الكتاب الأبيض لسنة 1930 (*)
بيان الخطة السياسية لحكومة جلالته البريطانية:
قد كان تقرير اللجنة المخصوصة برئاسة السير ولتر شو الذي نشر في شهر نيسان مبعثا لجدال عنيف ظهر في أثنائه أن هنالك سوء فهم كبير حول ما قامت به حكومة جلالته في الماضي عن الأعمال في إدارة فلسطين وما تقصد القيام به في المستقبل وأصبح من المؤكد أن الحالة تستدعي الإسراع في نشر بيان واضح شامل عن الخطة السياسية يرمي إلى إزالة سوء الفهم هذا وما نشأ عنه من التباس وتخوف غير أن إعداد مثل هذا البيان اقتضى اتخاذ تدابير أولية ضرورية أفضت حتما إلى تأخير إتمامه.
1 - وقد لفت تقرير لجنة شو النظر إلى بعض نواح من المشكلة رأت حكومة جلالته أنها تستدعي اجراء تحقيق عاجل شامل بالنظر لما لها من صلة وثيقة بالسياسة المقبلة. ولذلك تقرر أن يوفد إلى فلسطين محقق كبير الاختبار (هو السير جون هوب سمبسون) للتداول مع المندوب السامي بشأن تسوية الأراضي والمهاجرة وترقية الشئون الاقتصادية وتقديم تقرير بذلك إلى حكومة جلالته. وبالنظر لأهمية هذه المواضيع البارزة ولتماسك بعضها ببعض تأكد لحكومة جلالته بأن ليس في الاستطاعة وضع بيان عن الخطة السياسية قبل أن تأخذ بعين الاعتبار تقريرا وافيا مفصلا عن الحالة في فلسطين فيما يتعلق بهذه الأبواب الثلاثة الهامة مما في استطاعة السير جون هوب سمبسون وصفه بجدارة وقد ألح على حكومة جلالته بشدة أن يتقدم استلام تقرير السير جون هوب سمبسون إصدار تصريح عن السياسة المقبلة التي تود السير عليها. غير أن حكومة جلالته رغما عن تقريرها للحاجة الماسة التي تستدعي الإسراع في إصدار مثل هذا التصريح رأت أنها ملزمة بالتمسك بقرارها من حيث انتظار تقرير السير هوب سمبسون معتبرة في ذلك على الأخص ما تجمع لديها من الأدلة بشأن صعوبة المشكلة وتعقدها الحاجة إلى تحقيق واف في جميع الحقائق الواقعية قبل الوصول إلى أية استنتاجات حاسمة.
وقد قدم الآن السير جون هوب سمبسون تقريره ووضع هذا البيان بعد إمعان التدقيق في مضمون ذلك التقرير وفي غيره من المعلومات التي نشرت في المدة الأخيرة عن الحالة في فلسطين.
2 - وفي بلاد كفلسطين حيث تتغاير في الوقت الحاضر بل تصطدم من بعض الوجوه أماني فريقي السكان ليس من المنتظر أن يأتي أي بيان عن السياسة مهما كانت صيغته موافقا كل الموافقة لأماني أي فريق غير أن حكومة جلالته تود أن تأمل بأنه سيكون لإزالة سوء الفهم السائد الآن ولتفسير مقاصدها تفسيرا أتم وأوفى الأثر الطيب في إزالة القلق وإعادة الطمأنينة لكلا الفريقين.
وستبذل حكومة جلالته جهودها ليس عن طريق هذا البيان الحالي فحسب بل بما يليه من الأعمال الإدارية لإقناع العرب واليهود بتصميمها علي ترقية مصالح الشعبين الأساسية بكل ما أوتيت من قوة على العمل بكل ثبات حتى تتوصل إلى تكوين شعب ميسور الحال في فلسطين يعيش في أمان واطمئنان تحت لواء إدارة غير متحيزة راقية ومع ذلك فمن الضروري في هذا الصدد إيضاح نقطة واحدة هى من الأهمية بمكان كبير ذلك أنه في الظروف الخاصة المحيقة بفلسطين لا يمكن لأية سياسة مهما كانت نيرة جلية أومهما بذل من جهد في سبيل لتنفيذها أن يقيد لها النجاح ما لم تنل التأييد من جميع الطوائف التي وضعت لمنفعتها وخيرها ليس بقبولها فحسب بل بتعاونها عن طيب خاطر.
ليس من حاجة في هذا المقام للبت في الحوادث المشئومة التي وقعت في العام الماضي وفي الأحوال المؤسفة التي نشأت عنها. غير أن حكومة جلالته ترى نفسها مضطرة لأن تلاحظ أنها لم تنل من الجانبين سوى مساعدة طفيفة في سبيل إزالة التنابذ الذي ساد بينهما في أثناء الأشهر التي توترت فيها العلاقات وزاد فيها القلق بعد اضطرابات آب سنة 1929 وبأن هنالك عقبة أخرى خطره أضيفت إلى الصعوبات التي نشأت عن الريب والخصومة المتبادلة بين الشعبين ألا وهي خطة عدم الثقة بحكومة جلالته التي غذتها حملة صحافية ساعدت على طمس حقائق الحالة وتشويهها. ولا حاجة إلى التأكد بأن توطيد السلام والرفاهية في البلاد في المستقبل اللتين يتوق إليهما كلا الشعبين يتوقف على تحسين العلاقات بين العرب واليهود.
تلك هي الغاية التي ما فتئت تصبو إليها حكومة جلالته وهي تشعر أن في الإمكان الوصول إليها إن تعاون كلا الفريقين عن طيب خاطر مع الحكومة ومع إدارة فلسطين وتأكد من أن حكومة جلالته يمكن الاعتماد عليها عند قيامها بالالتزامات المرتبة عليها في صك الانتداب بل في جميع صلاتها بفلسطين بالمحافظة على مصالح كلا الشعبين والعمل على ترقيتها.
3 - ويلوح أن كثيرا من سوء الفهم الذي أخذ يساور لسوء الحظ كلا الفريقين نشأ عن العجز عن فهم الواجب الملقى على عاتق حكومة جلالته بموجب أحكام صك الانتداب ولذلك فإن النقطة الثانية التى تشعر حكومة جلالته بوجود تأكيدها بأقوى حجة مستطاعة هي أن هنالك على حد البيان الذي أدلى بة رئيس الوزارة في مجلس العموم البريطاني في اليوم الثالث من شهر نيسان سنة 1930: -
"تصريح يتضمن تعهدا ذا شقين الشق الواحد منهما للشعب اليهودى والشق الآخر للأهالي غير اليهود في فلسطين، ويظهر أن كثيرا من القلق الذي ساور النفوس في السنة الماضية نشأ عن عدم التأكد من أهمية هذه الحقيقة الأساسية للتأكد. وقد وجه كلا العرب واليهود إلى الحكومة سيلا من المطالب والملامة المستند على الظن الفاسد بأن من واجب حكومة جلالته أن تنفذ خططا سياسية يحظر عليها في الواقع تنفيذها بموجب أحكام صك الانتداب الجلية".
وقد أعلن رئيس الوزراء في البيان المشار إليه أعلاه بعبارة غاية في الوضوح والجلاء بأن حكومة جلالته قد استقر قرارها على الاستمرار في إدارة فلسطين وفقا لأحكام صك الانتداب كما أقره مجلس جمعية الأمم إذ أن ذلك الصك على حد قول المستر رمي مكدونالد "تعهد دولي لا يمكن العدول عنه" ويلوح أنه رغما عن هذا البيان الصريح خامر البعض آمال أنه في الاستطاعة بطريقة من الطرق اجتناب
الحدود التي تفرضها بكل وضوح وجلاء أحكام صك الانتداب. فيجب والحالة هذه أن يتأكد الجميع بصورة باتة نهائية بأن من العبث للزعماء اليهود من الجهة الواحدة أن يلحوا على حكومة جلالته لأن تسير في سياستها فيما يتعلق بالمهاجرة والأراضي مثلا حسب أماني طبقات الرأي العام الصهيوني الأكثر تصلبا إذ إن قيامها بذلك ليس سوى تجاهل منها للواجب الملقى على الدولة المنتدبة ازاء غير اليهود من أهالي فلسطين ذلك الواجب الذي لا يقل عنه أهمية. كما أنه من العبث أيضا من الجهة الأخرى للزعماء العرب أن يصروا على مطالبهم لوضع نوع من الدستور يجعل قيام حكومة جلالته أوفى قيام بالتعهد ذي الشقين المشار إليه أعلاه في حكم المستحيل. ان لدى حكومة جلالته ما يدعوها للظن بأن من الأسباب التي آلت إلى بقاء التوتر في العلاقات والقلق بين كلا الفريقين ذلك الأمل الفاسد الذي أوجده المستشارون المضللون بأن في بذل - المجهودات لتخويف حكومة جلالته والضغط عليها ما ينجم عنه في النهاية إجبارها على اتباع سياسة تكون في صالح الفريقين الواحد أو الآخر.
ولذلك أصبح من الضروري أن توضح حكومة جلالته بادئ ذي بدء بأنها لن تحيد بالضغط أو بالتهديد، عن النهج المبينة حدوده في صك الانتداب كما أنها لن تنحرف عن اتباع سياسة ترمي إلى ترقية مصالح أهالي فلسطين العرب واليهود بكيفية تتفق مع الالتزامات المفروضة عليها في صك الانتداب.
4 - ليست هذه بالمرة الأولى التي بذلت فيها حكومة جلالته جهدها لإيضاح سياستها في فلسطين ففي سنة 1922 نشرت بيانا وافيا بلغته للوفد العربي الفلسطيني الذي كان عندئذ في لندن وللجمعية الصهيونية. أما الوفد العربي فقد قابل ذلك البيان بالرفض بينما اتخذت اللجنة التنفيذية للجمعية الصهيونية قرارا أكدت فيه لحكومة جلالته بأن أعمال الجمعية الصهيونية ستسير طبقا للخطة السياسية التي يتضمنها البيان. وفضلا عن ذلك فقد ذكر الدكتور وايزمن في الكتاب الذي أرفق به هذا القرار لحكومة جلالته مايلي: -
"لقد كانت الجمعية الصهيونية ترغب باخلاص على الدوام في أن تسير في أعمالها بالتعاون الودي مع جميع طبقات الأهالي في فلسطين. وقد أوضحت مرارا وتكرارا قولا وفعلا بأنه لن يخطر لها ببال الإجحاف بأقل درجة بحقوق غير الأهالي اليهود المدنية أو الدينية أو بمصالحهم المادية".
وكان من نتيجة الاختبار الذي اكتسب في هذه السنوات التي مرت منذ ذلك الحين أن كشف القناع حتما عن بعض نقائص إدارية ومشاكل اقتصادية خاصة يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر في مصالح جميع طبقات الأهالي ومع ذلك فإن بيان الخطة السياسية الذي صدر في سنة 1922 بعد إمعان النظر والتوفيق المطول يعتبر الأساس الذي يجب أن تبنى عليه السياسة البريطانية المقبلة في فلسطين.
5 - وفضلا عن الاقتراحات لوضع نظام حكم دستوري في فلسطين التي يتناولها البحث في الفقرات التالية توجد ثلاث نقاط هامة بحث فيها هذا البيان وهي:
(أ) المعنى الذي تعلقه حكومة جلالته على عبارة "الوطن القومي لليهود" الواردة في صك الانتداب.
أما بشأن هذه النقطة ففي الاستطاعة اقتباس الفقرة التالية من بيان الخطة السياسية الواردة سنة 1922.
"وقد أعاد اليهود في الجيلين أو الاجيال الثلاثة الأخيرة انشاء طائفة لهم في فلسطين يبلغ عددها الآن ثمانين ألفا ربعهم تقريبا مزارعون أو عمله في الأرض، ولهذه الطائفة إدارات سياسية خاصة منها مجمع منتخب لإدارة شئونها الداخلية ومجالس منتخبة في المدن ورئاسة حاخامين ومجلس رباني لإدارة شئونها الدينية.
وتداول أعمال هذه الطائفة باللغة العبرية كلغتها الوطنية ولها صحف عبرية تفي بحاجاتها وهي تتبع نمطا تهذيبيا يميزها عن سواها وتبدي نشاطا كبيرا في الحركة الاقتصادية. فهذه الطائفة بسكان المستعمرات والمدن وهيئاتها السياسية والدينية والاجتماعية ولغتها الخاصة وعوائدها وطرق معيشتها الخاصة لها في الحقيقة مميزات قومية. ومتى سأل سائل ما هو معنى ترقية الوطن القومي اليهودي في فلسطين يمكن أن يجاب على ذلك بأنه لا يعنى فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالا بل زيادة رقي الطائفة اليهودية بمساعدة اليهود الموجودين في جميع أنحاء العالم حتى تصبح مركزا يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر في الوجهتين الدينية والقومية ولكن حتى يكون للطائفة اليهودية أمل وطيد في تقدمها الحر ويفسح للشعب اليهودي مجال واف كي يظهر فيه مقدرته كان من الضروري أن يعلم بأن وجوده في فلسطين هو كحق وليس كمنة. ذلك هو السبب الذي جعل من الضروري ضمان انشاء الوطن القومي لليهود ضمانا دوليا والاعتراف رسميا بأنه يستند إلى صلة تاريخية قديمة".
إذن هذا هو التفسير الذي تفسر به حكومة جلالته تصريح سنة 1917 - ويرى وزير المستعمرات أن هذا التصريح إن فهم على هذا الوجه لا يتضمن صراحة أو ضمنا شيئا من شأنه أن يثير مخاوف عرب فلسطين أو يسبب استياء اليهود.
(ب) المباديء التي يجب أن تسير المهاجرة بموجبها:
وقد ورد في ذلك البيان بشأن هذه النقطة مايلي: -
"ومن الضروري لأجل تطبيق هذه السياسة تمكين الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عددها بالمهاجرة. ولكن هذه المهاجرة لا يمكن أن تكون كبيرة إلى حد يزيد في أي ظروف كانت على مقدرة البلاد الاقتصادية إذ ذاك على استيعاب مهاجرين جدد ومن الضروري ضمان عدم صيرورة المهاجرين عالة على أهالي فلسطين عموما وعدم حرمان أية فئة من السكان الحاليين من أشغالها. وقد جرت المهاجرة حتى الآن على هذه الشروط وبلغ عدد المهاجرين منذ الاحتلال البريطاني 25 ألف مهاجر.
ومن الضروري أيضا ضمان عدم إدخال الأشخاص غير المرغوب فيهم سياسيا إلى فلسطين وقد اتخذت الإدارة وستتخذ جميع الاحتياطات لهذه الغاية".
يلاحظ أن المبادىء المبينة أعلاه تجعل من الضروري عند تقرير مقدرة البلاد على استيعاب مهاجرين جدد في أي وقت كان أن يؤخذ بعين الاعتبار عدد العاطلين من العرب واليهود لتقرير نسبة المهاجرين التي يجب السماح بها وفي نية حكومة جلالته أن تتخذ التدابير التي من شأنها أن تضمن بصورة أوفى تطبيق هذه المباديء تطبيقا تاما في المستقبل.
(جـ) مركز الوكالة اليهودية:
نشير إلى الفقرة المقتبسة أدناه للدلالة على القيود الواردة ضمنا في صك
الانتداب والمقيدة بحكم الضرورة لواجبات الوكالة اليهودية التي ورد النص عليها في المادة الرابعة من صك الانتداب.
"وهنالك أمر آخر لابد من لفت النظر إليه وهو أن اللجنة الصهيونية في فلسطين المعروفة الآن باللجنة التنفيذية الصهيونية لا ترغب في أن يكون لها كما أنها لا تملك أى قسط في إدارة البلاد العامة. كما أن المركز الذي تتمتع به الجمعية الصهيونية بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب لا يخولها صلاحية هذه الوظيفة وإنما ينحصر مركزها الخاص في التدابير التي تتعلق باليهود ومساعدة البلاد على تقدمها دون أن يخولها ذلك حق الاشتراك في حكومتها في أي حال من الأحوال".
6 - ترغب حكومة جلالته في أن تؤيد بوجه عام السياسة المتضمنة في البيان الصادر سنة 1922 وعلى الأخص الفقرات الثلاث التي اقتبست منه أعلاه. ويظن بأن كل محاولة لتوسيع المعنى المفهوم من هذه النقاط الثلاث الهامة لن يكون نصيبها سوى جدال عقيم الفائدة. ومع ذلك فإن من المعترف به في نور الاختبار السابق أنه لا يزال هنالك متسع للعمل على تحسين كيفية تطبيق المبادئ - المعلنة في الفقرات السابقة تطبيقا فعليا.
وفي نية حكومة جلالته بالإشارة مع إدارة فلسطين أن تتخذ التدابير الفعالة لإيجاد وسائل إدارية وافية لأجل تلاقي احتياجات العرب واليهود من جهة هذه النقاط الثلاث.
ومن المعترف به بوجه خاص أن الضرورة تستدعي زيادة مجهودات المندوب السامي في سبيل إيجاد طريقة للتعاون والاستشارة أوثق وأكثر امتزاجا بين إدارة فلسطين والوكالة اليهودية على أن يكون ذلك متفقا على الدوام مع المبدأ الذي يجب اعتباره أساسا وهو أن مركز الوكالة اليهودية الخاص الذي يخولها تقديم النصح والمعونة لا يخولها بصفتها هذه الاشتراك في إدارة حكومة البلاد وعلى نفس المنوال يجب إيجاد الوسائل الإدارية التي يكفل في الوقت ذاته صيانة المصالح الأساسية للطبقات الأخرى من السكان غير اليهود تمام الصيانة وأن يتاح لتلك الطبقات فرصة وافية للاستشارة مع إدارة فلسطين حول الأمور المتعلقة بتلك المصالح.
7 - ومن الرغوب فيه في هذا الصدد إزالة أى سبب لسوء الفهم مما يكون قد علق بالأذهان من جراء الفقرات الواردة في صك الانتداب التي تبحث في ضمان حقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين أما الأحكام التي تتناول هذه النقطة بوجه خاص فهي واردة في مواد صك الانتداب الثانية والسادسة والتاسعة والحادية عشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة.
8 - ومما يلاحظ من الجهة الأولى أن المادة الثامنة تجعل الدولة المنتدبة مسئولة عن ضمان الحقوق المدنية والدينية لجميع أهالى فلسطين بقطع النظر عن الاجناس والأديان ومن الجهة الثانية أن التعهد الوارد في المادة السادسة الذي يقضي بتسهيل الهجرة اليهودية واستقرار اليهود بكثرة مشترط فيه وجوب ضمان عدم إلحاق أي حيف وضرر بحقوق ومركز سائر طبقات الأهالي. وفضلا عن ذلك فإن المادة الحادية عشرة تقتضي أن تتخذ حكومة فلسطين جميع التدابير اللازمة لصون مصالح الجمهور في كل ماله علاقة بترقية البلاد.
ويتضح من نص هذه المادة أن سكان فلسطين على الإطلاق لا فئة منهم فحسب هم الذين يجب أن يكونوا موضعا لعناية الحكومة. ومما يلاحظ بهذا الشأن أن
النص القائل باتخاذ التدابير مع الوكالة اليهودية لإقامة أو إدارة الأعمال والمصالح والمنافع العمومية هو نص اختياري فقط لا إجباري وليس من الجائز أن يتعارض مع مصلحة الأهالي المطلقة. وقد أوردت هذه النقاط بالنظر للادعاءات التي وجهت بالنيابة عن الوكالة اليهودية بأن لهذه الوكالة مركزا يخولها الاشتراك في إدارة البلاد العمومية تلك الادعاءات التي وجهت بالنيابة عن الوكالة اليهودية بأن لهذه الوكالة مركزا يخولها الاشتراك في إدارة البلاد العمومية تلك الادعاءات التي لا تستطيع حكومة جلالته إلا أن يعتبرها قد تجاوزت كل التجاوز مقاصد صك الانتداب الصريحة. وفضلا عن ذلك فقد حاول البعض أن يجادل تأييدا للادعاءات الصهيونية بأن الفقرات المتعلقة بالوطن القومي اليهودي هي الأساس الرئيسي لصك الانتداب وبأن الفقرات التي ترمي إلى صيانة مصالح غير اليهود إنما هى اعتبارات ثانوية تقيد نوعا ما ما يدعى بأنه القصد الرئيسى الذي وضع صك الانتداب من أجله. إن حكومة جلالته ما فتئت تعتبر أن من الخطأ الكلي فهم هذه الأحكام على هذا الوجه وهي ترى أن من المستحيل أن تحاول حل المشكلة باعتبار أن أي من هذين الالتزامين هو أقل أهمية من الآخر حلا يتفق مع مقاصد صك الانتداب الصريحة مهما كانت الصعوبة التي تعترضها في هذا السبيل.
وقد حاول المندوب البريطاني المفوض في البيان الذي أدلى به أمام لجنة الانتدابات الدائمة في اليوم التاسع من شهر حزيران الماضي أن يوضح موقف حكومة جلالته ازاء الصعوبات المستقرة في صك الانتداب. وفي التقرير الذي رفعته لجنة الانتدابات الدائمة لجمعية الأمم المتضمن مطالعاتها على هذا البيان وردت العبارة التالية وهي من الأهمية بمكان:
"ومن جميع هذه البيانات يظهر لنا أمران يجب ذكرهما هنا وهما:
1 - أن الالتزامات المفروضة في صك الانتداب بشأن فريقي السكان هي من درجة متساوية.
2 - أن الالتزامين المفروضين على الدولة المنتدبة ليسا مما لا يمكن التوفيق بينهما من أى وجه من الوجوه.
وليس لدى لجنة الانتدابات ما تعترض به على هذين التأكيدين اللذين يعربان في رأيها تمام الإعراب عما تدركه من روح صك الانتداب على فلسطين وضمانا لمستقبلها" .
إن حكومة جلالة الملك لعلى تمام الاتفاق مع روح هذا البيان وكأنه لمن دواعي اغتباطها أن يكون هذا البيان قد اكتسب الصيغة النهائية باقترانه بموافقة مجلس جمعية الأمم.
إنه لواجب شاق ودقيق ذلك الواجب المفروض على حكومة جلالته الذي يقضى عليها استنباط الوسائل لإعطاء نفس الاعتبار في جميع الأحيان عند تنفيذ سياستها في فلسطين لكلا الالتزامين اللذين يفرضهما عليها صك الانتداب بشأن فريقي السكان والتوفيق بينهما هذين الالتزامين حيثما تتعارض حتما مصلحة الفريقين.
ومن المأمول أن يئول إيضاح الواجب المفروض على عاتق حكومة جلالته على هذا الوجه إلى بيان ضرورة تعاون زعماء العرب واليهود عن طيب خاطر على إدارة فلسطين وحكومة جلالته تلك الضرورة التي أعرب عنها فيما تقدم.
9 - إن الفقرات المتقدمة توضح المباديء التي يجب اعتبارها السياسة الشاملة في فلسطين والشروط المقيدة التي يجب أن تسير تلك السياسة بموجبها ولذلك وجب الآن البحث في المشاكل العملية التي تواجهها حكومة جلالته في فلسطين.
وهذه المشاكل يمكن حصرها بوجه التقريب تحت الأبواب الثلاثة التالية:-
1 - الأمن العام.
2 - التطورات الدستورية
3 - التطورات الاقتصادية والاجتماعية.
1 - الأمن العام:
10 - إن من أولى واجبات الإدارة توطيد أركان السلام والنظام وحسن انتظام الحكم في فلسطين وقد أعلنت حكومة جلالته في مقام آخر بأنها لن تحيد عن القيام بواجبها بعامل الضغط أو التهديد.
إن الاضطرابات التي وقعت فيما مضى قد أخمدت فورا. واتخذت تدابير خاصة لمعالجة أية حالة اضطرارية قد تنشأ في المستقبل. ويجب أن يفهم تماما أن التحريض على الاضطراب أو الشقاق مهما كان مصدره سينال أشد عقوبة وستتوسع سلطات الإدارة بقدر ما تستوجبه الضرورة كي يتمكن بصورة أوفى وأتم من معالجة مثل هذه المحاولات الخطرة التي لا مسوغ لها.
وقد قررت حكومة جلالته أن التحفظ في فلسطين في الوقت الحاضر بفرقتين من المشاة وفضلا عن ذلك سيكون سربان من الطيارات وأربعة فرق من السيارات المسلحة ميسورة في فلسطين وشرقي الأردن. كما هو معلوم كان المستر دبجن مفتش البوليس العام في سيلان قد أوفد إلى فلسطين للتحقيق في نظام قوة البوليس الفلسطيني وقد رفع تقريرا مفصلا قيما وهو الآن موضع النظر الدقيق وقد وضع البعض من تواصيه موضع التنفيذ ومن ذلك زيارة فرقتي البوليس البريطاني والفلسطيني ووضع مشروع للدفاع عن المستعمرات اليهودية أشير إليه في الفقرة التاسعة من بيان خطة السياسة البريطانية في فلسطين الذي نشر بصيغة كتاب أبيض تحت رقم 3582 وهنالك تواصى كثيرة أخرى وردت في تقرير السير دوبجن لا تزال موضع البحث والتدقيق بالاشتراك مع المندوب السامي لفلسطين وستجري تغييرات أخرى متى اتخذت قرارات بشأنها. وتغتنم حكومة جلالته هذه الفرصة كما تؤكد تصميمها على اتخاذ جميع التدابير المستطاعة لقمع الجرائم وتوطيد النظام في فلسطين.
وترغب في أن تؤكد في هذا الصدد أنها عند تقرير نوع وكيفية تأليف قوات الأمن العام في فلسطين الضرورية لهذه الغاية تسترشد برأي مستشاريها الاختصاصيين وإنها في كل ذلك سترمي إلى تأمين كون القوات المستخدمة ملائمة للواجبات التي ستقوم بقطع النظر عن أية اعتبارات سياسية.
2 - التطورات الدستورية:
11 - أشير فيما تقدم إلى المطالب التي وجهها الزعماء العرب لإيجاد شكل دستوري يتنافى مع الالتزامات المترتبة على حكومة جلالته بصفتها الدولة المنتدبة
ومع ذلك فإن حكومة جلالته ترى بعد التبصر الدقيق أن الوقت قد حان للسير في مسألة منح فلسطين درجة من الحكم الذاتي تلك المسألة الهامة لمصلحة جميع السكان على الإطلاق بدون أى تأخير آخر وقد يكون من المناسب في بادئ الأمر إيراد خلاصة موجزة عن تاريخ هذه المسألة منذ تشكيل الإدارة المدنية.
ففي شهر تشرين الأول سنة 1920 شكل في فلسطين مجلس استشاري ألف من عدد متساو من الأعضاء الموظفين وغير الموظفين. وقد كان من العشرة الأعضاء غير الموظفين، أربعة من المسلمين وثلاثة من المسيحين وثلاثة من اليهود.
وفي اليوم الأول من شهر أيلول سنة 1922 صدر دستور فلسطين وهو يقضي بتأليفه حكومة فلسطين توقيتا لأحكام قانون الاختصاص الأجنبي. وقد قضى الفصل الثالث من هذا الدستور بتشكيل مجلس تشريعي يؤلف من المندوب السامي رئيسا ومن عشرة أعضاء من الموظفين واثني عشر عضوا منتخبا من غير الموظفين. وقد وضعت أصول انتخاب الأعضاء غير الموظفين في الأمر الصادر في المجلس الخاص بشأن تأليف المجلس التشريعي لسنة 1922 وفي شهري شباط وآذار من سنة 1923 حاولت الحكومة اجراء انتخابات توفيقا لتلك الأصول فأخفقت تلك المحاولة بسبب رفض الأهالي العرب التعاون مع الحكومة (يراجع في هذا الصدد التقرير المفصل الذي صدر عن هذه الانتخابات المتضمن في الكتاب الأبيض رقم 1889 بشأن انتخابات المجلس التشريعي سنة 1923) وعندئذ أوقف المندوب السامي تأليف المجلس التشريعي المقترح واستمر على تسيير الإدارة باستشارة المجلس الاستشاري كالسابق.
وقد سنحت فرصتان أخريان لزعماء العرب في فلسطين للتعاون مع الإدارة على حكم البلاد أولا :
بإعادة تأليف مجلس استشاري يعين تعيينا على أن يكون عدد أعضائه مساويا. لعدد أعضاء المجلس التشريعي الذي كان في النية تشكيله. ثانيا: بالاقتراح الذي عرض عليهم لتأليف وكالة عربية وكان المقصود أن يناط بهذه الوكالة نفس الواجبات المناطة بالوكالة اليهودية بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب.
غير أن زعماء العرب رفضوا قبول كلا هاتين الفرصتين وبناء على رفضهم هذا تألف في شهر كانون الأول سنة 1923 مجلس استشاري من أعضاء موظفين فقط. ولا تزال الحالة كذلك حتى الآن وكل ما طرأ عليها من تغيير هو أن عدد أعضاء المجلس الاستشاري قد زيد بإضافة أعضاء موظفين آخرين اقتضى تقدم الإدارة إضافتهم إلى المجلس.
ومما يذكر في هذا الصدد أن حكومة جلالته مسئولة بموجب أحكام المادة الثانية من صك الانتداب عن جعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل انشاء الوطن القومي اليهودي وترقية أنظمة الحكم الذاتي والمحافظة على الحقوق المدنية والدينية لجميع الأهالي.
قد أوضحت فيما تقدم المجهودات التي بذلت في السنين الأولى المدنية بشأن التطور الدستوري. ورغبة في تمكين أهالي فلسطين من الحصول على اختبار فعلي في الطرق الإدارية ونظم الحكومة والتدرب على حسن التمييز في اختيار ممثليهم
ادخل اللورد بلومر الذي شغل منصب المندوب السامي في فلسطين من سنة 1925 إلى سنة 1928 درجة من الحكم الذاتي المحلي أوسع مما كانت عليه الحال في عهد الإدارة البريطانية فيما مضى.
وعند تسلم السير جون تشانسلور زمام منصب المندوب السامي في شهر كانون الأول سنة 1928 نظر في مسألة التطور الدستوري وأخذ رأي ممثلي مختلف طبقات الأهالي.
وبعد انعام النظر في الحالة رفع بعص اقتراحات في شهر حزيران سنة 1929 غير أنه تأجل النظر في هذه المسألة بسبب الاضطرابات التي وقعت في شهر آب سنة 1929
12 - وقد أمعنت الآن حكومة جلالته النظر في هذه المسألة في نور درجة التقدم والرقي الحالي معتبرة على الأخص الالتزام الملقى على عاتقها الذي يقضي عليها بجعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل ترقية أنظمة الحكم الذاتي. وقررت أن الوقت قد حان للتقدم خطوة أخرى في سبيل منح أهالي فلسطين درجة من الحكم الذاتي تتلاءم مع أحكام صك الانتداب.
وبناء على ذلك تنوي حكومة جلالته أن تشكل مجلسا تشريعيا ينطبق عموما على الأصول المبينة في بيان الخطة السياسية الذي أصدره المستر تشرشل في شهر حزيران سنة 1922. ونشر كذيل خاص لتقرير لجنة التحقيق عن اضطرابات فلسطين التي وقعت في شهر آب سنة 1929.
وتأمل حكومة جلالته أنها ستنال في هذه المرة معاونة جميع طبقات السكان في فلسطين وترغب في أن تعلن بكل وضوح وجلاء بأنها بينما تأسف كل الأسف لأية محاولة قد يقوم بها أى فريق من السكان للحيلولة دون تنفيذ قرارها لتتخذ جميع التدابير المستطاعة لقمع كل محاولة كهذه إن وقعت إذ أنها ترى إن من مصلحة أهالي البلاد على الإطلاق أن لا تؤجل قط الخطوة التي تنوي الآن أن تخطوها.
وتود حكومة جلالته أن تبين بأنه لو تم تشكيل هذا المجلس التشريعي عندما عقدت النية على تشكيله في المرة الأولى لكان أهالي فلسطين قد نالوا الآن درجة أوفر من الاختبار في كيفية تسيير النظم الدستورية. ذلك أن مثل هذا الاختبار لا مفر منه لنجاح التطور الدستوري فكلما أسرع جميع طبقات الأهالي في ابداء رغبتهم في المعاونة مع حكومة جلالته في هذا الصدد كان في الإمكان إجراء هذا التطور الدستوري الذي تتوق حكومة جلالته لمشاهدته في فلسطين.
أن هنالك فوائد جلية يجتنيها جميع طبقات السكان من جراء تشكيل مثل هذا المجلس ذلك أنه قد يأتي بفائدة مخصوصة للأهالي العرب الذين ليس لديهم الآن وسائل دستورية تمكنهم من وضع آرائهم حول الأمور الاجتماعية والاقتصادية أمام الحكومة. وبالطبع إن ممثليهم في المجلس الذي يراد تشكيله سيتمكنون ليس من أبداء آراء الأهالي العرب في شأن هذه الأمور وخلافها فحسب بل من الاشتراك أيضا في البحث والتداول فيها. وهنالك فائدة أخرى تجتنيها البلاد على الإطلاق من تشكيل المجلس التشريعي إذ أن اشتراك ممثلي الفريقين من الأهالي بصفتهم أعضاء المجلس التشريعي سيئول إلى تحسين العلاقات بين اليهود والعرب.
13 - إن المجلس التشريعي الجديد سيؤلف كما ذكر فيما تقدم على النحو
المعين في بيان الخطة السياسية الذي صدر سنة 1922. وسيشكل من المندوب السامي ومن اثنين وعشرين عضوا منهم عشرة أعضاء موظفين واثنا عشر عضوا من غير الموظفين وسينتخب الأعضاء غير الموظفين بطريق الانتخاب الأولى والثانوي. ومع ذلك ترى حكومة جلالته أن من الأهمية بمكان لاجتناب إعادة حبوط الانتخابات كما حدث في سنة 1923 استنباط تدابير تؤمن تعيين العدد المطلوب من الأعضاء غير الموظفين للمجلس فيما إذا لم يتمكن عضو واحد أو أكثر من الانتخاب بسبب موقف عدم التعاون الذي قد تقفه أية فئة من السكان أو لأي سبب آخر. وسيبقى المندوب السامي متمتعا بالصلاحية الضرورية التي تضمن تمكين الدولة المنتدبة من القيام بالالتزامات المترتبة عليها ازاء جمعية الأمم ومن ذلك صلاحية وضع أي تشريع تقتضيه الحاجة الماسة وتوطيد النظام. ومتى نشأ خلاف حول قيام حكومة فلسطين بأحكام صك الانتداب يستطاع تقديم عريضة بذلك إلى جمعية الأمم توفيقا لأحكام المادة 85 من دستور فلسطين لسنة 1922.
يتبع ............................................