للنظام العربي الرسمي: الفلسطينيون أفضل بدونكم
علي الصالح
لا أنا إنسان متشائم ولا يمكن اتهامي بالسلبية.. فأنا بعيد كل البعد عن هذا وذاك، وإذا كان لي أن أصف نفسي فإنني إيجابي وشديد التفاؤل.
غير أنني أفقد هاتين الصفتين عندما يتعلق الأمر بأي تحرك من جانب النظام العربي الرسمي، خاصة إذا كان الغرض المعلن منه هو خدمة القضايا العربية، وتحديدا القضية الفلسطينية. فتنقلب الإيجابية لسلبية والتفاؤل لتشاؤم. فأنا أعاني من حساسية مفرطة من هذا النظام الذي لم يجلب لنا سوى المصائب وخيبات الأمل. فكلما أسمع أو أقرأ عن تجمع عربي رسمي جديد، أو تحرك عربي رسمي من نوع ما، ينطق لساني من دون تفكير «ربنا يستر.. خير شو كمان». وتتزاحم التساؤلات في رأسي. من هي الضحية الجديدة؟ وماذا وراء هذا التحرك؟ ولحساب من؟».
وفي هذا السياق ومن هذه الزاوية أنظر إلى ما يسمى اللجنة الرباعية العربية وهي ليست اللجنة المعنية بمتابعة موضوع الاستيطان في الامم المتحدة التي لم تفعل شيئا حتى الان، بل هي لجنة تضم مصر والأردن والسعودية والإمارات تعنى بالشأن الداخلي الفلسطيني وفهمكم كاف.
والأهداف المعلنة لهذه اللجنة هي توحيد حركة «فتح» بإعادة المفصولين إلى مواقعهم السابقة، وعودة محمد دحلان إلى عضوية «مركزية فتح»، من خلال عملية ضاغطة على الاطراف المعطلة أياً كانت هذه الاطراف، وهذا يعني ابو مازن وعددا من اعضاء اللجنة المركزية في الحركة الذين يرفضون بالمطلق عودة دحلان. وتتحدث الخطة أيضا عن تحقيق المصالحة بين فتح وحماس، وتحريك السلام على أساس المبادرة العربية، وتوفير الدعم لفلسطينيي الداخل والشتات.
وقبل الحديث عن هذه الاهداف، ثمة سؤال يطرح نفسه وهو، أين كانت هذه الأطراف كل هذه السنوات؟ ولماذا هذا التحرك الضاغط في هذه الأيام تحديدا؟ ألا يضع ذلك المزيد من علامات الاستفهام؟ فقد مر على فصل دحلان قرابة خمس سنوات، بينما دخل الانقسام بين فتح وحماس عامه العاشر، أما الحديث عن توفير الدعم لفلسطينيي الداخل والخارج فهذه نغمة جديدة لم تستخدم سابقا.. وكأنها مؤشر إلى تهديد مبطن لشراء الذمم. وإذا كان الغرض من هذا التحرك خدمة القضية الفلسطينية فأين هم من قضايا الاستيطان والأسرى والتهويد وانتهاكات القدس وأعمال القتل التي تنفذها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ضد «فلسطينيي الداخل»، التي تصاعدت أضعافا في ظل الحكومة الحالية التي يسعون للتطبيع معها، وهي الأكثر تطرفا وعنصرية وكرها للعرب ورفضا للسلام. ولا تقولوا الانقسامات على الساحة الفلسطينية هي التي تعيق تحركاتكم وعملية السلام. يبقى الأخطر في ما جاء في بيان الرباعية هذه هو التدخل المباشر في الشأن الداخلي لفتح، ودفع مبادرة السلام العربية. ففي موضوع توحيد فتح، ناهيك عن أنه شأن تنظيمي داخلي لفصيل يجب ألا تتدخل فيه أطراف خارجية ودول، لكن يأتي التدخل على مستوى رؤساء هذه الدول وهذا ينذر بشيء ما؟..
إن الحديث عن توحيد فتح يعطي الانطباع بأن ثمة انشقاقا تعاني منه الحركة.. طبعا هذا غير دقيق، اذ لم تشهد الحركة انشقاقا فعليا منذ انشقاق ابو موسى عام 1983. فدولة الإمارات العربية تريد أن تصبغ فصل محمد دحلان الموجود على أراضيها من عضوية اللجنة المركزية من الحركة بصبغة الانشقاق، وتريد أن تضعه على قدم المساواة مع ابو مازن.. وهو نفسه لم يزعم ذلك، على الرغم من أنه يحاول بين الحين والآخر مناطحته ومهاجمته. وإذا ما نجحت محاولة الإمارات فهذا يعني انها ستصبح طرفا قويا في المعادلة الفلسطينية وستفرض اجندتها وهي واسعة ومتشعبة. وهذا ما اعتبره ابو مازن تدخلا سافرا ليس في الشأن الفلسطيني العام فحسب، بل في شؤون بيته «فتح» الداخلية.
وقد يسأل سائل، إذا كان للإمارات مصلحة عبر دحلان، فما هي مصالح الدول الاخرى؟ اعتقد وهذا اجتهاد بحت قابل للخطأ والصواب، أن المصالح ربما تلعب دورا بالنسبة للاردن ومصر، إضافة إلى ممارسة الضغوط على أبو مازن حتى يقبل بالمؤتمر الاقليمي الذي يفضله نتنياهو.
أما في حال السعودية فهناك عاملان الاول الحفاظ على الإمارات إلى جانبها في ورطتها في المستنقع اليمني، بعدما انفك من حولها الحلفاء في حربها ضد الحوثيين المدعومين إيرانيا.. آخذة بالمثل القائل «حكللي باحكلك». وثانيا الرغبة السعودية في الخروج من ورطة مبادرة السلام العربية التي ارتبط اسمها بها، وتقف عائقا بينها وبين مخططاتها في اطار التحالفات الاقليمية الجديدة ضد ايران.. إذن السعودية تسعى للخروج من السر إلى العلن في تحالفاتها الجديدة وتأمل في تحقيق ذلك بأقل الخسائر من خلال المؤتمر الاقليمي المرجو.. الذي لن يكون سوى مناسبة للمصافحات ولالتقاط الصور التذكارية التي يحقق فيه نتنياهو أمله بالوقوف وسط «رَبْعَ الكفافي» من دون أن يلزم نفسه بأي استحقاق من استحقاقات مبادرتها للسلام. وهذا لن يتم طبعا الا برضى أبو مازن الذي يفضل المبادرة الفرنسية رغم كل عيوبها كما أكد أمس. ومن هذه الزاوية يفهم موضوع توحيد حركة فتح. ومن هذه الزاوية ينظر الى خطاب أبو مازن الناري غير المعتاد حول التدخلات العربية والأجنبية (والاخيرة استخدمت للتغطية).
واختم في هذا المسألة بما قاله المستشرق الإسرائيلي رؤوبين باركو، «إن الهدف من المصالحة الفتحاوية الداخلية هو رفع أسهم محمد دحلان ليكون وريثا محتملا للرئاسة الفلسطينية». وفي حال توفر زعيم ذي شخصية كاريزمية بديلا عن عباس، فإن ذلك كفيل بإيجاد حل للقضية الفلسطينية». نعم إنه ما التقى العرب الرسميون يوما إلا وكانت مصيبة جامعتهم… لم يلتقوا قط لما فيه خير هذه الأمة ولا من أجل أي قضية من قضاياها الأساسية والمصيرية، وإن اتفقوا على أمر فهو لغير الصالح العام. والأمثلة الحية كثيرة، العراق وسوريا وليبيا واليمن ولا ننسى بالطبع أم القضايا فلسطين.
لا اريد أن أكرر نفسي وسأمر مرور الكرام من أجل التذكير فقط، ففي العراق شارك النظام الرسمي العربي، أو بالأحرى بعضه في ما حيك ضده، وليس ضد صدام حسين الذي سمح لنظامه بأن يكون الوسيلة التي يحتل بها العراق وتمزيقه إربا إربا وتخريبه وتدميره وسلب ثرواته وقتل شعبه ووضعه على طريق حرب أهلية لا نهاية لها في الأفق. هذا الشعب الذي لم يكن قط طائفيا، هذا الشعب الذي تعايشت فيه كل الأديان والطوائف والأعراق، أصبح اليوم غارقا بدماء تسفك باسم هذه الطوائف والأعراق. وفي ليبيا وبعد سقوط «العقيد» ولن اقول النظام الليبي لأنه لم يكن هناك نظام أصلا، تدخلت الاصابع الرسمية العربية.. وانعكست الخلافات بين اقطاب هذا النظام الرسمي بدعم الفرقاء المتناحرين لتتواصل الحرب الأهلية وتتواصل الفوضى وتتواصل أعمال القتل ويتواصل تفتيت البلد. وليس هناك ما يبشر بخير على المدى المنظور.
وفي اليمن اوقفوا الثورة وحموا علي عبد الله صالح وأعادوه معززا مكرما حتى انقلبت التوزانات والتحالفات ودخل الحوثيون على الخط بالتعاون مع الرئيس السابق، استغلالا لضعف النظام، فشكلوا تحالفا مصلحيا «لإنقاذ اليمن من الاستعمار الحوثي» المدعوم إيرانيا.. وبعد عام ونصف العام تقريبا لا تزال الحرب مشتعلة وتفتك بابناء اليمن.
ونأتي إلى مصيبة مصائب الرسمية العربية التي دخلت على خط الثورة الحقيقية لاسقاط نظام الأسد، فافسدتها واحادتها عن طريقها وسلحتها تنفيذا لما كان يسعى إليه النظام حتى يبرر جرائمه ومجازره ضد الشعب السوري، وليزعم أمام العالم بأنه يحارب الإرهاب. ونجح النظام في ذلك إلى حد ما.. كان الهدف الأساسي لتدخل القوى الخارجية هو إفساد الثورة السورية حتى لا تكون النموذج الذي يحتذىبه. نعم عملت هذه القوى على إفشال الثورة السورية الحقيقية، على حساب مئات آلاف الضحايا وعلى حساب سوريا التاريخ والحضارة. وطبعا الكل يعرف بتفاصيل دور النظام العربي الرسمي في ضياع الشق الأول من فلسطين عام 1948 ثم الشق الثاني عام 1967 وتآمره على الثورة الفلسطينية منذ انطلاقاتها.
واخيرا.. ابقوا بعيدا عنا.. لا نريد حرصكم ولا خوفكم ولا رعايتكم ولا اهتمامكم… واتركوا الشعب الفلسطيني وشأنه فهو قادر على حل خلافاته ومشاكله بعيدا عنكم، وقادر على اختيار قيادته بنفسه فهو ليس قطيعا من الاغنام وتاريخه وثوراته ونضاله يشهد له فيها العدو قبل الصديق.
٭ كاتب فلسطيني
من أسرة «القدس العربي»