أربع عمليات للموساد الإسرائيلي في تاريخ تونس: اختلفت الظروف والضحايا… والمستفيد واحد
حسن سلمان
تونس – «القدس العربي»: لم تكن جريمة اغتيال خبير الطيران التونسي محمد الزواري العملية الأولى التي نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي في تونس، فقد سبقتها ثلاث عمليات أخرى تتمثل في حادثة «حمام الشط» عام 1985 واغتيال القياديين البارزين في حركة «فتح» الفلسطينية خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988 وصلاح خلف (أبو إياد) عام 1991، إلا أن الحادث الأخير يختلف كلياً عما سبقه، على صعيد طبيعة الشخصية المستهدفة والمشاركين في عملية الاغتيال والظروف المحيطة بها ورد السلطات التونسية تجاهها.
يقول المؤرخ والباحث السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي «ثمة فرق جوهري (من حيث النوعية والشكل والظرفية) بين عمليتي حمام الشط واغتيال ابو جهاد والعملية الأخيرة التي تتعلق باغتيال محمد الزواري، فعملية حمام الشط هي غارة إسرائيلية أمريكية أوروبية قام بها الجيش الحربي الإسرائيلي ضد القيادة الفلسطينية بالأساس وهو ما أدى إلى تضرر عدد من المواطنين التونسيين، وهذه العملية شكلت، بطبيعة الحال، تحدياً للسيادة التونسية، برغم وجود اتفاقيات ضمنية بين الحكومة التونسية آنذاك، التي قبلت بوجود القيادة الفلسطينية في تونس على أساس ألا يتم الاعتداء عليها، وبين إسرائيل التي خرقت هذا الاتفاق الضمني والذي جاء بعد توسط أمريكي وأوروبي لوجود القيادة الفلسطينة في تونس عام 1982».
وأضاف في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «هذه العملية تمثل خرقاً للاتفاق الضمني الموجود آنذاك، ورغم أن الظروف (السياسية والأمنية) كانت مهتزة آنذاك في تونس، حيث كان الخلاف الليبي التونسي في أوجه (طرد آلاف العمال التونسيين وتهجمات عالمية قوية)، وكان الوضع الاجتماعي مهتزاً أيضاً، حيث ان هناك صراعاً بين اتحاد الشغل وحكومة محمد المزالي وكذلك كانت هناك معارضة سياسية قوية (المتمثلة في حركة الاشتراكيين الديمقراطيين وحركة الاتجاه الإسلامي والتجمع الاشتراكي التقدمي آنذاك) كانت تواجه هذه الحكومة، ورغم ذلك اتخذ الزعيم بورقيبة موقفاً رسمياً وقاد هذه المعركة وزير الخارجية الباجي قائد السبسي آنذاك وتمكنت الحكومة التونسية من استصدار قرار هام لتونس رغم أنه إلى الآن لم تدفع إسرائيل ما عليها من «ديون» مادية، على الأقل، لجبر الأضرار نتيجة لهذه العملية، ولكن كان هناك موقف سياسي واضح من قبل الرئيس الأمريكي رونالد ريغان لمساندة تونس، وتحميل إسرائيل المسؤولية عن العملية دون إدانتها بشكل كامل».
وفيما يتعلق بقضية اغتيال القيادي الفلسطيني البارز أبو جهاد في منزله بمنطقة «سيدي بوسعيد»، قال الحناشي «من خلال التحليل، أقول إنه كان هناك تورط لجزء من نظام بن علي وللمنظومة الأمنية التونسية في ذلك الوقت في تلك الحادثة، وخاصة أن العملية جاءت بعد الانقلاب الطبي لبن علي (على بورقيبة) سنة 1987، لأن العملية حدثت في مكان سيادي قريب من القصر الجمهوري وكل المنطقة كانت تحت حراسة المخابرات والأمن التونسي وتم قطع خطوط الهاتف واتخاذ إجراءات رهيبة، وبالتالي كان هناك تنسيق «موضوعي» بين طرف معين في السلطة مع بعض الجهات التي سهّلت لهذه العملية، وخاصة فيما يتعلق بدخول وخروج المجموعة التي نفذت عملية الاغتيال في منطقة حساسة جداً، وهذا ليس غريباً عن بن علي الذي تشير الكثير من التقارير الى أنه كان على علاقة «موضوعية» بأجهزة صهيونية معينة».
وأضاف «الحدث الثالث (اغتيال الزواري) يختلف جوهرياً عن الحدثين السابقين، فالاستهداف كان لشخصية تونسية شاركت في المقاومة وهو شخصية علمية ويمثل خطراً (ككل العلماء العرب المميزين وخاصة في مجال الأسلحة) على مستقبل إسرائيل، فبالتالي العملية مختلفة من حيث النوعية والشكل والظرفية، فمن حيث الشكل من نفذ العملية تونسيون وعرب عموماً، بمعنى أنهم عرب ولكن من جنسيات أجنبية، وأيضاً الظرفية مختلفة فتونس تعيش مرحلة انتقالية وكل القدرات الأمنية متجهة حالياً إلى مسألة التصدي للإرهاب، كما أنها للأسف مخترقة من قبل أجهزة مخابرات لعدة دول، والوضع الحالي يفوق طاقة الجهاز الأمني بكل تفرعاته، ونحن نعرف أن الموساد جهاز قوي وتمكّن من تحقيق أهداف عدة في دول أكثر قوة وأمناً من تونس، وبالتالي ما حدث يبدو أمراً «سهلاً» نتيجة لهذه الظروف خاصة أن الشهيد الزواري لم يكن معروفاً وغير محمي، كما أنه كان مرصوداً منذ أشهر، بمعنى أن تونس كانت مستباحة لمدة ثلاثة أشهر».
وكان بعض السياسيين والنشطاء انتقدوا ما سموه «التقصير الحكومي» في التعامل مع شخصية الزواري (باعتباره شهيداً) واستمرار النظر إلى الحادثة كجريمة «حق عام» وليس كجريمة «إرهابية» نفذها جهاز مخابرات أجنبي.
وعلق الحناشي على ذلك بقوله «قد يكون ثمة تقصير حكومي، لكنه يعود إلى عدم وجود معلومات دقيقة لدى الحكومة حول شخصية الزواري، ففي البداية قالوا إنه عامل ميكانيكي وتم تنظيم جنازة له لم تكن بالشكل اللائق، كما أن ذلك تزامن مع استقالة أحد أبرز الشخصيات الأمنية في تونس (مدير عام الأمن الوطني عبد الرحمن بلحاج علي) فكان الانشغال كبيراً بهذه الاستقالة، وبعد هذا الضغط السياسي والشعبي الكبير وتبني حماس لشخصية الزواري كأحد القياديين البارزين في كتائب القسام، استدركت الحكومة الأمر وأظهرت موقفاً إيجابياً، مع العلم بوجود «فيالق» في تونس شككت بعملية الاغتيال على أساس أنها عملية حق عام واستهزأت بهذه الشخصية (الزواري) ودوره ومكانته، وهذه الفيالق لديها عداء كامن وتقليدي لكل ما هو عربي وإسلامي ولكل ما هو نضال باتجاه القضية الفلسطينية أو مقاومة للكيان الصهيوني، فهم يجرمون كل أنواع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية، وهؤلاء موضوعياً يعملون في بوتقة الحركة الصهيونية».
وحول «تبرؤ» حركة النهضة من الزواري رغم أنه كان وقتاً ما ضمن صفوفها، قال الحناشي «أعتقد أن الحركة قالت الحقيقة ولم تتبرأ من الزواري، وخاصة أنه لم يعد ناشطاً فيها، لأن الناشطين في المنظمات الفلسطينية يقطعون صلتهم بالتنظيمات الأولى، ولذلك أعتقد أنه قطع علاقته بالنهضة منذ زمن بعيد».
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد أصدر، الثلاثاء، قرارات أمنية عدة تتعلق بإنشاء «المركز الوطني للاستخبارات الذي يتولى مهمة تجميع المعلومات والتنسيق بين مختلف الأجهزة الاستخباراتية وضبط الخيارات الاستراتيجية في مجال الاستعلامات وتحليلها، واعداد مشروع قانون مكافحة جرائم شبكات الاتصال نظراً لكون 90 في المئة من الجرائم يتم الاعداد لها عبر هذه الشبكات، وتنظيم عمل شركات الانتاج التلفزي التي تتولى انتاج المواد التلفزيوني والاخبارية وغيرها لفائدة القنوات الاجنبية».
وعلّق الحناشي على هذه القرارات بقوله «بالنسبة لموضوع الاستخبارات هو قرار قديم تم إحياؤه مجدداً، ولكن القرارات الأخرى إيجابية عموماً، والمهم أن لا تمس من الحريات العامة للتونسيين، ومن المهم جداً أن تقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة هذه الأمور لأنها جزء من أمن الدولة التونسية ورأينا أن هذا الصحافي (موآف فاردي) الذي غدر بأمن التونسيين، هو صحافي معروف في قضية أربيل في العراق، ويفترض أن يتعرف عليه جهاز المخابرات، ولو ان لدينا بنكاً للمعلومات ضد أعداء تونس لكان من المفترض معرفته، وكان يجب منع دخوله من المطار، وبالتالي هذه الأجهزة الجديدة يمكن أن تساعد كثيراً في هذا الأمر، ولكن المهم ألا تمس بأهم إنجازات الثورة وهي الحرية التي نتمتع بها جميعاً، كما أسلفت».