السفور .. بين جاهلية الانفتاح وعدالة الإسلام
محاسن الإسلام في رعاية حقوق المرأة والحفاظ على حياتها
تتردد إلى أسماعنا مقولة إن الإسلام ظلم المرأة ومنعها حريتها في الانضمام إلى ركب التقدم والانفتاح، بحجة أن شرائع الإسلام خصصت المرأة ببعض أحكام لتضيق عليها، وحرمت عليها التفاعل مع المجتمع حولها، وفرضت عليها الحجاب والاحتشام، لكبتها وحبسها في المنزل، وأن التفرقة بين الجنسين في نصوص كهذه تعتبر تمييزا وتحيزا ضد المرأة، وبهذا ترجح عند الفكر الغربي النمطي أن الإسلام أسقط حقوق المرأة، صحيح نرى بعض الغرب من صنف المعتدلين يتروى في هذا الحكم العاري من الفهم، يقول مستر جاك مثلا : إن معاملة المجتمع الإسلامي للمرأة يجب أن تدرس دراسة عميقة، وينظر فيها إلى الأصول، ونرى العلمانيين من بني جلدتنا يترنحون من خلال الصحف والمجلات بهذه الدعوات، مرة يقولون لا للنقاب! وأخرى يقولون: يجب أن يعطى للمرأة الصوت في البرلمان! ويسمح لها بالاختراق في العمل سواء بسواء مع الرجال!
وهذه المزاعم وإن تفاوتت الايديلوجيات التي وراءها، إلا أننا لا بد كما بين مستر جاك من التريث ودراسة النصوص الشرعية متحصنة بالموضوعية، بعيدة عن التفاسير المغلوطة، نقف مع قضية الحجاب في هذا المقال، ويظهر لنا أن الإسلام دين عدالة ولم يكلف عبدا بشيء إلا لمصلحة راجحة علمها من علمها، وجهلها من جهلها! وللدلالة على ما ذكرت نتأمل النصوص الشرعية التالية وما يردفها من المعاني المستنبطة منها.
–
الأمر بستر العورة لجميع البشر، فقال سبحانه: (يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) /الاعراف: 26/، ندب المولى سبحانه جميع الخلق إلى التزين وستر العورة باللباس، فخرج الخطاب هنا على سبيل الامتنان، لجميع الخلق حين هيأ لهم لباسا يستر موضع العورات، ليرد كيد اللئيم الشيطان حين أراد أن يجرد آدم وحواء عليهما السلام، ثم عطف على ذلك بقوله (وَرِيشًا)، والريش والرياش هو ما يتجمل به الإنسان ظاهرا، ليشمل الأمر مواضع الضروريات (العورات)، والكماليات (التزين والتجمل)، ويستوي في هذا النداء الرجال والنساء، وتفيد هذه الآية أن الستر واللبس الحسن نداء فطري، والفطرة أول أصول الإسلام، وجاءت الخطابات القرآنية ترسخ هذه المعاني أكثر حتى تصونها من النكران والنسيان.
–
الأمر بالحشمة للمؤمنين والمؤمنات، جاء الوحي بأمور تخص المرأة، فأمرها بالحجاب والاحتشام وعدم الظهور بالزينة، فقال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) /النور: 31/، وهذا الأمر مثيل لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) /النور: 30/
وضح القرآن الكريم المنهج الكامل لآداب اللباس لكل من الرجال والنساء، فأمر المولى في مقدمة الآيتين كلا الجنسين بغض البصر، وحفظ العرض، وهما في هذين الأمرين سواء، وخصص النساء بتفاصيل أخرى يناسب خصوصياتهن مراعاة للفروقات الطبيعية، وهو المنهج الإلهي، فهو من أوجب الجهاد على الرجال دون النساء لأنهم أطوق عليه منهن، وهنا يمنع النساء من السفور، والانحلال، وذلك لمفاسدها الدينية والاجتماعية، ومن يشاهد المجتمعات الإنسانية، الإسلامية وغيرها، يجد البون الشاسع بين المجتمع المحافظ الذي يراعي هذه الأحكام وغيره، فإن انتشار الفضيلة في المجتمع المحافظ وسلامته من الأوبئة والأمراض المعدية أكثر من المجتمعات غير محافظة، ولكن الإعلام المعاصر غطى على هذه المساوئ ويلزمنا – نحن المسلمين – بهزيمة مصطنعة حين يركز على جوانب التفوق والتطور لدي الغرب.
وهذا النص الثاني لم يمنع النساء من التزين والتجمل والشعور بأنوثتهن، إنما وضع لهن ضوابط تحقق مقاصد الإسلام السامية، حفظ الدين والنفس والعرض، فأمر المرأة أن تكتم زينتها حتى لا تكون فتنة لأصحاب الريبة والشر، وهي حقيقة غير موهومة، فإن مفاسد السفور والانحلال وصلت اليوم ذروتها في بلاد غير محافظة ولو مسلمة! انتشر فيها الاغتصاب والتحرش والدعارة والشؤوم من البنات فكأننا رجعنا لعصر الجاهلية.
–
الأمر بالحجاب ومنع التبرج : ومن حرص الشريعة الغراء على صلاح المجتمع الإنساني، جاء خطاب آخر يمنع اللباس الذي يخالف الأوصاف المتقدمة، يقول الله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) /الأحزاب: 33/ والخطاب هنا نوعي موجه إلى النساء خاصة يمنعهن من التبرج في اللباس، مراعاة لشرفهن وخصوصياتهن، والتبرج في الجاهلية كان بإظهار المرأة محاسن ذاتها وثيابها وحليها بمرأى الرجال، ولا مانع أن يضع الشرع حكما خاصا بالنساء، فإنه لا يوجد قانون على وجه الارض يعامل رعيته على وصف واحد! ويساوي بين حكم الصغير والكبير، والشاب والعجوز، والرجال والنساء، إن القانون الذي لا يعترف بالفوارق الطبيعية والخلقية، والإمكانات المتفاوتة، يجب أن يوصف باستبدادي ظالم، فإذا تقرر هذا فلِمَ التحامل على الإسلام بأنه أبعد المرأة عن الساحة، وأوجب عليها المكث في البيت ؟
إن النظر في آية التبرج يفيدنا أن الإسلام لم يمنع المرأة من الخروج لقضاء حوائجها، سواء كانت حوائجها في التعلم والصحة والنشاط، والعمل وطلب الرزق، أوغير ذلك، وإنما وضع ضابطا يحصن المرأة من الفتن والافتتان، فأمرها بالاحتشام ومنعها من التبرج والانحلال، ومن إظهار زينتها ومفاتنها، وزينتها لا تنحصر في اللباس فقط بل تشمل التليين بالصوت، والتمايل في المشي والحركة، والمقصد من ذلك كله الاحتشام وعدم الانحلال بدعوى الانفتاح والموضة والتحرر من القهر والرجعية.
فإذا كان تحرير المرأة بالنسبة لأدعياء المساواة بين الجنسين هو تجريدها من ثيابها ودمجها في سلك العمل الذي يخالف طبيعة أنوثتها، فإنهم بهذا يريدون المتاجرة بها، واستغلالها لرق التسويق والعبودية والجاهلية، وتنفيذ مخططاتهم السياسية السرية، فإنهم كما قال محمد الغزالي: الحضارة المعاصرة جعلت الإنسانية شعارا لها، وجعلت من حقوق الإنسان محورا للعلاقات الدولية ونوهت بقيمة العدالة الاجتماعية والمستويات الصحية والثقافية العالية.. وقد تكون هذه الحضارة غاشة أو مدعية أو مقصرة فإن هذه التهم لا تمحو ما تواضعت عليه المحافل العالمية واتفقت على احترامه..
ويصنف بعض علمانيي الغرب قضية الحجاب في الإسلام ضمن آثار القهر والتمييز ضد المرأة، ويقوي ذلك ببعض الممارسات الفردية لدي المسلمين، كحبس المرأة في بيتها، وإرغامها على الفقر والجهل، وهذه الممارسات الفردية لاتكفي دليلا صادقا على عدالة الإسلام ، وإن من الإنصاف الحكم على الإسلام من خلال تعاليمه الخالدة، وهي كما سقناها خلال هذا المقال، فإن الإسلام يسمح للمرأة بالخروج، والعمل ضمن أجواء محفوفة بالأمن والاستقرار، ووضع لهذا ضوابط عملية صونا لنفسها والمجتمع حولها.
وليس من الموضوعية الحكم على الإسلام من خلال بعض ممارسات فردية خاطئة التي تخالف هدي القرآن، وكما اعترفت الكاتبة كاثرين بولوك في كتابها “نظرة الغرب إلى الحجاب” قالت: كنت أشعر أن الحجاب مجرد تراث ثقافي يمكن للمسلمات أن يسعين إلى القضاء عليه، ولكن عندما عرضت علي آيات القرآن، التي يعتقد كثير من المسلمين أنها تفرض الاحتشام على الرجال والنساء جميعاً تبدد عندي كل شك في فرضية الحجاب.