منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي   أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي Emptyالإثنين 24 أكتوبر 2016, 10:12 pm

أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي

إن المرأة أمًا كانت أو أختًا فهي النواة الأولي لقيام المجتمع، فلها أكبر الدور في تربية وتنشئة الأبناء، ومساعدة الزوج في الأعـمال، ولعل أروع مثال علي ذلك أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضـاها، كانت امرأة عملاقة ولعل عظمتها ترجع إلي أنها كانت موجودة في أدوارهـا كلها، فكانت تلك التي تهتم بتجارتها رضي الله عنها، وكانت متوفرة في بيتها وأولادهـا، فنجد أنها ورَّثَت كل بنت من بناتها خصلة من خصالها الحميدة الطيبة، وكانت نعم السند لرسول الله صلي الله عليه وسلم .
ويُرجِع كثيرٌ من العلماء السببَ في تماسُك المجتمع الإسلامي، وانتصاره على الغزاة في مراحل الضعف التاريخي التي مر بها العالم الإسلامي إلى المرأة المسلمة، وتمسُّكها بدينها وعقيدتها الإسلامية، آثرت من كان لها ولد، أن يكون من أبناء الآخرة لا من أبناء الدنيا، وأن يكون من جياد الخيل وأنفسَها، وأكثرها عراقة وأصالة، لأنها بينما كانت تهز مهده بيمينها، كانت تُعد سواعده بيسارها، فلا يكن عيشه كـعيش البعير، بل إن كثيرا من كبار حاملي الدعـوة هم غرس أمهاتهم. ولمـا أغفلنا دور المرأة وتناسيناه، خرج جيلٌ مهتز الثقة بعقيدته وملامح دينه، فتارة يميل مع أهواء الغرب، وتـارة تقتلعه نزوات الشرق!
ولعل في التاريخ نماذج مشرقة من أمهاتٍ كن ذلك النبع المعطـاء فكان أولادهن ثمـار غرسهن، وصدق الذي قال: لئن كُنَّ النساء كما ذُكِرنَ *** لفُضِّلت النساء على الرجال. فهـا هو دورك بنت الإسـلام، فأقدمي.
الخنسـاء تماضر بنت عمرو بن الحـارث
عندمـا أخذ المسلمون يحشدون جندهم، ويعدون عدتهم زحـفا لمعركة القادسية، كانت الخنساء مع أبنائهـا الأربعة، تزحف مع الزاحفين للقاء الفـرس! وفي خيمةٍ من آلاف الخيام، جمعت الخنساء أولادهـا الأربعة، لتُلقي إليهم بوصيتها فقالت: "يا بني، أسلمتم طائعين، وهـاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم!، وتعلمون ما أعده الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية يقول تعالي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلي عدوكم متبصرين بالله علي أعدائه منتصرين".
فلما أشرق الصبح واصطفت الكتائب وتلاقي الفريقان، أخذت تتلقي أخبار بنيها وأخبار المجاهدين، وجـاءها النبأ بالاستشهـاد، فقالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مُستقرِ رحمته".
والدة الإمام سفيان الثوري
سفيان الثوري هو فقيه العرب ومحدثهم وأمير المؤمنين في الحديث، كان وراءه أمٌ صالحة تكفلت بتربيته والإنفاق عليه فكان ثمرتهـا. يقول: لما أردت طلب العلم قلتُ: يا رب، لابد لي من معيشة، ورأيتُ العلم يذهبُ ويندثر، فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، وسألتُ الله الكفاية (أن يكفيه أمر الرزق)، فكان من كفاية الله له أن قيَّض له أمه، التي قالت له: "يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي".
بل والأكثر من ذلك، أنها كانت تتعهده بالنصح والوعظ لتحضه علي تحصيل العلم، فكان مما قالته له ذات مرة: "أي بني، إذا كتبت عشرة أحـرف، فانظر هل تري في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك"، هكذا كانت أمه، فكان سفيان!.
أم الإمـام مالك بن أنس
يروي ابن أبي أويس عن أم مالك ابن أنس قائلا: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: "يا بني! ائت مجلس ربيعة؛ فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه".
أم الإمـام الشافعي
مات والد الإمام الشافعي، فكان وفاء الأم أن تجعل الابن محمد بن إدريس الشافعي إمامًا، فأخذته من غزة إلي مكة وهناك تعلم القرآن الكريم وهو ابن 7 سنوات، ثم أرسلته إلي البادية ليتعلم اللغة العربية، ثم تعلمه الفروسية والرماية فكان يضرب مائة رمية لا يُخطئ منها واحدة، لم تترك الأمور تسير حسب الظروف، وإنما قرارات تربوية، وأجازه الإمام مالك للفتوى وهو في الخامسة عشر من عمره!.
ذلك أن أمه كانت ذات ذكاء وتفقه في الدين، حتى ذكر المؤرخون أنها تقدمت هي وامرأة أخري مع رجل للإدلاء بشهادة أمام القاضي، فأراد القاضي أن يفرق بينهما، فقالت له: ليس لك ذلك، ثم ذكرت قول الله تعالي: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فانصاع القاضي لقولها.
لقد أوقفت أم الإمام الشافعي ابنها بين يدها، وقالت له: "أي بني عاهدني على الصدق"، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجاً. يروي الشافعيّ لنا نشأته فيقول: "كنت يتيماً في حجر أمّي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلّم، وقد رضي منّي أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفّف عنه، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطّأ وأنا ابن عشر، ولما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة وكان منزلنا في شعب الحيف، ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت آخذ العظم وأكتب فيه وأستوهب الظهور -أي الرسائل المكتوبة- وأكتب في ظهرها". يقول الشافعي: فعدت إلى أمي أقول لها: "يا أماه تعلمت الذل للعلم والأدب للمعلم".
أم الإمام أحمد بن حنبل
إنها صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك، مات زوجها محمد بن حنبل شابا في الثلاثين، وهي كانت دون الثلاثين، ورغم ذلك لم ترض بالزواج، وإنما أرادت أن تملأ علي ولدها حياته حنانا وأنسا، فأهدت إلي دُنيا المؤمنين، وعالم الموحدين إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
والدة الإمـام البخـاري
نشأ البخاري يتيمـا في كنف أمه، لتقوم بتربيته أفضل تربية، فتتعهده بالرعاية والدعاء وتدفعه للعلم والصلاح، وترحل به في سن السادسة عشر إلي مكة للحج، ثم تتركه هناك وترجع ليطلب العلم بلسان قومه، ليرجع البخاري أمير أهل الحديث، ذلك الذي يقول عنه أستاذه: "ليس أحد أفضل منه!".
أم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية
"والله لمثل هذا ربيتك، ولخدمة الإسلام والمسلمين نذرتك، وعلى شرائع الدين علمتك، ولا تظننَّ يا ولدي أن قربك مني أحب إليَّ من قربك من دينك وخدمتك للإسلام والمسلمين في شتّى الأمصار، بل يا ولدي إنَّ غاية رضائي عليك لا يكون إلا بقدر ما تقدمه لدينك وللمسلمين، وإني يا ولدي لن أسألك غداً أمام الله عن بعدك عني، لأني أعلم أين، وفيم أنت، ولكن يا أحمد سأسألك أمام الله وأحاسبك إن قصّرت في خدمة دين الله، وخدمة أتباعه من إخوانك المسلمين".
رسالة والدة شيخ الإسلام ابن تيمية إليه، بعد أن أرسل لها يعتذر عن إقامته بمصر، لأنه يرى ذلك أمراً ضروريا لتعليم الناس الدين. أي امرأة بقلب رجل هي؟!
إننا لو نظرنا إلي الأنفس، لوجدنا أن سريرة الإنسان تورث صاحبها عِزاً بعِزّها وذلاً بذلها، فلا تحسبن بأن تلك الكلمات وليدة اللحظة، إنما هي ثمرة لسريرة نقية، عزيزة بالله، لم نر منها إلا الصورة الأخيرة، ولو نتدبر كلماتها لعلمنا بأن ليس أكمل لـإحداهن علي الإطلاق من أن تُخلق بقلب رجل ينبض بين أضلعها، وتُعده دوماً لذلك، ولا أرقي لها ولا أثبت لها من هذا علي تحمل ما يجزع منه بنو جنسها.
فإن الحق حين يستقر بقلبها سـيورثها جرأته وثباته وشدته وشجاعته، وكأنها تكتسب منه وتستقي نفسها، فتُرزق عزم لا يفتر، وعقل لا ينضب، ولسان لا ينعقد ولا يرتبك مقاله، وقلب قوي، ونور لا ينطفئ .. فلا يهتز لها يقين .. ولا يشوش لها فكر.
ست الركب أخت الإمام ابن حجر العسقلاني
كانت قارئة كاتبة، أعجوبة في الذكاء، أثنى عليها ابن حجر، وقال: "وكانت أمي بعد أمي"، وذكر شيوخها وإجازاتها من مكة ودمشق وبعلبك ومصر، وقال: "تعلمَت الخط، وحفظت الكثير من القرآن، وأكثرتْ من مطالعة الكتب، فمهرت في ذلك جداً، وكان لها أثر حسن عليه"، قال: "وكانت بي برة، رفيقة، محسنة"، وقد رثاها بقصيدة عنها بعد موتها.
والدة عبد الرحمن الناصر
أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر الذي ولى الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتشرق بالدماء، فما لبثت أن قرت له وسنت لخشيته، ثم خرج في طليعة جنده، فافتتح حصناً في غزوة واحدة. ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، حتى ريض كل أولئك له، ورجف لبأسه، وبعد أن كانت قرطبة دار إمارة يذكر الخليفة العباسي على منابرها، وتمضي باسمه أحكامها، أصبحت مقر خلافة يحتكم إليها عواهل أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها.
وسر هذا كله أمه التي ربته، فقد نشأ عبد الرحمن يتيماً قتل عمه أباه، فاعتنت أمه بتربيته.
أم السلطان محمد الفاتح
كانت أم السلطان محمد الفاتح تأخذه وهو صغير وقت صلاة الفجر؛ لتريه أسوار القسطنطينية وتقول له: "أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار اسمك محمد كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"، والطفل الصغير يقول: "كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة ؟!" فتقول بحكمة: "بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس". توقفت كثيرًا أمام ذلك الرد القصير الحكيم، بتلك العناصر الأربعة التي جمعتها، فـفي محاولاتنا كلها غالبا ما نركز علي جانبٍ ونهمل الباقي.
أم بديع الزمان النورسي
انظر إلى هذه الكلمات للشيخ بديع الزمان النورسي، الذي يوصف بأنه مجدد الإسلام في بلاد الأناضول في العصر الحديث، يقول بعد أن يذكر عن والدته أنها لم تكن ترضع أولادها إلا على وضوء، يقول: "أقسم بالله إن أرسخ درس أخذتُه وكأنه يتجدد عليَّ، إنما هو تلقينات أمي رحمها الله ودروسها المعنوية، حتى استقرتْ في أعماق فطرتي، وأصبحتْ كالبذور في جسدي في غضون عمري الذي يناهز الثمانين، رغم أني قد أخذت دروسًا من ثمانين ألف شخص؛ بل أرى يقينًا أن سائر الدروس إنما تبنى على تلك البذور".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي   أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي Emptyالإثنين 24 أكتوبر 2016, 10:14 pm

دور الأم في تنشئة العلماء

هو أعظم عملٍ يمكن الأم القيام به، وكيف لا وقد اجتمع لها من وسائل تربية الأبناء وقضاء أغلب الأوقات معهم ما لم يجتمع للأب؟
فالأم أقرب الناس لقلوب أبنائها، وأحرص الناس على منفعتهم، ولو جعلت القضية قضيتها، والمهمة مهمتها لخرج لنا جيل نفاخر به العالمين، فالأم مدرسة حقيقية، شريطة أن تضع مصالح الأمة وهموم المسلمين نصب عينها.
وصدق حافظ إبراهيم [1] إذ يقول:
الأُمُّ مَــدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها *** أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّـدَهُ الحَيا  *** بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّمـا إيــراقِ
الأُمُّ أُســتاذُ الأَساتِذَةِ الألى *** شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفـــاقِ
وجسَّد ذلك معروف الرصافي [2]؛ فقال:
ولم أرَ للخلائق من مَحَـلّ *** يهذّبها كحِضــــن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت *** بتربيـة البنــين أو البنات
وأخلاق الوليد تُقاس حسنًا *** بأخلاق النســــاء الوالدات
أم زيد بن ثابت
وليت الأمهات يكتشفن مواهب أبنائهن قبل أن تمر السنوات وتضيع فيما لا فائدة فيه، ولنا عبرة في النَّوَار بنت مالك رضي الله عنها أم زيد بن ثابت رضي الله عنه.
لقد كان زيد بن ثابت رضي الله عنه طفلاً صغيرًا، واشتاقت نفسه للجهاد وهو بعدُ ابن ثلاثة عشر عامًا، وحين حاول أن يخرج للحرب في بدر، ردَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسبب صغر سنه، وعندها رجع إلى البيت يبكي بسبب عدم مشاركته المسلمين في الجهاد، ولما رأته أمه على هذه الحالة لم تطيب خاطره بكلمات وكفى، فإنها كانت تدرك بعمق مواهبه وإمكاناته؛ فلفتت نظره إليها وقالت له: إن لم يكن باستطاعتك أن تجاهد بالسيف والدرع كما يفعل المجاهدون في المعركة، فباستطاعتك أن تخدم رسول الله صل الله عليه وسلم والإسلام بالعلم الذي عندك!!
لقد كانت القراءة والكتابة مَزِية لدى زيد رضي الله عنه، فوق أنه يحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم.. وهذا مجال يتفوق فيه على غيره، وهكذا استطاعت الأم الواعية الفاهمة أن تفتح لصغيرها بابًا آخر، بعد ما أُغلق أمامه باب الجهاد مؤقتًا.
وحين ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه إمكانات ولدها، وما يمتلكه في غير مجال الجهاد والحرب، اختبره صل الله عليه وسلم وسمع منه، ولما علم قدراته وطاقاته قال له: "اذهب فتعلَّم لغة اليهود؛ فإني -والله- ما آمنهم على كتابي"[3].
فذهب زيد وتعلم لغة اليهود في أقل من سبع عشرة ليلة!! ولعله كان عنده بعض الخلفية عنها، واستطاع خلال الأيام السبعة عشر أن يُتم تعلمها وإتقانها.
وبعد ذلك جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من كَتَبَة الوحي، وكفاه شرفًا بذلك، حتى إنه بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم أوكل إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه مهمة جمع القرآن، وكان عمره وقتئِذٍ ثلاثًا وعشرين سنة!!
فلكم نبغ ذلك الطفل!! ولكم أفاد الأمة الإسلامية!! وكان ذلك ثمرة أمٍّ مسلمة استطاعت أن تهب الأمة أعظم ثروة، فتُرى إذن: كم يكون أجرها ومكافأتها عند الله!!
أم معاوية بن أبي سفيان
وقبل أمِّ زيد بن ثابت -والأمثلة جد كثيرة- كانت هند بنت عتبة أم الصحابي والخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. فقد قيل لها و معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مازال طفلا صغيرًا: "إن عاش معاوية ساد قومه"، فردَّت هي من فورها وكلها ثقة وحزم: "ثكِلْتُه إن لم يسُدْ إلا قومه" [4]!!
وقد كان لها ما عزمت وأرادت، حيث صار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خليفة للمسلمين، ومؤسس الدولة الأموية، صاحبة التاريخ العظيم والمآثر الجليلة في الإسلام.
أم ربيعة الرأي
وغير أُولاء الأمهات الجليلات، كانت هناك أيضًا أم "ربيعة الرأي" [5]، شيخ الإمام مالك، حيث خرج زوجها فرُّوخ في البعوث إلى خراسان أيام بنى أمية، وترك ربيعة حملاً في بطنها، لتقوم هي على تنشئته وتربيته وتعليمه، وقد ترك عندها ثلاثين ألف دينار، ولما رجع بعد سبعٍ وعشرين سنة، دخل مسجد المدينة، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاها فوقف عليها، وإذا فيها مالك والحسن وأشراف أهل المدينة، ولما سأل عن صاحب هذه الحلقة أجابوه بأنه ربيعة بن أبي عبد الرحمن (ابنه)!!
فرجع إلى منزله وقال لزوجته وأم ولده: "لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحدًا من أهل العلم والفقه عليها"، فقالت له: فأيهما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار، أم هذا الذي هو فيه؟!
فقال: لا -والله- بل هذا. فقالت: أنفقت المال كله عليه. قال: فوالله ما ضيَّعتيه [6]!!
أم سفيان الثوري
وإنَّا لَنَعجَبُ حين نعلم أنَّ سفيان الثوري رحمه الله -فقيه العرب ومحدثهم، وأمير المؤمنين في الحديث، والذي قال فيه زائدة [7]: "الثوري سيد المسلمين" [8]، وقال فيه الأوزاعي [9]: "لم يبقَ من تجتمع عليه الأمة بالرضا إلا سفيان"[10]- كان وراءه أمٌّ صالحة، تكفلت بتربيته والإنفاق عليه، فكان هو ثمرتها!!
يصوِّر ذلك هو بنفسه فيقول: "لما أردت أن أطلب العلم؛ قُلتُ: يا ربِّ، لابد لي من معيشة. ورأيت العلم يَدْرُس (أي: يذهب ويندثر)؛ فقلت: أُفرِّغ نفسي في طلبه، قال: وسألتُ الله الكفاية"، يعني أن يكفيه أمر الرزق، فكان من كفاية الله له في ذلك الشأن أن قيَّض له أمه التي قالت له: "يا بُنَيَّ، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي" [11]!!
فكانت رحمها الله تعمل بالغزل، وتقدم لولدها نفقة الكتب والتعلُّم؛ ليتفرغ هو للعلم، بل والأكثر من ذلك أنها كانت كثيرًا ما تتخوَّله بالموعظة والنصيحة لتحضَّه على تحصيل العلم، فكان مما قالته له ذات مرة: "يا بني، إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تَرَ ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك" [12]!!
وهكذا كانت أمه فكان هو!! تَبوَّأ السيادة في العلم والإمامة في الدين!!
أم الإمام البخاري
ولا يفوتنا هنا أن ننوِّه بدور الأم في حياة الأئمة المشهورين، مثل البخاري، أمير أهل الحديث، وكذلك الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك، أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة.
فقد نشأ البخاري يتيمًا ضريرًا في حِجْر أمه، لتقوم هي على تربيته أفضل تربية، فتتعهده بالرعاية والدعاء، وتدفعه إلى التعلم والصلاح، وتزين له أبواب الخير، بل وترحل به وهو في سن السادسة عشرة إلى مكة للحج، ثم تتركه هناك وترجع، ليطلب العلم بلسان قومه، ليرجع ويكون هو البخاري، ولتُعلِّم أمهات المسلمين -والأرامل منهن خاصة- كيف تكون تربية الأبناء، وما دور الأمهات في جهادهن لرفعة الأمة والنهوض بها!
أم الإمام مالك
وكان السر أيضًا في نجابة وظهور الإمام مالك  يكمن في أمه العاقلة، تلك التي أحسنت توجيه أبنائها، واختارت لهم الطريق السوي، وهيئت لهم أسباب النجاح، وفي قصتها يأخذنا العجب كل مأخذ حين نعلم أن مالكًا الطفل لم يكن يريد أن يتجه إلى العلم، وإنما رغب في أن يتعلم الغناء ويجيده، وبالتالي يصبح مغنِّيًا!! فالغناء -كما يخيل للحالِم والرائي- مصدرًا للشُّهرة، ومجلبةً سريعةً للثروة.
لكن أم الإمام مالك العاقلة لم ترضَ لولدها ذلك، وحالها هنا على عكس الأمهات اللائي يسارعن إلى تشجيع أولادهن لصقل تلك الموهبة التي ظهرت حسب ما يظنون!! ففي لطفٍ شديد ولباقة جمة، استطاعت أن تصرف ولدها عن فكرته، وأن تختار بديلاً سريعًا لها، وهو العلم؛ ذلك الذي يرفع من قدر البيوت وإن كانت خاملة، ويُعلِي من قيمة الرِّجال وإن جاءوا من حضيض الفقر وقسوة العوز [13].
يقول الإمام عن تلك الحادثة: "نشأتُ وأنا غلام، فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالت أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتَفَت إلى غنائه؛ فدع الغناء واطلب الفقه. فتركت المغنين وتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى" [14].
فهذه الأم الفاضلة العاقلة لم تكذب على ولدها وتقول له: إنه قبيح الوجه؛ إذ لم يكن مالك كذلك، بل كان وسيمًا ذا شقرة، وإنما هي أرادت أن توحي إليه بما يصرفه عن عزمه، فقالت قولتها تلك اللبقة المهذبة [15].
ولم يتوقف دور أم مالك عند ذلك، ولم تكتف بتوجيهه إلى طلب العلم وحسب، بل إنها ألبسته ثياب العلم ووجَّهته إلى من يتعلَّم منه، يقول مالك في ذلك: فألبستني ثيابًا مشمرة، ووضعت الطويلة على رأسي -يعني القلنسوة الطويلة- وعمَّمتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن!! ثم تختار له المعلِّم والأستاذ- وكان أشهرهم آنذاك ربيعة بن أبي عبد الرحمن - فتقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه [16]. ومقصدها بالطبع هو تعلُّم العلم والأدب جميعًا.
وبذلك يبتدئ الصبي الصغير مالك بن أنس مسيرته الطويلة في طريق العلم حتى يصير إمامًا فذًّا من أئمة المسلمين، فيكون أثمن عطية، وأغلى هدية، من أم فاضلة تجيد التربية وتحسن التوجيه [17].
أم الإمام الشافعي
أمّا والدة الشافعي رحمه الله فقد شبَه دورها دور أم البخاري رحمه الله. إذ أن والد الشافعي مات بعد أن وُلِدَ الشافعي بزمن قصير، فنشأ الشافعي يتيمًا، وأصبح مصيره مرتبطًا بتصرُّف أمه. فإن كانت الأم عاقلة حاذقة فإنها -لا شك- ستهيئ للطفل أسباب السعادة والنشأة الصالحة، وإن كانت الأخرى فإنها ستعرض وليدها للشقاء والمستقبل المضطرب.
على أن أم الشافعي أثبتت وبكل جدارة أنها من الأمهات الصالحات الحاذقات المجاهدات؛ إذ أهدت للأمة الإسلامية إمامًا عظيمًا، ملأ سمع الأرض والسماء!!
ومن طريف ما يذكره المؤرخون عن والدة الشافعي أنها كانت ذات حذق وذكاء، وتفقُّه في الدين، وقوة عارضة، وقدرة على الاستبطان، ودليل ذلك أنها تقدمت هي وامرأة أخرى مع رجل للإدلاء بشهادة أمام قاضٍ، فأراد القاضي أن يفرِّق بين المرأتين، ولكن والدة الشافعي المتصفة بما أسلفنا من شمائل اعترضت على القاضي قائلة: ليس لك ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]؛ فأسقط في يد القاضي وانصاع لقولها[18].
وهذه الأم الفاضلة لا يُتَوَقع منها إلا أن تحسن رعاية وليدها، وتسهر على تنشئته تنشئة صالحة، وتختار له الطريق القويم. وكان من ذلك أنها ارتحلت به حين بلغ عامين من عمره من غزَّة -مسقط رأس الشافعي- إلى مكة، حيث العلم والفضل، وحيث البادية حولها، والتي فيها يقوَّم لسان الغلام وتصح لغته [19]، وكان الشافعي هو ثمرة جهود تلك المرأة الفاضلة.
أم الإمام أحمد
وإذا جئنا إلى صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك بن شيبان، فإنا نراها وقد أهدت إلى دنيا المؤمنين وعالم الموحدين إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله.
فقد وهبت صفية حياتها كلها لطفلها اليتيم (أيضًا!!)، واختارت من أجله الترمُّل في سن الشباب نهجًا لحياتها، وقد كان الكثيرات من نساء العرب يفضِّلن الزواج إذا مات الزوج؛ صونًا للعفة وحفاظًا على السمعة، بل إنه كان من الأمور المتعارف عليها أن تتزوج المرأة إذا ترمَّلت أو طلقت، أما صفية فقد منحت شبابها لوليدها.
ذلك أن زوجها محمد بن حنبل مات شابًا في الثلاثين، وكانت هي دون الثلاثين حين وفاة زوجها، ورغم ذلك فإنها لم ترض بالزواج، وإنما ارتضت أن تملأ على ولدها حياته حنانًا وأنسًا، وهو ما لم يكن يخفيه أحمد رحمه الله بعد أن كبر.
وإذا عرفنا أن الإمام أحمد لم يتزوج قبل سن الأربعين أدركنا أن السبب في ذلك هو ما هيأته له أمه من سبيل العناية وغامر الاهتمام [20].
وهكذا وعلى طول الطريق كان دور الأم في تنشئة العلماء؛ من أجل النهوض بالأمة، والعمل على تقدمها، ونفع المسلمين ورفعتهم.


[1] محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم (1288 - 1351هـ / 1871 - 1932م)، شاعر مصر ومدون أحداثها نيفًا وربعًا من القرن. وُلِدَ في ديروط، ونشأ يتيمًا، وتوفي بالقاهرة. نظم الشعر في أثناء الدراسة، واشتُهِرَ حتى لُقِّب بشاعر النيل. له: ديوان حافظ، والبؤساء، وليالي سطيح، وكتيب في الاقتصاد وغيرها. انظر الأعلام 6/ 76.
[2] هو معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي (1294 - 1364هـ / 1877 - 1945م)، شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، وُلِدَ ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتوفي في الأعظمية ببغداد. له كتب منها: ديوان الرصافي، ودفع الهجنة، ومحاضرات في الأدب العربي، وغيرها الكثير. انظر الأعلام 7/ 268.
[3] أبو داود (3645)، وأحمد (21658)، والحاكم (252)، وانظر أيضًا: ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة  2/593 – والمزي: تهذيب الكمال 10/ 28.
[4] ابن كثير: البداية والنهاية 8/118.
[5] هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي مولاهم أبو عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي، يقول ابن حجر عنه: ثقة فقيه مشهور. مات سنة 136 هجرية على الصحيح. انظر تقريب التهذيب ص 207 - تاريخ بغداد 8/ 420 – الباجي: التعديل والتجريح 2/ 573.
[6] ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/290،289.
[7] هو زائدة بن قدامة الثقفى، أبو الصَّلت الكوفى، من كبار أتباع التابعين، قال الذهبي: ثقة حجة صاحب سنة، توفي غازيًا بالروم سنة 161. انظر الكاشف 1/ 400 - تقريب التهذيب ص 213.
[8] ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 1/118.
[9] هو أبو عمرو الأوزاعي، واسمه عبد الرحمن بن عمرو، والأوزاع بطن من همدان، ولد سنة 88هـ. إمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا صدوقًا فاضلاً خيرًا كثير الحديث والعلم والفقه حجة. كان يسكن بيروت وبها مات سنة 157هـ. انظر الطبقات الكبرى 7/ 488 - تهذيب الكمال 17/ 308.
[10] أبو عبد الله الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/204.
[11] أبو نعيم: حلية الأولياء 6/370.
[12] ابن الجوزي: صفة الصفوة 3/189.
[13] انظر في قصة أم مالك: مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة، دار الكتاب المصري - القاهرة، دار الكتاب اللبناني - بيروت، الطبعة الرابعة، 1418هـ - 1998م ص 6، 7.
[14] سرح العيون ص 181، نقلا عن المصدر السابق، نفس الصفحة.
[15] انظر مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة ص 7.
[16] انظر ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ص 9.
[17] راجع مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة ص 8، 9.
[18] ابن حجر: توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس ص 42، نقلاً عن مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة ص 10.
[19] راجع في قصة أم الشافعي: مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة ص 10، 11.
[20] راجع في قصة أم الإمام أحمد: مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة ص 14، 15.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
أمهات خالدات في التاريخ الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات دينيه-
انتقل الى: