تعالى: ]وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58)فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَولاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[ (البقرة: الآيتان 59,58).
لم تكن تلك هي أول جريمة من جرائمهم ولا آخرها، فقد عذبوا كثيراً من الرسل من بعد موسىu, وتحولت التوراة بين أيديهم إلى قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً منها, وسجل القرآن عليهم ذلك في سورة الأنعام، حيث قال: ]وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا ءَابَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ[(الأنعام: الآية 91).
ومات يوشع بن نونu بعد أن بلغ عمره مائة وسبعاً وعشرين سنة، بعد أن تولى أمر بني إسرائيل من بعد موسىu سبعاً وعشرين سنة.
ثانياً: حزقيل u
هو حزقيل بن بوذي، الملٌقب بابن العجوز، وقد لقب بذلك لأن أمه سألت الله تعالى الولد، وقد كبرت وعقمت فوهبها الله إياه، وهو من تولى أمور بني إسرائيل بعد الرجل الصالح كالب بن يوفنا، أحد أصحاب موسىu الذي دعا الله أن يحيي الذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوف، حذر الموت حين أماتهم الله، فأحياهم الله.
قال تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ[ (البقرة: الآية 243)،
ذكر أن بعضاً من بني إسرائيل هربوا من وباء حل بهم، وخافوا من الموت، فأماتهم الله ثم أحياهم، قال ابن جرير: ثم من بعده (أى من بعد كالب بن يوفنا) كان القائم بأمور بني إسرائيل حزقيل بن بوذي.
فقد جاءهم نبأ وباء شديد الفتك بالناس قيل "الطاعون"، فهربوا، وتركوا ديارهم حذراً من الموت، فأماتهم الله ثم أحياهم، لأن الحق أراد لهم أن يعرفوا أن أحداً لا يفر من قدر الله إلا إلى قدر الله.
وعن الحذر والقدر قال حبيب بن أبى ثابت قيس بن ديناركُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَبَلَغَنِي أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ وَقَعَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ لِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ فَوَقَعَ بِهَا فَلَا تَخْرُجْ مِنْهَا وَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلْهَا((صحيح مسلم: 4113).
إن ذلك يجعل الإنسان في تسليم مطلق لله، صحيح أن على الإنسان أن يحتاط, ولكن القدر الذي يريده الله سوف ينفذ، والمؤمن يأخذ بالأسباب ويسلم أمره إلى الله، قال تعالى: )وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ((يوسف: الآية 21).
أما عن خروجهم من الديار, فكان لخوفهم من الموت، ولكن الآية لم تذكر الأشخاص الذين خرجوا, ولم يحدد الله لنا الزمان ولا المكان ولا العدد إنما ذكر سبحانه أنهم كانوا ألوفاً من الناس، فعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف أو ثمانية آلاف، أو تسعة آلاف، وعن وهب بن منبه وأبو مالك أنهم كانوا بضعة وثلاثين ألفا، من قرية يقال لها" زاوردان"، لأن الهدف ليس عددهم إنما العبرة والعظة من قصتهم، وهى (لا يغني حذر من قدر، ولا ملجأ من الله إلا إليه).
والحق تبارك وتعالى يبين لنا أن أمر الحياة والموت بيده وحده سبحانه، سواء كان ذلك الخروج للحذر من الموت, أو خوفاً من وباء, أو هرباً من لقاء الأعداء، كما أن الحق أراد أن يعلمنا أن الناس يموتون بأمره، ويعودون إلى الحياة بأمره, ولتظل العبرة ماثلة أمام كل مؤمن صادق، لقد أراد الله بهذه القصة أن يعلم المجاهدين في سبيله أن القتال لا يقدم أجلاً ولا يؤخره، إنما أمر الموت والحياة بيده وحده، فهو واهب الحياة للناس على الأرض.
قال تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [(غافر: الآية 61)، فالحق سبحانه وتعالى ذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، بمعنى أنه لو مات القوم الذين خرجوا من ديارهم بسبب الوباء أو بسبب لقاء الأعداء، لكان هذا الموت في الحالتين فضلاً لهم جاءهم من عند الله، لأنهم لو ماتوا بالوباء أو بلقاء الأعداء لماتوا شهداء، وذلك هو الفضل الكبير من الله الذي يستحق عليه الشكر والثناء.
ولم يذكر محمد بن إسحاق: المدة التي لبثها حزقيلu في بني إسرائيل، ولما مات نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم، وعظمت فيهم الأحداث، وعبدوا الأوثان، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام، صنم يُقال له "بعل"، فبعث الله لهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن إلعيزاربن هارون بن عمران.
ثالثاً: إلياس u
هو إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران، وقيل هو لياس النشبي، ويُقال:هو بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون، وقد ورد اسم إلياس في القرآن الكريم مرتين في سورة الصافات.
قال تعالى: ]وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(123)إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ(124)أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ(125)اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِينَ(126)فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ(127)إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(128)وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ(129)سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ(130)إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(131)إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[ (الصافات: الآيات 123-132).
قيل إن إلياسu أُرسِل إلى أهل بعلبك غربي دمشق (اُنظر خريطة بعثة إلياس u), بعد موت نبي الله حزقيل u فدعاهم إلى الله عز وجل، وأمرهم أن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونهُ "بعلاً"، وقيل: هو اسم امرأة والله أعلم، والأول هو الأظهر، لقوله تعالى : ]أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ[ (الصافات: الآية125).
فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله، قيل: إنه لما أرادوا قتله هرب منهم واختفى، قال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن عبدالعزيز عن مشيخة دمشق قال: أقام إلياسu هارباً من قومه في كهف جبل عشرين ليلة، أو قال أربعين ليلة ـ تأتيه الغربان برزقه. وقال مكحول عن كعب: أربعة أنبياء أحياء: اثنان في الأرض: إلياس والخضر، واثنان في السماء: إدريس وعيسى عليهما السلام.
وفى قوله تعالى: ]فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ[ (الصافات: الآية 127)، أي محضرون للعذاب، إما في الدنيا والآخرة أو في الآخرة، والأول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون، لقوله: ] إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ[ (الصافات: الآية 128)، أي إلا من آمن منهم، وقوله: ] وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ[ (الصافات: الآية 129)، أي أبقينا بعده ذكراً حسناً له في العالمين، فلا يذكره أحد إلا بخير، ولهذا قال: ]سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ[ (الصافات: الآية 130)، أي سلام على إلياس، والعرب تلحق النون في الأسماء وتبدلها مع غيرها، كما قالوا: إسماعيل وإسماعين، وإلياس وإلياسين، وقد قرئ: سلام على آل ياسين، أي على آل محمدe، وقرأ ابن مسعود وغيره: (سلام على إدريسين).
رابعاً: اليسع u
هو اليسع بن يخطوب كقول محمد بن إسحاق، وقال ابن عساكر: هو الأسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، ويُقال هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام. وقد ذُكر اسم اليسع في القرآن الكريم مرتين, في سورتَي (الأنعام، ص).
في قوله تعالى في سورة الأنعام: ]وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ[(الأنعام: الآية 86).
وقوله تعالى في صورة ص: ]وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ[(ص: الآية 48).
قال ابن إسحاق إن اليسع كان مستخفياً مع إلياس بجبل قاسيون من ملك بعلبك، ثم ذهب معه إليها، فلما رُفع إلياس خلفه اليسع في قومه،
إن القرآن الكريم لم يذكر قصة اليسعu تفصيلاً كما ذكر غيرها من قصص الأنبياء، إنما أشار إليه إشارة مع بعض الأنبياء الآخرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في سورتَي ص، والأنعام .
خامساً: شمويل u
هو شمويل ويُقال: أشمويل بن بالي بن علقمة بن برخام بن اليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا.
قال مقاتل: هو من ورثة هارون. وقال مجاهد: هو أشمويل بن هلفاقا ولم يرفع في نسبه أكثر من هذا والله أعلم.
حكى السدي بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأُناس من الصحابة والثعلبي وغيرهم: أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وسبوا من أبنائهم جمعاً كثيراً، وانقطعت النبوة من سبط لاوي ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، جعلت تدعو الله عز وجل أن يرزقها ولداً ذكراً، فولدت غلاماً فأسمته أشمويل ومعناه بالعربية إسماعيل، أي سمع الله دعائي.
فلما ترعرع بعثته أمه إلى المسجد وأسلمته إلى رجل صالح ليتعلم منه أصول العبادة، وبينما هو ذات ليلة نائم، إذا بصوت يأتيه من ناحية المسجد، فظن أن الشيخ يدعوه فسأله: أدعوتني؟ فكره الشيخ أن يفزعه فقال: نعم نم، فنام، ثم ناداه الثانية، فكذلك ثم الثالثة، فإذا جبريلu يدعوه، فجاءه فقال: إن ربك قد بعثك إلى قومك فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه، من قصة النبي الذي أخبر بني إسرائيل بقدوم طالوت ملكاً عليهم.
قال تعالى: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإَِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ((البقرة: الآية 246)، طلب الملأ من بني إسرائيل من نبيهم شمويلu أن يبعث لهم ملكاً حتى يقاتلوا في سبيل الله، فقال لهم نبيهم متعجباً !!، كيف لا تقاتلوا وقد كُتب عليكم القتال، قالوا بل نقاتل في سبيل الله، فقد أُخرجنا من ديارنا وأبنائنا، فلما كُتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم.
وكان بنو إسرائيل لديهم تابوت الميثاق.. وهو تابوت يضم بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، ويُقال إن هذا التابوت كان يضم ما بقي من ألواح التوراة التي أنزلت على موسىu وكان لهذا التابوت بركة تمتد إلى حياتهم وحروبهم، فكان وجود التابوت بينهم في الحرب يمدهم بالسكينة والثبات، ويدفعهم إلى النصر على الأعداء، فلما ظلموا أنفسهم، ورُفعت التوراة من قلوبهم، لم يعد هناك معنى لبقاء نسختها معهم، وهكذا ضاع منهم تابوت العهد في حرب من حروبهم التي هزمهم فيها أهل غزة وعسقلان، فهم الذين غلبوهم وقهروهم، وانتزعوا التابوت من أيديهم، فلما علم بذلك ملك من بني إسرائيل في ذلك الزمان مالت عنقه فمات كمداً، وبقى بنو إسرائيل كالغنم بلا راعٍ، حتى بعث الله فيهم شمويلu، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكاً عليهم ليقاتلوا معه الأعداء.
أنزل الله على نبيهم شمويلu وحيه ليبلغه أن الله سبحانه سيبعث لهم ملكاً لهم اسمه" طالوت"، فقال شمويلu: ]إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (البقرة: الآية 247)، لما عين الله لهم طالوت ملكاً عليهم، وكان طالوت رجلا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك، لأن الملك كان في سبط يهوذا ولم يكن هو من ذلك السبط، فاستنكروا أن يكون له الملك عليهم، وهم أحق بالملك منه، وليس عنده سعة من المال، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت، وكان الأولى بهم طاعته، فأجابهم شمويلu بأن الله قد اصطفاه عليهم، وهو أعلم به منهم، وزاده بسطة في العلم والجسم، أي وهو مع هذا أعلم منكم وأنبل، وأشد قوة وصبرا في الحرب.
وأخبرهم نبيهم شمويلu بالآية الدالة على اختيار الله طالوت ملكاً عليهم، فقال: ]إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (البقرة: الآية 248)، قال شمويلu إن آية ملكه أن يأتيهم التابوت المفقود فيه سكينة ووقار، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، قيل إن التابوت يحمل في داخله (عصا موسى وعصا هارون، وثياب موسى وهارون، ورضاض الألواح التي كسرت حين ألقاها موسىu)، وهذا التابوت تحمله ملائكة، قال تعالى: ] فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَارُون تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ[.(البقرة: الآية 248).
ما دام التابوت فيه السكينة (لما يحمله من آثار آل موسى وآل هارون)، وما دام هذا التابوت تحمله ملائكة، فلابد أن أمره جليل، لا يدع مجالاً للشك في أن هذا الملك هو مختار من عند الله، وأن الله قد اصطفاه عليهم، لهذا تقبل القوم طالوت ليكون ملكاً عليهم بعد أن رأوا آية ملكه.
وبدأ الملك" طالوت" يمارس مهمته، فشرع في تنظيم صفوف القوم ليخوضوا حرباً ضد عدوهم الذي أخرجهم من ديارهم وأبنائهم، فجهز طالوت الجنود استعدادا للقتال، وقرر ألا يدخل المعركة إلا بعد أن يختبر شدتهم وقوة تحملهم، ليكونوا مستعدين للقتال الفعلي، متحملين الشدائد والصعاب، وبعد أن فصل طالوت بالجنود بدأ الاختبار الأول، كان هذا الاختبار هو ابتلاء لهم من ربهم بنهر عذب، والابتلاء الذي أراده الله للجنود ـ التي تقاتل تحت راية طالوت الملك ـ كان يتلخص في المرور على نهر عذب وهم ظمأى، وأمرهم طالوت ألا يشربوا من هذا النهر، وقال لهم من شرب منه فلا يقاتل معي، ومن لم يشرب منه فهذا هو المقاتل الذي أريده، قال تعالى: ]فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُواْ اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[(البقرة: الآية 249).
أذن الله لهم أن يشربوا بمقدار غرفة يد، لأن المقاتل الذي يستطيع أن ينتصر على شهوته قادر على الانتصار على عدوه، ثم كانت هناك مراحل تالية لتصفيات أخرى، فبعد عبورهم النهر ظهرت عناصر ضعيفة منهم تخشى العدو وكثرته، وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، لكن كانت هناك عناصر أخرى قوية تعلم كيف تلقى عدوها، وهم المؤمنون الصالحون منهم، فقالوا لهم: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. وهنا نرى اختلاف الشعور عند الفريقين لحظة رؤية جيش العدو وقوته، هكذا توالت الاختبارات على مراحل ليميز طالوت الخبيث من الطيب، لقد ابتلى الله هؤلاء الجنود بالنهر لاختبار قوة التحمل لديهم، ثم اختبرهم بعد عبور النهر برؤية جيش جالوت الكبير في عدته وعتاده الكبير، فرأى طالوت جنوده على حقيقتهم، وعرف الشجاع منهم .
لقد انتهت الاختبارات والتصفيات، وبقيت قوة الإيمان، فقد وعد الله المؤمنين بالنصر على الأعداء ولو كانوا قلة، قال تعالى قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ((البقرة: الآية 249)، كان هذا هو قول المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم، فهم يعلمون أنهم أحياء في الحالتين، فإما عاشوا منتصرين في الحياة الدنيا، وإما أصبحوا شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، لا ترهبهم كثرة عدو، ولا قوة عتاده، يعلمون أن الله عنده المدد، يرسل ملائكته لتقاتل معهم عدوهم، هكذا استقر الأمر في النهاية على عدد قليل من المؤمنين، لكن الخير كله فيهم، فإن الله وعد المؤمنين بالنصر وإن كانوا قلة، قال تعالى: )وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ((الروم: الآية 47).
دعا المؤمنون من جنود طالوت ربهم بأن يفرغ عليهم صبراً وأن يثبت أقدامهم وأن ينصرهم على جالوت وجنوده، فالأبطال المؤمنون لا يجزعون ولا يفرون، فهم يعلمون أن الله ناصرهم على عدوهم، فكان دعاؤهم حين برزوا لجالوت وجنوده، قالوا: ]رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[(البقرة: الآية 250)، لقد طلبت القلة المؤمنة المقاتلة أن يُفرغ الله عليهم صبرا وأن يثبت أقدامهم أثناء قتالهم، فاستجاب الله لهم، وثبت أقدامهم، وحقق لهم النصر على أعدائهم، قال تعالى: ]فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[ (البقرة: الآية 251)، وقتل داودu جالوت، وانتصرت القلة على الكثرة بإذن الله.
[1] لفظ من الآية 161 في سورة الأعراف.
|
|