توني بلير.. في «هذيانِه»!
محمد خروب
نعم توني بلير، هذا الذي اسهم بفاعلية استعمارية توراتية حاقدة, في تدمير العراق وإرجاعه الى العصر الحجري. على النحو الذي هدّد به شريكه في الجريمة جورج بوش, فقتل من العراقيين مئات الآلاف، استكمالاً لحال الحصار والعقوبات التي حصدت ارواح اكثر من نصف مليون طفل عراقي, لم ترَ في موتهم رئيسة الدبلوماسية الاميركية مادلين اولبرايت, سبباً للاعتذار او الاسف بل «اكّدت» ان لكل صراع آثاره... «الجانبية»..
اما لماذا توني بلير، فلأن هذا التاجر الآفاق وسمسار السلبطة والعلاقات العامة,الذي ترأس ذات يوم «الرباعية الدولية» المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة (هل يتذكّرها أحد الآن؟ وما اذا قد تم الاستغناء عنها, بعد ان ادت مهمة شراء الوقت على اكمل وجه..أم لا؟) قد عاد – بلير – الى الأضواء هذه الايام, ولكن من بوابة الاجتماع السنوي للوبي الضغط اليهودي الاميركي الشهير (إيباك) واقفا على منصته يوم الاحد الماضي, ليُروّج الى «الحل الاقليمي» الذي اخترعه ويتمسك به بنيامين نتنياهو, ويرى فيه الطريق الأمثل والوحيد لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بعد ان اطلق رصاصة الرحمة او لنقُل اهال التراب بازدراء على كل الحلول المطروحة التي «تساوق»معها, شراءً للوقت ورغبة في فرض حقائق الاستيطان وتهويد القدس على ارض الواقع, وعندما نضجت الظروف الميدانية وخصوصا الجيوسياسية والاستراتيجية, بعد ان انزلق العرب الى حروبهم الداخلية وانخرطوا في لعبة الخلافات الطائفية والمذهبية واخذت الاحقاد الشخصية ومعادلة تصفية الحسابات, الأولوية على اجندة العواصم العربية، وبخاصة مع فشل الوساطة المزعومة التي استهلكت المزيد من الوقت والجهد, دون ان تُسفِر عن شيء يُذكَر، سوى مد اللسان الاسرائيلي الطويل في وجه وزير الخارجية الاميركي السابق جون كيري, وتواطؤ اوباما الذي اتّخذ من «شخّصنة» الخلاف مع نتنياهو, كي يبرر لنفسه وبلاده دعم سياسات اسرائيل التوسعية, ويُسهِم في رفدها بمزيد من الاسلحة والتكنولوجيا العسكرية و»التبرّع» بمزيد من مئات ملايين الدولارات لدعم برنامجها الصاروخي لمواجهة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى»العربية», مثل حيتس والقبة الحديدية ومقلاع داود, وليمنحها مساعدات نقدية وأمنِيّة وعسكرية تزيد على نصف المساعدات الخارجية الاميركية لكل الدول التي تتلقى «مكرمات» واشنطن، فيما تسلّى بعض العرب – لفرط سذاجتهم – بالخلاف «الشخصي» المُفتعَل بين اوباما ونتنياهو ,فتركّز حديثهم حول انعدام «الكيمياء» بينهما، فيما دخل اوباما «التاريخ الصهيوني» كأكبر رئيس أميركي ساهم في دعم أمن اسرائيل منذ قيامها.
عودة الى بلير..
رئيس الحكومة البريطانية الأسبق, الذي جيء به لرئاسة الرباعية الدولية انحصرت مهمته – وقتذاك – او لنقل كما روّج الاعلام واجهزة الاستخبارات, في تنفيذ قرارات مجلس الامن الداعية الى وضع «حل الدولتين» موضع التنفيذ, وهو ولمزيد من تمييع المواقف وإخفاء عدم الجدِّية التي لازمت تحركاته وزياراته واجتماعاته وتنقلاته, زَعَم انه يتعاطى بايجابية مع المبادرة العربية التي تبنّتها قمة بيروت قبل خمس عشرة سنة بالضبط آذار 2002... لمن لا يتذكّر) والتي واصلت القمم العربية التي انعقدت بعدها التأكيد عليها واعتبارها «السقف العربي» المقبول والوحيد, اذا ما أُريد للصراع ان ينتهي.
يوم الاحد الماضي ومِن على منصة «ايباك»,تولّى «مبعوث» الرباعية الدولية، ومجرم الحرب الموصوف توني بلير، «نَسْفَ» هذه المبادرة، واعتبرها شيئا من الماضي, عندما دعا امام «هوامير» اليهود والمتصهينين الى تبني «حل اقليمي أشمَل بين اسرائيل والدول العربية، من شأنه (كما زعَم) ان يُسهِم في «اقامة الظروف» لتحقيق السلام بين اسرائيل و»فلسطين» (....) مُركِّزا حفيد المُستِعمرين القدامى: على «ضرورة قيام اسرائيل بالتسوية والتفاهم والتطبيع مع الدول العربية أولاً، لأن «الحل مع الفلسطينيين سيكون بعد ذلك.. سهلاً».
فهل ثمة فرق بين ما طرحه من قَبْل «سيده» نتنياهو – وبين ما يجتّره مجرم الحرب هذا؟. لم يتوقف بلير عند هذا, بل مضى الى القول وكأني به يكشف عن «نتائج» مهمته في الرباعية البائسة, التي استهلكت المزيد من الوقت دون ان تُسفر عن شيء يُذكر, فاذا به الان يتحدث لنا عن حصيلة عمله السرِّي.. «لن يكون في وسعنا التوصل الى السلام بالاعتماد على الخطوات السابقة... نحتاج – والكلام لبلير – الى منهجية جديدة لتحقيق تقدُّم, ولكي يضع الامور في سياقها المطلوب كشف في صراحة يُحسد عليها: إن «مسلسل» ربط الجسور بين اسرائيل والعالم العربي (يسير في الواقع على احسن وجه)..
يعلم بلير الكثير, وهو يتكلم في جلسة «سَمَر» مع اصدقاء وحلفاء وسادة, خَدَمَهُم من اعماقِه, وهو ما يزال مديناً لهم ببقائه السياسي, بعد ان لاحقه الفشل ولم تُفارِقه اللعنات والخيبات، ولهذا فهو يقول ايضا في تلخيص لرؤى سيده «نتنياهو»: لا يمكن التوصل الى هذه العلاقة الجديدة بين اسرائيل والدول العربية, إلاّ اذا تم «تدبير» الملف الفلسطيني, والتعاطي معه ووضعه على سكة التوصل الى تسوية. ولِأن الكلام عمومي ولم يتحدث عن حل الدولتين والمبادرة العربية, فانه استطرد مُوضِّحاً: ان مقاربة «من الخارج نحو الداخل»، يمكن ان تُوفر الأجواء لتوقيع اتفاق صعب المنال. ختم بلير هرطقاته.
اضيفوا الى ذلك كله، ما قالته المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هالي, امام «ايباك» قبل يومين من ان زمن «تقريع» اسرائيل قد «ولّى».. وان «الجميع» في الامم المتحدة يخافون من الحديث معها عن القرار 2234 (الذي طبّل العرب..له طويلاً).. لِتعرِفوا أي عصر وأجواء «مُقبِلَة» عليها...القضية الفلسطينية.خصوصاً ان نتنياهو قال امام اللوبي اليهودي نفسه:أن على الفلسطينيين الإعتراف بـ»دولة يهودية».. مرة واحدة..وإلى الأبد.