منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الدولة المدنية والدولة الدينية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الدولة المدنية والدولة الدينية Empty
مُساهمةموضوع: الدولة المدنية والدولة الدينية   الدولة المدنية والدولة الدينية Emptyالخميس 17 نوفمبر 2016, 2:04 am

الدولة المدنية والدولة الدينية(1-3)

الدولة المدنية والدولة الدينية 95adbe3bf00511d97ae69964a3a3cc39_XS
د. فايز الربيع

هذه الورقة هي محاولة لإلقاء الضوء على فكرة الدولة، والدولة المدنية كما يراها مناصروها والدولة الدينية كما يراها مناصروها ومعارضوها، ومن ثم محاولة لطرح فكرة "الدولة المدنية بالمرجعية الإسلامية"، تتأصل وتؤثر في تطوير الفكر السياسي الإسلامي، لأننا يمكن أن نعترف وبوضوع أن ما كتب في الإسلام حول السياسة والحكم قديماً وحديثاً، لا يساوي نقطة في بحر مما كتب عن الإسلام في بقية الأصول والفروع، ربما لأن السياسة تعني الحكم والحكم يعني السلطة والسلطة تعني الغلبة، والغلبة تعني القوة والمال. حتى لو تطور الأمر إلى سفك دماء المعارضين.
 ما نطرحه هو محاولة لتوضيح صورة مشرقة عن الإسلام الذي أنتمي إليه وأعتز به، وأسأل الله أن ألقاه عليه، ليس في البال ولن تدور محاولة تسيس أو تدنيس أو تلفيق لصالح جهة أو رأي.
 وأقول كما قال الإمام الشافعي "كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب"، ومثل من يأخذ عنا دون أن يعرف دليلنا، كمثل حاطب ليل لا يدري إن كان في حطبه أفعى تلدغه.
إنها مهمة الإنسان مذ أن كان خليفة في الأرض كيف يحكم نفسه أو يحكم غيره، كيف يقيم علاقاته وما هو المنهج، ما هو دوره على ظهر هذا الكوكب، كيف يصرف شؤونه كيف يحارب ويسالم، كيف يبني دولة واقتصاداً أو علماً.
أسئلة كثيرة مرت الإجابة عليها عبر تاريخ البشرية، بين بشرية محضة أقامت كيانات وحضارات ربما نطلق عليها أنها سادت ثم بادت، وأين بشرية اتصلت بمنهاج السماء عبر رسالات السماء، تقول للانسان ما يفعل وما لا يفعل بعد أن يتعرف الانسان على حقيقة الخالق ومهمة المخلوق مروراً بتاريخها، إلى أن كانت رسالة النبي محمد صل الله عليه وسلم خاتمة الرسالات، والتي نزلت في بيئة مكانية بيئة قوم، رغم شرف الرسالة لهم، فقد قال عنهم القرآن الكريم: (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) (يس:7).
 كانت رسالة سيدنا عيسى عليه السلام، سابقة من حيث الترتيب الزمني لرسالة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، ومع أنها نزلت على خصوصية قوم ولتحرير هؤلاء القوم من ضلالات وقيود، وركزت على الجانب الروحي، إلا أنها وبعد التداخل مع الدولة الرومانية، دخلت معترك الحياة السياسية والاقتصادية وأصبخت الكنيسة هي صاحبة الأمر والنهي في السياسية تنصيباً للملوك والأمراء، وخلعاً للسلطة منهم، فدخلت أوروبا في سلطة الكنيسة، ونظرية الحق الإلهي، وما استحق بجدارة مواصفات "الدولة الدينية".
وقبل أن ننطلق إلى الدولة المدنية تاريخياً، نقف عند المحطة الأخيرة من الرسالات رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، رسالة الإسلام، فلشمولية الرسالة وتمام الدين وكماله وعالميتها وتنظيم مجتمعها، كان لا بد من إنشاء دولة انتقلت من مكة حيث فكرة الدولة، إلى المدينة المنورة حيث دولة الفكرة، قادها أولاً الرسول صل الله عليه وسلم، وأرسى دعائهما مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظة الأساسية الآتية، وهي: التفريق بين الرسول كمبلغ عن الله وحياً ورسالة، وبين الرسول بصفة بشرية يحكم دولة، قضاء وحرباً واقتصاداً ومعاملة، يحكم فيها والقرآن يتحدث عنه (إنه بشر رسول) فينزل على رأي أصحابه ويشاورهم، ويرجع عن رأيه ويحذر من الحجة والبيان لأخذ الحق بغير وجه.
ما إن انتقل الرسول صل الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى واجهت المسلمين معضلة، كانت وبقيت وستبقى أهم المشاكل التي يواجهها المسلمون، وهي مشكلة السلطة.
حسمت هذه المشكلة في اجتماع السقيفة، لكنها لم تحسم على أرض الواقع، فظهر تياران كانا ومازالا لكل منهما حجته ورأيه. الأول يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يوص لأحد من بعده بالحكم، وهو رأي ما اصطلح عليه تاريخياً أهل السنة والجماعة، وأنه ترك الأمر شورى، والثاني يقول إن الرسول صل الله عليه وسلم قد أوصى للإمام علي من بعده بالحكم، وهو التعيين بالنص، وهو رأي ما اصطلح عليه تاريخياً الشيعة أو رأي آل البيت ابتداءً. وبقى هذان الرأيان يتصارعان تاريخياً وقامت على أساسهما دول، وأريقت دماء ودخل المسلمون في حروب.
عند حديثنا عن الدولة الإسلامية بالمفهوم الذي نريد، نأخذ باعتبارنا الفكر التاريخي دون أن نكون أسيرين له، وننظر إلى الدولة التراثية ولكن بميزان الفحص والنقد؛ لأن التمسك بالجمود والسكون والحفاظ عليهما مهما شهد العالم من تطورات وتغيرات وطرأ من وقائع وأحداث هو الانتحار بعينه، إن جاز على الدول فهو جائز على الأفراد والجماعات؛ ذلك أن الدول بهذا المفهوم إما تكون قد اصطدمت ببعض السنن الإلهية التي تربط استمرار التمكين في الأرض، والشهود على الأمم والدول بعمليات التجديد والتغيير، وتطهير الذات، والقدرة على تدبير إمكانات التدافع، ودفع المستجد من المحن والأزمات.
إن الوعي والبصيرة كفعلين حضاريين لا ينهض لهما كيان مع السكون والخمود؛ فالفعل الحضاري حركة متجددة ونشاط متدق وحضور دائم، وقوة دفع لا تقف، في الوقت نفسه فإن التفريط في الثوابت والمرتكزات بالنسبة للدولة الإسلامية هو مقدمة للتفريط في إسلامها في سنن الله القاضية بزوالها، إن التخبط في الولاء والانتماء قابله اتجاه مغاير فيه إصرارنا على البعد عن حقائق العصر، والتغافل عما يفرضه من تجديد في الهوية مما يكفل لها الحيوية الفاعلة وعدم السقوط.
إن تجديد فقه الدولة الإسلامية ضرورة حضارية، في إطار فهم جديد أو متجدد أو متكامل أو عصري لقضايا التعددية والأحزاب، وتقسيم العالم مكانياً، وغلبة طابع الدولة القومية وموقع غير المنتمين والموقف من التنظيمات الدولية، وتلوث البيئة والزيادة السكانية وغيرها مما يستلزم فقهاً لهذه الدولة يجيب عن هذه التساؤلات.
إن العودة الواعية لا تكون إلا بعقلية اجتهادية، وهي عقلية أقل ما يقال فيها إنه لا ينهض بها فرد إنما تحتاج إلى مؤسسات؛ هذه المسيرة التاريخية للدولة الإسلامية، لم تعد موجودة اليوم بصورة حقيقية في أي من بقاع العالم. ثمة فرق بين الشكل والمتحوى، بين الطرح والتطبيق. إن الصورة الحالية هي أقرب إلى ما تكون إلى الدولة المدنية بالمفهوم الغربي.
مفهوم الدولة المدنية جاء بعد الثورة على الكنيسة، وبعد الثورة الصناعية وبعد حركات الاستقلال القومي، وبعد تجاوز الحروب الدينية في الداخل والخارج، فطرحت الديمقراطية كمدخل للخلاص، وأصبحت نظرية الحكم قائمة على مفهوم بشري محض في إطار القانون الوضعي.
لكن الصورة في الواقع ليست تماماً كذلك، فالجذور الثقافية والدينية ما زالت حاضرة في السياسة الغربية، وفي النظرة إلى الآخر، ما زالت حاضرة في معارضة في بعض القوانين التي تطرح، ما زالت حاضرة في عودة الفكر الديني إلى السياسة في أميركا وغيرها، ما زالت موجودة في دعم الكنائس مالياً، والاستفادة من حركة التبشير في بسط السلطان السياسي، وإفريقيا مثال حاضر على ذلك.

تعريف الدولة

الدولة تعني في اللغة الغلبة، والغلبة يترتب عليها سلطان الغالب على المغلوب، فالعامل الأساسي في تعريف الدولة هو السلطان وكثير من كتب القانون الدستوري تعرف الدولة عن طريق بيان أركانها، فهي ركن جغرافي يطلق عليه لفظ إقليم، والركن الثاني يطلق عليه شعب وركن معنوي يطلق عليه سلطة، وأساس فكري وهي عقد اجتماعي بين السلطة والشعب.
في المعجم الوسيط: الدولة مجموع كبير من الأفراد يقطن بصفة دائمة إقليماً معيناً وتمتع بالشخصية المعنوية وبنظام حكومي واستقلال سياسي. فقهياً يتشابه التعريف الدستوري، فالدولة وحدة سياسة ذات شخصية معنوية تتكون من شعب معين يقطن وطناً معيناً ويعيش في نظام معين، تقوم على تنفيذه سلطة تم تشكيلها وفق نظام، أي أن هناك وطناً، شعباً ونظام وسلطة.
في الفقه الغربي الدولة مجموعة أفراد مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة في مواجهة الأفراد سلطة عليا آمرة وقاهرة، وهي وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية، لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد، أو هي التشخيص القانوني لأمة ما، أو هي جماعة من الأفراد تقطن على وجه الدوام والاستقرار إقليمياً جغرافياً معيناً، وتخضع في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية، وهي شخص قانوني يمثل جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد وتحكمها سلطة سياسية.
وقبل أن ننطلق إلى الدولة المدنية تاريخياً، نقف عن المحطة الأخيرة من الدولة التي تعني الانتقال من حال إلى حال، سواء انتقال المال أم الحرب أم الحكم، والربط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للدولة، أشار إليه ابن خلدون عندما قال: "إن أحوال الأمم وعوائدهم لا تدوم على حال واحدة، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، والانتقال من حال والدول سنة الله التي خلت في عباده". وهذا المعني في اللغة العربية يختلف عنه في اللغات الأوروبية التي تشير إلى الاستقرار أكثر مما تشير إلى تبدل status في اللاتينية stato في الإيطالية state في الإنجليزية، في النصوص المنزلة في القرآن وردت كلمة نداولها أو (وتلك الأيام نداولها بين الناس)..( آل عمران:140).
ووردت كلمة (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) ( الحشر:7). وكما ورد في التفسير حول هاتين الآيتين، فإن الدولة سنة من سنن الله في الاجتماع الإنساني، إذ يصرف أحوال الناس ويقلبها وفق أعمالهم ابتلاءً وتمحيصاً.
في الإطار النظامي للدولة الإسلامية الذي تجسد من خلاله الجماعة المسلمة استخلافها السياسي، لتحقيق شعورها الإيماني في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، هناك ستة عناصر في قضية الاستخلاف الله سبحانه وتعالى الذي اقتضت مشيئته أن يجعل في الأرض خليفة، والثاني المستخلف بفتح اللام وهو من أناطت به الجماعة المسلمة قيادتها، والثالث المستخلف فيه وهو النطاق الزمني والمكاني للاستخلاف وهو الأرض، والرابع هو المستخلف له وهي الجماعة المسلمة، والخامس المستخلف به وهو وسيلة الاستخلاف (السلطة) والمستخلف له وهو الجماعة الإنسانية.
إن مجرد قيام الجماعة المسلمة بالاستخلاف السياسي لا يعني انفرادها دون غيرها، ذلك أن للاستخلاف سنناً ونواميس، من توافرت فيه مسلماً أو غير مسلم استحق مهمة استخلاف هذه السنن في المعيشة (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون) ( الزخرف:32).
وسنة في تداول الاستخلاف بين الناس (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين).. (الأنعام 133).
من شروط الاستخلاف على مبادئ الإسلام أن تتوافر في المستخلف عناصر الإيمان والعقيدة والأمر بالمعروف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونفع إيماني (مادي أو غير مادي) واستخلاف واعتبار، واستخلاف شهادة تتميز فيها الأمة الشاهدة بالعدل والخير والقدوة الحسنة والإبلاغ والدعوة.
إن الشريعة معناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخل فيها التأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمة بين خلقه وكل خير في الوجود إنا هو مستفاد منها، وكل نقمة بسبب إضاعتها.
وإذا تابعنا تعريف مفهوم الدولة، لوجدنا أن هناك مدارس كالمدرسة الاجتماعية السياسية التي تعرف الدولة بأنها نمط من أنماط التنظيم للجماعة السياسية، بغض النظر عن كون هذا التنظيم قديماً أو حديثاً، وهي تعتبر معيار السلطة في تفسير ظاهرة الدولة.
المدرسة الاشتراكية تعتبر الدولة آلة تسيطر فيها طبقة على أخرى، وعندما تحل الشيوعية تضمحل الدولة.
والمدرسة القانونية تعترف بأنها التشخيص القانوني لأمة ما. الفكر السياسي الإسلامي يعتبر الدولة ظاهرة اجتماعية باعتبار المجتمع، وظاهرة قانونية باعتبار السلطة العامة وظاهرة مادية باعتبار الموقع.

الدولة المدنية

الدولة الدينية والدولة المدنية مفردتان كثر حولهما الجدل والنقاش، وقد تجمع حول هاتين المفردتين أنصار كثر ممن يرون بصلاح هذه أو عدم صلاحية تلك، والبعض يعتبر الدولة المدنية نتاج الفكر العلماني الذي يفصل بين الدين والسياسية، وهناك من أكد أن العلمانية هي حياد الدولة حيال الدين، واعتبر مصطلح الدولة المدنية دولة مؤسسات تقوم على الفصل بين الدين والسياسة، محافظة على أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والجنس والفكر، وهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها روح مواطنة، تقوم على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، ويرى البعض أنها دولة القانون والدستور المستمدان من التجارب الإنسانية ومن الواقع، لتنظيم حياة المجتمع وتنشأ في المجتمع ثلاث سلطات أساسية: التنفيذية والتشريعية والقضائية مع عدم تداخل هذه السلطات بل تكاملها، وتتوفر في المجتمع قاعد الحرية واحترام الرأي الآخر.
إن المرجعية في الدولة المدنية وفق ما يقول البعض، هي إرادة الناس وفكرهم على اعتبار أن إرادة الناس هي مصدر السلطات، وهي تقوم على مبدأ المواطنة. ويختلف البعض حول العلاقة بين العلمانية والدولة المدنية، فيعتبرون العلمانية مناقضة للدين، ففي حين تقر الدولة المدنية حرية الأديان والعقائد وتحترم خصوصية الناس في أديانهم، فإن بعض دعاة العلمانية يرون ان لا تأثير لدين...أي دين على دولة.
ويرى البعض أن مصطلح الدولة المدنية لا وجود له في التصور الإسلامي، وأنه قد وفد من الحزب العلماني الذي رفض سلطة الكنيسة في العصور الوسطى.
يتساءل البعض هل يراد بالدولة المدنية التعليم الحديث واستخدام التقنية المعاصرة في شتى مناحي الحياة والتوسع في العمارة وإنشاء الطرق؟
الدولة في اللغة تعني الغلبة، والغلبة يترتب عليها سلطان للغالب على المغلوب، ومن هنا يمكن القول إن العامل الأساسي في تعريف الدولة هو السلطان والسلطة، وفي العديد من كتب القانون الدستوري يعرفون الدولة عن طريق بيان أركانها، دون الحديث عن ماهيتها، وهي الركن الجغرافي والركن الإنساني والركن المعنوي- وهو السلطة.
في المفهوم الغربي، الدولة المدنية هي التي تستقل في شؤونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات، والأجهزة لا تخضع لتدخلات الكنيسة، مما يعني أن الدولة المدنية في الدولة العلمانية في المفهوم الغربي، وهي قابلة لتوظيف أي اتجاه فلسفي في الحياة، بشرط تنحية الدين عن السياسة، وهي تعني في القضاء المعرفي الغربي، تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين أبنائه، بعيداً عن سلطة أخرى سواء دينية أم غيرها، أي أن شرط العلمانية أساسي في تلك الحكومات.
والمتابع لما يكتب هذه الأيام عن الدولة المدنية، يمكنه رصد اتجاهات أربعة: الاتجاه الأول هو قبول هذا المصطلح كما جاء من الغرب، وهناك فئة قبلت هذا اللفظ ومفرداته ولم تصل به إلى غايته، وفئة وصلت به إلى غايته وصرحت بأن الدول تقوم على تعدد الأديان والمبادئ وسيادة القانون، ومن يقول أن الدولة المدنية بمختلف أطيافه الفكرية والثقافية، داخل محيط حر لا سيطرة فيه لأحد.
بينما يؤكد البعض أن العلاقة بين الدولة المدنية والإسلام، ليست علاقة توافق وإنما علاقة تعارض، ويعتبرون الخلط بين السياسة والدين هو نوع من الشعوذة، ومصدر السلطة في الدولة المدنية هو الأمة والشعب، فلا طبقية ولا طائفية ولا عنصرية. ويزعم البعض أن كل دولة غير مدنية هي دولة بوليسية قائمة على القمع والظلم، والدولة المدنية وحدها قادرة على احتضان الأديان والأفكار، والدول التي انتهجت نهج الدولة المدنية حرصت على أن لا تتضمن دساتيرها ديناً للدولة، والدولة المدنية العلمانية الليبرارية الدستورية ليست شكلاً مجرداً إنما مضمون يساهم المجتمع في تقدمه، والسياسية تجري على أساس المصلحة والتشريع وتعبر عن تنوع شرائح الأمة. ويحلو للبعض عند الحديث عن العلمانية، أن يرجع المفهوم إلى الظاهرة التاريخية منذ القرن السابع عشر وهي تعني الدنيوي، أو ما ينتمي إلى العالم وليس إلى السماء في الإنجليزية (secularism) وفي الفرنسية (laique) أي الزمنية.
ومن البديهي أنه لا نقاش حول العلمانية عندما ترتبط بالعلم وتستقل به عن عالم الميتافيزيقيا، وإنما عندما تتحدث العلمانية عن الدولة المدنية ومواصفاتها، والعلاقة بين الكنيسة والعلم هي علاقة أدت إلى ما يسمى بالفصام النكد، والذين انفصلوا عن الكنيسة علمياً كانوا محقين في ذلك. والعلمانية كما يقول مروجوها هي الرد على السلفيات والأصوليات، بصنوفها المتعددة وأشكالها المختلفة.
هذه بعض الدلالات لمفهوم الدولة المدنية كما يراها أنصارها، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع هذه المفاهيم فهو أمر متروك إلى ما بعد العرض الذي سنقدمه لمفهوم الدولة الدينية، كما يراها مناصروها وكما يراها معارضوها.

مفكر ودبلوماسي أردني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الدولة المدنية والدولة الدينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة المدنية والدولة الدينية   الدولة المدنية والدولة الدينية Emptyالخميس 17 نوفمبر 2016, 2:10 am

الدولة المدنية والدولة الدينية(2-3)

هذه الورقة هي محاولة لإلقاء الضوء على فكرة الدولة، والدولة المدنية كما يراها مناصروها والدولة الدينية كما يراها مناصروها ومعارضوها، ومن ثم محاولة لطرح فكرة «الدولة المدنية بالمرجعية الإسلامية»، تتأصل وتؤثر في تطوير الفكر السياسي الإسلامي، لأننا يمكن أن نعترف وبوضوع أن ما كتب في الإسلام حول السياسة والحكم قديماً وحديثاً، لا يساوي نقطة في بحر مما كتب عن الإسلام في بقية الأصول والفروع، ربما لأن السياسة تعني الحكم والحكم يعني السلطة والسلطة تعني الغلبة، والغلبة تعني القوة والمال. حتى لو تطور الأمر إلى سفك دماء المعارضين.
 ما نطرحه هو محاولة لتوضيح صورة مشرقة عن الإسلام الذي أنتمي إليه وأعتز به، وأسأل الله أن ألقاه عليه، ليس في البال ولن تدور محاولة تسيس أو تدنيس أو تلفيق لصالح جهة أو رأي.
 وأقول كما قال الإمام الشافعي «كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، ومثل من يأخذ عنا دون أن يعرف دليلنا، كمثل حاطب ليل لا يدري إن كان في حطبه أفعى تلدغه.
د. فايز الربيع*

منهجنا في البحث، أن نبين رأينا في مفهوم الدولة المدنية والدولة الدينية، وماذا سنختار مضموناً أم شكلاً، لفظاً أو محتوى.
الدولة المدنية كما يراها أنصارها بمعزل عن الدين هي دولة القانون والدستور الموضعي، المستمدين من التجارب الإنسانية ومن الواقع لتنظيم حياة الناس والمجتمع، لتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتعيين حقوق وواجبات المواطن، وأن إرادة الناس هي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية. هي دولة كما كما يقول مناصروها تقوم على مبدأ المواطنة، أي أن جميع المواطنين لدى القانون سواء، وأن الدولة الدينية في نظر البعض تتناقض مع العلمانية، ذلك أن العلمانية مناقضة للدين على حين تقر الدولة المدنية حرية الأديان وتحترم اختلاف الناس في معتقداتهم، لكنها لا تفرق بينهم على أساس الدين.
يقول ميكيافللي ناصحاً الأمير كيف يسيطر على إمارته « إن الدين أقوى مؤيد للمجتمع المدني وإن اتباع الأنظمة الدينية هو سبب عظمة الجمهوريات، وإهمال هذه النظم يؤدي إلى خراب الدولة، ذلك أنه إذا انعدم خوف الله من بلد ما، قضي على هذه البلد لا محالة إلا إذا دعمه خوف الأمير، وهو خوف يمكن أن يعوض فترة من الزمن ما ينقص هذا البلد من خشية الله، ولكن حياة الأمراء قصيرة».
ينادي البعض بالدولة المدنية لأنهم يقولون إننا لا نجد في ظلالها أي تطرف، أو عدم مساواة بين المواطنين على أي أساس، هي تنظيم لحياة البشر من خلال التعايش السلمي المشترك، إنها الدولة التي تبعد المقدس عن متاهات السياسة، حكومتها لا تدعي أنها ظل الله في الأرض.
يرى البعض أن الدولة المدنية هي نقيض الدولة الإسلامية، وأنها كانت السبيل لنهضة أوروبا عندما تخلصت من سلطان الكنيسة وهي السبيل في البلاد الإسلامية.
إن طبيعة الدولة المدنية تتلخص في وجود دستور يعبر عن قيم ومعتقدات وأعراف المواطنين، باختلاف انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية، والفصل بين السلطات واكتساب الحقوق على أساس المواطنة وكفالة حقوق الانسان وحرياته الأساسية، واحترام التعددية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة على أسس ديمقراطية.
ويقول البعض إن الدولة المدنية الحديثة هي دولة قومية، تبنى معاملاتها الداخلية والخارجية وفق نظرة ضيقة تتعصب للوطن ولأبناء الوطن وتسعى لاستعلائهم على غيرهم، وقد تحولت حياة الشعوب إلى صراع من أجل الاستعلاء في الأرض، لكن هذه الدول تبنت النظام الديمقراطي ليكون الحكم بمقتضى مصالح كل شعب ورغباته، فالحق والصواب في ما يحقق مطالب الأمة والخطا والباطل في ما لا يحقق مصالحها، وما كان مرفوضاً بالأمس يقبل اليوم وما يقبل اليوم قد يرفض غداً، فلا ثوابت ولا قيم ولا مبادئ إلا المصلحة والمنفعة، تحددها قيادات وزعامات من البشر تقوم الجميع إلى ما ترى.
في نظر البعض يعد مصطلح الدولة المدنية مقابلاً لمصطلح الدولة الدينية، وقد عرفه الغرب في إطار معركة شعوبه مع الكنيسة، والسعي لإنهاء سيطرتها على الحكم، وهو يعني أن تستقل الدولة في شؤونها عن هيمنة الكنيسة وتدخلاتها، ولا يعرف هذا المصطلح عند علما المسلمين، فليس في الإسلام رجل دين بالمفهوم الكنيسي وقد تبوأت يثرب (المدينة) بعد أن أصبح فيها سلطان وصار الشرع ينظم العلاقة بين سكانها.
ويقول البعض إن على الدولة أن تمنح حرية الاعتقاد حسب ما يشاء، بمعنى فصل الدين عن الدولة. وفي الدولة المدنية لا وجود لتطرف أو عدم مساواة بين المواطنين، على أساس طائفي أو عرقي أو فكري، فالدولة المدنية لا تفرق بين مواطن ومواطن بل تكفل الحرية للجميع. الدولة المدنية هي تنظيم لحياة البشر من خلال التعايش السلمي المشترك، إنها الدولة التي تبعد المقدس عن متاهات السياسية وتؤسس حكومة مدنية، وإن طاقمها وقادتها لا يدعون القداسة.
واضح من كل ما أسلفناه أن دعاة الدولة المدنية يريدونها بدون مرجعية، ومرجعيتها هي ما يقرره الناس، موضوع الحلال والحرام موضوع (الله) وأوامره ونواهيه ليست في الحسبان. الدولة المدنية والقانون والنظام وتنظيم شؤون المجتمع، كلها أمور في مصلحة البشر، وربما كما سيأتي في الاعتراض لاحقاً يثور التساؤل: كيف يمكن الربط بين الخطوط العامة، وبين التفاصيل، أين تقف الخطوط العامة وأين تبدو التفاصيل؟
الدولة المدنية إذن هي صناعة عقل بشري، لا تحكمه أية خلفيات كما يقول مروجوها، يقر القوانين من خلال مجالس منتخبة، ينتخب الحاكم، وتؤكد الدولة على التعددية السياسية، حرية الأحزاب، الاجتماعات، ما يمكن التوافق عليه الآن ربما يصبح عرضة إلى خلاف ثم توافق. هي جهد بشري واجتهاد بشري، هي نموذج الديمقراطيات الغربية بكل أشكالها، وما أفرزته في العالم الغربي بشكل مباشر أو غير مباشر.
الدولة الدينية في نظر معارضيها
سأترك لمن يتحدث عن الدولة الدينية أن يتحدث عنها كا يفهمها دونما اعتراض، لأن رأيي سيأتي ضمن السياق عند الحديث عن الدولة من منظور إسلامي من وجهة نظري، لا عن الدولة الدينية كما تم تصويرها في نظر العلمانيين، ون سمو أنفسهم: الحداثيون.
هم يقولون أنها دولة تحكم حكماً استبدادياً باسم الحق الإلهي. هي دولة لا ديمقراطية، دولة إكراه لا تحترم مبدأ المساواة بين المواطنين، وتقيم تمييزاً على أساس الاعتقاد بين أبنائها. الدولة الدينية يختار رأسها الله جل جلاله بينما الدولة السياسية ينتخب الشعب أو الحزب رئيسها. الدولة الدينية يقف على رأسها رسول يوحى إليه، والدولة السياسية يحكمها بشر. الدولة الدينية يظل رئيسها طيلة حياته على اتصال بالسماء في كل وقت في الليل والنهار، بينما رئيس الدولة السياسية علاقته منقطعة بالسماء. في الدولة الدينية رأس الدولة يبقى محروساً من السماء بواسطة جنود ربه، الذين لا يعلمهم إلا هو. في الدولة الدينية كما يقول معارضوها توالي السماء رئيسها بالمشورة في كل معضلة صغيرة أو كبيرة. طاعة رأس الدولة فرض ديني، معارضو رأس الدولة إما كفار مصيرهم جهنم وإما منافقون مصيرهم الدرك الأسفل من النار. رأس الدولة الدينية معه كتاب أو وحي. انفصال الدين عن السياسية يعني عدم استغلال الدين كمطية للسلطة.
لما جاءت اليهودية وأنزل الله الوصايا العشر على سيدنا موسى بدأت في الظهور دولة دينية، وكلها كانت لمجموعة من الناس هم بنو إسرائيل، وقامت الدولة العبرية على أساس ديني، وبلغت أوج ازدهارها في زمن سيدنا سليمان ثم دمرها نبوخذ نصر إلى أن جاءت الحركة الصهيونية التي حاولت بناء دولة دينية. أما في المسيحية فقد مرت العلاقة بثلاثة مراحل، المرحلة الأولى هي التي ساد فيها: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ولم تعرف هذه المرحلة الدولة الدينية، ولكن بعد أن انتشرت المسيحية وبعد أن أصبحت الكنيسة أكبر مالك للأرض وأصبحت قوة روحية وسياسية، استطاع بابوات الكنيسة أن يفرضوا سلطانهم على الدولة، حيث إن الحكام كانوا يكتسبون شرعيتهم من الكنيسة، وكان البابوات هم الذين ينصبون الأباطرة، وإذا سحبت الكنيسة رعايتها للحكام، لم يعد هناك ما يبرر للشعب أن يطيع الحكام. وعليه يمكن القول أن أوروبا عرفت الدولة الدينية.
إن أخطر ما في الدولة الدينية كما يقول معارضوها، أنها تجل الحاكم يتكلم باسم الله ولا تجوز مراجعته، وبهذا يفتح الباب واسعاً للاستبداد باسم الدين. في الخيارات الجاهزة هناك خيار ثيوقراطي حيث يملك رجل واحد هو الحاكم أو الكاهن مفتاح المعبد، وقارورة الدواء وأسرار الغيب، والقدرة على تسمية الحق والباطل والخير والشر والجمال والقبح والعدل والظلم، كما يملك القدرة على إعلان الحرب وعقد السلم، إن الدولة الدينية (الثيوقراطية) التي عرفها الغرب في العصور الوسطى حكمها رجال دين، يتحكمون في رقاب الناس وضمائرهم باسم الحق الإلهي، فما أحلوه في الأرض حلال من السماء، وما ربطوه في الأرض فهو مربوط في السماء. هذا عن الدولة الدينية من وجهة نظر مرتبطة بالتطور التاريخي في العصور الوسطى.
تنسب الدولة الدينية إلى الدين، والدين معناه الاعتقاد فكل ما يعتقده الإنسان هو دين حسب تعريفهم.
إن الدولة الدينية مصطلح غربي، يطلق في الفكر السياسي الغربي على الدولة الثيوقراطية التي تحكم بالحق الإلهي، وهي الدولة التي تحكم باسم الإله ولا تجوز مراجعتها لأنها وكيلة عن الله عز وجل، ناهيك عن إقالتها واستبدالها بغيرها هي ذلك النظام من الحكم الذي يجعل من الدين والتفويض الإلهي مصدراً للسلطة السياسية، ويدعى القائمون عليه أنهم مفوضون عن الله، وأنهم ناطقون باسم السماء ويجب الإذعان لجميع قراراتهم والرضا بها، دون مراجعة أو اعتراض لأن الاعتراض عليها يكون اعتراضاً على الله، الذي يتحدثون باسمه وهم وكلاؤه على الناس.
وقد عرفت أوروبا كما ذكرنا هذا اللون من الحكم، الذي يبنى على الكلمة المأثورة لديهم والمنسوبة للسيد المسيح عليه السلام « ما تحلونه في الأرض يكون محلولاً في السماء، وما تربطونه في الأرض يكون مربوطاً في السماء».
إن مفهوم الحاكمية كما يراها خصومها، أنها تعني الحكم باسم الله الآمر الذي لا يأتي إلا بدولة دينية، ولا تتمخض إلا عن طغيان يمارس باسم الدين، وكهنوت يفرض وصايته باسم الشريعة على عامة المواطنين.
إن شعار الإسلام دين ودولة هو نوع من السعي للانقلاب على الدولة المدنية وإقامة دولة دينية، وأن هذا الشعار لا يختلف عن شعار الحاكمية لله. ويقول البعض أن عبارة الإسلام دين ودولة حاكمة.. الواو هنا للفصل وليس للربط، ورأوا استبدال هذا الشعار بشعار «الدين لله والوطن للجميع». إن مفهوم الدولة الدينية ارتبط بالمسيحية، عندما تحالفت الكنيسة مع الدولة الرومانية، أعطت أوامر الإمبراطور وتصرفاته قدسية دينية لا يجوز الاعتراض عليها أو مخالفتها، فالحاكم يتولى السلطة بأمر الله وليس باختيار الشعب، ويستمر فيها بإرادة الله ولا يجوز الاعتراض على أحكامه وسياساته وتصرفاته، وهو المعنى نفسه الذي ذكره فرعون (لا أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
رجال الدين يمثلون المعرفة المطلقة والواسطة بين الله والناس وأحكامهم مقدسة بل يوزعون صكوك الغفران، ووقف رجال الدين ضد الظلم واستبعدوا وسائل المعرفة العقلية والتجريبية، واتخذوا الدين وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، والدين في نظر هؤلاء هو دين واحد مع استبعاد المعتقدات الأخرى، بل في الدين الواحد لا يعترف إلا بمذهب واحد، واستبعاد دور العقل وإضفاء قدسية على السلطة الزمنية.
وعندما يجري الحديث عن الدولة الدينية، يجري التأشير على نظرية الحق الإلهي أو «الطبيعة الإلهية للحكام» التي تجعل الحاكم إلهاً على الأرض وبالتالي تجب طاعته.
هذه النظرية سادت في مصر القديمة، وفي فرنسا في القرن السابع عشر والثامن عشر، وفي اليابان حتى عام 1947.
لويس الرابع عشر يقول: «إن سلطة الملوك مصدرها الله وليس الشعب، والملوك مسؤولون أمام الله وحده عن كيفية استخدامها».
وهناك نظرية الحق الإلهي غير المباشر، أي أن الحاكم يختار بمعرفة البشر بعد أن توجههم العناية الإلهية لاختياره، وبذلك تكون سلطته مطلقة.
دولة مدنية ومرجعية إسلامية
يرى بعض الناس أن الشريعة الإسلامية دعوة دينية، تعنى بالأخلاق وتنظيم العلاقة بين الإنسان وربه، ولا شأن لها بما وراء ذلك من شؤون الحياة ومنها شؤون الدولة والحكم.
لكن الناظر إلى الشريعة الإسلامية يجد أن الشمول من خصائصها، ففيها من أحكام الشورى ومسؤولية الحاكم، وموضوع الطاعة وأحكام الحرب والسلم والمعاهدات، ناهيك عن ما ورد في أحاديث الرسول عليه السلام من ألفاظ الإمام والأمير والسلطان، ومن البديهي أن من له حق التنفيذ ليسوا هم الأفراد، وإنما من خلال سلطة أو دولة، فأحكام العقوبات والجهاد وتحقيق شرط العبودية بمفهومها الشامل، كلها أمور تحتاج إلى تنظيم في المجتمع، لا بد أن تقوم عليه دولة.إن القوة الفعالة التي تحفظ المجتمع من التخريب والانحراف، هي قوة الدولة بما لها من سلطان.
الدولة الإسلامية ليست دولة إقليمية ولا دولة عنصرية، وانما هي دولة فكرية لا امتياز فيها لقوم على أساس اللون أو الجنس او الإقليم. إن الإسلام بقدر ما هو دين فهو قانون وعقيدة ونظام للحياة. يقول الدكتور محمد سليم العوا في بحثه «النظام السياسي في الإسلام» إن «القرآن الكريم والسنة النبوية لا يتضمنان نظام حكم محدد المعالم والتفاصيل، يجب على المسلمين في كل العصور الإلتزام والوقوف عنده، فليست هناك نصوص في القرآن عن كيفية اختيار الحاكم وعزله أو شروط من يتولى السلطة القضائية، ولذلك اجتهد المسلمون في ذلك ضمن الدائرة التي أطلق عليها دائرة الفراغ، وعليه فإن الاجتهاد في المسائل السياسية واجب للحصول إلى ما هو مطلوب لتحقيق مقاصد الشرع، فالإسلام دين وشريعة، دين يتعبد به وشريعة قانونية تحكم تصرفات الناس وأفعالهم، بحيث لا تكون هناك حاجة لاستيراد قانون غيرهم، فالمقصود بكلمة دولة هي الشريعة، وبذلك لا يكون النظام السياسي في الإسلام هو نظام بعينه لا يصح الاختلاف حوله أو الاجتهاد في تفاصيله.
«إن العلاقة بين الدين والسياسية ليست هي الفصل المطلق، ولا التماهي المطلق فالدين حاضر في السياسة كموجّه وروح دافعة وقوة للأمة جامعة، لكن الممارسة السياسية هي ممارسة بشرية نسبية قابلة للخطأ، ولا ينبغي إضفاء طابع القداسة عليها، ومن هنا لا مجال في هذا الفهم لأي صورة من صور نظرية الحكم الإلهي أو ما يعرف بالثيوقراطية».
إن اختزال الشريعة في نظام العقوبات تشويه لها، فإقامة العدل شريعة وحفظ كرامة الإنسان شريعة والمحافظة على البيئة شريعة والشورى شريعة، والدفاع عن الوطن شريعة، وضمان حق المواطن بالعيش الكريم شريعة.
وإذا كانت هناك قواعد عامة تؤطر لهذه المفاهيم، فإن القانون يصوغ نصوصاً تفصيلية، وهي العملية التي يجب أن تتولاها هيئة مخولة بذلك. وتطبيق القانون هو من صلاحيات السلطة التنفيذية ولا يجوز للأفراد أن يباشروه. إن ذلك يجب أن يتم في انسجام بين مقتضيات المرجعية ومعطيات الكسب الحضاري الإنساني.

مفكر ودبلوماسي أردني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الدولة المدنية والدولة الدينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة المدنية والدولة الدينية   الدولة المدنية والدولة الدينية Emptyالخميس 17 نوفمبر 2016, 2:10 am

الدولة المدنية والدولة الدينية(3-3)

هذه الورقة هي محاولة لإلقاء الضوء على فكرة الدولة، والدولة المدنية كما يراها مناصروها والدولة الدينية كما يراها مناصروها ومعارضوها، ومن ثم محاولة لطرح فكرة «الدولة المدنية بالمرجعية الإسلامية»، تتأصل وتؤثر في تطوير الفكر السياسي الإسلامي، لأننا يمكن أن نعترف وبوضوع أن ما كتب في الإسلام حول السياسة والحكم قديماً وحديثاً، لا يساوي نقطة في بحر مما كتب عن الإسلام في بقية الأصول والفروع، ربما لأن السياسة تعني الحكم والحكم يعني السلطة والسلطة تعني الغلبة، والغلبة تعني القوة والمال. حتى لو تطور الأمر إلى سفك دماء المعارضين. ما نطرحه هو محاولة لتوضيح صورة مشرقة عن الإسلام الذي أنتمي إليه وأعتز به، وأسأل الله أن ألقاه عليه، ليس في البال ولن تدور محاولة تسيس أو تدنيس أو تلفيق لصالح جهة أو رأي.
وأقول كما قال الإمام الشافعي «كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، ومثل من يأخذ عنا دون أن يعرف دليلنا، كمثل حاطب ليل لا يدري إن كان في حطبه أفعى تلدغه.
دولة مدنية ومرجعية إسلامية

إن الوسطية التي تظلل فهمنا، ليست وسطية تلفيقية أو أنصاف حلول. إنها منهج فكري وموقف أخلاقي ينبذ العنف والغلو من جهة والانحلال والتطرف من جهة أخرى، والإسلام بالإضافة لكونه مبادئ وأحكام ومقاصد فهو أيضا كسب بشري متواصل، فكل جيل مطالب أن يعيش تجربته الخاصة في الإسلام، وأن يستنبط من كليات أحكامه ومقاصده ما يكون من خلاله الاستجابة لما يطرح الواقع المتجدد من مشكلات، إذ لا فهم للثوابت إلا من خلال فهم متجدد، والتجديد إذ يراعي الثوابت التي حسمها الشرع، فإنه يتوجه إلى الفضاء الأوسع المرتبط بالواقع لإبداع الاختيارات الملائمة التي من شأنها إصلاح أحوال الناس. لا بد من حسم التوافقات التاريخية الكبرى ذات الصلة بقضايا المرجعية والمكونات الأساسية للهوية الوطنية.
إن الخطاب المدني ليس على قطيعة مع المصطلحات كالتعددية وحقوق الإنسان والدولة المدنية والمواطنة والتداول السلمي للسلطة، والمرجعية الإسلامية تستوعب كل ذلك.
العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام ليست علاقة توحد وليست علاقة فصل بين الثابت والمتغير، والمقدس والبشري، فهي علاقة الفروع المتغيرة بالأصول والأركان والمقاصد.
الإسلام لم يجعل الدولة أصلاً من أصوله الإعتقادية، ولا ركناً من أركانه ولا شعيرة من شعائره الثابتة، حتى تكون هناك مظلة لثباتها، فالغزالي يقول إن نظرية الإمام من الفرعيات، وكذا الجويني يقول إن الكلام في الإمامة ليس من أصول الاعتقاد، وفق الشهرستاني والقرافي يُتوصل إلى تمييز الدين أو الرسالة عن الدولة أو الإمامة. فالرسول صل الله عليه وسلم في الرسالة مبلغ وفي الإمامة منشئ، وابن تيمية يقول إنها ليست من أركان الإسلام الخمسة، ولا من أركان الإسلام الستة، وابن خلدون يقول إنها من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق.
ورأس الدولة بشر مجتهد، هكذا أكد كثير ممن تولوا أمر المسلمين بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا افترقت العصمة عن رأس الدولة فعمالها يعزلون للعجز والجور والفسق، والرسول صل الله عليه وسلم وهو المعصوم الذي يبلغ رسالة ربه، فقد شهدت ممارساته كحاكم للدولة تغيير رأيه في كثير من الأمور التي شاور فيها أصحابه، وهو يقول في آخر خطبة له (أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقدمني ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقدمني ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخش الشحناء ومن قبلي فإنها ليست من شأني).
خاضت الدولة الدينية في أوروبا الحروب الدينية لتجعل وبالإكراه كل رعيتها متدينة بدينها، لأنها وحدت بين الدين والدولة. أما الإسلام فمنذ اللحظة الأولى في المدينة فقد كانت وثيقة المدينة تنص على عدم حصر المواطنة فقط في المسلمين، بل نصت على اعتبار اليهود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة، وحددت ما لهم من الحقوق والواجبات (يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فقرة 25, وحددت الوثيقة حدود الإقليم الجديد الدولة) في المدينة، وهو الذي أعطاهم حق المواطنة فيها وقالت الوثيقة برابطة الرعية السياسية (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة). فغير المسلم فيها مواطن يستوي مع المسلم في حقوق المواطنة وواجباتها وهذه غير الموالاة في الدين أي نصرة الدعوة. إن انتقاد الدولة الدينية في المفهوم الغربي، ينفي ضرورة الوحدة والتطابق في دين الدولة، فتمييز الدولة بين الثوابت الدينية والمتغيرات الدنيوية مع العلاقة بينها على النحو الذي تثمره الوسطية الإسلامية، يسمح بتمايز العقائد الدينية للرعية مع اجتماعها على الولاء للدولة.
إن ضرورة الدولة للمجتمع، ينبغي أن لا يتعارض مع كون الدولة من جنس المجتمع ودينه، فالقرآن فرض على المسلمين من الفرائض مما لا يمكن القيام به، إلا إذا كانت هناك دولة تتحقق في أركانها دعوة الإسلام، فالزكاة والقضاء والشورى والقيام بفريضة الدعوة والجهاد والعلم وعمارة الأرض، وتأكيد وجود ولاة للأمر (قادة الدولة)، وهؤلاء لا يقفون فقط عند حدود الطبقة الأولى، وإنما يشملون كل قادة الرأي وذوي الشوكة في الأمة.
إن القاعدة التي تقول بما لا يتم الواجب إلا به، فهو ما يوجب على الدولة قيامها، ولا يمكن أن تؤدي الدولة مهامها إلا إذا كانت إسلامية.
نؤكد على أن الدولة اجتهاد بشري لا يحتكر التفكير لها، ولا تنفيذ دستورها جماعة من الناس أو فئة دون غيرها. إنها حق لكل من هو قادر على الوفاء بحقوقها، فهي ليست دولة حزب أو جماعة مهما كبرت وامتدت، والحاكم فيها غير معصوم وتختاره الأمة بالشورى، وتبايعه لتنفيذ القانون الإسلامي بواسطة أجهزة الدولة ومؤسساتها، ولا عصمة لأي أحد فيها. لا احتكار للسلطة أو الاستثمار بالسلطات. إن ديننا يقول عن المسلمين: يسعى بذمتهم أدناهم، وهذا الدين هو أشد أعداء احتكار السلطة، وكون سياسة الدولة اجتهاداً بشرياً يعني أنه لا يجوز لحاكمه القول إن حكمه هو حكم الله، فهناك تمييز بين حكم البشر وحكم الله.
الأمة الإسلامية هي مصدر الدولة تختار رأسها وأجهزتها بواسطة أهل الاختيار، الذين يتحدون وفق المصلحة وأعراف الناس والزمان، والأمة مصدر تقنين النصوص والتشريع بما لا نص فيه، وهي الرقيبة على مؤسسات الدولة وصاحبة السلطة في التغيير. عندما رفض الإمام مالك اقتراح المنصور أن يكون الموطأ هو وحده قانون قضاء الدولة، قال إن ذلك هو اجتهاد مالك وفي الأمة مجتهدون آخرون. أعطى ابن خلدون رأياً ربما لا يناسب البعض، فهو يقول:»إن أهل العلم الديني ككل المتبحرين بالعلم النظري، هم أبعد الناس عن إجادة الدولة، لحاجتها إلى العقلية العملية التي تراعي الواقع دون أن تغرق الواقع في النظريات «. هي دولة إسلامية لأنها اجتهاد إسلامي، وهي دولة مدنية تحدثنا فيها عن منطقة الفراغ والفضاء الأوسع، وهي تلك المساحة التي تركت الشريعة الإسلامية حق التشريع فيها لأولي الأمر، والسلطة المنتخبة مخولة بالإشراف لكي تصدر الحكم المناسب في الظروف المتطورة، على النحو الذي يضمن الأهداف العامة للشريعة.عندما تقول الآية الكريمة « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم» فنجد التفسير الأقرب لهذه الآية، أنها جعلت الخطاب بصيغة الجماعة فقالت «أولي» وهي تشير إلى عدم الانفراد بالسلطة، والثانية هي وجوب الطاعة في المساحة التي يرد فيها تكليف مباشر.
إن شمول رسالة الإسلام كما ذكرنا، وختمها للرسالات والنبوات لا بد أن تشتمل على كل ما يقتضيه النظام الاجتماعي للمصالح البشرية، بما فيه من عناصر ثابتة وأخرى متطورة أو متغيرة، فوجود مساحة لا بد أن تكون متغيرة هي التي تعطيها صلاحية الاستمرار الزماني, وإلا كان حالها كحال بقية الرسالات التي سبقتها، ولكنها أي الشريعة لم تجعل ملء هذه المنطقة جزافاً، بل لا بد من مراعاة عدة ضوابط لتحقيق هدفها، منها الضوابط المتعلقة بتعيين ولي الأمر ومنها تحديد منطقة الفراغ، ومنها التشريعات التي تملأها، وفي هذه الحالة هناك ثلاثة مجالات: مجال تشخيص الموضوعات، ومجال تشخيص الأهم والأصلح، ومجال المصالح الطارئة في دائرة المباحات.
نحن نفرق بين أمرين: الدين والفكر الديني.الدين تنزيل سماوي من قبل الله سبحانه وتعالى، والمنزل عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم، المنزه عن مقتضيات الغفلة والنسيان والسهو والخطأ والاشتباه. أما الفكر الديني فهو قراءة بشرية للدين، قابلة لأن تصيب وتخطئ، ولكن ذلك لا يعني أن لا حقائق ثابتة في الفهم الديني. في المجال الأول هناك أمور ثابتة في العقيدة وأمور ثابتة في الشريعة، وهناك أمور متغيرة في الشريعة أو ما أطلق عليه الأحكام الأولية والأحكام الثانوية، ومما يدل على ذلك إقرار مبدأ الاجتهاد على مدى عصور الشريعة الإسلامية، حتى أن الرسول صل الله عليه وسلم عندما بعث معاذاً إلى اليمن كان من جملة ما قاله: «أجتهد في رأي ولا آلوا.
إن ربط النظام السياسي بمفهوم الخلافة، لا يعني أن هذا اللفظ نص مقدس، إنه رؤية بشرية لمؤسسة حكم بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم، يُعنى بتنظيم رئاسة الدولة الإسلامية من اختيار رئيسها إلى مؤسساتها، وقد استعملت ألفاظ «خليفة رسول الله» و«أمير المؤمنين» و«الإمام» في المدلولات السياسية عبر التاريخ الإسلامي.

إن حديثنا عن المرجعية الإسلامية للدولة المدنية، معناه التزام المرجعية الإسلامية في شأننا الديني التعبدي وفي شأننا الدنيوي، فإذا كانت قطعية الدلالة التزمنا بها، وان كانت ظنية اجتهد المؤهلون للاجتهاد في فهمها.
إن موضوع الشأن السياسي في أغلبه اجتهاد موكول إلى المؤهلين، فمن أين جاء شرط الاجتهاد للخليفة بأن يقود الجيوش وأن يبارز، وبقاؤه في منصبه مدى الحياة وشرط القرشية؟
لقد استقر الرأي الفقهي السياسي الإسلامي مثلاً، على أن الحاكم يبايع لمدة محدودة. إن من دواعي انتقاد الجور والظلم والاستبداد، عدم انفراد شخص أو حزب أو جماعة أو طائفة بحكم الناس إلى مالا نهاية، وإنما تقييد ذلك بمدة زمنية. لقد تبلورت لديننا ثلاثة اجتهادات في مسألة الحكم: الشورى والبيعة عند أهل السنة، وولاية الفقيه عند الشيعة الإمامية، وولاية الأمة على نفسها عند الإمام محمد مهدي شمس الدين (من الشيعة).
إن هناك قواعد عامة واجتهادية، يمكن أن تدخل ضمن تفاصيلها قواعد تفصيلية في الحياة السياسية منها: «الضرورات تبيح المحظورات، دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، تصرف الإمام منوط بتحقيق المصلحة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشورى والعدل والنهي عن الظلم، وحرية الرأي السياسي»، وفي ذلك يقول الإمام ابن باديس «فحق كل انسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياه هو مقدار ما عنده من حرية، والمعتدى عليه في شيء من حريته كالمعتدى عليه في شيء من حياته، وما أرسل الله الرسل وما شرع لهم من الشرع إلا ليحيوا أحرارا، وليعرفوا كيف يأخذون بأسباب الحرية والحياة» ومنها قيمة المساواة، والحاكم ليس فوق المسألة. أبو بكر رضي الله عنه يقول «إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني».
إن صلاح حال الناس غاية أعظم من أن تحول بيننا وبينها عقلية جامدة أو همة قاعدة، والذين لا يقبلون من الآراء والأفكار إلا ما يجدونه عندهم مكتوباً في كتاب، يحكمون على الأمة بالبقاء حيث كانت.. يتقدم الآخرون ونتخلف نحن، والذين يرفضون كل فكرة سبقنا إليها غيرنا، أو اجتهد في تقريرها بعضنا، مهما كانت موافقة لمقتضى الشرع، يخطئون كل من سبقنا ولو لم يكن لهم به سابقة ولا عهد.
إن الدولة المدنية تؤكد التعددية، والدولة المدنية في المرجعية الإسلامية تؤمن بالتعددية، فالاختلاف سنة كونية، وإذا كان الاختلاف في أمر العقيدة مقبول، فالاختلاف في شأن الدنيا أكثر قبولاً، ولنا أن نقول ونحن مرتاحون إلى قولنا إن أسوأ صور الظلم وأبشع حالات الطغيان وأقساها، ما كان مستنداً إلى نظرة دينية، يساء فيها استخدام النصوص وتأويلها وفق أهواء الظالمين، أو يُدس على الدين ما ليس منه لتحقيق نزوة أو القضاء على خصم.
وفي موازاة التعددية نقف عند المرأة والعمل السياسي، فلا يوجد ما يمنع من أن تشتغل المرأة بالعمل العام ومنه العمل السياسي، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخاطبٌ به الرجال والنساء، والقرآن يتحدث عن الشورى مشمولاً بها الرجال والنساء، والوارد في الحديث «من رأى منكم منكراً فليغيره»، يشير إلى ألفاظ العموم. لقد شاركت المرأة في الجيوش وفي الهجرة إلى الحبشة وبيعة العقبة، وكا يدل موقف أم سلمة يوم الحديبية وموقف أم سليم في حنين وموقف حفصة يوم صفين، وموقف أسماء بنت أبي بكر مع الحجاج.
إن الفقه كما يقول الشيخ الغزالي «ليس قصة أنوثة أو ذكورة، إنها قصة أخلاق وقدرات، ومواهب نفسية واستعدادات علمية قد تتوفر في امرأة ذات دين خير من ذي لحية ذكور.
إن بيعة النساء يوم العقبة كانت بيعة سياسية، وتولية الشفاء بنت عبدالله الحسبة على السوق، والحسبة ولاية عامة من ولايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما سمراء بنت نهيك الأسدية الإسلامية، فقد تولت هي الأخرى حسبة السوق وأعطاها عمر سوطاً كانت تؤدب به المخالفين والمخالفات.
إن قصر الحقوق السياسية على الرجال دون النساء، أمرٌ لا يقره الإسلام، وقد قال الإمام أبو حنيفة بتولي المرأة القضاء في ما تجوز فيه شهادتها، والإمام مالك أجاز توليها الإمارة.

إن أصل المساواة بين الرجال والنساء في الخلق، وفي الحقوق والواجبات ينصرف إلى حق المرأة كالرجل سواء بسواء في المساهمة في العمل العام وولايته، لا تصرفه عنه ولا تمنعه منها إلا الصوارف الخاصة التي مثلها ما يصرف الرجل ويمنعه.
وعليه فإن الدولة التي نشأت في حضن الإسلام هي «الدولة التاريخية» لها ما لها وعليها ما عليها، وهي ليست النموذج المقدس، ولا النص الذي لا يحتمل النقاش، ففي الغالب لم تكن دولة عقيدة دينية عبادية ولم تنشأ من داخل الإيمان، ولكنها كانت دولة المسلمين التاريخية، ونشأت بين المسلمين بصفتهم بشراً.
يقول الدكتور برهان غليون «ومن الواضح بالنسبة إلي أن الناس لا يتنازعون في هذا السياق على تعيين حقيقة الإسلام، أو على معرفة جوهر رسالته وإنما يرتبط نزاعهم النظري بالصراع على السلطة الذي تستغرقه مسألتان: تداول السلطة، وعلاقة الدولة ومؤسساتها بالمجتمع.
إننا بحاجة إلى التأشير على مجموعة من القضايا منها:
- الدولة الإسلامية اختيار منهجي وحضاري، ولا تنجح تجربة سياسية في مجتمع لا يأخذ بعين الاعتبار بنية هذا المجتمع وثقافته وعقيدته التي تتحكم بسلوكه.
- إن غير المسلمين مصانة حقوقهم في الدولة الإسلامية ضمن مبدأ المواطنة، بما فيها الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية.
- هناك مجالات واسعة لتطبيق القانون الوضعي في الحياة العامة، انطلاقاً من مساحة الفراغ والقواعد العامة الكلية للشريعة.
- هناك مرونة في التشريع وحركية في الاجتهاد.
- إن كثيراً من مبادئ الديمقراطية الغربية في إعلان مبدأ سيادة الشعب وهو مصدر السلطة، وسيادته يمارسها من خلال جملة من التقنيات الدستورية، وتتفق حول مبادئ المساواة والانتخاب وفصل السلطات والتعددية السياسية وحرية التعبير والاعتقاد، والإقرار للأغلبية بحق الحكم والتقرير للأقلية بحق المعارضة، والانتقال من حكم الفرد إلى حكم القانون، الأمر الذي يجعل سلوك الحكومة خاضعاً للقانون، وأن تحترم الحكومة القيم والأهداف الأساسية للمجتمع.. هذه المبادئ كلها تتلاقى مع جوهر النظرة الإسلامية لعلاقة الفرد مع الدولة وموقفه منها ووظيفة الدولة في المجتمع، مع التركيز على المرجعية الإسلامية.
- إن النص والشورى بمفاهيمها السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية وغيرها من المضامين، هي أداة أساسية لتنفيذ الوجهة الإيجابية للحكم الإسلامي.
- إن هناك ضمانات لعدم الجور في الدولة الإسلامية، باعتبار أن المشروعية العليا في الدولة هي لله، واعتبار عقد النيابة عقد وكالة خاص ومنع الحاكم من الجمع بين التجارة والإمارة، وإقامة نظام اقتصادي يتضمن عدم تركيز الثروة، ونظام اجتماعي يؤكد على احترام الفرد وقيمة العمل ونظام تربوي يشيع المعرفة والفضيلة.
- تؤكد السلطة الإسلامية مبدأ استقلال القضاء.
- إن تأكيد قيمة الحرية والقبول بحق الاختلاف والتعددية والعدالة والتسامح والنظام، وروح العمل الجماعي والتناصر في مقاومة الظلم والجور، وحب الحقيقة واحترام إرادة الأمة، وترويض المشروعات الفردية نزولاً عند رأي الجماعة وتداول السلطة، والتمسك بالسلم والتعاون والتقدم كلها أمور أقرها الإسلام ضمن سلطة السياسة.
- لقد كفلت السلطة السياسية الحرية الدينية والسياسية، وحرية العمل وحرية الرأي.
إن مصطلح المجتمع المدني، والدولة المدنية لا يتعارض مع الأصول والمبادئ والقواعد العامة للنظام السياسي الإسلامي. إن المؤسسات التي يصوغها المجتمع المدني تدخل جميعها ضمن نظام الدولة في الإسلام. لقد شدد الإسلام من خلال نصوصه على المدنية كحالة في مواجهة البداوة، وحتى أن اسم يثرب قد تغير وأصبح أسمها المدينة، ومن المبدأ نفسه عمل الإسلام مشدداً على القيم المدنية لارتباطها بمغزى سياسي يمثل نواة قيام الدولة بشكل مؤسسي.
لقد نصت معظم الدساتير في البلاد العربية على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وأن الإسلام هو المصدر الأسمى للتشريع أو هو المصدر الأول للتشريع، وأن قوانيتن الأحوال الشخصية ما زالت مطبقة، من هنا سيكون المدخل لكل من ينادي بدولة مدنية بمرجعية إسلامية.

*مفكر ودبلوماسي اردني



الدولة المدنية والدولة الدينية(3-3)
مصدر: السبيل
GMT 02:05 15/11/2016
Tweet
هذه الورقة هي محاولة لإلقاء الضوء على فكرة الدولة، والدولة المدنية كما يراها مناصروها والدولة الدينية كما يراها مناصروها ومعارضوها، ومن ثم محاولة لطرح فكرة «الدولة المدنية بالمرجعية الإسلامية»، تتأصل وتؤثر في تطوير الفكر السياسي الإسلامي، لأننا يمكن أن نعترف وبوضوع أن ما كتب في الإسلام حول السياسة والحكم قديماً وحديثاً، لا يساوي نقطة في بحر مما كتب عن الإسلام في بقية الأصول والفروع، ربما لأن السياسة تعني الحكم والحكم يعني السلطة والسلطة تعني الغلبة، والغلبة تعني القوة والمال. حتى لو تطور الأمر إلى سفك دماء المعارضين. ما نطرحه هو محاولة لتوضيح صورة مشرقة عن الإسلام الذي أنتمي إليه وأعتز به، وأسأل الله أن ألقاه عليه، ليس في البال ولن تدور محاولة تسيس أو تدنيس أو تلفيق لصالح جهة أو رأي.
وأقول كما قال الإمام الشافعي «كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، ومثل من يأخذ عنا دون أن يعرف دليلنا، كمثل حاطب ليل لا يدري إن كان في حطبه أفعى تلدغه.
دولة مدنية ومرجعية إسلامية

إن الوسطية التي تظلل فهمنا، ليست وسطية تلفيقية أو أنصاف حلول. إنها منهج فكري وموقف أخلاقي ينبذ العنف والغلو من جهة والانحلال والتطرف من جهة أخرى، والإسلام بالإضافة لكونه مبادئ وأحكام ومقاصد فهو أيضا كسب بشري متواصل، فكل جيل مطالب أن يعيش تجربته الخاصة في الإسلام، وأن يستنبط من كليات أحكامه ومقاصده ما يكون من خلاله الاستجابة لما يطرح الواقع المتجدد من مشكلات، إذ لا فهم للثوابت إلا من خلال فهم متجدد، والتجديد إذ يراعي الثوابت التي حسمها الشرع، فإنه يتوجه إلى الفضاء الأوسع المرتبط بالواقع لإبداع الاختيارات الملائمة التي من شأنها إصلاح أحوال الناس. لا بد من حسم التوافقات التاريخية الكبرى ذات الصلة بقضايا المرجعية والمكونات الأساسية للهوية الوطنية.
إن الخطاب المدني ليس على قطيعة مع المصطلحات كالتعددية وحقوق الإنسان والدولة المدنية والمواطنة والتداول السلمي للسلطة، والمرجعية الإسلامية تستوعب كل ذلك.
العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام ليست علاقة توحد وليست علاقة فصل بين الثابت والمتغير، والمقدس والبشري، فهي علاقة الفروع المتغيرة بالأصول والأركان والمقاصد.
الإسلام لم يجعل الدولة أصلاً من أصوله الإعتقادية، ولا ركناً من أركانه ولا شعيرة من شعائره الثابتة، حتى تكون هناك مظلة لثباتها، فالغزالي يقول إن نظرية الإمام من الفرعيات، وكذا الجويني يقول إن الكلام في الإمامة ليس من أصول الاعتقاد، وفق الشهرستاني والقرافي يُتوصل إلى تمييز الدين أو الرسالة عن الدولة أو الإمامة. فالرسول صل الله عليه وسلم في الرسالة مبلغ وفي الإمامة منشئ، وابن تيمية يقول إنها ليست من أركان الإسلام الخمسة، ولا من أركان الإسلام الستة، وابن خلدون يقول إنها من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق.
ورأس الدولة بشر مجتهد، هكذا أكد كثير ممن تولوا أمر المسلمين بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا افترقت العصمة عن رأس الدولة فعمالها يعزلون للعجز والجور والفسق، والرسول صل الله عليه وسلم وهو المعصوم الذي يبلغ رسالة ربه، فقد شهدت ممارساته كحاكم للدولة تغيير رأيه في كثير من الأمور التي شاور فيها أصحابه، وهو يقول في آخر خطبة له (أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقدمني ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقدمني ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخش الشحناء ومن قبلي فإنها ليست من شأني).
خاضت الدولة الدينية في أوروبا الحروب الدينية لتجعل وبالإكراه كل رعيتها متدينة بدينها، لأنها وحدت بين الدين والدولة. أما الإسلام فمنذ اللحظة الأولى في المدينة فقد كانت وثيقة المدينة تنص على عدم حصر المواطنة فقط في المسلمين، بل نصت على اعتبار اليهود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة، وحددت ما لهم من الحقوق والواجبات (يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فقرة 25, وحددت الوثيقة حدود الإقليم الجديد الدولة) في المدينة، وهو الذي أعطاهم حق المواطنة فيها وقالت الوثيقة برابطة الرعية السياسية (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة). فغير المسلم فيها مواطن يستوي مع المسلم في حقوق المواطنة وواجباتها وهذه غير الموالاة في الدين أي نصرة الدعوة. إن انتقاد الدولة الدينية في المفهوم الغربي، ينفي ضرورة الوحدة والتطابق في دين الدولة، فتمييز الدولة بين الثوابت الدينية والمتغيرات الدنيوية مع العلاقة بينها على النحو الذي تثمره الوسطية الإسلامية، يسمح بتمايز العقائد الدينية للرعية مع اجتماعها على الولاء للدولة.
إن ضرورة الدولة للمجتمع، ينبغي أن لا يتعارض مع كون الدولة من جنس المجتمع ودينه، فالقرآن فرض على المسلمين من الفرائض مما لا يمكن القيام به، إلا إذا كانت هناك دولة تتحقق في أركانها دعوة الإسلام، فالزكاة والقضاء والشورى والقيام بفريضة الدعوة والجهاد والعلم وعمارة الأرض، وتأكيد وجود ولاة للأمر (قادة الدولة)، وهؤلاء لا يقفون فقط عند حدود الطبقة الأولى، وإنما يشملون كل قادة الرأي وذوي الشوكة في الأمة.
إن القاعدة التي تقول بما لا يتم الواجب إلا به، فهو ما يوجب على الدولة قيامها، ولا يمكن أن تؤدي الدولة مهامها إلا إذا كانت إسلامية.
نؤكد على أن الدولة اجتهاد بشري لا يحتكر التفكير لها، ولا تنفيذ دستورها جماعة من الناس أو فئة دون غيرها. إنها حق لكل من هو قادر على الوفاء بحقوقها، فهي ليست دولة حزب أو جماعة مهما كبرت وامتدت، والحاكم فيها غير معصوم وتختاره الأمة بالشورى، وتبايعه لتنفيذ القانون الإسلامي بواسطة أجهزة الدولة ومؤسساتها، ولا عصمة لأي أحد فيها. لا احتكار للسلطة أو الاستثمار بالسلطات. إن ديننا يقول عن المسلمين: يسعى بذمتهم أدناهم، وهذا الدين هو أشد أعداء احتكار السلطة، وكون سياسة الدولة اجتهاداً بشرياً يعني أنه لا يجوز لحاكمه القول إن حكمه هو حكم الله، فهناك تمييز بين حكم البشر وحكم الله.
الأمة الإسلامية هي مصدر الدولة تختار رأسها وأجهزتها بواسطة أهل الاختيار، الذين يتحدون وفق المصلحة وأعراف الناس والزمان، والأمة مصدر تقنين النصوص والتشريع بما لا نص فيه، وهي الرقيبة على مؤسسات الدولة وصاحبة السلطة في التغيير. عندما رفض الإمام مالك اقتراح المنصور أن يكون الموطأ هو وحده قانون قضاء الدولة، قال إن ذلك هو اجتهاد مالك وفي الأمة مجتهدون آخرون. أعطى ابن خلدون رأياً ربما لا يناسب البعض، فهو يقول:»إن أهل العلم الديني ككل المتبحرين بالعلم النظري، هم أبعد الناس عن إجادة الدولة، لحاجتها إلى العقلية العملية التي تراعي الواقع دون أن تغرق الواقع في النظريات «. هي دولة إسلامية لأنها اجتهاد إسلامي، وهي دولة مدنية تحدثنا فيها عن منطقة الفراغ والفضاء الأوسع، وهي تلك المساحة التي تركت الشريعة الإسلامية حق التشريع فيها لأولي الأمر، والسلطة المنتخبة مخولة بالإشراف لكي تصدر الحكم المناسب في الظروف المتطورة، على النحو الذي يضمن الأهداف العامة للشريعة.عندما تقول الآية الكريمة « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم» فنجد التفسير الأقرب لهذه الآية، أنها جعلت الخطاب بصيغة الجماعة فقالت «أولي» وهي تشير إلى عدم الانفراد بالسلطة، والثانية هي وجوب الطاعة في المساحة التي يرد فيها تكليف مباشر.
إن شمول رسالة الإسلام كما ذكرنا، وختمها للرسالات والنبوات لا بد أن تشتمل على كل ما يقتضيه النظام الاجتماعي للمصالح البشرية، بما فيه من عناصر ثابتة وأخرى متطورة أو متغيرة، فوجود مساحة لا بد أن تكون متغيرة هي التي تعطيها صلاحية الاستمرار الزماني, وإلا كان حالها كحال بقية الرسالات التي سبقتها، ولكنها أي الشريعة لم تجعل ملء هذه المنطقة جزافاً، بل لا بد من مراعاة عدة ضوابط لتحقيق هدفها، منها الضوابط المتعلقة بتعيين ولي الأمر ومنها تحديد منطقة الفراغ، ومنها التشريعات التي تملأها، وفي هذه الحالة هناك ثلاثة مجالات: مجال تشخيص الموضوعات، ومجال تشخيص الأهم والأصلح، ومجال المصالح الطارئة في دائرة المباحات.
نحن نفرق بين أمرين: الدين والفكر الديني.الدين تنزيل سماوي من قبل الله سبحانه وتعالى، والمنزل عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم، المنزه عن مقتضيات الغفلة والنسيان والسهو والخطأ والاشتباه. أما الفكر الديني فهو قراءة بشرية للدين، قابلة لأن تصيب وتخطئ، ولكن ذلك لا يعني أن لا حقائق ثابتة في الفهم الديني. في المجال الأول هناك أمور ثابتة في العقيدة وأمور ثابتة في الشريعة، وهناك أمور متغيرة في الشريعة أو ما أطلق عليه الأحكام الأولية والأحكام الثانوية، ومما يدل على ذلك إقرار مبدأ الاجتهاد على مدى عصور الشريعة الإسلامية، حتى أن الرسول صل الله عليه وسلم عندما بعث معاذاً إلى اليمن كان من جملة ما قاله: «أجتهد في رأي ولا آلوا.
إن ربط النظام السياسي بمفهوم الخلافة، لا يعني أن هذا اللفظ نص مقدس، إنه رؤية بشرية لمؤسسة حكم بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم، يُعنى بتنظيم رئاسة الدولة الإسلامية من اختيار رئيسها إلى مؤسساتها، وقد استعملت ألفاظ «خليفة رسول الله» و«أمير المؤمنين» و«الإمام» في المدلولات السياسية عبر التاريخ الإسلامي.

إن حديثنا عن المرجعية الإسلامية للدولة المدنية، معناه التزام المرجعية الإسلامية في شأننا الديني التعبدي وفي شأننا الدنيوي، فإذا كانت قطعية الدلالة التزمنا بها، وان كانت ظنية اجتهد المؤهلون للاجتهاد في فهمها.
إن موضوع الشأن السياسي في أغلبه اجتهاد موكول إلى المؤهلين، فمن أين جاء شرط الاجتهاد للخليفة بأن يقود الجيوش وأن يبارز، وبقاؤه في منصبه مدى الحياة وشرط القرشية؟
لقد استقر الرأي الفقهي السياسي الإسلامي مثلاً، على أن الحاكم يبايع لمدة محدودة. إن من دواعي انتقاد الجور والظلم والاستبداد، عدم انفراد شخص أو حزب أو جماعة أو طائفة بحكم الناس إلى مالا نهاية، وإنما تقييد ذلك بمدة زمنية. لقد تبلورت لديننا ثلاثة اجتهادات في مسألة الحكم: الشورى والبيعة عند أهل السنة، وولاية الفقيه عند الشيعة الإمامية، وولاية الأمة على نفسها عند الإمام محمد مهدي شمس الدين (من الشيعة).
إن هناك قواعد عامة واجتهادية، يمكن أن تدخل ضمن تفاصيلها قواعد تفصيلية في الحياة السياسية منها: «الضرورات تبيح المحظورات، دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، تصرف الإمام منوط بتحقيق المصلحة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشورى والعدل والنهي عن الظلم، وحرية الرأي السياسي»، وفي ذلك يقول الإمام ابن باديس «فحق كل انسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياه هو مقدار ما عنده من حرية، والمعتدى عليه في شيء من حريته كالمعتدى عليه في شيء من حياته، وما أرسل الله الرسل وما شرع لهم من الشرع إلا ليحيوا أحرارا، وليعرفوا كيف يأخذون بأسباب الحرية والحياة» ومنها قيمة المساواة، والحاكم ليس فوق المسألة. أبو بكر رضي الله عنه يقول «إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني».
إن صلاح حال الناس غاية أعظم من أن تحول بيننا وبينها عقلية جامدة أو همة قاعدة، والذين لا يقبلون من الآراء والأفكار إلا ما يجدونه عندهم مكتوباً في كتاب، يحكمون على الأمة بالبقاء حيث كانت.. يتقدم الآخرون ونتخلف نحن، والذين يرفضون كل فكرة سبقنا إليها غيرنا، أو اجتهد في تقريرها بعضنا، مهما كانت موافقة لمقتضى الشرع، يخطئون كل من سبقنا ولو لم يكن لهم به سابقة ولا عهد.
إن الدولة المدنية تؤكد التعددية، والدولة المدنية في المرجعية الإسلامية تؤمن بالتعددية، فالاختلاف سنة كونية، وإذا كان الاختلاف في أمر العقيدة مقبول، فالاختلاف في شأن الدنيا أكثر قبولاً، ولنا أن نقول ونحن مرتاحون إلى قولنا إن أسوأ صور الظلم وأبشع حالات الطغيان وأقساها، ما كان مستنداً إلى نظرة دينية، يساء فيها استخدام النصوص وتأويلها وفق أهواء الظالمين، أو يُدس على الدين ما ليس منه لتحقيق نزوة أو القضاء على خصم.
وفي موازاة التعددية نقف عند المرأة والعمل السياسي، فلا يوجد ما يمنع من أن تشتغل المرأة بالعمل العام ومنه العمل السياسي، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخاطبٌ به الرجال والنساء، والقرآن يتحدث عن الشورى مشمولاً بها الرجال والنساء، والوارد في الحديث «من رأى منكم منكراً فليغيره»، يشير إلى ألفاظ العموم. لقد شاركت المرأة في الجيوش وفي الهجرة إلى الحبشة وبيعة العقبة، وكا يدل موقف أم سلمة يوم الحديبية وموقف أم سليم في حنين وموقف حفصة يوم صفين، وموقف أسماء بنت أبي بكر مع الحجاج.
إن الفقه كما يقول الشيخ الغزالي «ليس قصة أنوثة أو ذكورة، إنها قصة أخلاق وقدرات، ومواهب نفسية واستعدادات علمية قد تتوفر في امرأة ذات دين خير من ذي لحية ذكور.
إن بيعة النساء يوم العقبة كانت بيعة سياسية، وتولية الشفاء بنت عبدالله الحسبة على السوق، والحسبة ولاية عامة من ولايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما سمراء بنت نهيك الأسدية الإسلامية، فقد تولت هي الأخرى حسبة السوق وأعطاها عمر سوطاً كانت تؤدب به المخالفين والمخالفات.
إن قصر الحقوق السياسية على الرجال دون النساء، أمرٌ لا يقره الإسلام، وقد قال الإمام أبو حنيفة بتولي المرأة القضاء في ما تجوز فيه شهادتها، والإمام مالك أجاز توليها الإمارة.

إن أصل المساواة بين الرجال والنساء في الخلق، وفي الحقوق والواجبات ينصرف إلى حق المرأة كالرجل سواء بسواء في المساهمة في العمل العام وولايته، لا تصرفه عنه ولا تمنعه منها إلا الصوارف الخاصة التي مثلها ما يصرف الرجل ويمنعه.
وعليه فإن الدولة التي نشأت في حضن الإسلام هي «الدولة التاريخية» لها ما لها وعليها ما عليها، وهي ليست النموذج المقدس، ولا النص الذي لا يحتمل النقاش، ففي الغالب لم تكن دولة عقيدة دينية عبادية ولم تنشأ من داخل الإيمان، ولكنها كانت دولة المسلمين التاريخية، ونشأت بين المسلمين بصفتهم بشراً.
يقول الدكتور برهان غليون «ومن الواضح بالنسبة إلي أن الناس لا يتنازعون في هذا السياق على تعيين حقيقة الإسلام، أو على معرفة جوهر رسالته وإنما يرتبط نزاعهم النظري بالصراع على السلطة الذي تستغرقه مسألتان: تداول السلطة، وعلاقة الدولة ومؤسساتها بالمجتمع.
إننا بحاجة إلى التأشير على مجموعة من القضايا منها:
- الدولة الإسلامية اختيار منهجي وحضاري، ولا تنجح تجربة سياسية في مجتمع لا يأخذ بعين الاعتبار بنية هذا المجتمع وثقافته وعقيدته التي تتحكم بسلوكه.
- إن غير المسلمين مصانة حقوقهم في الدولة الإسلامية ضمن مبدأ المواطنة، بما فيها الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية.
- هناك مجالات واسعة لتطبيق القانون الوضعي في الحياة العامة، انطلاقاً من مساحة الفراغ والقواعد العامة الكلية للشريعة.
- هناك مرونة في التشريع وحركية في الاجتهاد.
- إن كثيراً من مبادئ الديمقراطية الغربية في إعلان مبدأ سيادة الشعب وهو مصدر السلطة، وسيادته يمارسها من خلال جملة من التقنيات الدستورية، وتتفق حول مبادئ المساواة والانتخاب وفصل السلطات والتعددية السياسية وحرية التعبير والاعتقاد، والإقرار للأغلبية بحق الحكم والتقرير للأقلية بحق المعارضة، والانتقال من حكم الفرد إلى حكم القانون، الأمر الذي يجعل سلوك الحكومة خاضعاً للقانون، وأن تحترم الحكومة القيم والأهداف الأساسية للمجتمع.. هذه المبادئ كلها تتلاقى مع جوهر النظرة الإسلامية لعلاقة الفرد مع الدولة وموقفه منها ووظيفة الدولة في المجتمع، مع التركيز على المرجعية الإسلامية.
- إن النص والشورى بمفاهيمها السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية وغيرها من المضامين، هي أداة أساسية لتنفيذ الوجهة الإيجابية للحكم الإسلامي.
- إن هناك ضمانات لعدم الجور في الدولة الإسلامية، باعتبار أن المشروعية العليا في الدولة هي لله، واعتبار عقد النيابة عقد وكالة خاص ومنع الحاكم من الجمع بين التجارة والإمارة، وإقامة نظام اقتصادي يتضمن عدم تركيز الثروة، ونظام اجتماعي يؤكد على احترام الفرد وقيمة العمل ونظام تربوي يشيع المعرفة والفضيلة.
- تؤكد السلطة الإسلامية مبدأ استقلال القضاء.
- إن تأكيد قيمة الحرية والقبول بحق الاختلاف والتعددية والعدالة والتسامح والنظام، وروح العمل الجماعي والتناصر في مقاومة الظلم والجور، وحب الحقيقة واحترام إرادة الأمة، وترويض المشروعات الفردية نزولاً عند رأي الجماعة وتداول السلطة، والتمسك بالسلم والتعاون والتقدم كلها أمور أقرها الإسلام ضمن سلطة السياسة.
- لقد كفلت السلطة السياسية الحرية الدينية والسياسية، وحرية العمل وحرية الرأي.
إن مصطلح المجتمع المدني، والدولة المدنية لا يتعارض مع الأصول والمبادئ والقواعد العامة للنظام السياسي الإسلامي. إن المؤسسات التي يصوغها المجتمع المدني تدخل جميعها ضمن نظام الدولة في الإسلام. لقد شدد الإسلام من خلال نصوصه على المدنية كحالة في مواجهة البداوة، وحتى أن اسم يثرب قد تغير وأصبح أسمها المدينة، ومن المبدأ نفسه عمل الإسلام مشدداً على القيم المدنية لارتباطها بمغزى سياسي يمثل نواة قيام الدولة بشكل مؤسسي.
لقد نصت معظم الدساتير في البلاد العربية على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وأن الإسلام هو المصدر الأسمى للتشريع أو هو المصدر الأول للتشريع، وأن قوانيتن الأحوال الشخصية ما زالت مطبقة، من هنا سيكون المدخل لكل من ينادي بدولة مدنية بمرجعية إسلامية.

*مفكر ودبلوماسي اردني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الدولة المدنية والدولة الدينية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: