استقبال رمضان
شهر رمضان شهر عظيم وموسم كريم؛ إذ إن شهر رمضان المبارك شهر تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار؛ فحري بالمسلم أن يحسن استقبال رمضان.. فما وسائل استقبال رمضان؟ وكيف نستقبل رمضان؟
وقفات قبل قدوم شهر رمضان
تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية، ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسبًا: ماذا قدّم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه؟ ويزداد خوفًا وفرقًا عندما يستحضر ما رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك».
فيا الله ما أقصر الأعمار! تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المائة، ثم تنتهي من الدنيا وتنتقل إلى الآخرة، وهذا إن لم تتخطفك المنون في سنّ الشباب أو الكهولة!
لكن عزاء المسلمين أن لهم ربًّا لطيفًا رحيمًا، عوّضهم بقصر أعمارهم ما يدركون به أعمال المعمرين مئات السنين، وذلك بمضاعفة الأجور والحسنات بحسب شرف الأزمنة والأمكنة ومواسم الطاعات. ومن ذلك ما أنعم الله به على عِباده بفضيلة شهر الصيام، ففيه مضاعفة للحسنات، وتكفير للسيئات، وإقالة للعثرات؛ فلذلك والذي قبله أحببت التذكير مع قدومه بهذه الوقفات:
الوقفة الأولى: وقفة محاسبة
يجب على كل مسلم أن يأخذ العبرة من سرعة تصرُّم الأيام والليالي، فيقف مع نفسه محاسبًا، حسابًا يدفعه إلى العمل الصالح وهجر الذنوب والمعاصي، فلو يرجع بذاكرته ويستعرض ما مضى من عمره، ويتأمل عامه الذي انصرم؛ بأيامه ولياليه وثوراته ومآسيه، انصرم وكل لحظة منه تباعدنا عن الدنيا وتقربنا من الآخرة. قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل" (أخرجه البخاري).
ولله در القائل:
نسير إلى الآجال في كل لحظــة *** وأعمــارنا تطوى وهن مراحـل
ترحل من الدنيا بزاد من التقـى *** فعمـــرك أيـــام وهـــن قلائـــل
ومـــا هـــذه الأيــام إلا مـراحـل *** يحث بها حاد إلى الموت قاصـد
وأعجــب شـيء لو تأملت أنهـا *** منــازل تطوى والمسافـر قاعـد
فـ«الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» كما في حديث شداد بن أوس عند الترمذي وغيره. وقد أمرنا الله بمحاسبة أنفسنا، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18].
قال ابن كثير رحمه الله: "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم". فمحاسبة النفس هي ديدن العلماء العاملين، والعبّاد الصالحين، فهذا الحسن البصري يقول: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك".
فلله كم يوم من أعمارنا أمضيناه! ولله كم من صديق فقدناه! وكم من قريب بأيدينا دفناه! وكم من عزيز علينا في اللحد أضجعناه! كانوا يتشوقون لإدراك هذا الشهر الكريم؛ ليظفروا بالصيام والقيام ويتعرضوا لنفحات الكريم المنان، فحضرت آجالهم، وقطع الموت حبال آمالهم، فحسبهم أنهم على نياتهم يؤجرون، كما في الصحيحين من خبر الصادق المصدوق: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
الوقفة الثانية: التوبة التوبة
المسلم ليس معصومًا عن الخطأ، فهو عرضة للوقوع في الذنوب والآثام، وقد بيّن النبي صل الله عليه وسلم ذلك، وبيّن أنه من طبع البشر، وبيّن علاجه فقال: «كلُّ بني آدَمَ خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوّابون» [الجامع الصغير].
كما جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- الذي أخرجه أحمد والترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «والذي نفسِي بيَدِه، لو لم تُذنِبوا لذَهَب الله بكم، ولجاءَ بقومٍ يذنِبون فيستغفِرون اللهَ، فيغفِر لهم» [أخرجه مسلم].
وشهر رمضان هو شهر مغفرة الذنوب، وشهر القبول ومضاعفة الحسنات، وشهر العتق من النار، هو الشهر الذي «تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين» (كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة)، هو الشهر الذي «ينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصِر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (كما في السنن وعند أحمد من حديث أبي هريرة أيضًا).
فحريٌّ بالمؤمن الصادق الذي مدّ الله في عمره حتى أدرك هذا الشهر أن يغتنمه بتوبة صادقة، وانطلاقة جادة بعزيمة أكيدة، فيجدد العهد مع الله بأن يلتزم بطاعته، وأن يأتمر بأوامره، وينتهي عن مناهيه، ويستقيم على دينه حتى يلقاه؛ فإن العبرة بالخواتيم.
الوقفة الثالثة: رمضان فرصة لتطهير القلوب وتصفية النفوس
إن الناظر بعين البصيرة إلى حال الناس اليوم لَيرى واقعًا مؤسفًا وحالاً سيئة، يرى إقبالاً على الدنيا الفانية وتنافسًا مخيفًا في جمع حطامها، حتى إنك لَترى الرجل تعرفه وعهدك به ذا حياء ولطف وخُلق جمّ، فما أن يقبل فيها ويدبر إلا ويصبح ذئبًا ضاريًا، همّه الظفر بالمال، وعدوّه من شاركه في مهنة، أو نافسه في بيعه.. فسبحان الله وكأن أولئك خلقوا للدنيا أو سيعمرون فيها!!
وصدق القائل:
وما هــي إلا جيفـة مستحيلـة *** عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها *** وإن تجتذبها نازعتك كلابها
وكذلك ترى أمرًا آخر لا يقل عن سابقه قبحًا: وهو تقاتل الناس على الرياسة وحب الظهور والشهرة، وهذا كله مما يوغر الصدور ويمرض القلوب، فيتولد الحقد الدفين، والبغضاء والحسد المشين.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما من أحدٍ أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير".
وصدق رحمه الله، فقد رأينا هذا واقعًا مشاهَدًا. وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ». وعندما سُئل النبي أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان». قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» (رواه ابن ماجه والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص).
فهذا هو رمضان موسم الصفاء والإخاء والألفة والمحبة، كيف لا وأنت تسمع الضجيج بالتأمين على الدعاء، وتشاهد النشيج بالبكاء، فهل يحصل مع هذا تباغض وجفاء؟ فنسأل الله أن يطهر القلوب ويستر العيوب.
الوقفة الرابعة: ذكرياتنا الخالدة في رمضان
عندما نذكر تأريخنا في رمضان فإننا نذكر تأريخًا مشرّفًا وأمجادًا تليدة، نذكر نصرًا وفخرًا، عزة وشموخًا، نذكر بطولات حققها الأخيار.
فنفخر بغزوة بدر الكبرى وفتح مكة، ونعتز بـ"
فتح عمورية" ونخوة المعتصم، ونذكر فتح الأندلس، ونتشرف بذكر انتصارات صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين، فبعد موقعة حطين الشهيرة وتحرير بيت المقدس من قبضتهم، وأثناء تحقيق هذا الانتصار الباهر دخل شهر رمضان الكريم، فأشار رجال صلاح الدين عليه أن يستريح خلال هذا الشهر الكريم نظير ما لاقاه من جهد ومشقة، لكنه رفض ذلك وقال: "إن العمر قصير، والأجل غير مأمون، والسماح للمغتصبين بالبقاء في الأرض الإسلامية يومًا واحدًا مع القدرة على استخلاص الأرض منهم، عمل منكر لا أستطيع حمل مسئوليته أمام الله وأمام الناس".
فهذا شيء من ذكرياتنا في رمضان يهتز له القلب بهجة وسرورًا، وترتفع الهام عزةً وشموخًا، ولكن يعصف بذلك كله النظر إلى واقع الأمة اليوم: فهي تعيش مصائب شتى، ونكبات لا تحصى؛ فـ"
النصيرية" تتراقص على جثث أهل السُّنَّة في سوريا وتدفنهم وهم أحياء، وفلسطين ترزح تحت الاحتلال اليهودي، و
الحوثي يعبث في اليمن، في تحالف صفوي يهودي شيوعي صليبي ضد السنة وأهلها!!
والأمة تعيش في ذلةٌ وهوان، وضعفٌ وخذلان، فلتعلم علمًا يقينيًّا أنه لا نجاة لها مما هي فيه إلا برجعة صادقة إلى الله، وبالتزام حقيقي بمنهج رسوله صل الله عليه وسلم، فذلك هو أساس النصر والنجاح والتمكين، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوَّلها.
بقلم: سعود بن سعد السبيعي(1)
المصدر: موقع طريق الإسلام.
رمضان والحياة من جديد
نتمنى حلول رمضان، ونتشوق لاستقباله، ونعلم جميعًا أنه بإذن الله سينقضي وينتهي كما انقضى غيره، تلك سُنَّة الله سبحانه، وتمر الأيام الجميلة مرورًا سريعًا، تمر وربما نكون عنها غافلين. لقد تزينت الدنيا بزخارفها، وكثرت مشاغل الحياة حتى شغلت الخلق عن دورهم الحقيقي, فنسوا الغاية التي خلقوا من أجلها، والتي قال الله عنها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
لذلك علينا أن نجعل الدنيا زادًا للآخرة، فقد يسرقنا الوقت وفجأة نجد أنفسنا بين الحياة والموت، وعندها نتذكر حق الله عز وجل، ونتمنى أن يجعل لنا من العمر بقية؛ لكي نعود إليه سبحانه..فهل يا تُرى إذا تحقق ذلك وزاد العمر من جديد سنعود إلى الله فعلاً بالإنابة والعمل أم سننسى أنفسنا مرة ثانية ونغتر بالدنيا ونتشاغل مع من يتشاغل؟!
في رمضان الماضي كنت أستشعر أنه آخر
رمضان في حياتي، وكنت أشعر بمرور دقائقه حريصة أشد الحرص على جمع ما أستطيع ليقبلني ربي عنده في ذلك الشهر، فما لبثت أن مرت الأيام.. عام كامل.. وجاء رمضان جديد فشعرت أنه قد بعثني ربي مرة ثانية، فتذكرت الآية من قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10].
فذلك العبد يتمنى تأخير الأجل بعض الوقت ليكثر من فعل الخيرات، رغم أن الحياة كانت أمامه, ولكنه كان غافلاً عن يوم لقاء ربه، فأراد منحه أيامًا من عمره ليكثر فيها من الطاعات.
وهكذا وبنفس الطريقة اليومية يأتي الليل ويعم السكون وينقلب الأحياء جميعهم أمواتًا, وإن كان موتهم موت مؤقت, لكنه أشبه ما يكون بالموتة الكبرى. إنني أشعره كذلك عندما أردد دعاء الاستيقاظ من النوم "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور", "الحمد لله الذي ردَّ عليَّ روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره", حال النائم كحال مفارق الحياة لا يشعر وهو مستغرق في نومه بما يدب حوله, إنها لصورة مصغرة للموت الكبير..
لكن تُرى هل يعتبر الإنسان بعد الاستيقاظ من نومه أنه قد بعثه الله سبحانه من جديد في يوم جديد يسعى سعيه في الإكثار من الصالحات؟
كذلك حال من يمر به حادث ما فيكون قريبًا من الأموات وينظر إليه الجميع أنه كذلك, وقد يتغير حاله بحال آخر فتتحسن صحته وتبدأ تعود له الحياة من جديد, فهل اعتبر مما حدث له؟ فإن الله قد بعثه للحياة من جديد، وأمده بعمر جديد ليعمل ويكثر مما يقربه من ربه.
نحن بحاجة أن نقف مع أنفسنا محاسبين لها على هذا المفهوم الذي نفرط في معناه, هل سنستيقظ من رقدتنا وغفلتنا وألا يكون حالنا في شهر رمضان العظيم كحالنا في غيره تلهنا سكرة الهوى وطول الأمل؟!
إننا بحاجة ماسّة إلى أن نستشعر بمعاني المحاسبة والتدبر، فقادم إلينا شهر غذاء للأرواح, وبلسم للجراح, ومقيد للشهوات, مقوٍّ للهمم, غنيمة للصالحين، وفرصة للعصاة والمذنبين، فالكثير يتناسى آثاره الخيّرة وسننه النيّرة، واكتفى من الصيام بحبس نفسه عن الطعام والشراب!!
كذلك حال الغريق يندرج به الموج ويشتد عليه فلا يستطيع الخروج مما فيه، ويتلقف أنفاسه الأخيرة بلحظة واحدة ثم يجد من يرفعه من أعماق الماء ويبدأ ليستنشق نسمة هواء لعمر جديد، فهل علم أنه قد بعثه ربه من جديد وأعطاه فرصة جديدة للعمل ليغير من حاله ويعود لربه بأعمال كثيرة تقربه من الله سبحانه؛ ليدخر زاده المطلوب للقاء الحق الذي كتبه الله عليه؟!
وعند حلول شهر رمضان أذكر في نفسي من كان معنا في رمضان الماضي من الأقارب والمعارف والطيبين، ولكنه حال الموت بينهم وبين إدراك رمضان هذا العام, بل وافاهم رمضان وهم تحت الثرى، وأتساءل هل كانوا على وعي بأنه سيكون رمضان الماضي آخر رمضان لهم؟! ويا تُرى ماذا فعلوا في
رمضانهم الأخير هذا؟ وهل أعدوا الزاد للقاء ربهم؟
وعند قدوم الشهر يعلو في الأفق نسيم نفسي عجيب يشعر المسلم به عند إعلان رؤية الهلال؛ ففيه خصوصية لا توجد في غيره, فالصدقة فيه أفضل من غيره وفيه تتضاعف الحسنات، وفيه يزيد إقبال قلوب العباد على الله عز وجل، كما أن من فضله أيضًا العمرة فيه تعدل حجة مع النبي
؛ ففي الصحيحين: "عمرة في رمضان تعدل حجة"، أو قال: "حجة معي". وفي رمضان
ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فلنضاعف الحسنات فيه ونغتنم ذلك الشهر.
علينا أن نشكر الله عز وجل الذي أمدنا ومنحنا عمرًا جديدًا, فلنكثر من قول "اللهم بلغنا رمضان", وعلينا أن نصلح ما بيننا وبين الله عز وجل, وما بيننا وبين الناس, وما بيننا وبين أنفسنا, ونستعد لحسن العمل, وصدق النية حتى نخرج من رمضان بتجارة رابحة، وصدق القائل: رمضان سوق يقوم ثم ينفض، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر.
إن
رمضان فرصة للتغيير, فيه يجد المسلمون فسحة جديدة للعبادة والإقبال، فيجب أن يكون منطلقًا لرجعة ثابتة, وعودة صادقة إلى الله عز وجل, ليس تغييرًا مؤقتًا في أيام معدودة، فإذا كانت القلوب غافلة والنفوس شاردة عليها أن تُقبِل على الله سبحانه قبل فوات الفرصة وانقضاء الأعمار.
المصدر: موقع المسلم.
أقبلت يا رمضان
أبالحب نستقبله، وبعاطر التحايا نحييه، وبأشواق الفؤاد نلقاه، فله في النفس مكانة، وفي حنايا الفؤاد منزلة.مرحـبًـــا أهـلاً وسـهلاً بالصـيام
يـــا حبيبًـا زارنــــا في كـل عام
قـــد لقينــاك بحــــب مفـعـــــــم
كل حب في سوى المولى حرام
إنه
رمضان، زين الشهور، وبدر البدور، إنه درة الخاشعين، ومعراج التالين، وحبيب العابدين، وأنيس الذاكرين، وفرصة التائبين، إنه مدرج أولياء الله الصالحين إلى رب العالمين.
مع بزوغ أول
ليلة من لياليه، تخفق القلوب، وتتطلع النفوس إلى ذلك النداء الرباني الخالد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
فيا لله ما أجمله من نداء! يفرح به المؤمنون، ويستبشر به المتقون، فيعمرون المساجد، ويقبلون على
القرآن، ويتلذذون بمناجاة الرحمن، ويتصدقون على المساكين، ويؤمون البيت الحرام معتمرين ومصلين.
العيون تدمع، والقلوب تخشع، والرقاب لربها تخضع، تختلط دموع التائبين، بلذة الخاشعين، وتمتزج تلاوات التالين، بدويِّ الذاكرين، فترسم في الدنيا أبهى حلة، وأجمل صورة، تسطر معنى وجمال الحياة بطاعة الله.
إنه رمضان، يبشرنا فيه الحبيب
فيقول: "إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين"
[1].
إنه رمضان، قد ادخر الله لك أجر صيامه وسيجزيك به، فما ظنك بصاحب الكرم والجود جل جلاله إذا ادَّخر لك شيئًا؟
يقول
في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به"
[2].
إنه رمضان، يشفع لك يوم القيامة، قال
: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة".
إنه رمضان، إذا صمت نهاره وقمت ليله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، قال
: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"
[3]، وقال
: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"
[4].
إنه شهر القرآن، فيه نزل، وفيه أعظم ليلة، يترقبها المؤمنون، هي ليلة القدر.
إنه حبيب المتقين، فقد كان سيد المتقين
يهتم به، فكانت له أحوال أخرى مع رمضان، فقد كان
يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل ليلة، وكان
أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان يعتكف العشر، ويكثر من الذكر.
وكذلك
أئمة السلف من بعده
, فقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يفطر في رمضان إلا مع اليتامى والمساكين، وقال نافع: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقوم في بيته في شهر رمضان، فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله
، ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح.
وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد، وأقبل على قراءة القرآن.
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.
وكان محمد بن شهاب الزهري إذا دخل رمضان فإنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
هذا رمضان قد أقبل، فاحرص فيه على صلاة خاشعة، وعمرة متقنة، وصدقة على مسكين، وترنم بآيات الكتاب، واعتكاف في المسجد، وتفطير للصائمين, وتلمس لاحتياجات الفقراء والمساكين، تنقل من حال إلى حال حتى تشعر بلذة رمضان.
المصدر: موقع المسلم.
شهر رمضان
إنه شهر الجود والكرم، وشهر الرحمة والخير: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ} [البقرة:185].
قال الشاعر:
رمـضانُ أقـبلَ يا أُولي الألبابِ *** فاستَـقْـبلوه بعدَ طولِ غيـابِ
عـامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلـةٍ *** فَتَـنَبَّهـوا فالعمرُ ظـلُّ سَحابِ
وتهيئـوا لِـتَصَـبُّرٍ ومشقــةٍ *** فأجورُ من صَبَروا بغير حسـابِ
اللهُ يَجزي الصائـميـنَ لأنـهم *** مِنْ أَجلِـهِ سَخِـروا بكلِّ صعابِ
لا يَدخـلُ الـريَّـانَ إلاّ صائـمٌ *** أَكْرِمْ بـبابِ الصْـومِ في الأبوابِ
إن من سنة المصطفى
أن يُبشّر أصحابه بدخول شهر رمضان، ويُعلمهم، ويوجههم لما فيه خيرهم. قال عليه الصلاة والسلام: "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرَها فقد حُرم"
[1].
وإن الناظر في أحوال الناس لاستقبالهم هذا الشهر ليجدهم على أطياف شتى، منهم ذلك الرجل غير المبالي، وليس لديه أدنى اهتمام بدخول الشهر أو خروجه، وهناك من غلبت عليه دنياه، واشتغل بها عن الاستعداد لهذا الشهر الكريم، وكلا الفريقين إن لم يتداركا الفضل، ويهتما بالأمر فهما من المفرطين النادمين على فوات مواسم الخير.
وهناك من غلبت عليه شقوته، وإن من أبعد الناس عن التوفيق والفلاح، ذاك الكاره المبغض لقدوم هذا الضيف؛ فهو يراه زائرًا ثقيلاً على قلبه، يكبّله عن شهواته، ويمنعه عن المتعة واللذة (المحرمة) طوال أيامه، فتراه يعدّ الأيام عدًّا، ويضيع أوقاته سدى، فهذا توشك أن تحل به دعوة أمين الوحي جبريل -عليه السلام- والرسول الكريم
، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي
صعد المنبر فقال: "آمين.. آمين.. آمين". قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: "آمين.. آمين.. آمين". فقال: "إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله، قلْ: آمين. فقلت: آمين"
[2].
وهناك من يفرح بقدوم هذا الشهر، ويُسَرّ به أشد السرور شوقًا لرياض الطاعة، وتعرضًا لنفحات المولى سبحانه، وتسابقًا في ميادين الخير والطاعة للوصول لأعلى الجنان والعتق من النيران، فهؤلاء: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 171]. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"
[3].
جعلنا الله وإياك منهم، ومَنَّ علينا ببلوغ هذا الشهر، والفوز بالغفران، والعتق من النيران.
وإليك -أخي الموفَّق- عشر وصايا لاستقبال شهر الخير والرحمة، أذكرها بإيجاز، فخير الكلام ما قلّ ودلّ:
أولاً: الدعاء ببلوغ هذا الشهر والتوفيق للأعمال الصالحة.
ثانيًا: النية الصالحة والصادقة؛ فالعبد يبلغ بنيته ما لا يبلغه بعمله، حتى ولو مات كتبت نيته.
ثالثًا: تعلّم
أحكام الصيام، وسؤال أهل العلم عما أشكل عليك.
رابعًا: التخطيط الجيد لاستغلال أوقاتك في هذا الشهر.
خامسًا: التغيير للأفضل؛ فكل ما هو حولك يشجعك على
التغيير للأفضل.
سادسًا: سلامة الصدر، وألاّ تكون بينك وبين أي مسلم شحناء، كما قال رسول الله
: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلاّ مشركًا أو مشاحنًا"
[4].
سابعًا: التوبة والرجوع إلى الله.
ثامنًا: المسابقة للخيرات، قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} [الحديد: 21].
تاسعًا: الحذر من الملهيات والمشغلات عن الطاعة، وخاصة المحرمة منها (القنوات، الإنترنت، الأسواق... إلخ).
عاشرًا: الحرص على إنهاء الأعمال المنوطة بك قبل دخول الشهر؛ وذلك ليتسنى لك التفرغ للعبادة.
هذا ما أحببت أن أذكر به أحبتي. أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وصل الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: موقع الإسلام اليوم.