جرائم "الشرف": ستار يقف خلفه مجرمون
مجد جابرعمان- يبدو أن شهر تشرين الأول (أكتوبر) كان شهر جرائم الشرف الأول بلا منازع؛ حيث وصل الرقم في النصف الأول منه فقط الى 6 جرائم بداعي الشرف!
جرائم عدة كان مدبرا لها، واستخدم الشرف كستار لها. غير أن الأسباب الحقيقية تكون لقضايا مرتبطة بالميراث، الخلافات الأسرية، العنف الأسري، والجهل؛ كلها أسباب قد تقام عليها الجريمة ويستخدم الشرف كذريعة لتبريرها.
اختصاصيون اعتبروا أن العديد من القضايا التي أحيلت الى المحكمة على أنها جرائم شرف تبين بعد التحقيق والدلائل أنها جرائم كان مدبرا ومخططا لها لمقاصد أخرى بعيدة كل البعد عن “الشرف”.
خلال الأشهر العشرة الأخيرة، قتلت 26 فتاة وامرأة لأسباب عدة، أبرزها كما كان المبرر لها هو الدفاع عن شرف العائلة، وفق ما بينته جمعية معهد تضامن النساء الأردني، وقد قتل 6 من هؤلاء في الأسبوع الأول من الشهر الحالي. وأكثر من ربع هذه الجرائم “27 %” ارتكبت خلال آخر ثلاثة أسابيع فقط.
في النصف الأول من الشهر الماضي وقعت 6 جرائم قتل؛ اذ تعرضت ثلاثينية وأم لطفلين الأسبوع الماضي في منطقة سحاب بعمان، لاعتداء من زوجها ضرباً ورفشاً بالأقدام، لتفارق الحياة بعدها.
كما قتلت ثلاثينية وأم لثلاثة أطفال خنقاً في منزلها، وكشف التحقيق آثار كدمات وضرب على جسدها، وتشتبه الشرطة بأن منفذ الجريمة، طليقها الذي قبض عليه.
وفي محافظة مادبا، أقدم شخص (18 عاماً) على قتل شقيقته العشرينية، بأربعة أعيرة نارية أطلقها على رأسها وهي نائمة، لحيازتها هاتفا خلويا، ورؤية أحد أفراد العائلة تتحدث به، بدون التأكد من هوية المتصل، وأفاد الجاني بأنه ارتكب جريمته “تطهيراً لشرف العائلة”.
وفي الجبيهة بعمان، قتل عشريني شقيقته العشرينية وشابا آخر (18 عاماً)، طعناً بالسكين، وقبض عليه، كما أطلق شقيقان عشرينيان النار من سلاح أتوماتيكي على شقيقتيهما، فقتلا ثلاثينية وعشرينية بعد يومين لإصابتها برصاصتين، وأفاد الشقيقان بأنهما أقدما على فعلتهما “غسلاً للعار”.
وتشير البيانات إلى ارتفاع نسبة جرائم قتل النساء والفتيات بنسبة 53 في المائة، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، فيما ترفع تقارير قضائية صدرت مؤخراً عدد الضحايا إلى 35.
وأشارت الى أن طريقة ارتكاب الجرائم كانت على النحو الآتي: 12 ارتكبت رمياً بالرصاص، و7 طعناً بأداة حادة، وجريمة شنقاً، و6 كل اثنتين على حدة، حرقاً وخنقاً وبالضرب الشديد المفضي للموت، وبين الضحايا 22 أردنية، و3 يحملن الجنسية السورية، وآسيوية واحدة.
وفي الوقت الذي لم تحدد فيه هوية الجناة بـ7 جرائم، فإن 8 منها ارتكبها أزواج، وأب، وابن وعم، واثنتان أقارب، و6 أخوة.
المحامية والمستشارة في جمعية “تضامن” أسمى خضر، تبين أن كثيرا من القضايا التي صرح بها الجاني أنه قتل بدافع الشرف يتبين مع سير التحقيق والمضي فيه عكس ذلك، وأن جريمة الشرف هي مجرد غطاء لفعلته.
وتشير الى أن الجاني يعتقد بادعائه أنها بداعي الشرف، مدعاة للتضامن معه من قبل الأسرة والمجتمع والجهة الرسمية التي تقوم بالتحقيق، كونه يعتقد أن هناك عقوبة مخففة عليه، مبينة أن المحاكم الآن باتت تتشدد في التعامل مع هذه القضايا وتصدر أحكاما مشددة بعضها وصلت الى درجة الإعدام.
وتعتبر أن العنف الأسري والميراث والخلافات العائلية والتمرد، كلها أسباب تدفع لارتكاب هذه الجرائم، مبينةً أن الازدياد في الحالات سببه التوثيق والإعلام، وتنامي العنف العائلي.
وتلفت الى أن المشهد الدموي المحيط بنا هو سبب آخر كونه يفرض نفسه على كل بيت، وهذا جعل هناك استسهالا لمشهد الموت، وهو أمر خطير على سيكولوجية الإنسان، بالإضافة الى التنامي في الضغوط الاقتصادية، وحالة عدم الاستقرار الاجتماعي، وغياب الضوابط بسبب التنوع الشديد والاختلاف الكبير بين فئات المجتمع يسبب أحد أنواع الانفلات الفردي.
وتؤكد خضر أهمية بذل الجهود لدراسة هذه الظواهر بعمق للحد والوقاية منها، مبينة أن الاهتمام بهذا الموضوع يقوم على مبدأ حق الحياة الأساسي، وأن يحاط بكل أشكال الحماية.
وتلفت الى أهمية المعالجات المبكرة للصراعات العائلية، ما يسهل حل الأزمات قبل تفاقمها، وتوفر الخبرات الإرشادية والتأهيلية للنساء والرجال على حد سواء للوقاية، وإعادة النظر في النصوص القانونية بصورة لا يكون هناك فرصة للإفلات فيها من العقاب.
مدير العيادات القانونية في مركز العدل للمساعدة القانونية والناشط في حقوق المرأة، المحامي عاكف المعايطة، يعود ليؤكد أن عددا كبيرا من الجرائم هي جرائم ليس لها علاقة بالشرف وإنما يستخدم الشرف كستار لها، كونها تكون جريمة عادية خطط لها.
ويشير الى أنه كمتابع للموضوع، هناك العديد من الجرائم عندما حولت للمحاكم بداعي الشرف تبين أنها إما جريمة ميراث أو خلافات زوجية أو عنف أسري، فتبرر الفعلة بأنها جريمة شرف تماما مثل جريمة الزرقاء التي حدثت مؤخراً.
ويضيف أن الجاني يعتقد أنه عندما يربط جريمته بالشرف يحصل على حكم مخفف ويبرر فعلته أمام القضاء والمجتمع، لافتا الى أن الخلل هنا في القانون الذي قد يخفف العقوبة عن القاتل بحجة الشرف، كذلك لا يجوز للإعلام أن يبرر هذه الجريمة بأنها جريمة شرف فهي جريمة قتل.
الى ذلك، العذر المخفف يجب أن لا يتم التعامل معه، وأن يتم الغاؤه تماماً من جرائم الشرف، مبينا أن الثقافة الخاطئة أو اكتساب الثقافة الخاطئة يبرر للناس اكتساب الجريمة أحياناً.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الاجتماعي حسين الخزاعي، الى أن تلك الجرائم تكون ستارا يحاول المجرم ومنفذ الجريمة أن يتحايل من خلالها على القانون والتهرب من المسؤولية، ويكون هذا الغطاء وسيلة للهروب من تبعات هذه الجريمة.
ويبين أن أغلب هذه الجرائم تكون لأسباب مختلفة مثل الظروف الاقتصادية والميراث والعنف الأسري. منوها الى أن الدراسات التي أجريت في المجتمع الأردني أشارت الى أن 80 % من النساء اللواتي قتلن تحت غطاء جريمة الشرف لم يمارسن أي سلوك له علاقة بالشرف. وبما أن الشرف من الخطوط الحمراء في المجتمع العربي، فإن أي جريمة تحت غطاء الشرف تكون وكأنها مباحة ومقبولة من قبل المجتمع ويعتبر أن فيها نوعا من الرجولة والحفاظ على قيمة الشرف!