إسرائيل تعتقل شاعرة فلسطينية بسبب قصيدة
وديع عواودة
الناصرة – «القدس العربي» : يكاد لا يمر يوم دون أن تتجلى مظاهر العنصرية والحض على العنف بدعوات المعقبين في الإنترنت وفتاوى حاخامات علاوة على الإعلام دون محاكمة المتورطين بذلك. في المقابل يعتقل فلسطينيون على طرفي الخط الأخضر لنشر خبر ما على الفيسبوك أو قصيدة.
وأحد هؤلاء دارين طاطور شاعرة 35) عاما) من بلدة الرينة قضاء الناصرة داخل أراضي 48 اعتقلتها إسرائيل بسبب قصيدة شاركتها عبر الشبكات الاجتماعية عنوانها «انتفضوا أبناء شعبي انتفضوا . «في شهر اكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اقتحمت الشرطة بيت الشاعرة في منتصف الليل، كبلت يديها واقتادتها. «منظرك يوحي بأنك استشهادية»، قال لها أحد المحققين.
اتهمت حكومة إسرائيل طاطور بالتحريض على العنف، من خلال قصائد ومنشورات على «الفيسبوك. وما زالت المحاكمة مستمرة. ومن المقرر أن تعقد المحكمة جلستها القادمة في السادس من سبتمبر/ أيلول المقبل. وإذا ما أدينت بالتهم الموجهة إليها، فقد تواجِه حكماً بالسجن الفعلي لعدة سنوات.
وقضت طاطور، حتى الآن، ثلاثة أشهر في السجن الإسرائيلي سبقتها ستة أشهر أخرى من الاعتقال المنزلي في شقة في مدينة تل أبيب، كان على عائلتها أن تتحمل تكاليفها. وفي الشهر الماضي فرض عليها الحبس المنزلي في بيت عائلتها. وقد جاء هذا القرار إثر رسالة مفتوحة تطالب بإطلاق سراح طاطور وقّع عليها 250 شخصية ثقافية معروفة عالميا شملت مفكرين وأدباء وفنانين، من بينهم نعوم تشومسكي، ونعومي كلاين، ودايف ايجرز، وكلوديا رانكين والعشرة الحائزون على جائزة «بوليتزر»، بينهم الأديبة المعروفة أليس ووكر والصحافية كاترين شولتس. ومنذ نشر الرسالة، وقع عليها حتى الآن ما يزيد عن 7000 شخص، كما قام نشطاء بإطلاق حملة تضامن عالمية لدعم الشاعرة الشابة.
يشار إلى أن طاطور تعكس ظاهرة. فقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية نحو 400 فلسطيني من طرفي الخط الأخضر خلال نصف العام الأخير بسبب كتابات نشروها على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، طبقا لما وثقته منظمات حقوقية محلية.
الصوت اليهودي للسلام»، مجموعة تنشط في الولايات المتحدة من أجل العدل الاجتماعي، نشرت أمس مقابلة مصورة مع طاطور من سجنها المنزلي. وهي مقابلة شخصية أجراها موقع «صالون كوم» مع طاطور باللغة العربية، ثم تمت ترجمتها إلى اللغة الانكليزية بمساعدة الناشط اليهودي يوآف حيفاوي الذي يتابع القضية عبر مدونته «حيفا الحرة. وتقول طاطور إنّ التحقيق ومجريات المحاكمة كانت مهزلة تُخجل أيّ نظام يدّعي الديمقراطية. وتتابع «في البداية سُجنت لمدّة 3 شهور، نقلوني خلالها بين ثلاثة سجون: الجلمة، الشارون (تلموند (والدامون. لاحقًا، فرضت عليّ المحكمة الاعتقال المنزلي في منطقة تل أبيب. عمليًا، تمّ نفيي بعيدًا عن بلدتي. مكثت هناك ستة شهور، منعوني خلالها من الخروج ومن التواصل عبر الإنترنت طيلة ساعات الليل والنهار. بعد تصاعد حملة التضامن والشجب حوّلوني إلى الاعتقال المنزلي في بلدتي (الرينة). هنا أيضاً لا يُسمح لي بالخروج سوى ست ساعات في الأسبوع، كما وضعوا في رجلي حلقة إلكترونية لرصْد تحركاتي» . وتروي طاطور أنها شهدت مأساة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، من ناحية الظروف البيئية والصحية والمعاملة القاسية.
وتذكر أن الأسرى عمومًا، والأسيرات خصوصًا، محرومون من أبسط حقوق الإنسان خاصة العلاج الطبي اللائق. وتضيف «مهما وصفت فلن أستطيع نقل ما يعيشه الأسرى الفلسطينيون من ظلم هناك. التقيت أسيرات بريئات لم يرتكبن أيّ جُرْم. فأنا مثلاً اعتقلوني بسبب قصيدة. شابة أخرى التقيتها في السجن اعتـُقلت بسبب رسالة كتبتها إلى أختها تحكي فيها عن همومها الشخصية والعائلية، ولأنها ذكرت كلمة «انتحار» زجّوا بها في السجن لمدّة 3 شهور». وتعتقد أن الملاحقات السياسية والاعتقالات وتقييد حرّية التعبير هي من أعراض أزمة إسرائيل وحالة الضعف وقلّة الحيلة عندها.
في المقابل ترى أن الفلسطينيين يصبحون أكثر تمسكاً برفض ممارسات إسرائيل الاستعمارية والعنصرية. ومن جهة أخرى، وكردة فعل على بثّ ثقافة الكراهية على المستوى الشعبي، ترى أن هناك تياراً معادياً للفاشية بدأ يتبلور ويظهر في المجتمع الإسرائيلي وهذا برأيها يضع إسرائيل في مأزق يضطرّها لتصعيد القمع ويكشف، بالتالي، عن جوهر النظام الإسرائيلي المعادي للديمقراطية. كما ترى أن مثل هذه الملاحقات تؤكد أن إسرائيل ديمقراطية لليهود فقط وتقول إن حملة التضامن ساعدت كثيرًا في تخفيف ظروف اعتقالها. وتستذكر ما شهدته «في البداية، كانت ظروف الاعتقال قاسية جدًا. اعتقلوني لعدّة شهور في بيت في منطقة تل أبيب، بعيدًا عن أهلي وعن مكان سكني؛ عزلوني عن الناس تمامًا، منعوني من مغادرة البيت كليًّا. كان ذلك الاعتقال أشبه بالعزل الانفرادي في زنزانة في المنفى، وقد استمرّ ستة شهور».
وردا على سؤال تعتقد بأنّ الضغط الجماهيري قد يُجبر السلطات الإسرائيلية على إعادة النظر بسياسة ملاحقة الفنانين والأدباء والناشطين الفلسطينيين الشباب لمجرّد أنّهم يعبّرون عن رفضهم للاضطهاد. وتتابع « الأمل هو أساس الحياة. نحن نحلم لكي نستمر بالحياة لأننا من دون الأمل سوف نموت ونحن أحياء، لتبقى أجسادنا فقط. الأمل هو الإحساس بالحياة، بالحرية، بالأمان؛ هذا ما يعطي كل ما يعيشه الإنسان معنىً. نحن نتنفس الأمل كي نتمسّك بحياة ذات معنى». وردا على سؤال تنبه الشاعرة الفلسطينية إلى أن الإدارة الأمريكية هي الداعمة الأولى لإسرائيل في العالم وأن الناشطين في المجتمع الأمريكي يستطيعون الضغط عليها من أجل تسليط الضوء على قضية حرّية التعبير وتنكيل السلطات الإسرائيلية بمن يعارضونها الرأي. وتخلص للقول إن فلسطينيي الداخل يواجهون حملة تحريض عنصري، على المستوى الرسمي والشعبي، وتتكاثر الاعتداءات عليهم لمجرّد أنهم يتحدّثون العربية في الأماكن العامّة داعية ناشطي حقوق الإنسان في العالم الى دقّ جرس الإنذار قبل فوات الأوان.