و - حركة أحمد عرابي
* " أدركت الطبقة الممتازة من الأمة! أن إصلاح هذا النظام إنما يكون بقيام الدستور، وإنشاء مجلس نيابي يوطد مبادئ العدل والحرية، ويتحقق فيه معنى الرقابة على الحكام، ويحول دون ارتكاب المظالم... ".( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 15).
* عرابي "هو الذي بث في نفوس الضباط روح التضامن والاتحاد للمطالبة بحقوقهم المهضومة، وتقدم الصفوف لعرض مطالبهم جهارًا على ولاة الأمور، وكانت هذه المطالب فاتحة الثورة.. فهذه الجرأة كان لها أثر كبير في ظهور الثورة ".( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 13).
* و" كان للباقته وفصاحته في الكلام، واستشهاده ببضع الأحاديث الشريفة النبوية، والحكم المأثورة تأثير كبير في نفوس الضباط، اجتذبهم إليه، ومال بهم إلى تلبية ندائه، والاستماع لنصائحه، والاقتناع بآرائه ".( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 123).
* " إن بداية الثورة العرابية كانت عسكرية تهدف إلى فتح المجال العام أمام المصريين للترقي في رتب الجيش، لكنها تطورت إلى ثورة سياسية تشريعية تنادي بالديمقراطية وبالدستور..". ( تاريخ العرب الحديث، زاهية قدورة، ص 366).
*كتب عرابي منشورًا "يبين فيه أخطاء الحكومة واستبدادها، ويدعو الناس إلى معاونته لانتشال البلاد مما هي فيه". ( أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه، محمود الخفيف، ص 21-22).
*وكان يقول قبل الإحتلال: " دعهم يأتون! فكل رجل وطفل في مصر سيقاتلهم ". ( عبد الله النديم..، د علي الحديدي، 170).
*ولكن : " كانت عاقبة الثورة الوقوع في قبضة الاحتلال" !! ( الشيخ محمد عبده في أخباره وآثاره، د رحاب عكاوي، ص 49 ).
* " لا يخفى أن موقف هذا الرجل لا يزال محوطًا بأسرار كثيرة، فإن التاريخ لم يكشف لنا حقيقة الدافع له على ما فعل، ولم يبين لنا المؤثرات التي كان خاضعًا لها ".( ثورة 1919..، عبد الرحمن الرافعي، 129).
* أما هو -أي عرابي- فيقول في مذكراته: "والله الذي لا إله إلا هو فالق الحب وبارئ النسمة أنّي ما خدمت بذلك دولة إنكلترا ولا فرنسا ولا كنت آلة لدولة ما". فالله أعلم.( مذكرات الزعيم أحمد عرابي، ص 61).
ز - حركة عرابي إحدى ثمار فكر الأفغاني
سبق معنا أن الأفغاني قدم مصر بدعوة من الوزير رياض باشا، الذي كان ( من أصل يهودي)، وكان ميالاً إلى الإنجليز والأجانب، رغم أنه دخل في الإسلام، والله أعلم بإسلامه، يقول الصحافي والكاتب المشهور أديب اسحق -وهو أحد تلاميذ جمال الدين الأفغاني- تحت عنوان رياض باشا ما يأتي: هو من بيت الوزان، من يهود مصر الأذكياء، أقيم جده على وزانة النقود، فأظهر الإسلام، وتبعه بنوه من بعده ". ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 157).
* يقول أبو رية: " اتخذ السيد جمال الدين طوال حياته لتحقيق غاياته: وسائل الثورة السياسية ". (دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 370).
*ويقول أنور الجندي: "آمن جمال الدين بأن الثورة السياسية هي الوسيلة المثلى لتحقيق دعوته". (دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 371).
* " كانت ثورة عرابي من تحريضه". (دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 371).
* " اتفق المؤرخون على أن بذور الثورة في مصر قد وضعها جمال الدين (الأفغاني) قبل أن يُطرد من البلاد ". (التحفة الندية في الفتنة العرابية، أحمد سعيد نونو، ص 66).
* " أوعز جمال الدين إلى تلاميذه إنشاء الصحف". (المرجع السابق، ص 67).
* "لم تكن فكرة تدخل الشعب في السياسة واعتراضهم على الحكام موجودة في مصر حتى دخول الأفغاني مصر. وفي هذه الفكرة مفاسد كثيرة، بل هي أصل من أصول إفساد الشعوب والبلاد.. وإثارة الشعوب على حكامها تؤدي إلى ثورات وإراقة دماء وفتن جاء الإسلام بالقضاء عليها ووأدها ". ( المرجع السابق، 132 ).
* " تحوّل الفكر المصري في آخر عهد إسماعيل ، وكثر الحديث عن الظلم والظالمين، والحقوق، والحد من سلطة الحاكم، والدستور، وبدأت الصحف في نشر معايب الحكومة؛ فظهرت أفكار لم تكن موجودة من قبل ذلك في مصر". ( المرجع السابق، ص 133).
ح - دور الإنجليزي بلنت في تحريض عرابي
* "كان من أشد الناس تفانيًا في مصالح الإنجليز، رغم أنه يتظاهر بصداقته للشرق المتمثل بالشعوب التابعة لتركيا، وبعدائه للحكومات البريطانية، بل كان أحيانًا يتظاهر بالدفاع عن قضايا الشعوب الشرقية، ويقف بجانبهم، كما وقف بجانب عرابي ودافع عنه بعد أسره، كان هذا نوعًا من الدهاء والحنكة الإنجليزية". ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 123).
* " وهو واضع كتاب (مستقبل الإسلام) الذي يدعو فيه إلى هدم الخلافة الإسلامية، بنقلها من السلاطين العثمانيين إلى العرب الضعفاء، ويدعو إلى الاعتماد على الإنجليز في إقامة خلافة إسلامية قوية" ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 124).
* "كان على صلة بزعماء الثورة العرابية التي انتهت باحتلال مصر من قبل قومه". ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 124).
* "بلنت شجّع عرابي على الثورة، وهو يعلم أنّه ضعيف لا يستطيع الوقوف أمام جيوش الاحتلال، وهو الذي زين لعرابي الحكم الجمهوري". ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 124).
* "بلنت أودى بصاحبه عرابي وثورته وبلاده إلى الهاوية، ومع ذلك لم يفطن عرابي لخطره، بل بقي على صداقته له بعد ذلك". ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى غزال، ص 124).
ط - دور القنصل الفرنسي في تحريض عرابي على الثورة
* " أرسل إلى عرابي كتابًا يمدحه فيه على ثباته، ويشجعه على عدم المبالاة بالحكومة "!!( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 34).
ي - الذرائع التي تعلق بها الإنجليز والفرنسيون للضغط على مصر
* "بدأت الدولتان التحرش بالحكومة بافتعال سلسلة من الأزمات التي تضع العراقيل في طريق تقدم سير الأمور، فلم يكد مجلس شورى النواب يجتمع في 26 ديسمبر 1881 حتى طلب المراقبان الإنجليزيان عدم تعرضه للميزانية؛ لأنها من اختصاصهما" ( عبد الله النديم..، د علي الحديدي، 169).
* "سوغت الدولتان هذا العمل العدواني بأن الغرض منه حماية رعاياها من الأخطار التي يستهدفون لها".( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 81).
* "كانت الأسباب الظاهرية التي تذرعت إنجلترا بها لإرسال سفنها الحربية هي حماية الأجانب في مصر". (الثورة العرابية وأثرها..، محمد المرشدي، ص 54).
* "ولم يكن ثمة خطر ولا خوف من هذه الناحية، وإنما هي حجة مصطنعة ووسيلة باطلة تستر الغرض الحقيقي، وهو خلق الذرائع للتدخل المسلح في شئون مصر ".(مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 81).
* " كان من أهم أسباب الاحتلال إذ ذاك عسر المالية وتدخل الأجانب في أمور البلاد، واستئثارهم بها على عهد الوزارة المختلطة في آخر مدة إسماعيل باشا، واشتداد وطأتهم وطموح أبصارهم إلى ما أوجب استحكام الضغائن في صدور الجهادية واستيائهم من الأجانب بسبب قطع مرتباتهم ".( كشف الستار، أحمد عرابي، ص 125).
* "ظهر استعانة الإنجليز بالأجانب على ذلك النحو في تدبير مذبحة الإسكندرية". ( الثورة العرابية وأثرها..، محمد المرشدي، ص 52 ).
* "وقد وجدت كل من إنجلترا وفرنسا في الديون الكبيرة التي تورط فيها الخديو إسماعيل فرصة ذهبية للتدخل في شئون مصر الداخلية والسيطرة على اقتصادها". ( الثورة العرابية، محمد المرشدي، ص 50).
ك - تواطؤ الفرنسيين مع الإنجليز
* "انسحبت فرنسا من الميدان، وأمرت أميرال أسطولها بمغادرة الإسكندرية قبل الضرب، فبارحها مساء 10 يوليه سنة 1882، ومعنى ذلك أن الحكومة الفرنسية تركت إنجلترا تفعل ما تشاء وتعتدي ذلك الاعتداء الغشوم على المدينة فتدك حصونها وتهدم مبانيها وتحصد أرواح أهلها دون أن تبدي حراكًا، قابلت فرنسا هذا الاعتداء الوحشي بالجمود ". (مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، ص 123).
* "لم يكد الجيش الإنجليزي ينتصر على العرابيين في واقعة التل الكبير حتى بادر المسيو تيسو سفير فرنسا بلندن إلى مقابلة اللورد جرانفيل وزير خارجية انجلترا وهنأه باسم الحكومة الفرنسية على هذا الانتصار. وكان جواب جرانفيل على تهنئته: "إن واقعة التل الكبير هي انتصار أوربي، ولو انهزم الجيش الانجليزي لكان ذلك كارثة على كل الدول التي تحسب حسابًا للتعصب الإسلامي"".( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، 124).
ل - الخيانة من أسباب هزيمة عرابي
* "إن العامل الجوهري في الهزيمة كان الخيانة". ( أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه، محمود الخفيف، ص 21-22).
* " كان للخيانة أثر كبير في إحداث هذه الهزيمة ". ( تاريخ العرب الحديث، زاهية قدورة، ص 365).
* "هدى شعراوي هي ابنة محمد باشا سلطان الذي كان يرافق جيش الاحتلال في زحفه على العاصمة، ويدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته، ويهيب بها إلى تقديم كل المساعدات المطلوبة له ". ( الحركات النسائية وصلتها بالاستعمار، ص 82 ).
*محمد سلطان "لعب دورًا هامًا في تدعيم موقف العناصر الخائنة ". ( الثورة العرابية، صلاح عيسى، ص 424).
* و"كان من أهم العوامل في إخفاقها وخذلانها". ( الأعلام الشرقية، زكي مجاهد، 1/161).
* "كان -أي سلطان باشا- أكبر مساعد للإنكليز على قومه بالرشوة مع أنه من أكبر الأغنياء". (تاريخ الأستاذ الإمام، رشيد رضا، 1/233).
* "إن سلطان باشا قد لعب دورًا هامًا في تدعيم موقف العناصر الخائنة". ( الثورة العرابية، صلاح عيسى، ص 424).
* "الرشوة اللعينة كانت تنساب في الظلام فتقتل بسمومها بعض الضباط؛ أمثال الخائن علي يوسف الذي أخلى الطريق للإنجليز عند التل الكبير". (موسوعة التاريخ الإسلامي، د أحمد شلبي، 5 / 474).
* "وقد لعبت الخيانة أقذر أدوارها في هذه الفترة من الحرب: فإن الأميرالاي علي يوسف خنفس أثرت الرشاوي الإنجليزية في نفسه الضعيفة، فجعل من نفسه جاسوسًا للإنجليز داخل صفوف الجيش المصري الباسل". (الثورة العرابية، محمد المرشدي، ص 83).
* "ويَذكر بلنت أن وزارتي الحرب والبحرية في إنجلترا قد عقدتا النية منذ أوائل السنة أن يكون الهجوم على مصر من ناحية قناة السويس، وأنه تقرر في أواسط يوليو أن تمهد السبل لذلك بالرشوة بين بدو الشرق". (الثورة العرابية، صلاح عيسى، ص 427).
م - انخداع عرابي بالفرنسي (دي ليسابس) من أهم أسباب الهزيمة
* "إن مجلسًا عسكريًا عقد في كفر الدوار أجمع فيه المجتمعون باستثناء عرابي وحده على عدم اعتبار رسالة دلسبس، ووجوب سد القناة". ( الثورة العرابية، صلاح عيسى، ص 457 ).
* "كان عرابي قد فكر ردم القناة كإجراء دفاعي، لكن (دي ليسابس) أكد له أن القناة لن تُستخدم في الهجوم على مصر، وأنه يضمن له ذلك، وقد أرسل له كتابًا في هذا الصدد "لا تحاول أية محاولة في سد قناتي، فإني هنا، فلا تخش شيئًا من هذه الناحية، فإنهم لن يستطيعوا إنزال جندي إنجليزي..". (تاريخ العرب الحديث، زاهية قدورة، ص 364).
* " انتقلت البوارج البريطانية تحت جنح الظلام إلى بور سيعد، ثم دخلت القناة، ومن منطقة القناة بدأت أعمالاً حربية انتهت بهزيمة عرابي". ( تاريخ العرب الحديث، زاهية قدورة، ص 364).
* " ولو سُدت قناة السويس في بداية القتال لامتنع الاتصال بين القوات الإنجليزية الآتية من البحر المتوسط والقوات الآتية من الهند، واستحال عليها الوصول إلى الإسماعيلية من طريق القناة، وفي هذه الحالة يضطر الجنرال ولسلي إلى المغامرة بجيشه في الصحراء الشرقية حيث لا ماء ولا كلأ، أو يهاجم مصر من طريق الدلتا فتعوق الترع والجسور زحفه وخاصة في أيام الفيضان (أغسطس-سبتمبر)، ولكن عرابي لم يستمع لنصيحة محمود فهمي وخشي عواقبها، وظن أن الإنجليز يحترمون حياد القناة فلا يتخذونها قاعدة للزحف، فكان هذا الخطأ أكبر عامل في إخفاق خطة الدفاع التي وضعها محمود فهمي، واكتفى عرابي بإقامة معسكر في التل الكبير على بعد نحو خمسين كيلو مترًا من الإسماعيلية، و110 كيلو مترات من القاهرة حشد فيه جانبًا من الجيش، ولكنه وزع معظم قواته في كفر الدوار وعلى سواحل البحر المتوسط، فكان الجنود السودانيون وهم من خيرة الجنود مرابطين في دمياط بقيادة عبد العال حلمي، ورابط في رشيد فيلق كبير، واستقر معظم الجيش بقيادة طلبة عصمت في كفر الدوار، ومع أن الإنجليز استعجلوا الحركات الفدائية في قناة السويس وكانت هذه الحركات نذيرًا كافيًا لعرابي بما اعتزموه من خرق حياد القناة، فإن عرابي أحجم عن العمل بنصيحة محمود فهمي في سدها ".( مصر المجاهدة..، عبد الرحمن الرافعي، ص 131 ).
* وقد قال القائد البريطاني (ولسلي) فيما بعد: (لو أن عرابي سد القناة كما كان ينوي أن يفعل، لكنا للآن لا نزال في البحر نحاصر مصر ". (تاريخ العرب الحديث، زاهية قدورة، ص 364).
* "وكان من أكبر أخطاء عرابي تردده في سد القناة، وانخداعه بالمؤامرة القذرة التي دبرها الإنجليز مع ديلسبس". (الثورة العرابية، محمد المرشدي، ص 80).
* "لقد خدع فرناند عرابي وخانه، وفُتحت القناة أمام الأساطيل لتحتل بورسعيد والإسماعيلية، ثم بدأت القوات بعد ذلك تتجه إلى القاهرة". (الأصول الفكرية لحركة المهدي السوداني، د عبد الودود شلبي، ص 129).
ن - من أسباب الهزيمة انفضاض الناس عن عرابي بسبب منشور السلطان
* "ظلت إنجلترا تضغط سياسيًا على السلطان حتى أصدر منشورًا بعصيان عرابي لسلطان المسلمين، وبشرعية اشتراك الجيش الإنجليزي في إخماد الثورة المصرية". ( عبد الله النديم..، د علي الحديدي، 236".
* "وأدت منشورات الخديو المرفقة بمنشور السلطان إلى ذهاب الحمية الدينية من النفوس، وجعلت الجنود يعتقدون أن من يموت في هذه الحرب ليس شهيدًا كما كانوا يظنون، بل يكون مأواه جنهم لأنه عاصٍ للسلطان خليفة الله في الأرض". (عبد الله النديم..، د علي الحديدي، 237).
*يقول عرابي: "نصحناهم بأن هذا المنشور مخالف لأحكام الدين الإسلامي؛ لأننا إنما نقاتل أعداء المسلمين الذين يريدون أن يستولوا على بلادنا الإسلامية". (الثورة العرابية، صلاح عيسى، ص 466).
ص - أيمان الإنجليز الكاذبة بعد الاحتلال
* "في مجلس العموم البريطاني، وفي 24 يوليو 1882، وفي أعقاب ضرب الإسكندرية: صرح جلادستون رئيس الوزراء البريطاني بأنه: ليس لبريطانيا العظمى مطامع في مصر، ولم ترسل الجنود لها إلا لإعادة الأمن فيها". ( تاريخ العرب المعاصر، د عبد العزيز نوار، ص161).
* " وأقسم جلادستون غير مرة بشرف بريطانيا! أنها لن تستمر في احتلال مصر، أقسم بذلك في مجلس العموم في 9 أغسطس 1882 قائلاً: إن الحكومة البريطانية لم تفكر في ضم مصر.. ". ( تاريخ العرب المعاصر، د عبد العزيز نوار، ص162).
* " منذ أن دخلت بريطانيا مصر محتلة لم تكن تفكر أبدًا في الانسحاب منها".( مجلة العربي، العدد 80).
ع - مفاسد الإنجليز في مصر بعد الاحتلال
* "منذ أن احتل الإنجليز مصر وهم يعملون على إضعافها بشتى الوسائل؛ تارة بمحاربة اللغة العربية، وأخرى بنشر الحركات الاجتماعية الهدامة، وثالثة بخلق الأحزاب السياسية التي تفرق الأمة..". ( الحركات النسائية وصلتها بالاستعمار، ص 71 ).
* "وأخذ الاحتلال.. يثبت أقدامه، ويدعم كيانه، فتسلط على الجيش بعد أن حله وأعاد تكوينه ضئيلا هزيلا أعزل، لا يتجاوز عدده ستة آلاف في قبضة سردار إنجليزي يعاونه نفر من كبار الضباط من بني جنسه. وأغلقت جميع مصانع الأسلحة.. الخ". (الاتجاهات الوطنية، محمد محمد حسين، 1 /160).
* ".. وافتتحت الخمارات في كل مكان، حتى تغلغلت إلى الريف وإلى أحياء العمال، وافتتحت دور البغاء المرخصة من الحكومة في كل العواصم، وتجرأ الناس على ارتكاب الموبقات، والجهر باسم الحرية الشخصية التي لم يفهموا منها إلا أن يحل الناس أنفسهم من كل قيد، ولا يُبالون دينًا ولا عرفًا ولا مصلحة". (الاتجاهات الوطنية..، محمد محمد حسين، 1 / 264).
* "فرض الاحتلال للتعليم المدني هدفًا ضيقًا لا يتجاوزه، وهو إعداد طبقة من الموظفين الحكوميين، على أن يكون ذلك في أضيق نطاق ممكن، وعلى أن تسيطر الثقافة الإنجليزية على مناهجه". (الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية في الأدب المعاصر، سالم قنيبر، ص 89).
* "شرع كبار رجال القانون الإنجليز يدرسون القوانين الجديدة التي يجب أن تطبق في مصر، وصبغ مصر بالصبغة الإنجليزية، ورفع شأن العامية للقضاء على العربية الفصحى، ورفع شأن الفرعونية التي غادرتها مصر منذ أكثر من ألف عام، وملئوا الوظائف بالموظفين الإنجليز، وجعلوا الوظائف الكتابية الصغرى في يد المصريين، وفرضوا على مصر اقتصاديات ارتبطت ماليًا وتجاريًا بالصناعات الإنجليزية، والبيوت التجارية البريطانية". ( تاريخ العرب المعاصر، د. عبد العزيز نوار، ص 189).
* "وكان مما فوجئ به -أي عبد الله النديم- عقب عودته موجة من الانحلال والفساد الخلقي في البلاد، فإفراط وجهرة في شرب الخمر لم يكن معهودًا من قبل، واستهتار الشاربين بنقد النقاد، وانتشار الخمارات انتشارًا كبيرًا في البلاد والقرى يبتز الأروام عن طريقها أموال الأهالي. وانحلال الأسرة بسبب الشراب، وتقليد النساء المصريات للأجنبيات في شرب الخمر، وانتشار الحشيش والمعاجين والمخدرات، والاحتفاء بمجالسها، ثم إساءة فهم معنى الحرية واستعمالها وسيلة للانهماك في الملذات والشهوات، ثم السقوط في تقليد المصري للأوربي تقليدًا أعمى..". (عبد الله النديم..، د علي الحديدي، 333).
* " وقد وصل التغيير إلى نساء المسلمين في عاداتهن وحياتهن الاجتماعية؛ حتى في زيهن، فكنّ قبل الاحتلال لا يعرفن إلا التستر والحجاب وعدم مخالطة الرجال وعدم الجلوس في مجالسهم، وتغطية المرأة لوجهها، وما تطور من ذلك إلى البرقع المعروف في الأجيال السابقة القريبة؛ فأصبحن يتزين بزينة الكافرات الفاسقات الأوربيات..". (التحفة الندية في الفتنة العرابية، أحمد سعيد نونو، ص 231).
ف - تعاون الاحتلال مع الطائفة العصرانية التي تُضعف روح مقاومته وتروج أفكاره
* "لقد كان الاستعمار حريصًا على صنع طبقة خاصة من المثقفين، عمل كرومر على إعدادها، ووعدها بأن تتعلم قيادة الأمة بعد خروج الإنجليز، ووفى لها". (عقبات في طريق النهظة، أنور الجندي، ص 59).
* "كرومر كان يعايش الصفوة المختارة من المصريين ويتحسس طريقه نحو اختيار أكثرهم صلاحية للمشاركة في الحكم". (سعد زغلول بين اليمين واليسار، ص 23).
*من جهود العصرانيين: "نذكر أصحاب الفضل على التمثيل من غير المحتلين، في مقدمتهم حكومة سعد زغلول التي عنيت بالتمثيل، وأجازت للممثلين فترة يمثلون فيها على مسرح الأوبرا ".( روز اليوسف سيرة وصحيفة، د ابراهيم عبده، ص 31-32).
* أرسل محمد عبده رسالة إلى شيخه الأفغاني يلخص فيه مهمتهم: "نحن الآن على سنتك القويمة: لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين" (الأعمال المجهولة / محمد عبده، تحقيق: د علي شلش، ص 53).
دروس وعبر.. من احتلال الإنجليز لبلاد مصر
العبرة الأولى: أن أعداء الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى وغيرهم لم ولن يفْترُوا عن محاربتها والكيد لها، ومحاولة تفريق شملها، وبث التنازع داخل صفوفها، وإيجاد الثغرات التي يتمكنون من الولوج من خلالها، واحتلال أراضيها، ونهب ثرواتها. قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 217].
العبرة الثانية: أنه ينبغي ألا تأمن الدولة المسلمة كيد عدوها لها، ومكره بها، بل تقدّر أسوأ الاحتمالات نتيجة لهذا الكيد والمكر، ولو كان احتلال أرضها، ولتكن كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] وكما قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]. فتُعدّ القوة اللازمة الرادعة للعدو من أسلحة متنوعة متعددة المصادر لردعه إذا ما فكر في الأمر السابق.
العبرة الثالثة: أن تحذر الدولة المسلمة من جواسيس أعدائها الذين يقدمون إليها على هيئات مختلفة -إما خبراء أو سياح أو باحثين..- وهم إنما يرصدون أحوالها تمهيدًا لما ينوون التخطيط له تجاهها؛ إما غزوًا ثقافيًّا أو عسكريًّا.
العبرة الرابعة: أن الأفكار العنصرية الجاهلية التي يقع فيها بعض المسلمين؛ من تعصب لجنس أو أرض، تؤدي إلى تفريق الدولة المسلمة وإضعافها؛ مما يسهل المهمة أمام العدو المتربص بها.
فلو لم تكن هناك فجوة عنصرية جاهلية بين الترك والعرب –مثلاً- لما استطاع الغرب تفتيت العالم الإسلامي، مستغلاً هذا الأمر في إذكاء نار الفرقة بين الطائفتين، فلتأخذ الدولة المسلمة على يد كل من يثير مثل هذه النعرات الجاهلية بين أبنائها؛ ولو كان على سبيل المزاح.
العبرة الخامسة: أن مخالفة أوامر الله بالركون إلى أعدائه من اليهود والنصارى والمنافقين وأهل البدع، وتوليتهم المناصب، وتقريبهم؛ يؤدي حتمًا بالبلد المسلم إلى الهاوية، وتسليمه للعدو -سياسيًّا أو فكريًّا- بأبخس الأثمان، كما حدث في مصر بجهود اليهود والنصارى الأرمن والمنافقين وغيرهم.
والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118]، وكم في التاريخ من نماذج وأمثلة للخيانات التي قام بها الكفار والمنافقون لأمة الإسلام. فلتحرص الدولة المسلمة على عدم تقريب هؤلاء من السلطات المؤثرة، واتخاذهم بطانة؛ فإنهم سرعان ما ينقلبون عليها ساعة العسرة. ولا يبقى لها إلا أهل الإيمان، وأصحاب العقيدة السليمة.
العبرة السادسة: أن تبتعد الدولة المسلمة عن الإسراف وتبذير الأموال فيما لا ينفع العباد والبلاد؛ ممّا يؤدي بها إلى الاستدانة من أعدائها بفوائد ربوية تتراكم عليها، تكون نهايتها وقوع البلد في قبضتهم رويدًا رويدًا، ثم يبدأ الابتزاز والضغط عليها لتنصاع لأهوائهم في شتى المجالات.
فخير للبلد المسلم أن يبتعد عن الترف والإسراف والتعامل بالربا الذي عاقبته المحق والهلاك وتسلط الأعداء. قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] وقال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].
العبرة السابعة: إذا اضُطرت الدولة المسلمة إلى المال فليكن ذلك عن طريق التعاون مع أبنائها أو الدول المسلمة الأخرى عبر صناديق تعاونية مشتركة تحميها من الربا والاستدانة من أعدائها.
العبرة الثامنة: أن تنظر الدولة المسلمة في عاقبة أي مشروع ضخم يُقْترح عليها أو تقوم به، ومدى مصلحته للبلاد، وتوازن بين مصالحه ومفاسده، وتستشير الخبراء من أهل الأمانة.
العبرة التاسعة: أن تحد الدولة المسلمة من هجرة الأجانب (غير المسلمين) إليها؛ ممن يُكونون أرضية ممهدة لتدخل الأعداء، وفرض الامتيازات لهم.. إلخ. ولتتخذ الاحتياطات اللازمة حال الحاجة لبعضهم لتجنب شرورهم؛ كالتفريق بينهم ومراقبتهم.
العبرة العاشرة: أن تحذر الدولة المسلمة من الشخصيات المشبوهة التي تحل أرضها -سواءً ممن يدعون الإسلام أم من غيرهم- ويكون لها نشاط مريب في بث الأفكار المنحرفة بين شباب البلاد؛ مما يكون عاقبته شرًا؛ فإن معظم النار من مستصغر الشرر.
ولا تحتقر كيــد الضعيــف فربمـــا *** تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هدّ قُدمًــا عرش بلقيس هدهـدٌ *** وخــرّب فأرٌ قبل ذا سـدَ مـــــأرب
العبرة الحادية عشرة: أن تعلم الدولة المسلمة أن ما يسمى بـ"الحرية الإعلامية" -سواء في الصحافة أم في غيرها- التي تجعل مسائل الشرع كلأً مباحًا لكل أحد، وتسمح بالجرأة على العلماء ورجال الدولة هي فكرة مخادعة ضارة بالبلاد؛ لأنها تؤدي إلى بث الاختلافات المتنوعة بين الناس وتغذية النـزاعات والخصومات، وشحن النفوس، وتهييجها وتحزيبها، وتمهد بتمزق البلاد فكريًّا قبل تمزقه سياسيًّا.
فلتحد الدولة المسلمة من هذه الحرية المزعومة التي يروج لها الأعداء بخُبث؛ لأنهم يعلمون ما يجنونه منها، ولتوجه وسائل إعلامها إلى ما ينفع الناس ويجمعهم على الحق الظاهر.
وخير ما تفعله الدولة في وسائل إعلامها: تقليل برامج ومقالات الرأي التي تؤدي إلى ما سبق بيانه، والاستغناء عنها بالمقالات العلمية النافعة (سواء في الطب أو الحاسب أو الهندسة أو الفيزياء... الخ)، وبعث ذوي العقول والنوابغ الموجودين لديها بدلا من عبث أهل الرأي وخوضهم بالباطل.
العبرة الثانية عشرة: أن تتيقن الدولة المسلمة أن أعداء الإسلام (يهودًا ونصارى ومنافقين وغيرهم) سيقفون صفًّا واحدًا أمامها وقت الفتن والأزمات -مهما اختلفوا فيما بينهم- كما قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا} [الحشر: 14]، وقد رأينا كيف غضّت فرنسا الطرف عن احتلال الإنجليز لمصر رغم عداوتهما الظاهرة -ولكن الكفر ملة واحدة-، وكما فعل "ديلسبس" الفرنسي عندما غدر بعرابي في حادثة سد القناة.
العبرة الثالثة عشرة: أن أعداء الإسلام يفتعلون الأحداث، ويستغلون الذرائع -مهما كانت صغيرة- ليتدخلوا في شئون الدولة المسلمة، ولو أدى ذلك إلى احتلالها، ومن هذه الذرائع: حماية الرعايا الأجانب، أو ضمان حقوق الأقليات، أو ضمان حقوق المرأة، وهكذا..
العبرة الرابعة عشرة: أن الأعداء يحرصون جدًّا -تجاه الدولة المسلمة التي يريدون الضغط عليها أو التحرش بها- على أن ينشروا بين أبنائها -بواسطة عملائهم- فكرين خبيثين هما: فكر التهييج والثورة، وفكر العصرنة والتمييع.
فبالفكر الأول تُتاح لهم فرصة التدخل في شئون الدولة المسلمة.
وبالفكر الثاني: يضمنوا مسخ عقول أبناء المسلمين وترويضهم نفسيًا لقبول التغريب.
فعلى سبيل المثال: من يشكك في مبدأ الولاء والبراء، كيف يُرجى منه أن لا يتعاون مع الكافر أو يتخذه أخًا يحقق له مصالحه ولو على حساب دينه وبلده، وهو قد أزال الحاجز الإيماني الذي يصونه عن ذلك؟!
فلتحرص الدولة المسلمة على اجتثاث هذين الفكرين الخبيثين قبل أن يتغلغلا في عقول بعض أبنائها ممن يكونون سلاحًا بيد عدوها ضدها.
ويكون ذلك بالحزم مع من يحمل أيًا منهما، وعدم تصديرهم في وسائل الإعلام والتأثير، فإن التهاون في مثل هذه الأمر -تحت أي مسوغ- قد يُكلف الكثير لاحقًا.
أرى خلل الرماد وميض نار *** ويوشك أن يـكون لها ضرام
فإن لم يُطفها عقلاء قـوم *** يكون وقــودها جثث وهام
فإن النار بالعودين تذكى *** وإن الحــرب أولهـا كـلام
العبرة الخامسة عشرة: أن الأعداء يفرحون كثيرًا بتلقي أبناء المسلمين العلوم عندهم، لا سيّما أبناء الذوات ممن هم مهيئون لتولّي المناصب المهمة إذا ما عادوا إلى بلادهم؛ لأنها تعلم أنهم سيتأثرون -عرضًا أو قصدًا- بثقافتها، وسيكونون خير ناقل لها إلى بلاد المسلمين؛ كما رأينا ذلك واضحًا في حياة سعيد باشا والخديو إسماعيل اللذين تربيا في بلاد الغرب، ثم أرادا محاكاتها لما توليا الحكم.
فلتحرص الدولة المسلمة على أن يكون تلقّي أبنائها للعلوم داخل أرضها؛ دون حاجة إلى البعثات الدراسية الخارجية إلا في حالة اضطرارية محدودة ؛كما في التخصصات الدنيوية النادرة مثلاً، مع تحصين المبتعث ضد الأفكار الغربية الضارة.
العبرة السادسة عشرة: أن الأعداء لن يعدموا أن يجدوا من المسلمين أفرادًا مغفلين أو طامحين يخدمونهم من حيث لا يشعرون، ممن يصدق فيهم قول الشاعر:
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ *** نصيب ولاحظٌ تمـنى زوالـها
ولو كان ذلك على حساب دينهم وبلدهم -كما فعل عرابي في مصر- وسيلجأ الأعداء للاتصال بهم، والاهتمام بقضيتهم، وتشجيعهم على المضي في معارضة الدولة المسلمة تحت مسمى "الإصلاح" وهدفهم من هذا كله ليس حبًا في هؤلاء الإصلاحيين –زعموا- إنما ضربهم بالدولة المسلمة، لتفريق أهلها، وزرع الفتن والشقاق بين الراعي والرعية؛ حتى يلجأ كلٌ منهم -خاضعًا مطيعًا- إلى العدو لحمايته من الآخر!! وقد تقع البلاد بعدها –لا قدر الله- في احتلال أجنبي بغيض بعد أن استغل هذا النـزاع والتفرق –كما حدث في مصر- حيث لجأ الخديو توفيق للإنجليز في الوقت الذي كانوا فيه يُهيجون عرابي ومن معه عليه!
فلتأخذ الدولة المسلمة على أيدي هؤلاء المعارضين الطامحين أو المغفلين من مدعي الإصلاح قبل أن يتعاظم شرهم فيوقعوا بلاد الإسلام فيما لا تُحمد عقباه؛ كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}[إبراهيم: 28]. وقال: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48].
وجرمٌ جرّه سفـهاء قوم *** فحل بغير صاحبه العقاب
العبرة السابعة عشرة: أن تبادر الدولة المسلمة بالإصلاح الحقيقي النافع القائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قبل أن تجد غيرها قد سبقها إلى طرح إصلاح مزعوم لا يُرضي الله ولا رسوله صل الله عليه وسلم. بل يُرضي أعداء الإسلام الذين ينفخون فيه وفي أهله لمآربهم -كما سبق-.
والإصلاح الحقيقي هو الذي يكون غايته وهدفه الأول تعبيد الناس لرب العالمين وتحقيق التوحيد؛ عن طريق كل ما يساهم في ذلك من وسائل؛ كالاهتمام بأمر العقيدة والدعوة إليها، وإزالة ما يُخالفها.
وهو الإصلاح الذي ينشر الفضيلة بين المسلمين، ويدعم أسبابها ومنافذها. ويُحارب الرذيلة ويُضيق على أهلها.
وهو الإصلاح الذي ينشر العدل بين الناس، ويباعد بين الدولة المسلمة وبين ظلم الرعية، فيؤمّن احتياجات المسلمين، ويوفّر لهم أسباب العيش الكريم دون أن يحوجهم إلى الآخرين. عن طريق إقامة المشاريع النافعة التي تتبناها الدولة؛ كإقامة المجمعات السكنية لذوي الدخل المحدود، وتشغيل العاطلين، وإعطاء العاملين والموظفين الرواتب المجزية التي تتناسب مع حال المعيشة...إلخ
وهو الإصلاح الذي يحقق للمرأة المسلمة بيئة العلم النافع، والعمل الكريم -إذا احتاجت إليه- بعيدًا عن كل ما يخالف شرع الله.
وهو الإصلاح الذي ينهض بالبلاد –دنيويًا- في مجالات التقنية والصناعة والزراعة.. وغيرها؛ عن طريق تشجيع العقول والنوابغ، وتسهيل أمورهم، وإعطائهم الثقة، ووضعهم في المكان المناسب، وتنفيذ مخترعاتهم وأفكارهم.. الخ.
العبرة الثامنة عشرة: أن تعلم الدولة المسلمة أن خير منجى لها من مكر الأعداء وفتنهم هو الاعتصام بالكتاب والسنة، والثبات على دين الله، وعدم المساومة أو التنازل عنه ولو بالقليل. قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]. وقال محذرًا من مداهنة الأعداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149].
المصدر: موقع صيد الفوائد.
(1) دراسات في تاريخ العرب الحديث، للدكتور عمر عبد العزيز عمر، ص 297.
(2) الأعمال الكاملة لمحمد عبده، 1/528، 531.
(3) مصر المجاهدة في العصر الحديث، عبد الرحمن الرافعي، ص 34.
(4) الإسلام والحضارة الغربية، ص 66.
(5) دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، ص 123.
(6) انظر: "ثورة يوليو الأمريكية "لمحمد جلال كشك -رحمه الله-.