صفقة مروحيات "ميسترال" تعمق أزمة مصر الاقتصادية
القاهرة - الجمعة 16 سبتمبر 2016
ذكرت مصادر إعلامية مصرية أن قائد القوات البحرية المصرية، الفريق أسامة ربيع، تسلم اليوم الجمعة، حاملة المروحيات الثانية "أنور السادات" من طراز "ميسترال" خلال حفل عسكري أقيم في فرنسا.
وكانت القاهرة، قد تسلمت رسميًا، في يونيو الماضي، الحاملة الأولى المسماة "جمال عبد الناصر"، ويمكن لحاملة الطائرات نقل 16 طائرة هليكوبتر وقرابة 600 جندي، ودبابات.
ووقعت فرنسا مع مصر في تشرين أول/ أكتوبر 2015، صفقة قيمتها 950 مليون يورو لبيع حاملتي طائرات فرنسيتين من طراز "ميسترال" للقاهرة، بعد إلغاء صفقة كانت مزمعة لبيعهما لروسيا، كما تسلمت مصر العام الماضي فرقاطة فرنسية من طراز "فريم" في إطار صفقة قيمتها 5.2 مليار يورو لشراء 24 طائرة "رافال" مقاتلة.
وجاء تسلم مصر ثاني حاملة مروحيات باهظة الثمن وسط استفحال الأزمة الاقتصادية وتفاوض القاهرة مع صندوق النقد على دين جديد بـ 12 مليار دولار.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن شركات طيران، كان آخرها الهولندية، قد توقفت عن التعامل مع مصر، بسبب أزمة نقص الدولار وصعوبة تحويل مستحقاتها.
وانضمت شركة "الشرق الدولية" للتجارة المحدودة و"لاند مارك جروب" والتي تمتلك عدد من العلامات الدولية لسلسلة متاجر شهيرة؛ منها "سنتر بوينت" و"هوم سنتر" و"ماكس" في مصر، للمتضررين مما وصفته بأنه "الظروف المعقدة لبيئة الأعمال في مصر"، في ظل استمرار أزمة الدولار.
وفي يونيو الماضي قالت صحيفة "لا تربيون" الفرنسية، مصر جاءت في المرتبة الثانية من حيث استيراد الأسلحة من فرنسا العام الماضي 2015، حيث استوردت بـ 5.37 مليار يورو، بعد دولة قطر.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن الصفقة جنبت باريس عجزًا في الموازنة كان مقدرًا له أن يبلغ نحو 556.7 مليون يورو، بعدما ألغت صفقة سابقة مع روسيا.
وتتزامن صفقة الميسترال، مع تفاقم الدين العام في مصر، حيث بلغ المحلي منه في مارس/ آذار الماضي، نحو 2.49 تريليون جنيه (280 مليار دولار)، مقارنة بـ 1.81 تريليون جنيه (203.8 مليارات دولار)، في يونيو/ حزيران 2014، و1.52 تريليون في يونيو/حزيران 2013، وهو ما يعني أن الدين العام المحلي شهد ارتفاعًا بلغ 680 مليار جنيه خلال عامي حكم عبد الفتاح السيسي، ونحو 970 مليار جنيه منذ عزل الجيش الرئيس محمد مرسي في 2013.
وقفز الدين الخارجي لمصر إلى 53.4 مليار دولار بنهاية مارس/آذار 2016، مقارنة مع 46 مليارًا في يونيو/حزيران 2014، بزيادة قدرها 7.4 مليارات خلال عامي السيسي، ونحو 10.2 مليارات منذ الانقلاب على الرئيس مرسي 2013.
وتتحمل الموازنة العامة للدولة أعباء فوائد الديون المحلية والخارجية بنحو 295 مليار جنيه في موازنة 2016-2017، وبما يزيد عن مخصصات الأجور والصحة للعام المالي نفسه، وبما يزيد بضعفين ونصف عن مخصصات الاستثمارات العامة البالغة 107 مليارات جنيه.
وقال اللواء هشام الحلبي، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، إن تسلم مصر ثاني ميسترال "أنور السادات" التي تعد حاملة مروحيات وسفينة اقتحام برمائية، وتحمل قوات عسكرية متنوعة، "يؤكد تفوق مصر البحري كأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط".
وأشار الحلبي، في تصريحات صحفية متلفزة، اليوم الجمعة، إلى أن ميسترال "السادات" قادرة على العمل خارج الحدود لمسافات كبيرة وأزمنة طويلة، ما يمكنها من حماية أهداف مصرية حيوية، فضلًا عن قدرتها على نقل قوات لدولة صديقة، لافـتًا إلى أنها تحوي مستشفى مجهزة على أعلى مستوى طبي.
وطلب الجانب المصري من روسيا شراء المعدات الخاصة بسفن ميسترال الفرنسية، خاصة طائرات هليكوبتر روسية من طراز "كا -52"، والتي صممت خصيصًا لهذا النوع من السفن.
وقال نائب وزير الدفاع المصري محمد الكشكي، خلال مفاوضات مع نائب وزير الدفاع الروسي، أناتولي أنطونوف في موسكو، وفقًا لصحيفة "فزغلياد" الروسية الشهر الماضي، إن القاهرة سوف تنشئ مجموعة ثلاثية تتمثل في مصر وروسيا وفرنسا لحل المشاكل التقنية الخاصة بوضع طائرات "كا 52" الروسية على سفن ميسترال الفرنسية.
وتسعى مصر إلى تعزيز قوتها العسكرية في منطقة البحر قرب شبه جزيرة سيناء للتصدي لتنظيم "ولاية سيناء"، وكذا مواجهة عمليات الهجرة الشرعية التي تشكو منها الدول الأوروبية وتدور حولها جلسات مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الحالية.
وذكر خبراء عسكريون فرنسيون ومصريون أن حاملتي الطائرات سوف توضعان في البحر المتوسط والأحمر لحماية الحدود المصرية اللبيبة في ظل المخاوف من تدفق مسلحي داعش عبر الحدود، وكذا في البحر قبالة مدينة رفح ضمن السعي لمواجهة داعش أيضًا في سيناء.
وأفاد الفريق أول بحري "آلان كولدفي" مدير مجلة (ديفينس ناسيونال) المعنية بالشؤون العسكرية لصحيفة ليبراسيون أول أمس، أن طائرات الميسترال، والتي استخدمتها فرنسا أثناء تدخلها في ليبيا في 2011، ستستخدم لحماية منطقة الحدود بين مصر وليبيا، حيث شهدت المنطقة نشاطًا مسلحًا مؤخرًا، بعد إعلان مصر عن عمليات عسكرية لتطهير الصحراء الغربية من مجموعات إرهابية.
ونقلت صحيفة (اﻷخبار) المصرية عن الخبير العسكري، مختار قنديل، قوله إن طائرات الميسترال قد تؤدي دورًا مهمًا، كقاعدة بحرية مهمة في البحر المتوسط قرب مدينة رفح الحدودية، في المعركة التي تخوضها مصر حاليًا ضد اﻹرهاب في شمال سيناء.
وسبق لتقرير لمؤسسة "ستراتفور" البحثية الأمريكية حول ما أسماه "الدور الأمريكي في صفقة الميسترال بين مصر وفرنسا" 24 سبتمبر 2015، أنْ أكد أنَّ موافقة فرنسا على بيع حاملتي طائرات الهليكوبتر ميسترال إلى مصر، جاء بناء على تحركات أمريكية ودعم مالي خليجي حيث تكفلت السعودية والإمارات بتمويل شراء مصر لحاملتي طائرات الهليكوبتر (ميسترال) من فرنسا.
وأوضحت "ستراتفور" أن الولايات المتحدة وأوروبا ضغطتا على فرنسا لترفض بيع الحاملتين إلى روسيا، التي طلبت تصنيعهما، بسبب الدور الروسي في الأزمة الأوكرانية، ضمن المحاولات الأمريكية للتأثير في أوروبا الشرقية والدول السوفيتية سابقًا.
وأشارت إلى أن قطع المساعدات العسكرية الأمريكية، والبالغة نحو مليار دولار سنويًا، عن مصر بعد انقلاب الجيش المصري على الربيع العربي وإعادة تأكيد نفوذه بالطريقة السلطوية التقليدية، كان سببًا في صفقة الميسترال بين مصر وفرنسا.
مستدركة: "القرار لم يكن معطلًا بصورة جوهرية لعلاقات القاهرة وواشنطن، إلا أنه غير رؤية مصر للاعتماد على الولايات المتحدة كمورد عسكري وحيد، ومنذ ذلك الحين تبحث مصر عن سبل لتنويع مصادرها من موردي السلاح، وهنا جاء الدور الأمريكي في توجه مصر لفرنسا".
ولفتت النظر إلى أن سعي السعودية للحفاظ على ميزان القوى في الشرق الأوسط؛ بعد الاتفاق النووي الإيراني، من خلال إقامة تحالفات أمنية عربية في المنطقة تخدم المصالح السعودية بما في ذلك تشكيل قوة عربية مشتركة، وأن مصر تمثل حجر زاوية في تلك القوة المقترحة.
وقد أدت تلك التحركات الأمريكية، بحسب ستراتفور، في نهاية الأمر إلى زواج مصلحة، "فمصر تريد شراء معدات من طرف غير الولايات المتحدة لكن لا يمكنها تحمل ذلك، والسعودية تريد إعادة التوازن للشرق الأوسط من خلال تحالف خارج المظلة الأمنية الأمريكية، وتوجد سفينتان يمكن الحصول عليهما من طرف خارجي يمكنهما المساعدة في ربط كل المصالح معا".
ـــــــــــــــ
من محمد جمال عرفة
تحرير خلدون مظلوم