تزويج الفتيات المبكر انتهاك لحقوقهن أم تحصين أخلاقي؟
"تزويج الفتيات المبكر" أو "تزويج القاصرات" قضية اجتماعية يكثر تناولها في العديد من برامج وفعاليات جمعيات حقوقية متعددة، ومؤسسات مجتمعية مختلفة، لأنها تشكل اعتداء صارخا على طفولة "القاصرات" وإنسانيتهن بحسب تلك الجمعيات والمؤسسات، بحسب تقرير للباحث "بسام ناصر"، نشرته صحيفة "عربي21" اللندنية.
من جانبها، تسعى تلك الجمعيات والمؤسسات إلى نشر ثقافة مجتمعية، تحذر فيها المواطنين من مخاطر ذلك الزواج ومفاسده طبقا لكثير من الحالات التي رصدتها ووثقتها، والمنتجة لمشاكل اجتماعية واقتصادية وقانونية كثيرة.
وأغلظت منظمات حقوقية وصفها لتزويج الفتيات المبكر، حينما اعتبرته لونا من ألوان العنف الجنسي، لأنه يجبر الفتاة الصغيرة على ممارسة الجنس، من غير أن تكون مؤهلة له، مع عدم اكتمالها جسديا ونفسيا لتقوى على مثل تلك الممارسة.
ووفقا للناشطة الحقوقية الأردنية، مستشارة جمعية معهد تضامن النساء الأردني، إنعام العشا، فإن تزويج القاصرات انتهاك لآدميتهن وإنسانيتهن، واعتداء سافر على طفولتهن البريئة.
وتساءلت الناشطة الحقوقية عشّا: "هل الطفلة القاصرة قادرة على القيام بأعباء الزوجية؟ وهل هي مؤهلة للاضطلاع بمسؤولية البيت، وتربية الأولاد وما إلى ذلك من أعمال؟".
نسبة حالات الزواج المبكر
وجوابا عن سؤال "عربي21" ما هي نسبة الزواج المبكر للفتيات في المجتمع الأردني؟ قالت عشّا: "بحسب التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن لعام 2014، فإن حالات زواج الفتيات الأقل من 18 عاما بلغت 10834 حالة، أي بنسبة 13.3% من المجموع الكلي لحالات الزواج العادي والمكرر في ذلك العام".
ودعت عشّا إلى ضرورة البحث معمقا في أسباب عدم تراجع نسب الزواج المبكر في الأردن التي تراوحت خلال السنوات الماضية ما بين 12ـ 14%، مع الارتفاع في متوسط العمر لكلا الجنسين عند الزواج الأول ليصل إلى 25 عاما.
وأرجعت وجود تلك الحالات المتكاثرة من الزواج المبكر إلى عدة أسباب، يأتي في مقدمتها الأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة في تزويج الفتيات مبكرا، للمحافظة على عفافهن والستر عليهن في بيت الزوجية.
وتوضيحا للمراد بالزواج المبكر، ذكرت عشّا أن المقصود به هو "الزواج الذي يتم قبل سن الثامنة عشر"، وهو سن الرشد الذي يحدده القانون، وهو السن الذي تم تحديده لعقد الزواج، وتوثيقه رسميا.
يُذكر أن حالات تزويج الفتيات في سن مبكرة منتشرة في دول عربية عديدة، ففي مصر ثمة حالات تزويج كثيرة تقع دون سن الثامنة عشر، طبقا لما ذكره المحامي المصري خالد أبو زيد لـ"عربي21".
وقال أبو زيد: "مع أن سن الزواج المقرر رسميا هو 18 سنة، إلا أن تلك الحالات الكثيرة تقع خارج دائرة التوثيق الرسمي، وبعلم الأهل ورضاهم، الأمر الذي ينتج عنه مشاكل قانونية واجتماعية، في إثبات الزواج رسميا، وتسجيل المواليد بعد ذلك".
ويُشار في هذا السياق إلى أن غالب الدول العربية والإسلامية حددت سن الثامنة عشر كسن قانوني للزواج، حتى أن وزارة العدل السعودية "شرعت منذ فترة في إجراء تنظيمي لحماية القاصرات من الزواج المبكر، ومنعت كافة مأذونيها من عقد زواج من هم دون السادسة عشر إلا بموافقة المحكمة المختصة.."، وفقا لخبراء قانونيين.
الشرع أناط سن الزواج بالبلوغ
من جانبه، أوضح مفتش المحاكم الشرعية الأردنية، القاضي أشرف العمري، أن سن الزواج المحدد في القانون الأردني هو 18 سنة، وهناك حالات استثنائية تقدرها المحاكم الشرعية لمن يقل سنهن عن ذلك، بشرط ألا يقل عن 15 سنة.
وجوابا عن سؤال "عربي21" هل حدد الشرع الإسلامي سنا أدنى للزواج؟ قال القاضي العمري: "الشرع الإسلامي أناط ذلك بالبلوغ، ولم يحدد سنا معينة للزواج"، لافتا إلى أن سن البلوغ يختلف من مكان إلى آخر، بحسب البيئة، والعوامل الوراثية، واكتمال البنية الجسدية، ولا يمكن تحديده بسن معينة.
وأضاف العمري: "إن منتهى سن البلوغ في القانون الأردني هو 15 سنة، وهو مبتدأ سن الزواج، وهو ما نسميه بسن الإباحة، وعملا بقاعدة "لولي الأمر تقييد المباح" تم تقييد المباح من سن الزواج، بشروط محددة".
وذكر العمري أن المشرع أو المقنن الأردني وضع قيودا على تزويج من بلغ 15 سنة، منها أن الزواج لا يعقد لمن لم يبلغ ذلك العمر بيوم واحد، وأن التزويج لا يتم إلا ضمن شروط معينة، منها موافقة الجهات المختصة، كدائرة قاضي القضاة بقضاتها ومحاكمها، وغير ذلك من الشروط الأخرى المنصوص عليها.
وكشف العمري أن حالات تزويج صغيرات السن شائعة جدا في أوساط اللاجئين السوريين المقيمين بالأراضي الأردنية، مشيرا إلى وجود آلاف الحالات، الأمر الذي وضع دائرة قاضي القضاة أمام معضلة، في كيفية توثيق تلك الحالات مع أنها لم تستوف الشروط المعمول بها في القانون الأردني بإثبات الزواج، وإثبات حالات الولادة المتكاثرة.
وردا على من يصف تزويج الفتيات المبكر بالعنف الجنسي، ذكر العمري أن قوانين بعض الدول الغربية اضطرت للنص (نتيجة المشاكل الواقعية العويصة)، على أن سن "الرشد الجنسي" هو 15 سنة، أي يباح للفتاة ممارسة الجنس في هذا العمر، فكيف يكون مقبولا للفتاة الغربية أن تمارس الجنس في هذا العمر ويستهجن على الفتاة المسلمة الزواج في مثل عمرها؟
أهلية الزواج لا ترتبط بعمر
كيف يُقيم الخبراء والمعنيون مسألة اشتراط سن معينة لتزويج الفتيات؟ وهل أهلية الزواج مرتبطة بعمر معين لا يجوز بحال تزويج الفتيات قبل بلوغهن ذلك العمر؟
في الوقت الذي لم تتردد فيه الناشطة الحقوقية والاجتماعية الأردنية، إنعام عشا عن وصف تزويج الفتيات المبكر (قبل 18 سنة) بالظلم الكبير لهن، والاعتداء الصارخ على طفولتهن وإنسانيتهن، أبدى المستشار التربوي والأسري الأردني، خليل الزيود، تحفظه الشديد على مصطلح "زواج مبكر" المثقل بدلالاته المنفرة.
وأضاف الزيود في حديثه لـ"عربي21": "قد نجد فتاة صغيرة وهي سعيدة بزواجها، ونجد أخرى كبيرة معذبة في زواجها ذاك"، منتقدا بشدة إطلاق أحكام التعميم على الزواج.
وأوضح الزيود أنه من خلال دراسته النظرية وخبرته العملية، لا يرى ضرورة ربط الأهلية بعمر معين، مشيرا إلى أن الشرع الإسلامي حددها بالباءة، أي المقدرة بمختلف أشكالها، وهو ما يأخذ به، لأنه الأصلح للشباب والفتيات.
وقال الزيود: "إن بلوغ الفتاة ونضجها مسألة نسبية تختلف من بيئة لأخرى، فليس من الحكمة في شيء إلزام المسلمين برؤى وتحديدات معينة وافدة عليهم، تم تشكيلها وإنتاجها في بيئات ومناخات ثقافية أخرى".
وذكر الزيود أن التزويج المبكر للفتيات، ليس سببا دائما في فشل تلك الزيجات، فثمة حالات عديدة لفتيات تزوجن في سن مبكرة، ثم تابعن دراستهن ونجحن في حياتهن الزوجية والعملية، منتقدا من يصف تلك الزيجات بالفشل الذريع بشكل عام ودائم.
تبقى الإشارة إلى أن مجيزي زواج الفتيات المبكر، دون اشتراط سن معينة، يستندون إلى ما يرونه أدلة شرعية تبيح ذلك الزواج، كزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة وعمرها تسع سنوات (بحسب الرواية الأكثر تداولا)، لكن معارضيهم يشددون على ضرورة دراسة تلك الحالة ضمن سياقاتها الزمانية الخاصة بها، ولا يصح اتخاذها دليلا عاما تستنبط منه أحكام شرعية لعموم المسلمين.