نص مذكرة محمود رياض
الى رئيس مجلس الأمن
13/ 2/ 1969
ان أولى مقاصد الأمم المتحدة كما ينص عليها الميثاق حفظ السلام والأمن الدولى. وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ المنظمة الدولية التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التى تهدد السلم ولقمع أعمال العدوان.
والتبعات الرئيسية فى حفظ السلم والامن الدولى تقع على عاتق مجلس الامن الذى يعمل فى أداء هذا الدور وفق أهداف الامم المتحدة ومبادئها التى تحرم العدوان.
وهذه التبعات التى اتفق أعضاء الأمم المتحدة بنص الميثاق على أن يعهدوا بها الى مجلس الأمن رغبة منهم فى أن يكون العمل الذى تقوم به الأمم المتحدة سريعا وفعالا - لا يمكن أن يقال انها تستنفذ أغراضها بالوقوف عند حد تقدم المجلس بتوصيات لتسوية حالة يهدد استمرارها صيانة السلم والأمن الدولى.
فبالاضافة الى دور المجلس فى التوصية بما يراه ملائما من الاجراءات وطرق التسوية وشروط حل النزاع فان واجبات المجلس وطبيعة المسئوليات التى تقع تبعتها على أعضائه وخاصة أعضائه الدائمين تقتضى مواصلة العمل لتسوية الحالة التى تهدد السلم والامن الدولى.
فنصوص الميثاق وروحه تستمد أصولها من تحريم العدوان صيانة للسلام. فمقاصد الميثاق ومبادئه التى عقد اعضاء الامم المتحدة العزم على تأييدها والتبعات الرئيسية التى عهدوا بها الى مجلس الامن لا يمكن معها التجاوز عن حالة العدوان المستمر التى مازالت قائمة فى أراضى دول عربية ثلاث بالرغم من انقضاء 18 شهرا منذ ارتكاب اسرائيل لعدوانها على الدول العربية فى 5 يونيو 1967 وبالرغم من صدور قرار مجلس الامن فى 22 نوفمبر 1967 الذى نص على التسوية السلمية التى أجمع عليها المجلس ولا يمكن للمجلس أن يقبل استمرار وجود حالة تهدد السلم والامن الدولى نتيجة لرفض المعتدى قبول وتنفيذ هذه التسوية.
كذلك فانه طبقا للميثاق تعمل الهيئة وأعضاؤها وفق المبادئ السبعة الواردة فى مادته الثانية- ومنها مبدأ الامتناع. عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الاراضى أو الاستقلال السياسى لأى دولة أو على أى وجه آخر لا يتفق ومقاصد الامم المتحدة.
وعندما قامت اسرائيل بعدوانها فى يونيو 1967 أصدر مجلس الأمن قرارا
بايقاف اطلاق النار فى 9 يونيو 1967 وكان هدف قرار وقف اطلاق النار هو وقف المعتدى ومنعه من الاستمرار فى عدوانه. وكان من المفروض أن يطالب المجلس اسرائيل بالانسحاب من الاراضى التى احتلتها نتيجة العدوان الا أن المجلس عجز فى تلك المرحلة عن اتخاذ هذه الخطوة الطبيعية والتى ترد عادة فى مثل هذه القرارات وقد قيل عندئذ أنه لابد من اتخاذ قرارات أخرى لتحقيق السلام قبل مطالبة المعتدى بالانسحاب مما أدى الى انقضاء فترة أخرى استغلتها اسرائيل لمحاولة الاستفادة من عدوانها بالرغم من قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار فأعلنت ضم القدس وواجهت العالم بأمر واقع جديد.
وقد رفضت الجمعية العامة فى دورتها الاستثنائية بقرارها رقم 2253 الصادر فى 4 يوليو 1967 الاجراءات التى اتخذتها اسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس واعتبرت تلك الاجراءات باطلة وطلبت من اسرائيل الغاء كافة التدابير التى اتخذتها وان تمتنع عن اتخاذ أى عمل من شأنه أن يغير وضع القدس.
كما عادت الجمعية العامة فعبرت فى قرارها رقم 2254 بتاريخ 14 يوليو 1967 عن أسفها الشديد لعدم تنفيذ اسرائيل لقرار الجمعية المذكور وكررت مطالبة اسرائيل بالغاء كافة التدابير التى اتخذتها والامتناع عن اتخاذ أى عمل من شأنه أن يغير وضع مدينة القدس.
كذلك فان قرار مجلس الأمن رقم 252 فى 21 مايو 1968 أكد من جديد مبدأ عدم شرعية ضم الاراضى بالغزو العسكرى وعبر عن سخطه لأن اسرائيل لم تنفذ قرارى الجمعية المشار اليهما كما اعتبر كافة الاجراءات التشريعية والادارية التى اتخذتها اسرائيل باطلة ولا يمكن أن تبدل من وضع مدينة القدس وطالب اسرائيل بالغائها وعدم اتخاذ أى أعمال من هذا القبيل الا أن اسرائيل استمرت فى رفض قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن. ويكرر زعماؤها فى شتى المناسبات تمسكهم باغتصاب القدس. ويكفينا أن نشير الى أن رئيس وزراء اسرائيل فى مؤتمر صحفى يوم 26/ 5/ 1968 وصف قرار مجلس الأمن الصادر فى 21 / 5/ 1968 بأنه يتنافى مع العقل وانه غير عملى وانه أحسن اجراء لعرقلة السلم فى الشرق الأوسط. كما صرح فى 22/ 9/ 1968 بأن تصميم اسرائيل على ما اسماه بالمحافظة على وحدة "عاصمتها القدس مسألة لا تقبل المناقشة أو التقييم وان "تحرير" القدس تخرج عن نطاق أى تحليل سياسى أو عسكرى.
لقد وافق مجلس الأمن بالاجماع فى 22 نوفمبر 1967 على مشروع القرار الذى تقدمت به بريطانيا للتسوية السلمية للحالة فى الشرق الأوسط. ولقد حرص صاحب المشروع عند تقديمه وفى مناسبات لاحقة وكذلك جميع مؤيديه على تأكيد قيامه على توازن دقيق تستند اليه التسوية السلمية التى نص عليها فأى اضافة اليه أو انتقاص منه يقضى على القرار الذى يعتبر وحدة واحدة متوازنة توجد تقابلا فى الحقوق والالتزامات التى يرتبها.
وقد أعلنت الجمهورية العربية المتحدة موافقتها على قرار المجلس الصادر فى 22 نوفمبر سنة 1967 واستعدادها لتنفيذه كما أوضحت أن هذا القبول من جانبها يقوم على أساس لا لبس فيه من أن القرار يطالب اسرائيل بالانسحاب من كافة الأراضى العربية التى احتلتها نتيجة لعدوانها على الدول العربية فى 5 يونيو 1967،
كما أنه من الطبيعى أن قبول الجمهورية العربية المتحدة للقرار واستعدادها لتنفيذ التزاماتها الواردة فيه يستدعى أيضا أن تقبل اسرائيل القرار وتقبل تنفيذ الالتزامات الواردة فيه.
وقد أبلغنا السفير جونار يارنج أننا نوافق على قرار مجلس الأمن وأننا على استعداد لتنفيذه واقترحنا عليه أن يقوم بوضع جدول زمنى لتنفيذ كافة بنود القرار وطلبنا أن يتم تنفيذ القرار تحت اشراف وضمان مجلس الأمن.
أما اسرائيل فان موقفها يتلخص حتى الآن فى أنها ترفض تنفيذ قرار مجلس الأمن وتعمل ضده وترفض الانسحاب وتصر على استمرار الاحتلال.
فقد ذكر أشكول رئيس وزراء اسرائيل فى الكنيست يوم 5 نوفمبر سنة 1968 "أننا عندما نقول أن نهر الاردن يعتبر حدودا آمنة بالنسبة لاسرائيل فاننا نعنى بذلك أنه بمجرد عقد اتفاقية سلام لن نسمح لأى قوات أجنبية بأن تعبر تلك الحدود حتى بعد توقيع اتفاقية صلح، وان اسرائيل لن توافق على بقاء قوات أردنية أو عربية أو أى جيش آخر فى الضفة الغربية للأردن فى أية تسوية نهائية".
كما صرح أيضا فى الكنيست يوم 11 نوفمبر 1968 بقوله "ان اسرائيل سوف تتمسك بمضايق تيران كجزء من أية تسوية لمشكلة الشرق الأوسط".
كما جاء فى حديثه مع مجلة نيوزويك الأمريكية فى عددها الصادر يوم 9 فبراير سنة 1969 "ان ما نقوله هو ان نهر الأردن يجب ان يصبح حدود أمن لنا بكل ما يترتب على ذلك. وسيظل جيشنا فى الحزام الممتد بحذاء هذه الحدود" كما ذكر فى نفس الحديث "أنه بالنسبة لمرتفعات جولان فاننا بكل بساطة لن نتخلى عنها ابدا ويسرى ذلك أيضا بالنسبة للقدس" فهناك لا توجد أى مرونة على الاطلاق. كذلك ذكر فى نفس الحديث ان اسرائيل تطلب تمركز قوات لها فى شرم الشيخ وهو ما يفسر تهكمه على انشاء مناطق منزوعة السلاح. وفى الوقت الذى يحاول أن ينفى فيه نيات اسرائيل التوسعية فانه يعلن فى حديثه ان اسرائيل لن تعود الى الحدود السابقة على 5 يونيه 1967 وان اتفاقيات الهدنة قد ماتت ودفنت.
وعندما نضيف الى تصريحات رئيس وزراء اسرائيل التصريحات السابقة واللاحقة لوزير خارجيتها ووزير الدفاع فيها. تتضح لنا الصورة لحقيقة أطماع اسرائيل فى المرحلة الحالية:
فايبان فى حديثه لصحيفة الفيجارو يوم 5 فبراير 1969 أكد اطماع اسرائيل فى القدس ومرتفعات جولان والضفة الغربية وان احتلال اسرائيل لشرم الشيخ أمر لا يمكن الرجوع فيه. كما سبق ان أشار بوضوح فى مؤتمر صحفى يوم 17 يناير 1969 الى ان اسرائيل تنوى استمرار احتلال شرم الشيخ وشريط من الأرض على طول المنطقة الشرقية لسيناء.
وللجنرال ديان تصريحات كثيرة عن الضفة الغربية وآخرها ما تناقلته وكالات الانباء يوم 11 فبراير 1969 مع تكرار مطالبته بادماج الضفة الغربية للأردن اقتصاديا واداريا فى اسرائيل وانشاء مستعمرات اسرائيلية فى الأراضى المحتلة.
فزعماء اسرائيل والمسئولون فيها يكشفون جانبا من أطماعها فى صراحة تامة ودون
مواربة ويحاولون تغطية الجانب الآخر من تلك الأطماع بغلالة شفافة لا تخفى شيئا فتصريحاتهم عن الضفة الغربية تستكمل صورة اطماعهم فيها فاسرائيل تطلب استمرار الوجود العسكرى الاسرائيلى على نهر الأردن وعدم وجود قوات عربية وادماج الضفة الغربية اقتصاديا فى اسرائيل وانشاء مستعمرات اسرائيلية فيها ومعنى ذلك سيطرة اسرائيل الكاملة على المنطقة فلا فرق بين ذلك وبين اعلان الضم رسميا.
وبالنسبة لشرم الشيخ فان اسرائيل لا تطالب بوجود عسكرى اسرائيلى فيها فقط بل وبالسيطرة على شريط من الأرض فى سيناء بدعوى حماية هذا الوجود العسكرى.
فمن الواضح أن خطة اسرائيل التوسعية فى هذه المرحلة والتى تؤكدها تصريحات رئيس وزرائها ووزير خارجيتها ووزير الدفاع يمكن تلخيصها فى الآتى:
1 - ضم القدس.
2 - استمرار احتلال مرتفعات جولان السورية.
3 - استمرار احتلال الضفة الغربية بالأردن والسيطرة الكاملة عليها وانهاء السيادة الأردنية عليها عملا.
4 - ادماج قطاع غزة اقتصاديا واداريا فى اسرائيل.
5 - استمرار احتلال شرم الشيخ ومنطقة خليج العقبة واستمرار الوجود العسكرى الاسرائيلى فى شريط من الأرض فى سيناء.
6 - انشاء مستعمرات اسرائيلية فى الأراضى المحتلة.
ان نيات اسرائيل التوسعية وطمعها فى أرض عربية جديدة تشكل موقفا يتعارض تماما مع قرار مجلس الأمن، فاسرائيل لم تكتف برفض تنفيذ القرار بل استمرت لمدة أكثر من عام فى مراوغة السفير يارنج حول الأسئلة المحددة التى وجهها اليها عن مفهومها عن الحدود الآمنة ثم كشفت أخيرا القناع عن نواياها التوسعية بالتصريحات التى ادلى بها رئيس وزرائها ووزير خارجيتها ووزير الدفاع فيها وغيرهم من المسئولين. فاسرائيل تعمل الآن صراحة ضد القرار الذى وافق عليه المجتمع الدولى ممثلا فى اجتماع مجلس الأمن على التسوية السلمية التى نص عليها قراره الصادر فى 22 نوفمبر سنة 1967، فمن الطبيعى ازاء هذا الموقف ان تتوقع الجماعة الدولية من مجلس الأمن وخاصة الدول الدائمة فيه ان تتخذ الخطوات الايجابية اللازمة لردع المعتدى وازالة آثار عدوانه وتنفيذ قرار المجلس الصادر فى 22 نوفمبر 1967 الذى يكفل انهاء حالة يهدد استمرارها السلم والأمن الدولى.