الحزب الشعبي الإسباني
حزب سياسي إسباني محافظ، يعد أحد أكبر حزبين في إسبانيا، يجمع التيار الليبرالي وتيار الديمقراطية المسيحية. وصل إلى السلطة أول مرة في انتخابات عام 1996، وهو صاحب ثاني أطول مدة في حكم إسبانيا بعد انتهاء عهد الدكتاتورية وانتقال البلاد إلى النظام الديمقراطي في أعقاب وفاة الجنرال فرانكو عام 1975، ولا يسبقه في ذلك إلا الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني. النشأة والتأسيسفي عام 1976، أسس السياسي الإسباني مانويل فراغ -الذي تولى عددا من الوزارات في حكومات مختلفة في عهد الجنرال فرانكو- حزب "التحالف الشعبي" الذي كان يمثل اتحادا يضم أحزابا صغيرة يترأسها ساسة ينتمون للتيار المحافظ في عهد فرانكو.
وحقق "التحالف الشعبي" نتائج متواضعة، إذ لم تتجاوز أصوات الناخبين التي حصل عليها في انتخابات عامي 1977 و1979 نسبة 9%، وتلك الانتخابات فاز بها
أدولفو سواريث أول رئيس حكومة دستوري منتخب ديمقراطيا في إسبانيا على رأس ائتلاف "اتحاد الوسط الديمقراطي".
التوجه الفكرييوصف الحزب الشعبي بأنه حزب إسبانيا المحافظ الليبرالي. ومن تاريخ الحزب يتضح أنه في بداياته كان ينتمي للتيار اليميني المحافظ، ولكنه تطور بمرور الزمن، وخاصة تحت رئاسة خوسيه ماريا أزنار، ليتحول إلى حزب محافظ يعتنق أيضا مبادئ التيار المسيحي الديمقراطي والتيار النيوليبرالي، خاصة فيما يتعلق بسياساته الاقتصادية.
تطور عقب انفراط عقد "اتحاد الوسط الديمقراطي" عام 1981 نتيجة تفاقم المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي رافقت مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية وأدت إلى استقالة سواريث من رئاسة الحزب والحكومة، انضمت بعض فروع ذلك الحزب -وهي "الحزب الديمقراطي الشعبي" و"الحزب الليبرالي"- وأحزاب إقليمية يمينية إلى "التحالف الشعبي" الذي حصل نتيجة لذلك على 25% من أصوات الناخبين في انتخابات عام 1982.
وفي عام 1986 جرى
استفتاء شعبي حول بقاء إسبانيا في
حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ودعا حزب "التحالف العشبي" المواطنين إلى الامتناع عن التصويت، إلا أن غالبية الإسبان صوتوا لصالح البقاء في الحلف الأطلسي، وفي نهاية العام نفسه حقق "التحالف الشعبي" نتائج سيئة في الانتخابات الإقليمية التي جرت في إقليم
الباسك، فاستقال مانويل فراغا من رئاسة الحزب. وفي المؤتمر العام الذي عقده "التحالف الشعبي" في 1987، اختير أنطونيو إرنانديث مانتشا رئيسا للحزب.
ولكن ذلك التغيير في القيادة لم يحقق النتائج المرجوة لزيادة شعبية الحزب، كما أدى فوز غريمه السياسي الأكبر -الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني-
بالأغلبية المطلقة مرتين متتاليتين في الانتخابات العامة في 1982 و1986، إلى دخول حزب "التحالف الشعبي" أزمة عميقة، فعاد مانويل فراغا للإمساك بزمام قيادته مؤقتا ليعيد تأسيسه من جديد.
وشدد الحزب في مؤتمره العام الذي انعقد في يناير/كانون الثاني 1989 على مبادئه النيوليبرالية وخفف ملامح انتمائه للسياسات المحافظة القديمة، وغيّر اسمه إلى "الحزب الشعبي"، وأصبح مانويل فراغا أول رئيس للحزب الجديد.
محطاتفي سبتمبر/أيلول 1989 اختير خوسيه ماريا أزنار -الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لحكومة إقليم قشتالة وليون- مرشحا للحزب الشعبي في الانتخابات العامة بناءً على اقتراح مانويل فراغا، وفي أبريل/نيسان 1990 انتُخِبَ أزنار رئيسا للحزب، وتمت تسمية مانويل فراغا "الرئيس المؤسس" للحزب الشعبي ورئيسا شرفيا له مدى الحياة.
وفي 1993 أجريت انتخابات عامة فاز بها رئيس الحكومة الاشتراكي فيليبي غونزاليس وخسرها خوسيه ماريا أزنار، ولكن حزبه أصبح زعيما للمعارضة البرلمانية.
وفي الانتخابات العامة التي جرت في مارس/آذار 1996، فاز الحزب الشعبي بأغلبية ضئيلة للغاية ليضع بذلك نهاية لفترة الحكم الاشتراكي التي استمرت 13 عاما ونصف العام تحت قيادة فيليبي غونزاليس، وتولى الحزب الشعبي الحكم بتأييد من ثلاثة أحزاب قومية إقليمية في البرلمان، وهي حزب "الوفاق والوحدة" الكتالوني و"الحزب القومي الباسكي" و"الائتلاف الكناري".
الاقتصادكان فوز الحزب الشعبي يعود بالدرجة الأولى إلى الوضع الاقتصادي السيئ الذي كانت تعيشه إسبانيا وقتئذ وفضائح الفساد التي لاحقت الحزب الاشتراكي الحاكم، فاهتم خوسيه ماريا أزنار بالقضايا الاقتصادية واتخذ سلسلة من الإجراءات أهمها تحرير الاقتصاد وخفض عجز الميزانية العامة و
خصخصة بعض القطاعات والشركات الحكومية.
وسمحت تلك السياسات بتطوير الاقتصاد الإسباني والقضاء على كثير من العقبات البيروقراطية والوفاء بشروط "معاهدة ماستريخت"، وهو ما سمح لإسبانيا بالانضمام إلى المجموعة الأولى من الدول التي قررت استخدام العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" في ديسمبر/ كانون الأول 1997.
وأدى تحسن الوضع الاقتصادي إلى فوز الحزب الشعبي في الانتخابات العامة في مارس/آذار 2000 بالأغلبية المطلقة.
انحسارتسببت مشاركة إسبانيا في تحالف الحرب على
العراق عام 2003 بزعامة
الولايات المتحدة في تآكل شعبية الحزب الشعبي تدريجيا، كما تسببت التفجيرات التي وقعت في
مدريد في 11 مارس/آذار 2004 في خسارة الحزب الشعبي تحت قيادة
ماريانو راخوي للانتخابات العامة، وعودة الاشتراكيين للحكم تحت قيادة خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو لفترتين تشريعيتين متتاليتين، أصبح الحزب الشعبي خلالهما زعيما للمعارضة البرلمانية.
ومع ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، تدهورت أوضاع إسبانيا الاقتصادية ولم تتمكن الحكومة الاشتراكية من معالجتها، وتفاقمت معدلات البطالة وتدهورت شعبية الحكومة، ففاز الحزب الشعبي في الانتخابات المبكرة التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بالأغلبية المطلقة، وعاد إلى الحكم.
وأدت إجراءات التقشف -التي اضطرت حكومة الحزب الشعبي لتطبيقها في محاولة إصلاح الوضع الاقتصادي- والإخفاق في حل مشكلة البطالة، إلى تآكل الشعبية الكبيرة التي وصل بها الحزب إلى الحكم، ففاز بأغلبية ضئيلة في الانتخابات العامة التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2015.