حصاد حكم أوباما من غوانتانامو إلى سوريا
يرحل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما عن البيت الأبيض في العشرين من يناير/كانون الثاني 2017 بعد ولايتين رئاسيتين (2008-2017) تاركا وراءه ملفات داخلية وخارجية مفتوحة، بعضها عُدت ضمن إنجازاته، والبعض الآخر اعتبر من أكبر نكساته، خاصة ما تعلق منها بالقضايا العربية والإسلامية.
فلم تكن قضايا المنطقة العربية الإرث الإيجابي الذي يتركه الرئيس الديمقراطي، حيث إن الوعود التي كان أطلقها ظلت تراوح مكانها، فلم يوقف الاستيطان الإسرائيلي، ولم يسقط بشار الأسد.
وفي ما يلي أبرز الملفات الداخلية والخارجية التي تسجل ضمن إرث إدارة أوباما الديمقراطية:
معتقل غوانتانامو
رغم أن أوباما تعهد أثناء حملته الانتخابية الأولى للرئاسة الأميركية بإغلاق معتقل غوانتانامو، ورأى أن الاعتقال دون محاكمة لا يعكس القيم الأميركية، فإنه غادر البيت الأبيض دون أن يفي بوعوده، بعد أن واجه عوائق سياسية وقانونية، فضلا عن مماطلة وزارة الدفاع، ومعارضة عنيدة من الحزب الجمهوري في الكونغرس.
وما فعله الرئيس الديمقراطي خلال فترته الرئاسية هو أنه قام بتقليص عدد نزلاء غوانتانامو إلى 55غرد النص عبر تويتر بعد أن بلغ أعلى مستوياته في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش (780 معتقلا).
أوباما كير
يرى بعض الأميركيين أن قانون الرعاية الصحية الذي وقعه أوباما عام 2010 أهم إنجازات الرجل في ولايته الأولى على الإطلاق، حيث ظل هذا الموضوع لنحو قرن من الزمن أحد أبرز نقاط الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في بلد يفتقد فيه نحو خمسين مليونا من سكانه للتأمين الصحي.
ويهدف قانون الرعاية الصحية إلى توفير التأمين الطبي لنحو 95% من سكان الولايات المتحدة بحلول 2019، بصورة أسهل وأقل تكلفة، وينظر إليه على أنه أهم إصلاح لنظام الرعاية الصحية منذ 1965، أي منذ تاريخ سن تشريع يسهّل حصول المسنين على العلاج.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تعهد بإلغاء "أوباما كبير" بمجرد تسلمه سلطاته كرئيس للبلاد، كما وعد بعدم إغلاق معتقل غوانتانامو.
قانون "جاستا"
يعد قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف اختصاراً بـ"جاستا" من بين الملفات التي تدخل في سجل إدارة أوباما؛ فقد استخدم الأخير حق النقض (فيتو) في سبتمبر/أيلول 2016 ضد "جاستا"، وقال إنه يضر المصالح الأميركية، ويقوض مبدأ الحصانة السيادية.
غير أن الكونغرس الأميركي رفض نهاية سبتمبر/أيلول 2016 فيتو أوباما ضد القانون الذي يمنح استثناء للمبدأ القانوني الخاص بالحصانة السيادية في قضايا الإرهاب على الأراضي الأميركية، مما يسمح برفع دعاوى قضائية للحصول على تعويضات من حكومات تتهم بدعم "الإرهاب".
زيارة كوبا
وفي أواخر مارس/آذار 2016 قام أوباما بزيارة وصفت بالتاريخية إلى كوبا، وهي الأولى التي يقوم بها رئيس أميركي لهذا البلد منذ 88 عاما. ووجه أوباما كلمة إلى الكوبيين عبر التلفزيون الرسمي قال فيها إنه يقوم بهذه الزيارة "لدفن آخر بقايا الحرب الباردة في الأميركيتين"، مضيفا "لا نستطيع أن نتجاهل ويجب ألا نتجاهل الفروقات الحقيقية جدا بيننا بشأن كيفية إدارة حكوماتنا". وأكد خلال الكلمة نفسها أن الكوبيين يجب أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم من دون خوف.
الحملة العسكرية على تنظيم الدولة
عرفت ولاية أوباما الرئاسية الثانية تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ضم أكثر من عشرين دولة، بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ووقف تقدمه في العراق وسوريا بعدما سيطر التنظيم على مساحات شاسعة في البلدين.
وانطلقت أولى الغارات الأميركية في السابع من أغسطس/آب 2014، بعد كلمة أوباما لشعبه، قال فيها إن الأوضاع السيئة في العراق، والاعتداءات العنيفة الموجهة إلى الإيزيديين؛ أقنعتا الإدارة الأميركية بضرورة تدخل قواتها "لحماية المواطنين الأميركيين في المنطقة والأقلية الإيزيدية، إلى جانب وقف تقدم المسلحين إلى أربيل" عاصمة إقليم كردستان العراق.
ويوم العاشر من سبتمبر/أيلول 2014، أعلن أوباما أنه أوعز ببدء شن الغارات في سوريا دون انتظار موافقة الكونغرس، وأمر بتكثيف الغارات في العراق.
ويعد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته أن الحملة العسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا سمحت باستعادة نصف الأراضي التي يسيطر عليها، وذلك في خطابه الوداعي الذي ألقاه في 11 يناير/كانون الثاني 2017 في شيكاغو.
غير أن أوباما يرحل عن البيت الأبيض دون أن تكتمل الحرب ضد تنظيم الدولة لا في العراق ولا في سوريا أو حتى ليبيا.
المنطقة العربية
وجهت انتقادات عديدة لإدارة أوباما على خلفية طريقة تعاطيها مع ملفات المنطقة العربية، ووصفت سياستها إزاء المنطقة بالفاشلة، خاصة في فلسطين والعراق، والأزمة الكارثية التي تعصف بسوريا.
ـ العراق
انسحبت القوات الأميركية من البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2011، لكنها تركت صراعات سياسية وطائفية، وجيشا عراقيا ضعيفا، إضافة إلى تمدد إيراني. وفي ظل تلك الظروف اجتاح تنظيم الدولة ثلث أراضي البلاد وسيطر عليها صيف عام 2014، غير أن أوباما أقرّ إعادة وحدات عسكرية أميركية إلى المنطقة خلال عام 2016 تحديدا، لما أسماه تعزيز محاربة تنظيم الدولة، خاصة في معركة الموصل.
ـ الاستيطان الإسرائيلي
لم تحقق الإدارة الأميركية خلال ولايتي أوباما إنجازا يذكر على مستوى القضية الفلسطينية، رغم محاولاتها لإطلاق مفاوضات جديدة بين الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي.
وكان الموقف الوحيد الذي وصف بالإيجابي من قبل الفلسطينيين هو امتناع إدارة أوباما قبل رحيلها عن البيت الأبيض عن التصويت في مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016؛ مما أتاح صدور القرار رقم 2334 الذي طالب إسرائيل بوقف أنشطتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما ندد أوباما بسياسة الاستيطان الإسرائيلي في مقابلة بثتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في العاشر من يناير/كانون الثاني 2017، وأكد أنها تحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ملف سوريا
يجمع معظم المراقبين على أن الأزمة السورية تعد نقطة سوداء في سجل إدارة أوباما؛ فرغم أنها طالبت منذ بداية الثورة السورية في مايو/أيار2011 بتنحي الأسد عن السلطة، وتمسكت بهذا الشرط في محادثات جنيف عام 2012 وما تلاها، فإن هذه الإدارة لم تتدخل لوقف إراقة دماء السوريين، وتركت الأسد وحلفاءه يرتكبون المجازر ضد المدنيين في حلب وغيرها من المدن السورية، رغم استخدام نظام الأسد وحلفائه الأسلحة الكيميائية، التي كرر أوباما مرارا أن استعمالها "خط أحمر".
وتؤكد المعارضة السورية -على لسان مسؤوليها- أن واشنطن منعت تزويدها بالأسلحة النوعية والعادية، بينما سمحت للنظام بالاستعانة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله وروسيا.
وفي المقابل، تركت إدارة أوباما الساحة السورية لروسيا التي تدخلت عسكريا في الثلاثين من يوليو/تموز 2015 لدعم نظام الأسد، وقامت بتعزيز وجودها العسكري في هذا البلد من خلال اتفاقيات مع النظام السوري، من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
اغتيال أسامة بن لادن
يفتخر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بأن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الثاني من مايو/أيار 2011 في باكستان يعد إنجازا مهما لإدارته، ويقول إن أجهزة الأمن في بلاده أصبحت أكثر تيقظا وفعالية في مواجهة الإرهاب.
وبشأن الأوضاع في أفغانستان، فرغم تعهد أوباما بسحب قوات بلاده من هذا البلد، فإنه تخلى عن ذلك، وقرر إبقاء 8400 جندي أميركي في أفغانستان، مؤجلا خططا سابقة لخفض العدد إلى 5500 جندي، وترك قرار الخطوة المقبلة لمن سيخلفه.
الاتفاق النووي الإيراني
يعد البعض الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) من منجزات السياسية الخارجية لإدارة أوباما، رغم الاعتراضات والانتقادات الداخلية والخارجية لهذا الاتفاق.
ويتضمن الاتفاق -الذي أبرم خلال اجتماع عقد في العاصمة النمساوية فيينا في 14 يوليو/تموز 2015- رفْع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، ويأتي استكمالا لاتفاق لوزان.
غير أن خليفة أوباما دونالد ترمب يعد من أشد المنتقدين للاتفاق النووي الإيراني، ووصفه خلال حملة الانتخابات الأميركية بأنه "كارثة وأسوأ اتفاق تفاوضي على الإطلاق"، كما قال خلال خطاب ألقاه في واشنطن في 21 مارس/آذار 2016 إن الولايات المتحدة سمحت لإيران بالوصول إلى 150 مليار دولار من الأموال المجمدة.