كانت هي العتبة التي لم أتردد في تجاوزها لحظة أن دعيت، من أم أبراهام للمكوث في بيتها، عشية عرض فيلم معطف كبير الحجم في بروكلين.
وبروكلين يا سادة، حيث بيوت اليهود الفارهة، ونشاط الصهيونية المتوهّج، ومخزن جنود الدفاع عن أرض "إسرائيل". أشار لي مناصرو القضية إلى البناء المقابل لقاعة العرض، وكان الـ Hillel، مبنى النشاط الطلابي، محروساً على غير عادة الأبنية الأخرى، ففيه منطلق النشاط الطلابي الصهيوني.
وقفت تسألني بشغف، عن تفاصيل الفيلم، تلك الستينية، وإلى جانبها مجموعة من حركة "الصوت اليهودي للسلام"، ثم بعدما انتهينا من النقاش، قالت لي: حدثني أبراهام عن فيلمك كثيرا، والآن أنا متفاجئة من الرسالة فيه، وأتشرف لاستضافتك طوال أيّام وجودك في نيويورك، بيتنا هو بيتك.
استوقفتني هذه الجملة الأخيرة كثيرا، هل فعلاً قصدت أن بيت من يسعون لجعل وطني وطناً قومياً لليهود، هو فعلياً بيتي، أم أنه مجرد تعبيرٌ صادق خانته الظروف.
وضبوا لي الأريكة التي تتحول لسرير، أعطوني منشفتي، وفتحوا ثلاجتهم، وقالوا لي هنا الماء وباقي الأطعمة، ونحن نباتيون، فلا داعي أن تجزع من موضوع اللحم الحلال، ثم إن الطعام اليهودي "كوشير" أي حلال لك لتأكله، في الصباح تَجهّزْ لفطورٍ دَعينا عليه نشطاء من حركة "الصوت اليهودي للسلام" والكثير من الأسئلة حول فيلم معطف كبير الحجم. عندما ألقيت نفسي على السرير، مازحني أبراهام، بقوله إنه لا يعرف اتجاه مكة، فأشرت إلى تطبيق على الموبايل يكشف اتجاه القبلة.
حدثوني عن الرحلة التي قاموا بها للأراضي المحتلة في الضفة الغربية ولـ"إسرائيل"، وكيف أنها كانت مليئة بالبروغاندا
كان البيقلز، وهو خبز يهودي من حقبة أوروبا، هو هدفنا للشراء من السوبر ماركت القريب، وأشرت لهم عبر الإنترنت إلى خبز الطابون الفلسطيني، التراثي عندنا، عندما اجتمع الكل على الفطور، بدأت الأسئلة تنهمر، عن تفاصيل الحياة الفلسطينية، وعن طريقة إظهار الفيلم للإسرائيليين، وعدم ذكر كلمة يهودي مرة واحدة فيه، اعترفت بأن الخلط لدينا قائم فيما يتعلق باليهود والصهيونية، ثم استدركت بأن الخلط عندهم قائم بين الإرهاب والمقاومة، سألوني عن الفرق بين المستوطنات والكيبوتسات وهي القرى التعاونية التي تحاول إسرائيل إظهارها في كل تسويق لمشروع الاحتلال، على أنها مجتمع متكافل، فهي أرض الكيبوتسات، ليكتشفوا بعد شرح بسيط أنها مشاريع استيطانية في قالب تجميلي. وناقشتهم في اليهود السامريين الذي لا يعلمون عنهم شيئا، وقد صدموا لما عرفوا أنهم فلسطينيو الجنسية يهوديو الديانة ويسكنون جبل جرزيم في نابلس.
حدثوني عن الرحلة التي قاموا بها للأراضي المحتلة في الضفة الغربية ولـ"إسرائيل"، وكيف أنها كانت مليئة بالبروغاندا، وأن هدف تنظيم الرحلة من قبل "إسرائيل" هو تجنيد اليهود ليصبحوا جنوداً في جيش الاحتلال.
تناولت الأم هلالاً كانوا قد اشتروه كتذكار من تركيا، وسألتني ماذا كتب عليه، وكان الخط العثماني واضحا "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" وقلت لها ان لُب العقيدة الإسلامية ينبض في بيتكم، فما كان منها إلا أن مسحت عنه الغبار ورفعته في مكان أكثر وضوحا في البيت.
وفي اليوم التالي اتصل بي أحد الأصدقاء الفلسطينيين، وعرض علي جولة كريمة في نيو جيرسي، وأخذني إلى محلات الفلسطينيين حيث الطعام الأصيل، ولما تأخرت اتصل بي أبراهام ليطمئن فأخبرته أنني في ضيافة الفلسطينيين، فقال ممازحاً "لا تخططوا لانتفاضة جديدة"، فقلت له سوف أحضر معي المخطط، ولما وصلت البيت قدمت لهم الكنافة المصنوعة بعناية في محل نابلسي في نيوجيرسي، وأخبرتهم أن الحلاوة والبقلاوة هي حلويات فلسطينية، لم يكن لإسرائيل يوماً شأن بها.
في صباح اليوم الأخير، شكرتهم على استضافتي وشكرت الأم على إعطائي مفاتيح البيت، طوال الأيام الثلاثة، فما كان منها إلا أن أجابت أنت مثل ابني، قلت لها ممازحا، هكذا يمكن أن أصبح جندياً في جيش الاحتلال فهم يشترطون لذلك، أمّاً يهودية فقط. خرجت متمتماً وفي رأسي كل أفكار التطبيع والاستيطان والسلام والحرب وأنا الفلسطيني مولداً وجنسية، "يا للهول لقد كنت في ضيافة يهود".
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: فيلم معطف كبير الحجم الثلاثاء 13 ديسمبر 2016, 8:22 pm
ببراءة الطفولة، وبمشهد جسد إنسانية وصمود الفلسطيني، يمسك الطفل سامي قطعة قماش صغيرة، يمسح بها آثار دماء الشاب المصاب الذي دخل بيته ليعالج والده الطبيب أثناء منع للتجول في قريته بمدينة طولكرم.
إلا أن ذلك المشهد الإنساني لم يعد كذلك، بسبب اقتحام قوات الاحتلال الصهيوني منزل الطبيب الذي يؤدي واجبه الإنساني ليعتقل المطارد رغم خطورة حالته، ويقمع الطبيب.
المشهد السابق أحد المشاهد المؤثرة من فيلم "معطف كبير الحجم"، بقي عالقاً في ذهن الطفل سامي، بطل الفيلم، إلى أن كبُر وفهِم معنى الاحتلال والمطاردة ونزف الدماء، ليكون له أثر في كل حياته، حتى في دراسته الجامعية والتغيير من دراسة تخصص الهندسة إلى الصحافة والإعلام ليساهم في كبح جماح عنجهية المحتل من خلال نشر عنصريته وجرائمه المختلفة.
و"معطف كبير الحجم" فيلم سينمائي تمثيلي، مدته 120 دقيقة، من تقديم المخرج الفلسطيني، نورس أبو صالح، يروي فصولا من الألم والمعاناة التي عاشتها القضية الفلسطينية بشكل جديد، حيث تدور أحداثه ما بين عامي 1987 و2011 بكل ما يتخلل تلك الفترة من أحداث سياسية من انتفاضتين واتفاقيات، يتم إسقاطها على بطل فلسطيني يقرر خدمه وطنه عن طريق الإعلام.
مشاهد المعاناة وتتوالى مشاهد الفيلم الذي جسد المعاناة الدقيقة التي يعيشها الشاب الجامعي، في تنقله عبر الحواجز التي قطعت أواصر الضفة الغربية، وفصلت بين أطراف الوطن، ومعاناة الطبيب في تهديده بالقمع والتنكيل إن ثبت علاجه لأي مصاب، وتتجسد تلك المعاناة أيضاً في المزارع الفلسطيني الذي سلب المستوطنون أرضه وحرقوا أشجار الزيتون تحت حماية من قوات الاحتلال الصهيوني.
وفي أحد مشاهد الفيلم التي أثارت الحضور خلال عرض الفيلم في مدينة غزة، يوجه المزارع أبو الريح، رسالة إلى الضابط الصهيوني الذي منعه من الوصول لأرضه وسمح للمستوطنين بالوصول لها والرقص على ترابها، والتنكيل بأشجار الزيتون التي غرسها وكبرت وكبر معها، "لو أعدموا كل هالزيتون، هالعزيمة ما بتهون".
ولكن لم يخل المشهد من النفوس الضعيفة التي تبيع أرضها مقابل حفنة من المال، مقابل تسليم بعض المعلومات إلى الجيش الصهيوني ومحاولة تثبيط الصفوف الداخلية، ليتجسد ذلك بقول "العميل" جلال، أحد سكان القرية عند سماعه بصمود المزارع على أرضه،: "أنا لو محل أبو الريح ما بجاكر إسرائيل" وذلك لأن مصالح جلال مرتبطة بوجود "إسرائيل".
رسالة التحدي ومع مرور الزمن، يمر الطفل سامي بسنوات من المعاناة الأليمة ومشاهد الألم التي رافقته في طفولته وشبابه ومراحل عمره والتي عايشها في قريته، ورسمها الفيلم وجسدها واقعاً في ربوع الوطن المتناثر، متمثلة في مسلسل المعاناة المستمر التي يعانيها أبناء وطنه، من الطبيب في عيادته، وإلى المزارع في أرضه.
ولا تنتهي المشاهد بذلك بل تمر بالمريض ومساومته في جرحه ودوائه، والطالب في مدرسته وعلمه، والإمام في مسجده، وصلواته، وبالطالب الجامعي وقمعه في حرم جامعته، وليس انتهاءً بالإعلامي الذي يرصد الحقيقة وينقلها لأحرار العالم.
وتحدى سامي كل تلك المشاهد التي وثق جزء منها خلال دراسته الهندسة ليأتي التحدي الأكبر في تركه لدراسة الهندسة، واختياره لتخصص الصحافة والإعلام ليقاوم المحتل في نشر جرائمه المختلفة، من خلال إنتاجه للأفلام الوثائقية التي ينتجها وتلقى رواجاً بين جمهوره المحب لأعماله.
ويتجسد في سامي حبه لمهنة الإعلام ورسالته في نشر الحقيقة من خلال إنتاجه للأفلام الوثائقية عن وطنه، رغم أن قد سافر إلى الأردن مرغماً من والده، من أجل إنهاء دراسته، ولم يمنعه ذلك من استمراره في ممارسة رسالته السامية في خدمة طلاب بلده في جامعته، ونشر قضيتهم من خلال الاستمرار في إنتاج الأفلام الوثائقية.
وكان المشهد الذي ارتقى في الإعلامي والصحفي سامي شهيداً، أثناء تكريمه بفوز فيلمه الوثائقي، في مسابقة عالمية والذي يجسد معاناة القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، لتكون عملية الاغتيال الصهيونية الخاصة دليل على قوة الرسالة التي يحملها الإعلامي في فضح الاحتلال ومكوناته الإجرامية.
المخرج وحكاية الفيلم المخرج الفلسطيني الشاب نورس أبو صالح، يقول خلال اتصال مع مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" إن الفيلم استند على الموروث الفلسطيني القديم الذي يقول "عندما يرى النائم أنه يلبس معطفا أكبر من حجمه، أو ثوبا أكبر من مقاسه، فهذا يعني أنه سيتحمل مسؤوليات فوق طاقته".
وعن الشخصية الأساسية في الفيلم كونها شخصية إعلامية، رأى أبو صالح أن التركيز على ذلك نابع أن مساحة الإعلام في النضال الفلسطيني مهضومة، وهو سلاح أساسي في النضال الفلسطيني، علينا استخدامه بكل أنواعه، خاصة الأفلام الوثائقية منها لما لها من أثر في نفوس المشاهدين".
وأكد أن مرحلة الفيلم المتمثلة من 1987-2011، لم تطرق في السينما الفلسطينية، وأن أحداث الفيلم تنطبق على جزء من حياته وأجزاء أخرى تنطبق على الكل الفلسطيني.
وحدة المقاومة وجسد الفيلم وحدة الصف الفلسطيني من خلال دعوة حركة فتح في الضفة الغربية، للمشاركة في الإضراب الشعبي الذي جاء بعد اغتيال القائد عماد عقل ابن حركة لمقاومة الإسلامية حماس عام ١٩٩٣.
ومن المشاهد التي أكدت على النموذج الوحدوي للمقاومة الفلسطينية الطلابية، بين الفيلم مدى أهمية وحدة الأطر الطلابية في مواجهة العنف الصهيوني والتضييق على الحياة الجامعية للطلاب، من خلال وجود لمشاهد الطلاب في جامعة بيرزيت يلبسون الكوفية الفلسطينية ويحملون العلم الفلسطيني أمام طلقات الغاز المسيل للدموع من قبل الاحتلال الصهيوني.
معيقات! وذكر أبو صالح أن تمويل الفيلم كان معيقاً قوياً لإنتاج الفيلم على مدار 3 سنوات، مبيناً أنه تغلب عليه من خلال مبادرة المائة السينمائية، التي بادر بها 100 شخص من رجال الأعمال المناصرين للقضية الفلسطينية، حيث يساهم كل واحد منهم بألف دولار، ليتم إخراج الفيلم بطريقة احترافية عالمية.
وأشار المخرج إلى أن الإعلام الفلسطيني بحاجة إلى تطوير السينما خاصة فيما يتعلق بفلسطين، والمبادرات الفردية لا تكفي من أجل نشر الحقيقة والانتصار على المحتل في كل المجالات، موضحاً أن الفيلم السينمائي لم يكن مطروقاً كسلاح قوي وليفتح العيون على أهمية الإعلام.
ولاقى الفيلم إعجاب المشاهدين، حيث تم عرضه في مدينة غزة وفي الضفة الغربية وفي الداخل المحتل، عدا عن دول عربية أخرى منها الأردن.