مؤسسات التصنيف الائتماني
المجال: مالي
"فيتش" من أبرز مؤسسات التصنيف الائتماني التي اتهمت بالإسهام في اندلاع الأزمة المالية العالمية (الأوروبية)
مؤسسات التصنيف الائتماني هي شركات خاصة تصدر تقييمات لما يسمى الجدارة الائتمانية لدولة أو مؤسسة ما، وينعكس التصنيف الذي تصدره إيجابا أو سلبا على ثقة المستثمرين في هذه الدولة أو المؤسسة وعلى كلفة استدانتها من الأسواق المالية.ويقصد بالتصنيف الائتماني درجة تظهر حكم مؤسسات التصنيف العالمية على مدى القدرة على سداد الديون، فمعنى أن يكون التصنيف ضعيفا أن هناك احتمالا بألا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته، أما التصنيف المرتفع فيعني استبعاد الاحتمال.
ويسهل التصنيف المرتفع على الحكومات والشركات الحصول على تمويل وقروض سواء من الأسواق الداخلية أو الخارجية، وتتم عملية التصنيف بناء على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة أهمها الربحية، ثم الموجودات أو الأصول، والتدفقات المالية التي توضح الوضع المالي للمؤسسة.
وهناك مؤسسات كثيرة تقوم بالتصنيف الائتماني، لكن أشهرها مؤسسات أميركية ثلاث هي فيتش وموديز وستاندر أند بورز، والتي تهيمن على سوق التصنيفات في العالم.
وقد اتهمت هذه المؤسسات الثلاث بالمساهمة بشكل جزئي في وقوع الأزمة المالية عام 2008 بخفض حجم مخاطر الاستثمارات في مجال الرهون العقارية بالولايات المتحدة، كما وجهت إليها أصابع الاتهام في تفاقم أزمة الديون السيادية بمنطقة اليورو نتيجة ما أعلنته من تخفيضات متوالية لتصنيف عدد من البلدان المضطربة.
ضلع في الأزمةكان إعطاء مؤسسات التصنيف الائتماني تقييمات غير صحيحة لأوراق مالية سوقتها بنوك أميركية كبرى من بين أسباب اندلاع أزمة القرض العقاري في الولايات المتحدة في العام 2008، والتي كانت الشرارة التي فجرت الأزمة المالية العالمية.
ففي مايو/أيار 2010 باشر مكتب ادعاء ولاية نيويورك الأميركية تحقيقا مع مسؤولين في عدة بنوك كبرى مثل سيتي غروب وغولدمان ساكس ومورغان ستانلي بشأن احتمال قيامها بتضليل وكالات التصنيف بشأن الجدارة الائتمانية لسندات متعلقة بقروض الرهن العقاري لتحقيق مكاسب، إذ منحتها تقييمات عالية قبل أن يتبين فيما بعد أن هذه المنتجات المالية غير جديرة بهذه التصنيف العالية.
ونظر إلى التصنيف العالي الذي تعطيه هذه المؤسسات على أنه اعتراف من المستثمرين ومؤشر بأن الشركة أو الحكومة أو الجهة المقترضة تستطيع تسديد قروضها في الوقت المناسب وبصورة كاملة.
وتركزت التحقيقات حول ما إذا كانت هذه البنوك قد ارتكبت أعمالا غير قانونية أو غير ملائمة أدت لصدور تقييمات ائتمانية غير صحيحة لصالحها، مما أدى لتضليل مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث المعروفة.
وفي يوليو/حزيران 2010 انتقد رئيس مؤسسة التصنيف الائتماني الصينية غوان جيانزونغ مؤسسات التصنيف الأميركية، التي تسيطر على سوق التصنيف، لتسببها في الأزمة المالية، مؤكدا أن الصين يجب أن يكون لها رأي في كيفية تصنيف الحكومات وديونها، واتهم المسؤول الصيني مؤسسات التصنيف الغربية بأنها "مسيسة ومؤدلجة بصورة كبيرة" لأنها تحابى دول غربية، و"لا تلتزم بالمعايير الموضوعة" في عملها.
وفي العام نفسه شجع الانتقاد الشديد الذي وجه إلى مؤسسات التصنيف -بسبب فشلها في التنبؤ بالأزمة المالية- مؤسسات تصنيف أخرى على تقديم خدماتها، لكن المؤسسات الأميركية الثلاث حافظت على سيطرتها على السوق، وإن دخلت عليها شركات من فرنسا والصين.
اعتراف بالخطأوقد اعترفت بعض مؤسسات التصنيف مثل موديز بارتكابها أخطاء تتمثل في سوء تقييم خطورة سندات الرهن العقاري، وأشارت إلى أنها اتخذت إجراءات للمراقبة الداخلية بغرض تحسين طريق عملها وإصدارها للتصنيفات.
وامتدت موجة الانتقادات لعمل مؤسسات التصنيف إلى أوروبا، وذلك عقب قرارات الخفض المتوالية في تصنيفات الدول الأوروبية التي انحدرت إلى أزمة ديون سيادية وعلى رأسها اليونان والبرتغال وإيرلندا وغيرها.
وقد وجهت تلك الدول انتقادات لاذعة لمؤسسات التصنيف الثلاث، ففي يوليو/حزيران 2011 اتهم وزير خارجية اليونان آنذاك ستافروس لمبريدينيس وكالات التصنيف بالجنون في طريقة تعاملها مع أزمة الديون الأوروبية، متهما إياها بتأجيج وضع صعب أصلا.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أعلن المفوض الأوروبي لشؤون تنظيم الأسواق قواعد مشددة تجاه عمل مؤسسات التصنيف الائتماني، ومنها السماح لأي دولة أو مستثمر في الاتحاد الأوروبي بطلب تعويضات لدى محكمة مدنية إذا تكبد خسائر جراء خطأ أو شطط ارتكبته إحدى تلك المؤسسات.
وبموجب هذه القواعد ستكون مؤسسات التصنيف مطالبة بأن تكون شفافة أكثر فيما يخص كيفية تصنيف الجدارة الائتمانية للدول والشركات، وبأن تخبر مُصدِري السندات بوقوع تغيير في تصنيف هذه السندات يوما واحدا قبل إعلان هذا التغيير، كما سعت المفوضية الأوروبية لشؤون تنظيم الأسواق من وراء هذه القواعد بأن تقوم البنوك وباقي المؤسسات المالية بأوروبا بتولي أمر إجراء تصنيفها الائتماني، دون اللجوء بشكل تلقائي لخدمات مؤسسات التصنيف المعروفة.
تصنيف أميركاتعرضت الأسواق الأميركية والعالمية لاضطراب وموجة هبوط عقب خفض مؤسسة ستاندرد أند بورز تصنيف الحكومة الأميركية في يوليو/حزيران 2011، وكان هذا القرار يعني أن سندات الإدارة الأميركية غير جديرة بالتصنيف الممتازة (أي أي أي)، لأن هناك احتمالا بعدم قدرة واشنطن على سداد ديونها، أو على الأقل بتأخير السداد.
وعزت ستاندرد أند بورز هذا الخفض إلى عدم استطاعة واشنطن خفض حجم دينها السيادي الضخم، والذي كان يعادل آنذاك ثلاثة أرباع حجم الاقتصاد الأميركي.
ومع بداية العام 2012 تزايدت المطالبات في ألمانيا بتأسيس وكالة أوروبية مستقلة للتصنيف الائتماني للانفكاك من هيمنة المؤسسات لأميركية، وجاءت هذه الدعوات بعد خفض ستاندرد أند بورز في الشهر الأولى من العام نفسه التصنيف الممتاز لتسع دول أوروبية وصندوق الإنقاذ المالي الأوروبي من فئة "أي أي أي" (AAA) إلى فئة "أي أي" (AA)، وإعلان مؤسسة فيتش عزمها خفض تصنيف ست دول بمنطقة اليورو بين درجة ودرجتين نهاية يناير/كانون الثاني 2012.
قواعد صارمةوبعد عام، اعتمد البرلمان الأوروبي قواعد أكثر صرامة لعمل وكالات التصنيف الائتماني، وذلك بهدف تقليل اعتماد المستثمرين على التصنيف الائتماني الخارجي للديون السيادية، ووضع حد لتضارب المصالح في أنشطة مؤسسات التصنيف، وتحسين الشفافية والقدرة على المنافسة في هذا القطاع.
ومن هذه القواعد أن على المؤسسات المالية وشركات الاستثمار بالاتحاد الأوروبي وضع إجراءات داخلية خاصة بها لتقييم المخاطر الائتمانية، وعليها أيضا طلب الحصول على تقييم اثنتين من مختلف المؤسسات في كل مرة، مع تغييرها كل أربع سنوات.
كما سمح لمؤسسة التصنيف الائتماني بنشر تصنيفاتها للديون في فترات معينة من السنة، مع احترام دقيق لقواعد خاصة، إذ لا يمكن نشر التصنيفات بشأن الديون السيادية إلا بعد إغلاق جميع الأسواق المالية في الاتحاد الأوروبي أبوابها.