مُقابَلات رؤوساء دول في زمن الحروب راسِخَةٌ في الذاكِرَةِ
1. المُقَدِمَةِ
أولاً. يكتب الصحفيون والإعلاميون و المؤرخون العرب سيرة رؤوساء الدول فور تسنم الرؤوساء للمنصب ومن خلال أول مقابلة يُجْريها معهم الرئيس ويقوموا بإستعراض الإنجازات الوهمية التي حققها لشعبه التي قام بها الرئيس وتلميع صورتهم أمام شعوبهم بما تمليه عليهم المصالح الشخصية لرؤوسائهم والمصالح الشخصية للكاتب نفسه ويفتحوا أبواب الفساد المالي والإداري على مصراعيها أمام مستشاري الرئيس .
ثانياً. بعيداً عن العاطفة السياسية والحزبية والمصلحة الشخصية لرؤوساء تلك الدول والمصلحة الشخصية لكاتب المقال لكون الأثنين في ذمة الخلود وكاتب المقال خارج الخدمة وفي نهاية العقد السابع من العمر أُوََّثقُ في مقالي ملاحظات في مقابلتين عن شخصيتين لرؤوساء أكبر دولتين عربية أشغلت العالم بقطبيه الشرقي والغربي لِعُقودٍ من الزمن حيث سنحت لي الفرصة الجلوس أمامهم لساعات قليلة أستمع وأصْغى لأرائهم عن إدارة الأحداث العسكرية الجسيمة التي مرت بها بلدانهم في ظروف دولية في غاية التعقيد وهما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل صدام حسين رحمهما الله .
ثالثاً. منذ فترة طويلة نَوَيَّت توثيق هذه الملاحظات لكني ترددت كثيراً خِشْيَّةً أن تُحْسَبْ علينا ويفسرها الأخرين تفسيراً خاطِئاً ، لكن الأمانة التأريخية تملي علينا تدوين الحقائق بدون مبالغة وتزويغ وبمهنية وحيادية ووضعها أمام القارئ الكريم والله من وراء القصد .
2. المقابلة الأولى مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حرب 5 حزيران 1967
أ. خلفية تأريخية
أولا.ينبغي تعريف القارئ الكريم بشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للأجيال التي وُلِدَتْ في ستينات القرن الماضي ومابعدها في العراق وفي مصر نفسها لأن تأريخ هذه الشخصية تَعَرَّض إلى تشويه ومسح مقصود وممنهج بعد وفاته مباشرة في 28 آيلول 1970 .
ًثانياً. سطع نجم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حرب 1948 مع العصابات الصهيونية عندما تم مُحاصَرَةً الجيش المصري ومن ضمنها الوحدة العسكرية التي كان يقودها في منطقة تعرف ( الفالوجة ) التي تقع شمال شرق غزة بمسافة 30 كيلومتراً وبقت وحدات الجيش المصري مُحاصَرَة ًلفترة طويلة ولم تستسلم للعصابات الصهيونية التي كانت تدعمها بريطانيا ، لم نستيطع تحديد موقعها حالياً على الأرض من على خرائط الكوكل لتغيير معالم الأرض والأسماء من اللغة العربية إلى اللغة العبرية.
ثالثاً. بعد قيام تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري بالثورة في 23 يوليو/ تموز 1952 كان في حينها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر برتبة مقدم وتَبَوَّء أعلى منصب في الدولة . رابعاً. تعرض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمحاولة إغتيال في ذكرى الثورة يوم 23 يوليو/ تموز 1954 بإطلاق النار عليه من قبل شخص ينتمي إلى تنظيم الأخوان المسلمين عندما كان يروم إلقاء خطاب في ميدان المنشية في مدينة الإسكندرية بالرغم من نفي قيادة الإخوان المسلمين مسؤوليتها عن محاولة الإغتيال في حينه ، وبعد مرور مايقارب 50 عاماً على الحادث يعترف أحد قادة الأخوان المسلمين الآن إن محاولة الإغتيال كانت من تدبير التنظيم وكما منشور في عدة مواقع في الأنترنت .
خامساً. أزداد نجم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بريقاً بعد تأميم قناة السويس وقيام تحالف رؤوساء الوزراء (آيدن / رئيس وزراء بريطانيا – جي موليه / رئيس وزراء فرنسا – بن غوريون / رئيس وزراء إسرائيل ) ضد مصر وقيام العدوان الثلاثي ( البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي ) في 29 تشرين الأول 1956 على مدن قناة السويس لغرض السيطرة عليها وضرب الشعب المصري مثلاً بطولياً رائعاً في المقاومة والتصدي للإنزال الجوي والبحري على مدينة بور سعيد.
ب. حرب حزيران 1967
أولاً. في نهاية شهر آيار 1967 قام العدو الصهيوني بتحشيد قطعاته العسكرية بإتجاه حدود إسرائيل الشمالية مع سوريا ومن أجل تخفيف الضغط على الحدود السورية قامت الجمهورية العربية المتحدة بإتخاذ إجراءات عسكرية عديدة مستعجلة غير محسوبة بدقة ومخطوءة ،
منها غلق مضائق تيران شمال البحر الأحمر بوجه الملاحة البحرية الإسرائيلية ، وسحب المراقبين الدوليين من على الحدود المشتركة مع إسرائيل في سيناء ، وتحشيد الجيش المصري في سيناء .
ثانياً. رافقت الإجراءات العسكرية المصرية في شبه جزيرة سيناء ضغوط سياسية من قبل الدول الغربية والإتحاد السوفييتي السابق مطالبة مصر بضبط النفس و بعدم شن هجوم على الحدود الإسرائيلية .
ثالثاً. صبيحة يوم 5 حزيران 1967 شَنَتْ إسرائيل هُجُوماً جَوُياً واسع النطاق على القواعد الجوية المصرية في طول مصر وعرضها ودمرت نسبة 90 % من الطائرات المقاتلة المصرية وهي جاثمة على الأرض تبع الهجوم الجوي هجوم بري مدرع في شبه جزيرة سيناء من خلال هذا الهجوم تمكنت إسرائيل في الأيام (5 – 9 ) حزيران 1967 من تدمير نسبة 80 % من قطعات الجيش المصري المتواجد شرق قناة السويس في سيناء وأحتل الجيش الإسرائيلي كامل أراضي سيناء وأصيبت مصر بنكسة خطيرة أصعب من نكبة فلسطين سنة 1948 .
رابعاً. مساء يوم 9 حزيران 1967 أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إستقالته من منصب رئيس الجمهورية وأعلن مسؤوليته الكاملة عن خسارة الجيش المصري في المعركة ، لكن جماهير الشعب المصري خرجت بمظاهرات عارمة في كافة محافظات مصر ورفضت تنحي الرئيس الراحل
جمال عبد الناصر عن السلطة . خامساً. سبق أن كتبنا مقال عن مآثر الجيش العراقي الباسل في حرب حزيران 1967 في سيناء من خلال إشتراك الفوج الأول لواء المُشاة الأول (فوج موسى الكاظم ) وَنُشِرَ في موقع الكاردينيا بتاريخ 21 حزيران 2014 .
سادساً. في ذلك التأريخ كُنْا في عنفوان الشباب بِرُتَبْ عسكرية صغيرة أصابنا الألم في القلوب والإنكسار في النفوس لِما شاهدنا من تكرار نكبة فلسطين سنة 1948 ، وَكُنْا نتسائل ماذا حدث في هذا اليوم المشؤوم 5 حزيران للجيش المصري في سيناء وبالرغم من نشر معلومات مقتضبة في الصحف المصرية عن الأحداث لكن ذلك لم يَشْفي غليلنا وَكُنْا نتطلع إلى معرفة حقيقة ما حدث للجيش المصري من قِمَةْ هرم السلطة في مصر.
سابعاً. أوْفى الإتحاد السوفييتي السابق بإلتزامه بتجهيز الجيش المصري بالطائرات المقاتلة والمعدات الحربية والأسلحة بكافة أنواعها والذخيرة وأقام جسر جوي بين موسكو والقاهرة لنقل المعدات والأسلحة وشاهدنا ذلك من خلال تواجدنا في مطار القاهرة الدولي بقسمه العسكري ، كما أرسل الإتحاد السوفيتي خبراء للإشراف على تدريب الجيش المصري ولِفترة طويلة من الزمن .
ثامناً. من خلال إنفتاح الفوج الأول لواء المُشاة الأول ومسك موضع دفاعي على قناة السويس في مدينة الإسماعيلية شاهدنا ولمسنا التغير الذي حصل في تجهيز وتدريب الجيش المصري وإرتفاع معنويات جنوده من خلال حرب الإستنزاف التي بدأت بعد مرور فترة قصيرة لم تتجاوزال 6 أشهر كما شاهدنا الشهيد عبد المنعم رياض رئيس أركان الجيش المصري و بصحبته الخبراء الجنرالات الروس وهو يتجول معهم بين المواضع الدفاعية بإستمرار إلى أن نال الشهادة في إحدى جولاته التفقدية للمواضع الدفاعية على قناة السويس.
ج. المعايدة السعيدة في عيد الأضحى المبارك
أولاً. ليلة اليوم الثالث من عيد الأضحى المبارك إتصل ضابط من قيادة الفرقة الثانية التي كان تشكيلنا يعمل بإمرتها بضابط الإرتباط المصري الذي يعمل مع وحدتنا أخبره بوجوب حضور ضباط الفوج صباح اليوم التالي المصادف اليوم الثالث من عيد الأضحى المبارك في مقر الفرقة الميداني في مدينة الإسماعيلية لغرض لقاء الفريق أول أركان حرب محمد فوزي وزير الحربية لغرض المعايدة بمناسبة عيد الأضحى المبارك المصادف 11 آذار 1968 .
ثانياً.في الوقت المحدد من صباح اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك تواجد ضباط الفوج مع آمر الفوج المقدم الركن محمد حسن شلاش في مقر الفرقة الثانية الميداني ،كان عدد الحضور أكثر من 300 ضابط من الجيش المصري وضباط الوحد العسكرية المشاركة من الجيش الجزائري وضباط الوحدة العسكرية المشاركة من الجيش الليبي وضباط الوحدة العسكرية المشاركة من الجيش الكويتي وضباط الفوج الأول لواء المُشاة الأول من الجيش العراقي وكان جلوس ضباط الجيش العراقي في الصف الأول في ترتيب مكان الجلوس.
ثالثاً. بعد تكامل المدعوين إعْتَلّى قائد الفرقة الثانية المنصة ورحب بالحضور وقال بالأمس طلبنا حضوركم للقاء السيد وزير الحربية الفريق أول أركان حرب محمد فوزي واليوم تتشرفون بلقاء السيد الرئيس جمال عبد الناصر وفور إنتهاء إذاعة إسم الرئيس جمال عبد الناصر خرج الرئيس الراحل وبصحبته عدد من المستشارين الروس وإعْتَلّى الجميع المنصة وجلسوا وَجْهَاً لوجه مقابل الضباط الحضور، صَفّق الجميع بحرارة وبدت علامات الإستبشار على وجوه جميع الحاضرين.
رابعاً. رحب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالحضور وهنأ الجميع بمناسبة عيد الأضحى المبارك وبدأ بالحديث قائلاً أعلم إنكم ترغبون معرفة ماحدث للجيش المصري يوم 5 حزيران 1967 وبدأ بشرح الظروف السياسية التي سبقت الحرب والموقف العسكري على الجبهة السورية عشية الحرب وموقف الدول الغربية وموقف الإتحاد السوفييتي وموقف الجيش المصري عشية الحرب وإستعدادته للمعركة وإستغرق حديث الرئيس الراحل أكثر من ساعتين متواصلة وكشف عن دقائق الأمور التي حدثت بعد العدوان الْثُلاثي على مصر سنة 1956 لغاية 5 حزيران 1967 ، سأوجز أهم النقاط التي بقيت راسخة في ذاكرتي :
(1). قال الراحل جمال عبد الناصر بعد حرب 1956 أُنيْطَتْ مهمة الإشراف على الجيش إلى المشير عبد الحكيم عامر.
(2). خلال الزيارات التي كان يقوم بها قادة الفرق العسكرية إلى مكتبي كُنْتُ أسألهم عن جاهزية فرقهم للقتال يأتيني الجواب ( كله تمام يفندم )
وواقع الحال خلاف ذلك تماماً.
(3). مستوى تدريب الفرق العسكرية دون المستوى المطلوب الذي يؤلهم لقتال عَدُوٍ مُدَرّبْ تَدْرِيباً راقياً.
(4). كافة تقارير الكفاءة عن مستوى تدريب الجيش مُبالَغُ فيها ، يراعي المَسْؤولين عن إعدادها مُحاباةٍ الضابط الأرفع رتبة.
(5). كافة الجنود الإحتياط الذين تم إستدعائهم لسد نقص الوحدات العسكرية وصلوا إلى الخطوط الأمامية ( بالكلابيات والشبشب ).
(6). أهم نقطة قالها الراحل جمال عبد الناصر قال خلال الأيام الستة من الحرب لم يبقى معي إلا مسدسي الشخصي مع 6 إطلاقات والذي كان مركوناً في درج مكتبي منذ حرب السويس 1956 .
(7). النقطة السادسة آنفاً كان المتلقي يفهم منها إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد أجْبرَ على التنحي يوم 9 حزيران 1967 لكن إرادة الشعب المصري كانت أقوى من كل شئ .
خامساً. بعد إنتهاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من إلقاء كلمته ترجل وضيوفه المستشارين الروس من على المِنَصة وَهَمَ بمغادرة المكان طلبنا من آمر الفوج المقدم الركن محسن شلاش اللحاق بقائد فرقة المُشاة الثانية لكي يكلم الرئيس لأجل إلتقاط صور تذكارية مع سيادته وعند طلبه من قائد الفرقة رحب وبسرور وصافحنا فرداً فرداً وبعد ذلك تجمع ضباط الكتيبة الكويتية مع ضباط الفوج لغرض إلتقاط صورة جماعية لكن الرئيس الراحل رفض ذلك وقال نأخذ صورة مع الضباط العراقيين أولاً وبعد ذلك مع الضباط الكويتين وتم ذلك.
د. توفى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله ليلة 28 / 29 آيلول 1970 بعد توديع الملوك والرؤوساء الذين حضروا مؤتمر القمة العربية في القاهرة لتحقيق المصالحة بين الأردن والفلسطينيين بعد أحداث آيلول المعروفة
هـ. لم يترك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد وفاته دار سكن لعائلته وكان في جيبه عند وفاته 84 جنيهاً مصرياً فقط.
3. المقابلة الثانية مع الرئيس الراحل صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية ( 1980- 1988 )
أ. خلفية تأريخية
أولاً. برز إسم الرئيس الراحل صدام حسين على نطاق واسع لأول مرة بين منتسبي الشرطة والأمن لإشتراكه في محاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد يوم 7 تشرين الأول سنة 1959 .
ثانياً. تمكن الرئيس الراحل صدام حسين بعد محاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم الفاشلة من الهرب إلى سورية ومن ثم إلى مصر.
ثالثاً. بعد قيام ثورة 8 شباط سنة 1963 عاد الرئيس الراحل صدام حسين من مصر إلى العراق وبعد قيام ثورة 18 تشرين 1963 التي قادها الرئيس الراحل عبد السلام محمد عارف ضد حزب البعث تم إعتقاله في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد مع مجموعة كبيرة من كادر حزب البعث العربي الإشتراكي . رابعاً. لعب دوراً قيادياً كبيراً في التخطيط لثورة 17 تموز 1968 وخاصة في 30 تموز 1968 وتبوء منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة لمدة تزيد على إحْدى عشرة سنة.
خامساً. في 17 تموز 1979 بعد تنحي الرئيس الراحل أحمد حسن البكر تبوء أعلى منصب في الدولة .
ب. الحرب العراقية الإيرانية ( 1980- 1988 )
أولاً. قام الجيش الإيراني بعمليات عسكرية سافرة على المخافر الحدودية العراقية والمدن القريبة من خط الحدود من بداية شهر آيلول 1980 كما نَفَذّتْ القوة الجوية الإيرانية عدة غارات جوية على المدن العراقية ومنها العاصمة بغداد وتم إسقاط طائرة إيرانية مقاتلة نوع أف / 5 بواسطة طائرة عراقية مقاتلة نوع ميك 21 كان يقودها الرائد الطيار كمال عبد الستار البرزنجي يوم 7 آيلول 1980 فوق ضواحي مدينة بغداد وتم أسر قائدها الطيار حسين لشكري ، هل كانت هذه الطائرة المقاتلة الإيرانية تقوم بنزهة فوق ضواحي العاصمة بغداد ؟.
ثانياً. يوم 22 آيلول 1980 يوم الرد الحاسم على تجاوزات الجيش الإيراني على الأراضي العراقية حيث قامت القوات المسلحة العراقية بِهُجومٍ صاعق ومُباغِتْ على عدة محاور وحققت من خلاله نجاحاً كبيراً بينما قامت القوة الجوية العراقية بتوجيه ضربة قاضية على كافة مطارات القوة الجوية الإيرانية الواقعة في غرب الأراضي الإيرانية والقريبة من الحدود العراقية ، إعتمدت القيادة العراقية مبدأ الهجوم على الخصم أحسن وسيلة للدفاع .
ثالثاً. لكن مِن المؤسف أنّ القيادة العراقية لم تدرس تأريخ الحروب الإيرانية بشكل جيد مع الدول المجاورة لإيران ومقدار التعنت والغطرسة في ذهنية القيادة الإيرانية قبل إتخاذ قرار شن الحرب ، حيث خاضت إيران حرب على حدودها الشمالية مع الإتحاد السوفييتي مُسْتَخْدِمَة التسويف في المفاوضات لحل النزاع سلمياً .
رابعاً. إستنزفت الحرب في سنواتها الأولى نُخْبَةً من آمري التشكيلات وآمري الوحدات من كافة الصنوف وخاصة صنف المُشاة والمُشاة الآلي والصنف المدرع ، ولإستمرارية الحرب وَلِسِعَةِ الجبهة إقتضت الضرورة إلى تشكيل عدد كبير من الوحدات والتشكيلات والفرق وهذا يتطلب إختيار ضباط آمرين كفوئين لقيادتها.
خامساً. في نهاية سنة 1983 كنت أشغل منصب آمر مدرسة قتال فرقة المُشاة 20 قمت بزيارة إلى مقر فرقة المٌشاة 20 في قاطع الفيلق الرابع في قاطع العمارة لغرض التداول مع مقر الفرقة لإعداد مذكرة تدريب لمدرسة قتال الفرقة والدورات التي ترغب قيادة الفرقة فتحها لرفع مستوى كفاءة مقاتليها
وعند إجتماعي بقائد الفرقة بلغني بإن الفرقة قد رشحتني لإشغال منصب آمر فوج مُشاة وقال لم نكن نعرف بإنك أشغلت منصب آمر فوج مُشاة آلي لفترة طويلة ، إسْتَغْرَبْتُ وتألمْتُ لهذا الأمر وعند عودتي إلى مقر المدرسة في البصرة إتّصَلْتُ بالعقيد جبار كريم في مديرية صنف المُشاة ونقلت له الخبر قال لي لاتهتم أنت مرشح لإشغال منصب آمر لواء مُشاة وننتظر صدور موافقة القائد العام للقوات المسلحة.
ج. نهج القيادة العامة للقوات المسلحة
أولاً. كان نهج القيادة العامة للقوات المسلحة عندما يشغر منصب بمستوى التشكيل (لواء) فصاعداً يُطْلَبُ من إدارة الضباط ومديرية الصنف المختص ترشيح ثلاثة أسماء لإختيار واحد منهم حسب المؤهلات الشخصية (الخبرة العملية السابقة – الإدارة – قوة الشخصية – الشجاعة – النزاهة – تقارير المفتشية العامة للقوات المسلحة السابقة للوحدات التي كان آمراً لها ) هذه المعلومات تُدَوّنْ أمام إسم كل مُرَشَحْ والتي تؤهِلُهُم لقيادة التشكيل ويُتْرَكُ الخيار إلى القائد العام للقوات المسلحة لإختيار الأفضل منهم .
ثانياً. بعد صدور أمر التكليف لإشغال المنصب من قبل الضابط الذي تم إختياره للمنصب الشاغر ، بعد فترة من ( 3 – 6 ) أشهر يُسْتَدْعى الضابط لمقابلة القائد العام للقوات المسلحة لغرض التعرف على المعاضل التي تواجهه خلال العمل الميداني في جبهة القتال والإستماع إلى وجهة نظره وتقديم الدعم المطلوب لحل تلك المعاضل .
ثالثاً. بعد صدور أمر التكليف بتاريخ 21 شباط 1984 إلْتَحَقْتُ لإشغال منصب آمر لواء المُشاة التاسع عشر فرقة المُشاة السابعة في مدينة السليمانية قاطع نال باريز ، في مقالة سابقة بعنوان ( تجربتي في قيادة لواء مُشاة في زمن الحرب ) نَشَرْتُ في موقع الكاردينيا بتأريخ (16 آب 2013 ) شَرَحْتُ الإجراءات التي تم إتخاذها للإرتقاء بمستوى اللواء تعبوياً وتدريبياً وإدارياً ، بتأريخ 16 كانون الأول 1984 وَرَدَتْ رسالة طلب حضوري في القيادة العامة للقوات المسلحة بالساعة 9 من صباح يوم 18 كانون الأول 1984 ، صباح يوم 17 كانون الأول 1984 غادَرْتُ قاطع نال باريز مُتَوًجهَاً إلى بغداد وفي الساعة 845 صباح يوم 18 كانون الأول 1984 تواجَدتُ في إستعلامات القصر الجمهوري الكائن في تقاطع حي التشريع في بغداد .
د. إدارة صدام حسين للحرب العراقية الإيرانية
أولاً. بعد دقائق من تواجدي في إستعلامات القصر الجمهوري جاءت سيارة نوع مرسيدس نقلتني إلى داخل القصر الجمهوري وفي الإستعلامات الداخلية للقصر الجمهوري رافقني أحد موظفي الإستعلامات إلى مكتب رئيس ديوان الرئاسة أحمد حسين خضير السامرائي وقبل الساعة 9 صباحاً تجمع خمسة من آمري التشكيلات الذين صدرت أوامر تكليف سابقة بأسمائهم لإشغال منصب آمر لواء وهم العقيد الركن ثامر سلطان آمر اللواء المدرع 12 والمقدم فوزي جواد هادي البرزنجي آمر لواء المُشاة 19 والعقيد برزان شعلان آمر لواء المُشاة 36 والمرحوم المقدم الركن عبد الحميد هادي الجبوري آمر لواء المُشاة 47 والمرحوم المقدم الركن نزار ناظم الطبقجلي آمر لواء المُشاة 85. ثانياً. بعد دقائق تم إستصحابنا جميعاً إلى أحدى قاعات الإجتماع في بناية القصر الجمهوري ، تواجد في القاعة العميد الركن طه الأحبابيأمين سرالقيادة العامة للقوات المسلحة وكل من المستشارين الفريق الركن محمد فتحي والمرحوم الفريق الركن أبو الشهيد إسماعيل تايه النعيمي والفريق الطيار حميد شعبان بعد وقت قصير حضر الرئيس الراحل صدام حسين منفرداً بدون مرافق إلى قاعة الإجتماع واضعاً شال صوف مرقط على رقبته وجلس على الكرسي المخصص له وبادرناً مستفسراً عن صحتنا .
ثالثاً. بدأ الرئيس الراحل صدام حسين حِواراً مُعَمَّقاً مع كل واحد منا مُسْتَفْسِرَاً عن أدق التفاصيل التي تخص تشكيلات الجيش في جبهات القتال ، التسليح ، التجهيز ، التكامل ، نقص الآمرين ، التدريب ، المعنويات ، بماذا يتفوق العدو ، كل نقطة تُطْرَحْ يسمع رأي المستشارين حولها ، وكيفية وضع الحلول الناجعة لها ، قسم من الأمور الحيوية والملحة يصدر أمر فوري بتنفيذها ، الجميع يوثقون محضر الأجتماع ، لفت نظري نقطة في غاية الأهمية عندما كان سياق الحديث يذكر معارك شرق البصرة سنة 1982 التي حقق فيها العدو الإيراني نجاح وكَسَبَ بعض المواقع كان الرئيس الراحل صدام حسين يتنفس عميقاً ويرجو من المستشارين عدم إعادة ذكرها ويقول ( إنها كابوس جاثم على صدري ) هكذا كان يصف المعارك التي رَجَّحتْ فيها كفة الجيش الإيراني على الجيش العراقي ، إستمر الإجتماع أكثر من خمسة ساعات متواصلة بدون كلل إلى أن جاء السكرتير الشخصي بيده ورقة صغيرة قدمها إلى الرئيس الراحل وبعد أن قرأها ، قال كان المفروض أن نبقى معكم إلى الليل لكن أعتذر لوجود موعد سابق مع دبلوماسي غربي يطلب مقابلتنا وقال أوصيكم برعاية جنودكم وحل مشاكلهم الشخصية وتدريب الضباط الأحداث على قيادة فصائلهم وتدريب وحداتكم تعبوياً كلما سنحت الفرصة ثم وجه نظره إلى رئيس الديوان وقال (غَدْوّا ضيوفنا وكرموهم ) عندها غادر قاعة الأجتماع .
هـ. بماذا تميزت قيادة الحرب العراقية الإيرانية
أولاً. وجود قيادة عامة للقوات المسلحة مشتركة موحدة تُخَطِطُ للقطعات البرية والبحرية والجوية في وقت واحد مع تنسيق مشترك بين قيادات الجيش أثناء تنفيذ المُهِماتِ القتالية.
ثانياً. وجود وزير دفاع مهني مُتَزِنْ يناقش القرارات بهدوء ويستمع ويصغي إلى إستشارة هيئات الركن في وزارة الدفاع .
ثالثاً. وجود ضباط ركن مهنيين متدرجين في المناصب العسكرية في دوائر رئاسة أركان الجيش ومديريات الصنوف الساندة والصنوف الخدمية .
رابعاً. وجود قادة فيالق وقادة فرق مهنيين متدرجين في المناصب العسكرية ولديهم خبرة سابقة متراكمة في قيادة وحدات الجيش في ظروف القتال.
خامساً. القطعات العسكرية في بداية الحرب كانت مدربة تدريباً جيداً ولديها خبرة قتالية مكتسبة من معارك حرب تشرين سنة 1973 ومعارك حركات الشمال سنة (1974 – 1975 ).
سادساً. القطعات العسكرية التعرضية سنحت لها فرصة تدريبية من بداية سنة 1987 لغاية الشهور الثلاثة الأولى من سنة 1988 مما أهَلّها للإشتراك بمعارك التحرير الكُبْرى التي بدأت في 17 نيسان 1988 وإنتهت في 8 آب 1988 والتي حققت نجاحاً متميزاً وحُسِمَتْ الحرب لصالح الجيش العراقي الباسل .
اللواء فوزي البرزنجي