أبرز محطات 2016 اقتصادياً: انهيار الجنيه في بريطانيا ومصر وهبوط اليورو وخطة طموحة في السعودية
لندن ـ «القدس العربي»: يودع العالم 2016 ويستقبل العام الجديد 2017 على وقع جملة من الأزمات الاقتصادية التي تتوسع لتشغل كثيراً من الناس، بمن في ذلك المواطن العادي في مختلف أنحاء العالم، والذي بات متأثراً بتطورات أسعار العملة والنفط والذهب والتي تنعكس في النهاية على مختلف مناحي حياته.
ويُعتبر العام 2016 واحداً من الأعوام الاستثنائية على الصعيد الاقتصادي حيث تم خلاله تسجيل عدد من الأحداث الاقتصادية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ سنوات طويلة، مثل القرار البريطاني التاريخي بالخروج من الاتحاد الأوروبي والذي أدى إلى هبوط سعر صرف الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى في أكثر من 32 عاماً، وكذلك هبوط اليورو إلى أدنى مستوياته في 14 عاماً، وقرار تعويم الجنيه المصري الذي أدى به إلى أدنى مستوى في تاريخه على الاطلاق، كما أن خطة «رؤية السعودية» شكلت محطة اقتصادية فارقة وبارزة على الصعيد الاقتصادي، إذ أنها تتضمن قراراً من أكبر منتج للنفط في العالم بخصخصة القطاع، عبر بيع ما نسبته 5٪ من شركة «أرامكو» العملاقة.
الـ«بريكست»:
الخروج البريطاني من الاتحاد
شكل استفتاء الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 2016، أبرز المحطات الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم خلال العام 2016، حيث صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52٪ مقابل 48٪ لمعسكر البقاء في استفتاء تاريخي خرجت فيه المملكة المتحدة من اتحاد استمر على مدى 43 عاما.
وقال نايجل فراج، زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاتحاد الأوروبي، إن فوز معسكر الخروج يعد «انتصارا للمواطن العادي أمام النخب ورؤوس الأموال».
وشارك في الاستفتاء نحو 30 مليون شخص بنسبة تبلغ 71.8 ٪ وهي المشاركة الأعلى في بريطانيا منذ عام 1992. فيما قالت اللجنة الانتخابية إن 17 مليونا و400 ألف شخص صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد مقابل 16 مليونا و100 ألف للبقاء فيه.
والاستفتاء هو الثالث في تاريخ المملكة المتحدة ويأتي بعد معركة على الأصوات استمرت على مدى أربعة أشهر بين معسكري «التصويت بالبقاء» و«التصويت بمغادرة» الاتحاد الأوروبي.
وجاء الاستفتاء بعد حملة حشد واسعة بين المؤيدين والمعارضين لبقاء واستمرار بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي استمرت على مدى 4 أشهر.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استقالته من منصبه مؤكدا احترامه لإرادة البريطانيين، لتتولى خلفاً له وزيرة الداخلية في حكومته تيريزا ماي.
انهيار الجنيه الاسترليني
وأدت نتائج الاستفتاء إلى تراجع كبير في البورصات الأوروبية، كما تكبدت بورصة لندن خسائر قاسية هي الأخرى، أما سعر صرف الجنيه الاسترليني فهوى خلال الساعات القليلة التالية للاستفتاء بنسبة 10 في المئة ووصل إلى 1.32 دولار أمريكي، وهو أدنى مستوى للجنيه منذ العام 1985.
كما قفز اليورو الأوروبي أكثر من 6 في المئة أمام الجنيه إلى 81.85 بنس، في حين هبطت العملة البريطانية إلى أكثر من 14 في المئة أمام العملة اليابانية إلى 136.22 ين.
ورغم أن الاسترليني ظل مستقراً نسبياً في الفترة التالية للاستفتاء، إلا أن مفاجأة ثانية أصابت حاملي الاسترليني صباح يوم الجمعة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2016 عندما فقد الجنيه 6٪ من قيمته خلال دقيقتين فقط، ليهوي إلى مستويات تاريخية متدنية جديدة، ويسجل مستوى 1.18 دولار أمريكي، قبل أن يعاود التعافي قليلاً ويعوض بعضاً من الخسائر.
ونقلت جريدة «فاينانشال تايمز» حينها عن إيان جونسون، الخبير الاستراتيجي في شركة (4Cast) للاستشارات قوله: «عرفتُ تداولات الإسترليني منذ العام 1978 وخلال كل الأزمات التي مرت عليه لم أر شيئاً مثل هذا من قبل».
وجاء الهبوط الذي مني به الاسترليني في تشرين الأول/أكتوبر متأثراً بإعلان الحكومة البريطانية أنها ستبدأ إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل عملي اعتباراً من شهر آذار/مارس 2017.
اليورو في أدنى مستوى في 14 عاماً
وسجلت العملة الأوروبية في الشهر الأخير من العام أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكي منذ 14 عاماً، حيث اقترب اليورو من أن يتعادل مع الدولار الأمريكي في السعر، فيما بدأت محلات الصرافة تبيع الدولار واليورو بالقيمة نفسها للمستهلك النهائي.
وجاء تراجع اليورو في واقع الحال بسبب ارتفاع الدولار الأمريكي الذي انتعش بفضل قرار الاحتياطي الأمريكي رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من عام.
وتراجع اليورو أمام الدولار يوم الخميس 15 كانون الأول/ ديسمبر مع قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي رفع معدل الفائدة وتلميحه إلى احتمال القيام بذلك 3 مرات أخرى في العام 2017.
وبلغ سعر صرف اليورو 1.0411 دولار أمريكي وهو أدنى مستوى منذ كانون الثاني/يناير 2003.
وقال المحلل لدى شركة فوركس «أف أكس تي أم» لقمان أوتونغا: إن «المستثمرين الذين كانوا يتوقعون إنهاء السنة بهدوء قبل الميلاد، فوجئوا بحزم الرسالة التي وجهها الاحتياطي الأمريكي».
وأضاف «رغم أن زيادة معدل الفائدة كانت متوقعة، لكن تمهيد الطريق أمام رفعها مجددا في العام 2017 أدى إلى ارتفاع الدولار إلى مستوى لم يسجله منذ 14 عاما».
أمريكا: رفع أسعار الفائدة
وقبل أن يطوي العام 2016 آخر الشهور أصدر مجلس الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة قراره برفع أسعار الفائدة، وذلك يوم الرابع عشر من كانون الثاني/ديسمبر، وهو القرار الذي تسبب بما يشبه «زلزالا اقتصادياً» في العالم، حيث أدى إلى هبوط أسعار الذهب وارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى.
ورفع الفدرالي الأمريكي معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتتراوح بين 0.5 في المئة و0.75 في المئة، والقرار هو الأول من نوعه منذ أواخر العام 2015 عندما تم رفعها بمقدار 25 نقطة أساس إلى النطاق بين 0.25 في المئة و0.5 في المئة.
وذكر مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أن الاقتصاد ينمو بوتيرة تتطلب رفع الفائدة على الدولار ولكن بشكل تدريجي، فيما رفع المجلس توقعاته برفع الفائدة خلال العام 2017 ثلاث مرات بدلاً من مرتين، حسبما كان متوقعاً.
وفور صدور القرار الأمريكي تراجعت أسعار العقود الآجلة للنفط في سوق نيويورك بمقدار 1.89 في المئة لتصل إلى مستوى 51.9 دولار للبرميل، كما مؤشر الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية الأخرى بنسبة 0.5 في المئة.
ويسود الاعتقاد في أوساط المحللين أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي إلى استمرار الهبوط في أسعار الذهب طوال العام المقبل، بعد أن كان المعدن النفيس قد استفاد بصورة كبيرة من هبوط أسعار الفائدة وكان الملاذ الآمن لمن يخشون من الأزمة المالية التي تضرب العالم.
وتشير التوقعات إلى أن عام 2017 سيكون صعباً للذهب وسط انخفاض معدلات التضخم في كثير من دول العالم المتقدم وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
ويتوقع»سوسيتيه جنرال» أن يكون الذهب ضحية لرفع سعر الفائدة ليقع تحت مستوى ألف دولار للأونصة حتى يصل بنهاية عام 2017 إلى 955 دولاراً للأونصة.
وقال «بنك أوف أميركا ميريل لينش» إنه يتوقع انزلاق سعر الذهب إلى 950 دولاراً في وقت مبكر من العام الحالي نتيجة لارتفاع معدل الفائدة الآتي من الولايات المتحدة.
ويرى جيمس ستيل المحلل المالي في بنك (HSBC) إن الذهب سينخفض كرد فعل أولي على ارتفاع الفائدة، ولكن رفع أسعار الفائدة سيعقبها على المدى القصير عمليات بيع قصيرة الأجل للدولار ما يدعم أسعار الذهب نسبياً.
ورأت وكالة التصنيف الائتماني العالمية «فيتش» أن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يؤكد التوسع القوي في الاستهلاك المحلي، وانتعاش سوق العمل، إلى جانب معدلات البطالة المستمرة في الانخفاض، وانتعاش الأجور الحقيقية.
وأضافت «فيتش» في تقرير لها عقب قرار الفدرالي برفع الفائدة أن التصنيفات السيادية للأسواق الناشئة لن تتأثر فقط بقرار رفع سعر الفائدة الأمريكي، ولكن أيضاً ستكون هناك تأثيرات كبيرة إذا ما تمت إعادة توجيه التدفقات النقدية الدولية إلى الأصول الأمريكية.
وبعد 30 دقيقة من إعلان مجلس الفدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة، قامت البنوك المركزية في السعودية والكويت والبحرين برفع أسعار الفائدة، إذ رفع البنك المركزي السعودي سعر اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس (الريبو العكسي) ليوم واحد بواقع 25 نقطة أساس، ليصل إلى 50 نقطة أساس، لكنه ترك سعر الفائدة الأساسي لاتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.0 في المئة.
مصر: تعويم الجنيه وانهيار سعره
وبعيداً عن القارة الأوروبية، فان 92 مليون مصري استيقظوا يوم الخميس الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2016 على قرار للبنك المركزي بتعويم سعر صرف الجنيه، وهو القرار الذي كان متوقعاً ولم يكن مفاجئاً، بسبب أزمة الدولار التي تعاني منها البلاد، وبسبب أن الدولار لم يعد متوفراً سوى في السوق السوداء وبأسعار مختلفة عن السعر الرسمي، ولم يكن ممكناً القضاء على هذه الظاهرة إلا بقرار التعويم.
وقرر البنك المركزي المصري تعويم سعر صرف العملة المحلية ليتم تحديد السعر وفقا لآليات العرض والطلب في السوق، كما قرر رفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس في خطوة تهدف إلى استعادة التوازن في أسواق العملة والسيطرة على التضخم الذي قد يحدث بسبب تحرير سعر صرف الجنيه.
وفور الإعلان عن التعويم هبط سعر الجنيه الرسمي من 8.88 جنيه للدولار الواحد إلى 13 جنيها، وواصل الجنيه بعد ذلك التدهور ليصل سعر الدولار الأمريكي إلى 19 جنيهاً خلال أيام معدودة، وسط توقعات بأن يصل الدولار إلى 20 أو 22 جنيهاً.
وقال المصرفيون إن المركزي المصري طرح 4 مليارات دولار في يوم التعويم نفسه في عطاء استثنائي لبيع العملة الصعبة، في خطوة تهدف لتعزيز مكانة الجنيه، إلى حين توازن سوق العملة المحلي.
وقال البنك المركزي المصري في بيان إنه سيلغي قائمة أولويات الاستيراد ويقلص تدريجيا التمويل النقدي، لعجز الميزانية على مدى الأشهر المقبلة.
وقالت الحكومة المصرية إن قرار المركزي المصري سيقضي على السوق الموازية «السوداء»، متوقعا أن يرتفع صافي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى ما يزيد عن 20 مليار دولار.
«رؤية السعودية»
تحول تاريخي في المملكة
أما في السعودية التي تتربع على عرش أكبر منتجي النفط في العالم، فقد شهدت تحولاً استراتيجياً وتاريخياً على المستوى الاقتصادي عندما أعلنت عن «رؤية السعودية 2030» والتي تبناها مجلس الوزراء السعودي وأعلنها بشكل رسمي في نيسان/أبريل 2016.
وقال الملك سلمان بن عبد العزيز: «وضعتُ نصب عينيَّ السعي نحو التنمية الشاملة، ونأمل من المواطنين والمواطنات العمل معا لتحقيق الرؤية الطموحة وأن تكون رؤية خير وبركة».
وبموجب هذه الخطة الطموحة فان المملكة ستعمل على تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بتريليوني دولار إلى 2.5 تريليون دولار ليصبح بذلك «أضخم» الصناديق السيادية عالميا.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أنَّ «البيانات الأولية تتكلم أن الصندوق سوف يكون أو يسيطر على أكثر من 10٪ من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية»، و«يقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 3٪» من الأصول العالمية.
وأضاف أن السعودية ستكون «قوة استثمارية» من خلال الصندوق الذي «سيكون محركا رئيسيا للكرة الأرضية وليس فقط على المنطقة».
وتهدف الرؤية إلى التخلص من الاعتماد على النفط بحلول العام 2020، وذلك من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية ستة أضعاف من نحو 43.5 مليار دولار سنويا إلى 267 مليار دولار سنويا، كما تهدف إلى زيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16٪ من الناتج المحلي حاليا إلى 50٪ من الناتج.
كما تسعى السعودية إلى تحسين وضعها لتصبح ضمن أفضل 15 اقتصادا في العالم بدلا من موقعها الراهن في المرتبة العشرين.
وستطرح السعودية «أقل من 5٪» من شركة النفط الوطنية العملاقة «أرامكو» للاكتتاب العام في البورصة وستخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي السعودي، حيث أكد الأمير محمد بن سلمان أن أرامكو «جزء من المفاتيح الرئيسية» للرؤية الاقتصادية.
وأضاف أن طرح جزء من الشركة للاكتتاب سينتج «عدة فوائد» أبرزها «الشفافية، فإذا طرحت أرامكو في السوق يعني يجب أن تعلن عن قوائمها وتصبح تحت رقابة كل بنوك السعودية وكل المحللين والمفكرين السعوديين، بل كل البنوك العالمية».
وأشار إلى أنه يتوقع تقييم أرامكو إجمالا بأكثر من تريليوني دولار، مضيفا أن طرح 1٪ فقط من أرامكو سيكون «أكبر اكتتاب في تاريخ الكرة الأرضية»، كما ذكر أنه يريد تحويل أرامكو إلى شركة قابضة ذات مجلس إدارة منتخب.