موازنة سخية لكنها معطلة والسبب مطالب أمنية
سليمان الشّيخ
Jun-27
وصل الدكتور أيمن عودة رئيس القائمة العربية في مجلس النواب الإسرائيلي (الكنيست) إلى مدينة نيويورك منذ أيام قليلة، بحسب ما جاء في أجهزة الإعلام، كي يقدم شكوى ضد الممارسات الحكومية الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، واعتبرت الأوساط الصهيونية الرسمية أن ما قام به الدكتور عودة هو من أنواع «التسلل»، لأنه لم يحصل على إذن من رئاسة البرلمان ووزارة الخارجية الإسرائيلية، وهو لو فعل، أي طلب إذنا بالتوجه إلى الأمم المتحدة في نيويورك، فإنه لن يحصل أبدا على التصريح المطلوب، وسيخضع إلى تحقيق مطول من قبل اللجنة المختصة في البرلمان.
وكان فلسطينيو العام 1948 أعلنوا يوم الثلاثين من كانون الثاني/يناير من كل عام يوما للمطالبة بحقوقهم ورفع الظلم والتمييز بحقهم، وقد برزت حالات التمييز واضحة وما زالت مستمرة حتى اليوم، عندما أقرت الحكومة موازنة تصل إلى 15 مليار شيكل، تصرف في مدة زمنية تصل إلى خمس سنوات، اعتبارا من بداية هذا العام، كي تقوم الجهات المعنية بمعالجة وإقامة مشاريع عديدة تتعلق بالبنى التحتية والأساسية لمقومات الحياة في المناطق العربية، من بينها قطاعات التعليم والصحة والمياه والكهرباء والطرق ومشاريع للصرف الصحي وغير ذلك، إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اشترط أن تقوم بلديات القرى والبلدات الفلسطينية في تنفيذ عدة شروط ومطالب، أهمها تتعلق بالأمن، من بينها المحافظة على النظام وإيقاف البناء غير المرخص وجمع السلاح من المنازل الفلسطينية، كما وعلى الفلسطينيين الموافقة على إقامة مخافر للشرطة الإسرائيلية في بلداتهم وقراهم، أي أن مدخله لمعالجة المشاكل المتشعبة والعديدة والحيوية لدى الفلسطينيين كان وما يزال مدخلا أمنيا، في حين أن المطلوب هو محاولة حل ومواجهة كثير من المطالب الاجتماعية والاقتصادية والحياتية الأخرى المتعددة، لأنه وعلى سبيل المثال، فإن مصادرة الأراضي والمساحات التابعة للقرى والبلدات والمدن الفلسطينية، وتحويلها للمستوطنين، ضيّق على الفلسطينيين وجعل من الاكتظاظ والتراكم والتزاحم السكاني في مناطق محددة من المظاهر البارزة في محيطهم، ليدفعهم هذا الأمر إلى البحث عن مساحات تستجيب للزيادة السكانية بينهم، وليتقدموا بطلبات قانونية للبناء منذ زمن طويل، لم تستجب السلطات الإسرائيلية المعنية بالسماح لأغلبها بالتنفيذ.
علق السيد محمد بركة رئيس اللجنة العربية العليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 في أعقاب إقرار الموازنة المتعلقة بالفلسطينيين في بداية هذا العام قائلا: «إنها موازنة سخية، لكنها مشروطة في التنفيذ بشروط عدة». علينا الإدراك بأن مطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي من الفلسطينيين هو مطلب تعجيزي، المقصود به تعطيل صرف بنود الموازنة «السخية» نظريا. إذ أنه كيف يمكن التعامل مع نحو 90 ألف وحدة سكنية بنيت من دون ترخيص، لأن ذلك يعود إلى عدم منح التراخيص من قبل الجهات الرسمية ومصادرة مساحات الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة في أغلب الأحيان، وهذا الأمر موزع في الأماكن التي يتواجد بها الفلسطينيون فقط، إن كان في الجليل أو النقب أو الساحل الفلسطيني.
إحدى المهمات والوعود التي أعلن عنها الدكتور أيمن عودة عند انتخابه نائبا في البرلمان ورئيسا للقائمة العربية في الكنيست (13 نائبا) أن من أهم المهمات التي سيسعون للتوصل إليها، هو منع هدم آلاف الوحدات السكنية التي بناها فلسطينيون من دون تراخيص، في حين أن السلطات تصر على الهدم، بل إنها ترغم البعض على هدم البيت الذي بناه، كي لا تغرمه أضعاف ذلك، إذا ما قامت هي بالهدم. وهنا علينا التذكير في هذا الصدد، أن القوات الإسرائيلية هدمت قرية العراقيب في النقب نحو مائة مرة حتى اليوم، وذلك بحجة البناء غير المرخص، فكيف يمكن أن تحل هذه المشكلة المعقدة مع حكومة متطرفة تتغول يوميا ضد كل ما هو فلسطيني؟.
أما عن الشروط والمطالب الأخرى التي ذكرها رئيس الوزراء الإسرائيلي كجمع السلاح من البيوت وإقامة مخافر للشرطة الإسرائيلية في القرى الفلسطينية، والإبلاغ عن التجاوزات التي تحصل بينهم وفي محيطهم ومنع البناء من دون ترخيص وغير ذلك، كل هذا يحتاج إلى سياسة نقيضة للسياسة المتبعة حاليا مع الفلسطينيين، وهذا الأمر يتطلب انقلابا في السياسات القائمة من قبل الحكومات الإسرائيلية تنظر للفلسطيني كمواطن له حقوق وعليه واجبات، ويقتضي ذلك الاقلاع عن سياسة التمييز العنصري والتعامل بمساواة مع كل المواطنين، بمن فيهم الفلسطينيون.
ولا بأس من إعادة التذكير بما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 14/1/2016 عن ما ذكره أشهر الأطباء الفلسطينيين المتخصص في المسالك البولية، بأنه وعندما يسافر للمشاركة في مؤتمرات طبية في الخارج ومن ثم عودته، فإن سلطات الأمن الإسرائيلي تتعامل معه بشك وريبة، تصل أحيانا إلى تمييز فظ، في حين أن كثيرين من الإسرائيليين اليهود يأتون إلى المستشفى الذي يعمل فيه ويطلبون التعامل معه شخصيا، ويخضعون لمشارطه الجراحية ومشورته بكل ثقة واطمئنان. وهذا نموذج من نماذج التعامل مع فلسطينيي الداخل الذين هم في النهاية وبحسب القوانين المتبعة هم من مواطني الدولة، أفلا يحق لهم رفع الصوت والتظاهر والاعتصام والمطالبة بحقوقهم ورفع التمييز والظلم عنهم، إن كان في داخل البلاد أو في المحافل الدولية؟.
٭ كاتب فلسطيني