سياقات التحالف الإسلامي ضد الإرهاب!
تبدو السياسة السعودية في سباق مع الزمن، وعلى قدر كبير من التحدّي والجاهزية للتعاطي مع كافة ألاعيب ومحرّكات السياسات الدولية، وفي حالة مواكبة ومواجهة لموجة المتغيّرات الطارئة في المنطقة، ومحاولة إيران فرض نفسها كقوة إقليمية أولى في الشرق الاوسط، مستفيدة من عودة الحليف الروسي إلى المنطقة.
وبينما تزداد العلاقات توترًا بين دول المنطقة، وفي ظل اتساع رقعة الإرهاب والدعوات الإقليمية والدولية لمكافحته من جهة، ومحاولة استغلاله من دول أخرى تسعى إلى اقحام نفسها في المنطقة عبر الدخول من ثقوب الأزمات، أعلنت المملكة العربية السعودية، بمشاركة تركيا، ونحو 32 دولة إسلامية أخرى عن تشكيل تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب، دون التطرق إلى معلومات أوضح حول تعريف الإرهاب ذاته.
غير أن ردة الفعل الإيراني كشفت فيما يبدو حالة الالتباس ووضعت النقاط على الحروف، حين أعادت وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية “فارس”، في تقريرها حول التحالف الإسلامي ترجيع الاتهامات الموجه للمملكة بدعم الإرهاب ودعم “القاعدة “و”داعش”، ما يعني أن الإعلان في جوهره أتى ليقطع الطريق والذرائع على طهران ومن خلفها حالة الابتزاز العالمي والغربي لها بدعوى الحرب على الإرهاب ومكافحته.
عدا أن حالة الحرب على “الإرهاب ” في المنطقة تعتبر اليوم من أبرز العناوين التي تعمل إيران على تسويق نفسها من خلاله كمُتعهدّ دولي وشُرطي أجير طيَّع في المنطقة للقوى الكبرى، عبر تدخلها المباشر في العراق وسوريا من خلال الجماعات الطائفية ومليشيات حلفائها وأدواتها التي تتّبعها كالحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في سوريا، وقوات الرئيس السابق صالح والحوثيين في اليمن.
وثِّمة شواهد عديدة في هذا السياق، تؤكدها الحملات الإعلامية المنظمة والموجهة من خلال دوائر صنع القرار ووسائل الإعلام في الغرب والمنطقة، التي فيما يبدو أنها ممّولة لذات الغرض، كونها تفضل دوراً لإيران في هذا المجال. فيما تلقي باللائمة بانتظام على المملكة العربية السعودية، ليغدو الإعلان بحد ذاته من الناحية السياسية والفنية نجاحاً للدبلوماسية السعودية في هذا التوقيت التي تواجه فيه المملكة الكثير من التحديات والمخاطر.
- اقتباس :
- التحرّك الدبلوماسي السعودي المفاجئ والصاعد في الوطن العربي والإسلامي، يعمل بوتيرة متسارعة في نطاق البحث عن بدائل مناسبة، بعد قراءة مغزى تحولّات السياسة الأمريكية تجاه إيران والمنطقة بالكامل.
وبرغم حالة التجاذبات وردود الفعل المختلفة التي تنّوعت حول طبيعة الإعلان وماهية تشكيل التحالف الإسلامي ضدّ الإرهاب وخلفياته، الإأنَّ التحرّك الدبلوماسي السعودي المفاجئ والصاعد في الوطن العربي والإسلامي، يعمل بوتيرة متسارعة في نطاق البحث عن بدائل مناسبة، بعد قراءة مغزى تحولّات السياسة الأمريكية تجاه إيران والمنطقة بالكامل.
ومن المُحتمل في هذا الصدد، أنّ المملكة أدركت وتيقنت مؤخراً أنَّ الأمريكان وحلف الناتو ومعهم روسيا أيضاً قد اتفقوا على جعل إيران حليف كامل لهم وفاعل مؤثر في المنطقة، من خلال السماح لها بإطلاق يدها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وآسيا الوسطى.
يؤكد هذا الأمر إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية إغلاق التحقيقات في برنامج إيران النووي، وإقرار أن برنامجها ليس له أهداف عسكرية، وتعزّزه تصريحات وزير خارجية روسيا، التي كشفت عن أهداف المشاورات الروسية الامريكية الأخيرة ومن بينها مناقشة مكافحة الارهاب في دول من بينها ” اليمن”. وهذا الأمر بالنسبة للسعودية مؤشر خطير، في تحويل حديقتها الخلفية إلى ساحة حرب مفتوحة ورقعة للصراع الدولي ومنطقة نفوذ للجميع.
وفي هذا السياق، يغدو من الطبيعي بل والموضوعي أن تكون كلٌ من إيران، وسورية، والعراق، خارج تشّكيلة التحالف الإسلامي، ليس لكونه سيضفي عليه الصبغة الطائفية ويكسبه طابع الوجهة السنيّة، ولكن وفق معطيات ودلالات لا يمكن تجاوزها، كون هذه الدول في الواقع مسؤولة عن الإرهاب بشكل مباشر، ذلك الذي لا تنطبق عليه المعايير الأميركية، وهو إرهاب الميلشيات الطائفية المدعومة من إيران.
ولا غرابة، فالحلف الإسلامي في أبرز صوره وتجلياته التعبير الأمثل عن ملامح الحرب الباردة بين المملكة العربية السعودية وبين إيران على خلفية الحروب الساخنة في الشام واليمن والعراق، حيث أرادت المملكة بإعلانها فيما يبدو القول إنها لا تزال تملك الكثير من أوراق اللعب أمام حالة الاستقواء الغربي، والتخادم والتناغم الأمريكي الإيراني في المنطقة، باعتبارها الأكثر عمقاً وتأثيراً في المحيط العربي والاسلامي.
- اقتباس :
- من أبرز البواعث على ولادة التحالف الإسلامي هي التلميحات الإيرانية حول قيام تحالف رباعي (روسيا، إيران، العراق، وسورية) على الرغم من كون هذا التحالف الأخير، قائم بحكم الأمر الواقع
كما أن من أبرز البواعث على ولادة التحالف الإسلامي هي التلميحات الإيرانية حول قيام تحالف رباعي (روسيا، إيران، العراق، وسورية) على الرغم من كون هذا التحالف الأخير، قائم بحكم الأمر الواقع، وإنْ لم يُعلن عنه رسمياً، بحسب كثير من المراقبين. وترددت أحاديث سابقة عن وجود غرفة تنسيق وتحكم للتحالف الرباعي في بغداد، بعيداً عن حكومة حيدر العبادي، وقريباً من سلفه نوري المالكي وميلشيات “الحشد الشعبي”.
وبالرغم من إثارة التحالف الإسلامي حالة من الجدل حول تعريف الإرهاب نفسه، الإأنَّ الإعلان عن تشّكيله بعث أبلغ من رسالة إلى من يستخدمون يافطة الإرهاب وذرائعه في المنطقة، ولطالما تذمرت المملكة من اعتبار الإرهاب حكراً على المنظّمات “السنية” التي تستعمل العنف أداة تغيير سياسي، في ظلّ تجاهل “إرهاب المليشيات الشيعية” المدعومة من إيران، وتقاتل على امتداد التراب العراقي والسوري.
في المقابل لا يمكن إغفال جانب كبير من الدوافع الأساسية التي دفعت بالمملكة إلى إعلان ولادة هذا التحالف كونها تعيش في الواقع معضلة كبرى داخلية ودولية في سياق الحديث عن الإرهاب، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحتى تنفيذ تنظيم “داعش” عمليات انتحارية على أراضيها بين عامَي 2014 و2015م.
والمملكة، ولاعتبارات عدّة، معنية بتشكيل هذا التحالف، كونها تعدّ أهم ممثل للعالم الإسلامي. فهي تحتضن الحرمَين الشريفَين، ويتم التعامل معها على نطاق واسع كدولة إسلامية قيادية، خصوصاً في ضوء استقرارها السياسي بعد ثورات 2011 العربية. كل هذا، يلقي على السعودية حملاً مضاعفاً لفض الاشتباك بين الإرهاب والإسلام، خصوصاً في الدوائر الغربية.
وهنا تأتي دلالات حديث رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، في سياق دعم تركيا للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، بقوله: “اتخاذ البلدان الإسلامية موقفاً موحّداً ضد الإرهاب، يُعدّ أقوى جواب يُوجّه للساعين نحو ربط الإرهاب بالإسلام”.
بالتوازي مع هذا الوضع، تكثُر الدعوات الأميركية لدول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية، بتحمُّل مسؤولياتها في مواجهة الإرهاب. وردّد الرئيس الأميركي، باراك أوباما هذه الدعوة مراراً، بأنّ أميركا لن تحارب الإرهاب نيابة عن دول المنطقة، وأنّ على هذه الدول أخذ زمام المبادرة، وستحظى بدعم أميركي.
- اقتباس :
- أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية لها حالياً هو خلق بؤر صراعات داخلية تأخذ طابع المواجهة بين الجهاديين وبين الأنظمة الحاكمة، بحيث يتم في النهاية استيعاب جميع الجهاديين في صراعات حدية مع هذه الأنظمة
والمتأمل في السياسة الأمريكية عقب ثورات الربيع العربي تجاه عدد من الملفات الساخنة في العالم العربي والإسلامي، يجد أن أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الأمريكية لها حالياً هو خلق بؤر صراعات داخلية تأخذ طابع المواجهة بين الجهاديين وبين الأنظمة الحاكمة، بحيث يتم في النهاية استيعاب جميع الجهاديين في صراعات حدية مع هذه الأنظمة، يقل أو يتلاشى التيار الذي ينادي بالمواجهة مع الدول غير الإسلامية.
ولكن يجب أن ندرك أولاً أن السياسة الأمريكية تتسم بقدر كبير من الدهاء والمرونة وتهدف إلى عدد من الأهداف الكبرى منها مشروع الشرق أوسط الكبير، ومنها مشروع إعادة تسكين الجهاديين، وأنها شأن غيرها تصنع بعض الأحداث وتستثمر البعض الآخر، وأنها ربما وظّفت حدثا ما لصالح أحد أهدافها، فإذا فشلت حاولت توظيفه في اتجاه هدف آخر.
والتحالف العسكري الإسلامي، يبدو أنه أتى في هذا السياق أيضاً، وهو وإن انتظمت في توليفته بعض الدول بما يوحي بإمكانية وجود خلافات داخله، لكنّ الأخذ بزمام المبادرة أمرٌ جيّد في وقف التدخلات الخارجية والغربية في بلاد العالم الإسلامي، وآخرها التدخل الروسي، عوضاً عن الحاجة الماثلة في تعزيز قوة تحالف عربي إسلامي يردع طموحات إيران.
وفيما لو قدّر للتحالف الإسلامي أن ينطلق ويسير بخطى ثابتة، فإن من المفترض وفق بعض المراقبين، أن يحقق في حال وفاء 40% فقط من نسبة الدول المعلن عنها تطويق الانتشار الفارسي والحَدَّ من التوسٌّعِ الذي يحققه الأكاسرة الجُدُد تحت أدخنة الإرهاب في المنطقة. وفي ذات النسق، سوف يتمكن التحالف من تعويق الدور والنفود الروسي. وبالتالي إيقاف أو تحجيم عودة القياصرة الجُدُد ومحاولتهم إعادة تموضعهم في مجالهم السابق أيام السوفييت.
كما يسعه أن يقطع الطريق أمام سباق الدول ذات النزعة التنفذية والتسلطية التي يجري وصفها بالدول الفاعلة وبالذات منها الأوروبية، عدا تقليص نزعة التفرّد والامتياز الأميركي في وضع فتاوى وتعاريف الإرهاب، ثُمَّتَ كسر احتكار الأمريكان لملاحقة الإرهاب حسب أجندة العمّ سام.
وفي هذا الإطار سوف يكون من مهامه قطع الطريق على الجماعات و”المجموعات الجهادية” الموسومة بالإرهاب في أحد أهم أهدافها الاستراتيجية، وهوما تسميّه استدراج الصليبيين إلى ديار الإسلام لكسب مشروعية مواجهتهم وإحراج الأنظمة بذلك.
وفي المحصلة سوف يتمكن من إبطال دور الوسيط الأمني الذي تحاوله إيران وميليشياتها تقديم نفسها به كشرطيٍّ للإيجار في مواجهة إرهاب جماعات سُنيّة المذهب وإن كان فيها ما هو إيراني التركيب، وبالتالي سحق أحلام الميليشيات الشيعية في تحويل نفسها من تنظيمٍ طائفي إلى نظامٍ أمني يعرض خدماته في مواجهة الإرهاب العبثي بإرهابها الممنهج.