سياسيون ومثقفون يناقشون كتاب «حصاد الزمن الصعب» لطاهر المصري
-
عمان - ناجح حسن
ثمّن سياسيون ومفكرون واعلاميون مسيرة رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري في العمل العام التي وثّق جوانب منها في كتاب حمل عنوان (حصاد الزمن الصعب) الصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت.
وتحدث في الحفل الذي أشهر فيه الكتاب، رئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الكباريتي، والاقتصادي د. عمر الرزاز، والكاتب فهد خيطان، وأدار وقائعه الكاتب عريب الرنتاوي.مؤكدين على تلك القيم الانسانية النبيلة ورؤيته العميقة الصادقة تجاه وقائع واحداث عاشها الاردن والمنطقة العربية عموما في العقود الاخيرة.
وقال المصري لقد آمنت طيلة السنوات التي مضتْ من عُمري ، بمنظومة مترابطة من المبادىء والقيم ْ ، وحرصتُ على الدوام ْ ، أن أتشبث بها ما أستطعت ْ ، ولربما كان في ذلكْ ، شيٌء من مُعاناة ، خاصةً عندما أفهمُ على غير ما أنا ، ويتم تأويلي وتفسيري على غير ما أقصدْ.
وزاد في الحفل الذي أقيم بمنتدى شومان حاولت جهدي أن اكرس مفهوم أن العمل العام هو ليس وظيفة ، بل هو مسؤولية مستمـــرة وممتــــدة. وهــي نوع من العمل التطوعي الذي يجب أن يكون منزهاً عــــن الأهداف الشخصيــــــة. ويمارسها الإنســـان خارج وداخـــل المنصب. وأنا أعتقد بان كل مواطن له مساهمة في بناء الوطن. فالبناء ليس حكراً على منصب او مجموعة أو مؤسسة.
التركيز على الفكر والمحتوى
وعبر المصري عن إيمانه بأنه يجب أن تؤطر هذه المفاهيم حتى تبقى واضحة لا لُبس فيها ، بعيدة عن الاستغلال السياسي. وان إحتكار الإنجاز هو أمر غير واقعي وغير منطقي فإن إحتكار الحقيقة أمر غير ديموقراطي سواء تصرف على أساسه حكومة أو حزب، مستدركا، إحتسبني البعض في مربع المعارضة ، والبعض الآخر في مربع السلطة. ولكنني لست في هذا المربع ولا ذاك. أنا ابن الدولة بما تعنيه الدولة من مفهوم واسع عريض وحداثي.
وأشار المصري في الحفل الذي أدار وقائعه الكاتب عريب الرنتاوي، إلى أنه يصنف نفسه كمجتهد يقول رأيه بصراحة ، وليس له من هدف سوى المصلحة العامة للدولة وللوطن والعرش. واعتبر نفسي ، كأي مواطن لي الحق في إبداء الرأي في مجرى الأحداث في وطني بشكل حر وموضوعي وعلمي.
وقال إن ضميري مرتاح لأنني عبرت عن رأيي ، وأتخذت الموقف الذي به آمنتْ صادقاً مع نفسي ، ومع بلدي وأهلي وقيادتي، لافتاً، لم أتعرض يوماً بالاساءة لأحدْ ، وحاولتُ جاهداً ، التركيز على الفكر والمحتوى ، ولم أشخصن مواقفي ولا أرائي وأن أختار كلماتي جيداً ، في كل موقعْ ، ومقامٍ ومقال.
وقال إن من خاصموني في مراحل ما ، هم اليومَ من أقرب الناس ، بعد أن تيقنوا من براءة وصدق منطلقاتي ، وبُعدي التام ْ ، عن كل ما قد يشوب مواقفي ورؤيتي، أنني بحسب المصري في الشهادة التي قدمها، لم أتغيرْ ولم تتبدلْ مبادئي بتبدل المواقع ، آمنت بالشعب وبالقيادة الهاشمية وبأن الدستور يجب أن يحُترم نصاً وروحاً وحرصت على أن أحافظ علي إتزانــي مهما كانت الظروف ، وأعتقدُ أنَّ تقييم ذلك ، قد يأتي منكم حضرات الكرام ْ ، ومن كلِّ من عرفوني عن قرب.
الأردن العزيــــز أمانةٌ في أعناقنا
وخلص إلى إيمانه بالترابط بين أفكاره وما يقول، مستدركاً، وما تصرفتْ به ، منذُ بدايـــة رحلتي في العمل العام ، وحتى الان. ومـــن يقرأ هـذا الكتاب ، ربما يلحظُ ذلك بوضوح ْ ، فلقد أثبتت السنين والاحـداثْ ، أنني ربما كنتُ على صواب في الكثير مما قلتْه ، ومما إقترحتْ ، ومما حذرتْ.
ودعا المصري إلى ضرورة أن يلتقي ويتكاتف صفُّنا جميعاً، في هذا الزمان الصعب والدقيــــق والمؤلمْ على حد وصفه، ومواصلة نهج الإصلاح الوطني الشاملْ ، عبر مسارب تصون أمننا الوطني ، وتعظمُ وحدة شعبنا ، وتحاربُ بالفكر السليمْ ، كلُّ مظاهرِ التطرفِ والغلوِّ والفكر الهدامْ ، مشدداً أن الأردن العزيــــز امانةٌ في أعناقنا جميعاً ، ومن يتنكرُ للأمانة ليس منًّا ، وواجبنا ، الدفـــاع عن الوطنْ ، وعن منجزاته ْ وعن وجوده صلباً قوياً في مواجهة التحدياتْ ، وما أكثرها في هذا الزمان المريرْ.
معرباً عن شكرة لمنتدى شومان، وصديقه محمد بن عيسى رئيس منتدى أصيلة ووزير الخارجية والتعاون المغربي سابقاً الذي قدم الكتاب ، وهو شخصية عروبية مغربية يدير مهرجان أصلية العريق منذ عقود من الزمن ويجمع بين العمل السياسي والنشاط الثقافي. مختتماً، أن طاهر المصري مجرد مواطن جندي أردني مخلص ، يعشق الأردن أولاً ، وفلسطين الحبيبة والعروبة ، وليس بحياته عشق آخر.
تأريخ سياسي للأجيال
إلى ذلك لخص الكاتب والاعلامي فهد الخيطان قراءته لكتاب (حصاد الزمن الصعب)، بانه تأريخ سياسي للأجيال القادمة فيه الكثير من التوضيحات والتفسيرات لمواقف اتخذها المصري تجاه العديد من الاحداث التي عاصرها الوطن والأمة مثل الوحدة الوطنية والحرب على العراق والاصلاح السياسي.
اشكالية العلاقة بين السياسة والسلطة
ومن جهته لفت المفكر الاقتصادي والوزير الاسبق د.عمر الرزاز الى ان الكتاب يتمحور حول اشكالية العلاقة بين السياسة والسلطة وانه اقتحم باجتهاده الخاص تلك القضايا الساخنة في السياسة الاردنية والعربية وكتب عنها بمنطلق الموضوعية والوضوح والصراحة، كما انه لم يضطر التضحية بقلمه من اجل السياسة وانه لم يستخدم سلطته في قمع الافكار، لافتا الى تركيز المصري واهتمامه الدائم على تمتين الجبهة الداخلية والتحذير من خطر الاحباط وان كثير من نبؤاته قد تحققت في العديد من التحولات السياسية الاقليمية والعالمية. واوضح الرزاز ان ما قدمه المصري في الكتاب يشكل نموذجا في تشكيل الوعي والالتزام بالمواقف السياسية والقضايا الوطنية غايته ازدهار الوطن وتبصير اجياله الجديدة بالاخطار والتحديات.
ثقافة المواطنة
واعتبر رئيس الوزراء الاسبق عبدالكريم الكباريتي ان (حصاد الزمن الصعب)، هو تجسيد على ثقافة المواطنة الصالحة برع المؤلف في صياغتها ببوصلة تؤشر على ايمان عميق بالاردن وصدق الولاء لقيادته الهاشمية فهو رجل دولة لا تبهره السلطة ولم يقع في شباكها واتقن فن التوازنات. وقال ان المصري يحارب بالكلمة وهو رجل ديمقراطي يعرف الثوابت متوازن هادئ يشكل حالة اردنية نادرة قدم محطات من سيرته بقلب طاهر ووجدان صادق.
وقال الكباريتي إن معاني المسؤولية الأخلاقية الوطنية التي ترعى قيم الإنسان وحقوقه وتأخذه في مراقي البناء في بيئة الحرية وسيادة المساواة في العدل والقانون ليس تنظيرا بل تأطيرا للمعادلة الداخلية المطلوبة وهي ليست خيارا بل ضرورة وطنية درءا للوقوع في فخ المحظور. وأضاف أن الحديث عن وحده الهدف لا معنى له قبل وحدة الصف أولا ، ووحدة الصف أساسها وإطارها منظومة أخلاقية قيمية، ومن غير دولة طاهر ليرسي أوتادها ويعلي عمادها ويعرف ويعرّف بها،
وزاد أن طاهر المصري توهج معدنه في جبل النار، وتصلبت إرادته في النجاح والوطنية، تربى في بيت عز ومكارم، وعمّرت في ضميره أحلام العودة والعدل والحرية، وطني يعتمد عليه عند تعارض الشهوات، فهو رئيس وزراء الحسين ، عنوانا للميثاق الوطني الذي فاز بمباركة الشعب في حينه لتثبيت قواعد النهج الديمقراطي. وهو خيار جلالة الملك عبدالله الثاني ليقود لجنة الحوار الوطني لتكريس الشراكة المجتمعية الحقيقة بين الجميع، وتجسيد ثقافة المواطنة الكاملة في نهج إصلاحي شامل.
رجل دولة
وفي كلمته أكد الكباريتي أن المصري رجل الدولة بكل الفصول لا تغيره الأحوال ولا الأوحال، ولا تبهره السلطة ولم يقع في شباكها، يحارب بالكلمة وأمانة الموقف، ديمقراطي اجتماعي،يعرف الثوابت ولا تغيب عنه المتغيرات، يمينيّ مع اليسار، ويساريّ مع اليمين ، ومتوازن مع الجميع ، أنه حالة أردنية نادرة... يدرك أن مصلحة الوطن أقوى من تاريخ الأفراد، وحصاده اليوم هو بوح من ضفتي ضميره ووجدانه ونشيج من روحه وقلبه الطاهر،يتطوّف بنا على دروب الأمل المسفوح بوجع الزمن الصعب والربيع الذي لم يتحقق.
مدرسة الواقعية السياسية
وكان الاعلامي عريب الرنتاوي الذي ادار حفل اشهار الكتاب ان الاصدار ليس سيرة ذاتية بقدر ما يوثق لطروحات وتحولات الاقليم، فضلا عن نظرته تجاه المسألة الديمقراطية ومدرسته الاخلاقية في العمل السياسي برغم تعاقب الحقب والمراحل.
وقال الرنتاوي ان رغبة طاهر المصري في هذا الاصدار هي تقديم فكره السياسي والاجتماعي إلى الأردنيين، بثوابته ومتغيراته، كما تشكل وتبلور على امتداد مسيرة في العمل العام، امتدت لأزيد من عشريات أربع من السنين، مبينا انها مجازفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالكتاب يوثق بدقة على مسافة ربع قرن تقريباً، خرج في بدايتها العالم من نظام القطبين وحربه البارد، انهارت جدران وإيديولوجيات ومعسكرات، ونشأت أخرى على أنقاضها، شهد خلالها الأردن والإقليم، أحداثا صعبة، صعدت في أثنائها قوى وتيارات واندثرت أخرى وسط بحر متلاطم الأمواج.
وقال الرنتاوي اجتهدت ما أمكن في البحث عن توصيف دقيق لمدرسة المصري في العمل الوطني والسياسي، فلم أجد وصفاً واحداً قادراً على الإحاطة بالتجربة من جهاتها الأربع.. فالرجل ينتمي بجدارة إلى «مدرسة الواقعية السياسية» ولم يكن في مواقفه واطروحاته حالماً أو ناسكاً بعيدا عن الحياة الواقعية بتعقيداتها ومعطياتها الملموسة، ومن نافل القول، أنه لم يختبر «حالة الإنكار» التي تضرب على عقول بعض السياسيين وتحجب عنهم النظر والرؤية، كما أنه لم يكن «ثورياً» أو «انقلابيا» بحال من الأحوال والرجل كان ولا يزال، رائداً في «المدرسة الإصلاحية» في العمل السياسي والوطني، «والرائد لا يكذب قومه»، ورسائله المتضمنة في هذا الكتاب إلى المسؤولين وصناع القرار والرأي العام على حد سواء، تعكس هذا الجانب من تفكير المصري وتجربته.
وخلص الى ان تجربة طاهر المصري وفكره السياسي والاجتماعي كما يتجلى بين دفتي هذا الكتاب، تدحض النظريات التي تتحدث تناقض حتمي بين فضائي «الأخلاق» و»السياسة»..، وانه عندما يؤتى على ذكر طاهر المصري، تقفز إلى الأذهان، ومن دون استئذان، جملة من الصور والمواقف: فهو المنافح من دون كلل أو ملل عن «وحدة الأردنيين الوطنية».. وهو المبشر دائما بدولة المواطنة، وهو الإصلاحي- التوافقي (والتوفيقي)، وهو المنخرط بنشاط، ومن دون إحساس بعقدة «ازدواجية ولاء أو انتماء»، في معارك ضد العدوان والاستيطان والتهويد والأسرلة، وهو المدافع عن قضايا العرب القومية الكبرى.