أبرز المحطات الإعلامية في 2016: استهداف الصحافيين مستمر وسوريا تغطي مواقع شبكة الانترنت وأزمات مالية تلاحق الصحف
طغت القضية السورية على مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وحتى وسائل الإعلام التقليدية في العالم العربي طوال العام 2016 بسبب تسارع الأحداث وسخونتها، وخاصة في الأسابيع الأخيرة التي اشتعلت فيها معركة حلب، في الوقت الذي تواصلت فيه عمليات استهداف الصحافيين على مستوى العالم.
ويُعتبر الصحافيون والعاملون في المجال الإعلامي من مختلف القطاعات أبرز ضحايا الصراعات السياسية في العالم، لكن أزمة الصحافة تتفاقم بصورة أكبر في الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية، وخاصة في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات، مثل سوريا واليمن اللتان أصبحتا تُصنفان على أنهما من أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للعاملين في الصحافة والإعلام.
وتعاني كل من سوريا واليمن والعراق والصومال من أوضاع مأساوية منذ سنوات، إلا أن الوضع الأسوأ هو ذلك الذي تشهده سوريا، حيث تشهد صراعاً دموياً منذ أكثر من خمس سنوات بسبب القمع والعنف المفرط الذي مارسه نظام بشار الأسد ضد المتظاهرين الذين بدأوا في العام 2011 المطالبة سلمياً بالتغيير في بلادهم، وهو ما تحول لاحقاً إلى معارضة مسلحة تقاوم النظام، فيما استعان النظام بحليفيه روسيا وإيران من أجل القضاء على هذه المعارضة.
مقتل 74 صحافياً في 2016
وأعلنت منظمة «مراسلون بلا حدود» التي ترصد واقع الصحافة والانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في مختلف أنحاء العالم، أن 57 صحافيا قتلوا في مختلف أنحاء العالم خلال العام 2016 بسبب نشاطهم المهني، إضافة إلى تسعة مدونين وثمانية أشخاص متعاونين مع وسائل الإعلام، ما يعني أن حصيلة القتلى الاجمالية من الصحافيين والمتعاونين 74 شخصاً.
ولفتت المنظمة إلى أن سوريا تصدرت قائمة الدول التي سجلت انتهاكات ضد الصحافيين، كما أنها الدولة الأولى في العالم التي تمت فيها تصفية أكبر عدد من الصحافيين خلال العام، حيث سقط 19 صحافياً فيها خلال العام، حسب الحصيلة السنوية لمنظمة «مراسلون بلا حدود».
وقالت المنظمة في تقريرها إن سوريا تحولت إلى «جحيم» عام 2016 مع مقتل 19 صحافيا فيها، تليها أفغانستان (10 قتلى) والمكسيك (9) والعراق (7) واليمن (5).
كما قُتل هذه السنة تسعة «مواطنين مراسلين» (مدونون) وثمانية متعاونين مع وسائل إعلام، ما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 74 قتيلا سقطوا «بسبب ممارستهم مهمتهم الإخبارية».
وبالمقارنة مع هذه الحصيلة، قتل 67 صحافيا عام 2015، حسب التقرير.
وأوضحت «مراسلون بلا حدود» أن «هذا التراجع الملحوظ مرده أن عددا متزايدا من الصحافيين يهربون من الدول التي أصبحت بالغة الخطورة: سوريا والعراق وليبيا، إنما كذلك اليمن وأفغانستان وبنغلادش وبوروندي تحولت جزئيا إلى ثقوب سوداء للإعلام يسودها انعدام العقاب».
وقتل جميع الصحافيين تقريبا في بلدانهم، باستثناء أربعة سقطوا في دول أجنبية.
وتبقى سوريا الدولة الأكثر دموية في العالم للصحافيين مع مقتل 19 صحافيا فيها عام 2016 مقابل 9 عام 2015. وبين هؤلاء الضحايا أسامة جمعة الصحافي المصور البالغ من العمر 19 عاما الذي كان يعمل لوكالة «ايماجز لايف» البريطانية، وقتل في 5 حزيران/يونيو فيما كان يغطي عمليات إغاثة إثر قصف استهدف حيا سكنيا في مدينة حلب.
وبهذه الحصيلة يكون قد قُتل ما لا يقل عن 780 صحافيا في السنوات العشر الأخيرة بسبب مهنتهم، وفق حصيلة «مراسلون بلا حدود».
معركة حلب تُغطي شبكة الانترنت
وغطَّت الأحداث في سوريا، وخاصة معركة حلب شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بعد أن انشغل بها ملايين العرب، فيما كانت وسوم (هاشتاغ) يومية حول سوريا تصعد بشكل دائم إلى قائمة الأكثر تداولاً على مستوى العالم في شبكة «تويتر».
وفي شهر نيسان/أبريل 2016 تصدر الوسم (
#حلب_تحترق) قائمة الأكثر تداولاً على «تويتر» وتحول إلى عنوان لعشرات آلاف التدوينات على «فيسبوك» والتغريدات على «تويتر» كما تدافع عشرات آلاف الناشطين على شبكات التواصل إلى تغيير صورهم الشخصية ووضع صورة حمراء اكتفوا بالكتابة عليها كلمة (
#حلب_تحترق) أما اللون الأحمر فكان إشارة إلى الدم النازف هناك، والحريق الذي يلتهم المدينة التي ظلت طوال العام 2016 تتصدر اهتمام وسائل الإعلام.
وقالت تقارير على الانترنت إن أكثر من 300 ألف تغريدة تضمنت هذا الوسم على «تويتر» وحده، فضلاً عن باقي شبكات التواصل الاجتماعي مثل «أنستغرام» و«فيسبوك».
أما في شهر آب/أغسطس فقد عادت حلب لتتصدر المشهد الإعلامي في العالم العربي، وغطت أخبارها من جديد شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت، لكن الأخبار كانت إيجابية هذه المرة، وعبر النشطاء عن فرحهم بسبب فك الحصار عن المدينة بعد سنوات، وحينها تمكنت قوات المعارضة من تسجيل تقدم ملموس ومهم في المعارك ضد النظام.
وتصدر خبر فك الحصار عن مدينة حلب كافة المواقع على الانترنت ووسائل الإعلام الجديد بعد أن تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على كلية التسليح والمدفعية في المدينة بعد معارك مباشرة استمرت ثمانية أيام.
وكانت معظم أحياء مدينة حلب تعاني من حصار مفروض من قبل قوات الرئيس بشار الأسد، وتعاني من أزمة في وصول الإمدادات الغذائية والدوائية منذ أشهر.
وعبر «تويتر» تصدر هاشتاغ «مبروك فك حصار حلب» موقع التواصل الاجتماعي وتواصلت المباركات والأخبار، وصور احتفالات الأطفال بفك الحصار، كما تداول النشطاء تسجيلات فيديو تظهر فيها المساجد وقد تعالت منها التكبيرات للتعبير عن فرحتهم بفك الحصار.
ولم ينتهِ العام 2016 إلا وعادت فيه مدينة حلب لتتصدر المشهد مجدداً، حيث تمكنت قوات النظام السوري وميليشيات أجنبية متحالفة مع النظام من السيطرة عليها مجدداً بغطاء من القصف الجوي الروسي، وذلك قبل أسابيع من نهاية العام، وهو ما أشعل شبكات التواصل الاجتماعي مجدداً، خاصة مع تداول الصور عن عمليات القتل الجماعي، والنزوح بالجملة لمدنيين بينهم نساء وأطفال وكهول عن المدينة.
وظهرت عدد من الوسوم على مدار أيام القتال العديدة التي شهدتها حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016 كان أبرزها (
#حلب_تباد) الذي ظهر في أكثر من مليون و200 ألف تغريدة، كما انتشر بجانبه هاشتاغ (
#يا_امه_الاسلام_حلب_تستغيث) حاصدا أكثر من 300 ألف تغريدة.
كما انتشرت الوسوم (
#أغيثوا_حلب) و(
#أغيثوا_حلب_يا_عرب) و(
#حلب_التهجير_والمصير) والعديد من الوسوم الأخرى التي اجتذبت آلاف المغردين.
واهتم مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلان الروسي عن التوصل إلى اتفاق يسمح للمسلحين الباقين في أحياء شرقية لم تدخلها القوات النظامية بعد بالخروج مع عائلاتهم إلى ريف حلب وإدلب.
وتبنت قناة «الجزيرة» الفضائية في مبادرة غير مسبوقة الهاشتاغ (
#حلب_تباد) وكتب المدير العام للقناة ياسر أبوهلالة مغرداً على «تويتر»: «وقفت الجزيرة مع
#حلب_تباد ومع حلب في التهجير الذي أنقذ آلاف الأرواح، ومع حلب شهيدة وشاهدة، حاولنا أن نكسر الصمت المحيط بالمحرقة وربما نجحنا».
أزمات مالية تضرب الصحف
وضربت أزمات مالية خانقة عدداً كبيراً من الصحف في العالم، وخاصة الصحف العربية التي تعاني من أسوأ أوضاع بسبب عدم نجاح الكثير منها في التأقلم مع مستجدات عالم ما بعد الانترنت، حيث اضطرت صحف ومؤسسات للاستغناء عن عاملين معها، بينما عمدت أخرى إلى التخلف عن دفع رواتب الموظفين، وتتجه أخرى إلى التوقف عن الصدور وإغلاق أبوابها.
وفي شهر أيار/مايو الماضي استغنت قناة «العربية» التابعة لمجموعة «ام بي سي» السعودية العملاقة عن عشرات الموظفين بشكل مفاجئ وغير مسبوق، وسط شائعات عن أن القناة تتعرض لأزمة مالية وأن الاستغناء يهدف إلى تخفيف النفقات، فيما التزمت القناة الصمت ولم تؤكد أو تنفي هذه الشائعات، كما لم توضح أسباب الاستغناء عن عدد من موظفيها بالجملة.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي» في ذلك الحين فإن عمليات الاستغناء طالت عددا يتراوح بين 40 و50 شخصاً، من بينهم الإعلامي السعودي ناصر الصرامي الذي كان متحدثاً باسم القناة، والصحافي السعودي غالب درويش الذي يعمل مسؤولاً في الموقع الالكتروني للقناة، وكذلك مدير البرامج نجيب بن شرف، إضافة إلى عدد آخر من الصحافيين في مختلف الأقسام.
وفي الشهر ذاته، تسببت أزمة مالية كبيرة بعاصفة داخل قناة «الغد العربي» المرخصة في بريطانيا، والتي تبث من لندن والقاهرة معاً، والتي يسود الاعتقاد أن حكومة أبوظبي هي التي تمولها، حيث اضطرت القناة لتسريح عدد من الموظفين والصحافيين العاملين في مكتبها في قطاع غزة، إضافة إلى عدد من العاملين معها في القاهرة، فيما استقال أحد مذيعيها من مكتب لندن بشكل طوعي دون أن تعين القناة بديلاً عنه.
وكتب أحد العاملين في القناة تدوينة على «فيسبوك» قال فيها إنه كان يعمل في «الغد العربي» في إنتاج الأخبار من قطاع غزة وتم إنهاء عقده بعد سنتين تقريبا من العمل مع القناة، وأرجع السبب كما أخبرته إدارة القناة إلى الأزمة المالية التي تمر بها.
وحسب المعلومات التي أوردها عاملون في القناة فقد تم إنهاء خدمات كافة العاملين في مكتب غزة بهدف تقليص النفقات، فيما تقول تقارير على الانترنت إنه تم إنهاء خدمات عشرة من العاملين في مكتب القناة في القاهرة، وربما يكون العشرة هم الدفعة الأولى من التسريحات التي قد تطال آخرين في المستقبل.
وقالت تقارير أخرى على الانترنت إنه تم فصل خمسة موظفين فقط من المكتب وليس المكتب كاملاً، وجاء الفصل في بداية نيسان/أبريل الماضي على أنه دخل حيز التنفيذ مع بداية شهر أيار/مايو الماضي.
وفي لبنان، تواصلت الأزمة المالية التي تهدد تلفزيون «المستقبل» وإذاعة «الشرق» حيث دفعت الأزمة المالية العاملين في القناة والإذاعة للاعلان عن إضراب عن العمل في تموز/يوليو الماضي، وذلك بسبب الرواتب المتأخرة وعدم تقديم الإدارة أي إشارات بشأن أي انفراج وشيك في الوضع المالي.
وكان رئيس تحرير وناشر صحيفة «السفير» طلال سلمان أعلن في آذار/مارس أن الصحيفة عازمة على التوقف عن الصدور بعد 40 عاماً من وجودها بين أيدي القراء، وعزا ذلك إلى أزمة مالية وأسباب سياسية، إلا أنه تراجع عن قرار الإغلاق بعد أسبوع واحد.
لكن عودة «السفير» لم تدم طويلاً، حيث عاود سلمان الإعلان في كانون الأول/ديسمبر عن اعتزام الصحيفة التوقف عن الصدور اعتباراً من مطلع العام الجديد 2017.
وأعلنت صحيفة «اللواء» اللبنانية أيضاً في بداية آذار/مارس 2016 فتح باب الاستقالات لموظفيها من أجل خفض النفقات، مؤكدة أنها تمر بأزمة مالية.
وفي مصر، قررت إدارة موقع «دوت مصر» الإخباري الذي يعمل من القاهرة والذي يسود الاعتقاد أنه ممول من دولة الإمارات، فصل 85 من الصحافيين العاملين بصورة مفاجئة وهو ما دفع المتضررين للاعتصام في مقر عملهم في حي «الدقي» في القاهرة.
أما على المستوى العالمي، فقررت جريدة «إندبندنت» البريطانية المعروفة والعريقة التوقف عن إصدار نسختها الورقية والتحول إلى صحيفة الكترونية اعتباراً من شهر آذار/مارس الماضي.
وقال مالك الصحيفة يفغيني ليبيديف في بيان له إنه تمخض عن تراجع المبيعات وانخفاض دخل الإعلانات، تدهور كبير في الهامش الربحي للصحيفة، بما جعلها عاجزة عن تغطية تكاليف عملية الطباعة.
وأشار إلى أن «الصحيفة ستواصل خدماتها إلكترونيا، حصرا، وذلك اعتبارا من 26 آذار/ مارس المقبل».
ولفت إلى أن صناعة الصحف «آخذة في التغير، ويعود هذا للقراء، الذين يثبتون لنا يوما بعد يوم أن المستقبل للمجال الرقمي».
وتشهد وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم منذ سنوات موجة تحول من الاصدار الورقي إلى الالكتروني نتيجة تراجع المبيعات، ونتيجة الطفرة التي أصابت الإعلام الالكتروني وجعلته يتصدر وسائل الإعلام ويتفوق في أدائه على مختلف الوسائل التقليدية.
ومن بين أبرز وأشهر الاصدارات المطبوعة التي اختفت من العالم مؤخراً مجلة «نيوزويك» الأمريكية التي تحولت إلى مجلة الكترونية فقط منذ بداية العام 2013 حيث أصدرت عددها المطبوع الأخير في 31 كانون الأول/ديسمبر 2012، وتحولت إلى النشر الإلكتروني حصراً من بداية 2013 وذلك بعد مسيرة ثمانين عاما منذ تأسيسها وبعد سنتين من اندماجها مع موقع «دايلي بيست» وأصبح اسم المجلة «نيوزويك غلوبال» وباتت نسختها موحدة لجميع البلدان.