.......... تابع
تقرير اللجنة الدولية
المقدم إلى عصبة للأمم عن حائط المبكى (*)
ديسمبر 1930
وبعد تفكك عرا الامبراطورية الرومانية خضعت فلسطين لقياصرة البيزنطيين الذين حكموا البلاد منذ سنة 400 بعد الميلاد تقريبا.
وحوالي سنة 637 بعد الميلاد دخل العرب الفاتحون فلسطين واستولوا على القدس فجعل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس عاصمة مملكة فلسطين العربية، وأخذ العرب يقيمون المباني الإسلامية المقدسة على جبل موريا المهجور الذي كان لا يزال مطلا على المدينة، وفي القرن السابع بنى في القسم الجنوبي الغربي من ساحة الهيكل المسجد الأقصى، وهو مسجد ذو قدسية خاصة للمسلمين لكونه ثالث الحرمين بعد الحرم المكي والحرم المدني (نسبة إلى مكة والمدينة) ولذلك ينظر إليه المسلمون بعين الاحترام والتقديس ويحجون إليه من جميع الأقطار الإسلامية. وقد أقيم في وسط جبل موريا مسجد قبة الصخرة. وبذلك أصبحت ساحة الهيكل أو الحرم الشريف كما أسماه العرب مكانا ذا قدسية عظيمة للمسلمين في جميع أنحاء العالم. ومما تجدر ملاحظته بوجه خاص أن هذا العهد يرجع مبدأه إلى ما قبل ثلاثة عشر قرنا، إذا استثنينا الفترة التي احتل فيها الصليبيون البلاد.
وهناك عدد من المؤرخين اليهود في القرنين العاشر والحادي عشر نذكر منهم بن ماير والرابي صموئيل بن بالطيل وصولومون بن يهودا وغيرهم ممن كتبوا عن ذهاب اليهود إلى حائط المبكى لإقامة الشعائر الدينية عنده حتى لما كانت مقاليد البلاد في يد العرب.
وقد ورد في كتاب وضعه أحد الزوار المسيحيين في القرن الحادي عشر الذي تحاشي ذكر اسمه ما يفيد استمرار مجيء اليهود إلى القدس كل سنة.
وقد تخلل الحكم العربي وصول الصليبيين واحتلالهم القدس سنة 1099 للميلاد، فعاملوا اليهود في باديء الأمر بكل قساوة وشدة إلا أنهم أصبحوا أكثر تسامحا معهم فيما بعد. ويقول بنجامين توديلا - (سنة 1167) إن حائط المبكى أصبح في الدور الأخير من عهد الصليبيين مكانا تقام فيه الصلاة الدائمة. ثم عاد العرب فاستولوا على البلاد في أواخر القرن الثاني عشر ودعا صلاح الدين الملك العربي العظيم، اليهود إلى العودة إلى فلسطين.
وفي القرنين التاليين لذلك العهد لم يرد لفلسطين ذكر في التاريخ تقريبا. ومما يجب ذكره في هذا الصدد أنه في سنة 1193 للميلاد وقف الملك الأفضل بن صلاح الدين مساحة من الأرض تجاه الحائط وقفها لجهات الخير والبر حسب الشرع الإسلامي. وسنبحث في حكم الوقف في فصل تال من هذا التقرير. وفي سنة 1320 وقف أبو مدين الغوث البيوت المعروفة باسم محلة المغاربة (راجع ما تقدم) على حجاج المغاربة ومازالت هذه المحلة تعرف باسمهم لغاية الآن.
وفي سنة 1517 افتتح البلاد الأتراك واستولوا عليها وقد دام الحكم التركي لغاية الحرب العظمى، إذا استثنينا تسع سنوات، اعتبارا من سنة 1831، احتل فيها المصريون البلاد. أما فيما يتعلق بحائط المبكى وكيفية اعتباره في أثناء العهد التركي فهنالك آراء شتى في هذا الصدد تفوق مانستطيع سرده في هذا التقرير - وردت في مؤلفات مختلف السياح الذين ساحوا الأرض المقدسة وعلى الأخص في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي تدل على أن اليهود استمروا على المجيء إلى
حائط المبكى وجواره لتقديم تضرعاتهم. وفي سنة 1625 وردت إشارة لأحد الباحثين، الذي لم يذكر اسمه، إلى إقامة "صلوات منظمة" عند الحائط لأول مرة.
وفي أثناء المدة المبحوث عنها اتخذ أولياء الأمر الذين عنوا بمعالجة هذه المسألة قرارات ذات أهمية في شأن حائط المبكى. و في أثناء قيام اللجنة بالتحقيق في القدس أبرز وكلاء فريق المسلمين مرسوما أصدره إبراهيم باشا في شهر أيار سنة 1840 حظر به على اليهود تبليط الممر الكائن أمام الحائط ورخص لهم بزيارته فقط "على الوجه القديم". وأشار وكلاء فريق المسلمين أيضا إلى القرار الذي كان قد اتخذه مجلس الإدارة سنة 1911 وبه حظر على اليهود استعمال بعض أدوات عند الحائط. بينما أن وكلاء فريق اليهود لفتوا نظر اللجنة بوجه خاص إلى فرمان صادر من السلطان عبد الحميد سنة 1889 منع فيه التعرض للأماكن التي يجري فيهما اليهود الزيارات الطقسية والكائنة في الجهات التابعة لرئاسة الحاخاميين ولمراسيمهم الدينية. ولفتوا نظر اللجنة أيضا إلى فرمان صادر سنة 1841 يقال بأنه بنفس المعنى وإلى فرمانين آخرين صادرين سنة 1893 و 1909 يؤيدان ما جاء به الفرمان الصادر سنة 1889 وقد أرفقنا بهذا التقرير ترجمة المرسوم الصادر سنة 1889 وقرار مجلس الإدارة المتخذ سنة 1911 والفرمان الصادر سنة 1889 (الذيول 6 -
أما الفرمان الصادر سنة 1841 فلم يبرز في معرض البينة.
وفي شهر تشرين الأول سنة 1914 انضمت تركيا إلى دول الائتلاف في الحرب العظمى. وفي خريف سنة 1917 دخلت فلسطين جيوش الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي واحتلت القدس في أوائل كانون الأول من تلك السنة. وقد أصدر الجنرال اللنبي المنشور الآتي عندما دخل القدس رسميا في كانون الأول سنة 1917...
"... وطالما أن اتباع الأديان الثلاثة الكبرى في العالم ينظرون إلى مدينتكم بعين العطف والاحترام، وبما أن أرضها قد تقدست من الصلوات والزيارات التي قام بها جماعات كبيرة من الورعين والأتقياء من الأديان الثلاثة لأجيال عديدة، لذلك أعلن لكم بأن جميع المباني والأماكن والمواقع والمقامات المقدسة والأوقاف على اختلاف أنواعها وأماكن العبادة المعتادة العائدة للأديان الثلاثة سيحافظ عليها وتصان وفقا للعادات المرعية واعتقادات أولئك الذين ينظرون إليها بعين التقديس".
وفي أثناء زحف جيوش الحلفاء في فلسطين وضع المستر بلفور، وكان آنذاك وزير الشئون الخارجية لحكومة جلالته البريطانية، التصريح الآتي بالنيابة عن حكومة جلالته في 2 تشرين الثاني سنة 1917.
"إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، مع البيان الجلي بألا يفعل شيء يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين الآن ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وقد دامت الإدارة العسكرية البريطانية في فلسطين لغاية 1 تموز سنة 1920 عندما أنشئت إدارة مدنية يرأسها المندوب السامي لحكومة جلالته.
وفي 20 كانون الأول سنة 1921 أصدر المندوب السامي نظام المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وبموجبه عهد لهذا المجلس بإدارة شئون الأوقاف الإسلامية والمحاكم
الشرعية الإسلامية في فلسطين. أما أعضاء هذا المجلس فينتخبون انتخابا من هيئة انتخابية.
وقد عهد مجلس عصبة الأمم في 24 تموز لسنة 1922 إلى الحكومة البريطانية بالانتداب على فلسطين، ذلك الانتداب الذي أشارت إليه معاهدة سيفر لسنة 1920 مع أن هذه المعاهدة لم توضع موضع الاجراء قط وقد وضع الانتداب موضع التنفيذ رسميا في 26 أيلول سنة 1923 بعد أن وقعت تركيا على معاهدة لوزان. وفيما يلي نص بعض مواد صك الانتداب على فلسطين التي لها علاقة بالمسألة المتنازع عليها.
المادة الثالثة عشرة
"تأخذ الدولة المنتدبة على عاتقها، مع ضمان جميع مقتضيات الأمن والنظام، كل مسئولية بشأن الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية في فلسطين وصيانة جميع الحقوق المرعية وتأمين حرية السلوك إلى الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية وحرية العبادة ولا تكون مسئولة عن جميع الحقوق المتعلقة بها إلا تجاه جمعية الأمم على أنه ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة المنتدبة من أن تتفق مع الحكومة على ما تراه ضروريا لأجل تنفيذ أحكام هذه المادة وعلى ألا تفسر أحكام صك الانتداب هذا بأنها تخول الدولة المنتدبة حق التعرض لجوهر أو إدارة المقامات الإسلامية البحتة المقدسة المصونة امتيازتها".
المادة الرابعة عشرة
"تعين الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدروس وتعريف وتحديد جميع الحقوق والادعاءات المختصة بالأماكن المقدسة والعائدة لمختلف الطوائف الدينية في فلسطين وتعرض شكل تعيين أعضاء اللجنة وتأليفها ومهامها على مجلس عصبة الأمم للموافقة عليها. ولا تعين اللجنة ولا تقوم بمهامها بغير موافقة المجلس"
المادة الخامسة عشرة
"على الدولة المنتدبة أن تتأكد من أن الحرية الدينية التامة وحرية القيام بجميع شعائر العبادة مضمونتان لجميع المذاهب بشرط المحافظة على النظام العام والآداب فقط. ويجب ألا يكون هنالك أى تمييز بين سكان فلسطين سواء بسبب الجنس أو الدين أو اللغة، وألا يمنع شخص من دخول فلسطين بسبب معتقده، الديني فقط.
ويجب ألا تمس حقوق الطوائف في تولي شئون مدارسها لتعليم أبنائها بلغتهم ولا أن يجحف بها على أن يكون ذلك مطابقا لمقتضيات التعليم العمومية التي قد تفرضها الحكومة".
المادة السادسة عشرة
"تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن القيام بما تقتضيه المحافظة على النظام العام والحكم المنتظم من الإشراف على الهيئات الدينية والخيرية من جميع المذاهب في فلسطين. ومع مراعاة هذا الإشراف لا يجوز أن تتخذ أية تدابير في فلسطين من شأنها عوق أعمال هذه الهيئات أو التعرض لها ولا إجراء تمييز بين ممثلي هذه الهيئات أو أعضائها بسبب دينهم أو جنسيتهم".
**
أما الجمعية الصهيونية وهي "الوكالة اليهودية الصالحة" المعترف بها في المادة الرابعة من صك الانتداب فقد كانت تمثلها في فلسطين لغاية شهر آب 1929، اللجنة التنفيذية الصهيونية التي انتخب أعضاءها المؤتمر الصهيوني. أما الآن فقد حلت محل هذه اللجنة الوكالة اليهودية. وقد انتخبت هذه الوكالة في المؤتمر المشترك الذي عقده الصهيونيون وغير الصهيونيين في مدينة زوريخ في شهر آب سنة 1929.
وقد فرضت المادة الحادية والعشرون من صك الانتداب وضع قانون للآثار القديمة ويعرف هذا القانون بقانون الآثار القديمة لسنة 1929. ويعتبر حائط المبكى مكانا أثريا بالمعنى المفهوم من القانون ولذلك فهو مشمول بحماية دائرة الآثار القديمة.
وقد حملت الاختلافات الناشئة عن مشكلة حائط المبكى وزير المستعمرات البريطانية على نشر "كتاب أبيض" في شهر تشرين الثاني سنة 1928 يحدد خطة حكومة جلالته في المسألة. وقد أرفقنا نسخة من هذا الكتاب بهذا التقرير (الذيل التاسع) وبعد الاضطرابات التي وقعت في السنة الماضية أصدر المندوب السامي في أواخر شهر أيلول سنة 1929 تعليمات مؤقتة بشأن استعمال حائط المبكى وقد أرفقنا نسخة من هذه التعليمات بهذا التقرير أيضا (الذيل العاشر).
يتبع .....