ترليون دولار استثمارات سعودية تحت سيف قانون "جاستا" الأميركي
طالب محللون اقتصاديون وزارة المالية السعودية بالتحرك الفوري لحماية أكثر من 750 مليار دولار للمملكة يتم استثمارها في الولايات المتحدة الأميركية عن طريق الدولة، عدا عن سندات الديون التي تبلغ 326 مليار دولار، إضافة إلى 70 مليار دولار أخرى كاستثمارات للقطاع الخاص وعدم الركون للعلاقات الجيدة التي كانت تربطها بالولايات المتحدة الأميركية.
وشدد هؤلاء على أن التحرك السعودي سيكون متأخراً، وكان يجب أن يبدأ منذ أن لمح الكونغرس إلى القانون (الذي يجيز مقاضاة السعودية بسبب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول)، متخوفين من أن الاستثمارات السعودية ستكون أمام خيارين كلاهما مكلف، إما البدء في السحب السريع للأموال والاستثمارات الذي سيتسبب في فقدان الكثير من قيمتها الحقيقية، أو الإبقاء عليها، والوقوع تحت خطر التجميد في أي لحظة.
تهديد المصالح الاقتصادية
واعتبر الخبراء أن نقض الكونغرس الأميركي للفيتو الرئاسي، يعني أن مشروع القانون الذي يسمح للمواطن الأميركي بمقاضاة الحكومات بما فيها السعودية، والذي يعرف اختصاراً باسم "جاستا"، أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله. وهو يهدد بشكل صريح أموال واستثمارات السعودية داخل أميركا، لأنه يسمح بملاحقة ومقاضاة السعودية كدولة وسيكون باستطاعة القضاء الأميركي مصادرة مليارات الدولارات من أصول واستثمارات السعودية في أميركا.
وأكد الخبير المالي، الدكتور فهد الحمود، أن على السعودية أن تتحرك على الفور، وعدم الانتظار أكثر.
وشرح لـ"العربي الجديد": "في الأساس نحن متأخرون كثيراً، كان يجب أن يبدأ التحرك السعودي بتسييل الأصول في الولايات المتحدة الأميركية في وقت مبكر. ومع أن القانون لا يقول إن الهدف هو السعودية تحديداً، ولكن الكل يعلم أنها هي المقصودة من هذا الابتزاز الأميركي".
وأضاف: "للأسف نحن أمام خيارين كلاهما مكلف، إما البدء في سحب تلك الاستثمارات بشكل سريع، وهذا أمر سيكلف المالية السعودية مبالغ كبيرة لأنها ستباع بأقل من قيمتها الحقيقية، وإما الانتظار وتحمل المخاطر". واعتبر أن "كلا الأمرين يتضمن الخطر، فالأمر لا يعتمد فقط على الإدانة، بل إن فكرة المقاضاة بحد ذاتها تحتاج نفقات كبيرة، ومحامين، وهي أمور مكلفة بالتأكيد".
وشدد الدكتور الحمود على أن الأموال السعودية، وكثير من الاستثمارات العالمية باتت في خطر بعد أن قررت أميركا دون وجه حق نزع الحصانة عن كيانات الدول. وأضاف: "نحن أمام قانون يزعزع الاقتصاد العالمي ككل، لا السعودية فقط، فالأموال الموجودة في أميركا ليست أموال أشخاص محددين بل هي أموال كل السعوديين حتى الذين لم يولدوا بعد، وعلى الحكومة اتخاذ ما يلزم لحمايتها من دون تأخير، فلا يوجد مبرر لأي مماطلة في هذا الشأن".
مخاوف حقيقية
بدوره، شدد رئيس مجلس إدارة شركة "تيم ون" للاستشارات المالية، الدكتور عبدالله باعشن، على أن التحرك السعودي يحب أن يبدأ الآن، للاستفادة من الوقت الذي سيحتاجه القانون للبدء في تطبيقه. وقال لـ"العربي الجديد": "القوانين في الولايات المتحدة الأميركية تحتاج إلى وقت
قبل أن تكون ذات فاعلية، ولكن لو أخذنا السوابق، لتبيّن أن الولايات المتحدة الأميركية لم تأخذ بالاعتبار علاقاتها مع المصارف الأوروبية، وألزمتها بغرامات بعشرات المليارات، لهذا علينا أن نكون حذرين في التعامل مع هذا القانون، والتحوط منه".
وشدد الدكتور باعشن على أن السعودية ضحية الفترة الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية، وكل التيارات السياسية تحاول كسب الناخبين، حتى ولو كان ذلك على حساب الدول الأخرى.
وأضاف: "يجب على السعودية أن تبدأ في التحرك، ليس بسحب الاستثمارات فقط، فلا يمكن سحبها بهذه السرعة، كما لا يمكن أن تبني قرارات على ردة فعل لتحرك سياسي ما، لا بد من دراسة الأمر بدقة وبشكل مكثف قبل اتخاذ أي قرار، خاصة أن الموقف الأميركي في حال فوز دونالد ترامب سيكون مخيفاً، لأفكاره المتطرفة".
وتابع: "علينا ألا نركز فقط على السوق الأميركية، بل تنويع استثماراتنا في العالم. لا يجب أن ننسحب تماماً من أميركا، ولكن أن نقلل من التركز الاستثماري فيها".
دعوة للتحرك المبكر
من جهته، أكد رئيس لجنة المكاتب الاستشارية الوطنية الدكتور عاصم عرب، على أن القانون لا يختص بالسعودية فقط، ولهذا يجب ألا يكون القلق والخوف منه مبالغ فيه. وشرح لـ"العربي الجديد": "من حق أميركا أن تشرع قوانينها، ولكن علينا أن نشرع نحن قوانين تحمينا، فالمخاوف ليست فقط في الإدانة، بل في التكاليف التي قد تدفعها السعودية من جراء الدفاع عن نفسها قضائياً".
وأضاف: "القانون لم يشرع ضد السعودية تحديداً، ولكن كان علينا التحرك مبكرا لحماية الاستثمارات السعودية في أميركا. إلا أنه لا نعرف إن كانت السعودية لم تقم بذلك فعلاً، فمثل هذه الأمور لا تُعلن في الإعلام، بل هي أمور سيادية تقوم بها الدول بشكل غير معلن. السعودية حريصة على أموالها، وهي لن تفرط فيها".
أصول بالمليارات
في السادس عشر من مايو/أيار الماضي كشفت وزارة الخزانة الأميركية، لأول مرة، عن حجم الاستثمارات السعودية في الأذون والسندات، وقالت إنها تبلغ 116 مليار دولار، غير أن ما أعلنته وزارة الخزانة لا يشمل الاستثمارات السعودية الأخرى في الولايات المتحدة، سواء كانت حكومية أو خاصة، والتي تُقدر بنحو 820 مليار دولار.
وبحسب التقرير السنوي لوزارة الخزينة الأميركية تبلغ قيمة الأصول التي تملكها السعودية في الولايات المتحدة الأميركية 612 مليار دولار إلى جانب امتلاكها لسيولة بقيمة 285 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة أكثر من 62 مليار دولار، فيما تبلغ استثمارات السعودية في الأوراق المالية بالخارج نحو 388 مليار دولار.
ومع أن الأصول الاحتياطية الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي تراجعت في الشهرين الماضيين، بنسبة 0.9% إلى 587 مليار دولار، ما تزال السعودية واحدة من أكبر الدول المستثمرة في الولايات المتحدة الأميركية.
عدا سندات الدين، تأتي الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة على شكل أسهم وعقارات يمكن استرجاعها وتسييلها بسرعة.
وأخيراً، قامت شركة أرامكو السعودية بتملّك أكبر مصفاة بأميركا وهي مصفاة "بورت آرثر" في ولاية تكساس وطاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يومياً.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية في عام 2015 أكثر من 170 مليار دولار، وانخفض عن 281 مليارا حققها في عام 2013 بسبب انخفاض أسعار النفط، كما أن السعودية تعتبر الشريك التجاري الثاني عشر لأميركا، بينما تعتبر الولايات المتحدة الشريك التجاري الثاني للسعودية.
(العربي الجديد)