حتمية الدولة الثانية وجدية بداية النهاية
تحسين يقين
الأرض مناسبة اليوم لبذر البذور إن أردنا وأرادوا!
هنا يدور الزمان دورته؛ طبيعة الشمس، والفاتح من كانون الثاني بما حمل من الدورة ال52 يذكرنا بما مضى، ويدفعنا إلى ما يجب أن نفعله.
كل يوم هو رأس سنة، كل موسم، كل زهرة وثمر وابتسامة وخفقة قلب ونار ودخان..؛ فكل ودائرة زمنه: عام شقائق النعمان قريب من عام النرجس، وهذا يختلف عن عام الياسمين، والعكوب عامه يبدأ مع الربيع، والعنب يبدأ في الصيف، كل وزمن البداية والإثمار، وللشمس عامها وللقمر عامه، ولشموس أخرى أعوامها وللأقمار الكثيرة أيضا أعوامها..
وكل عام له رأس..
ولنا نحن رؤوس سنوات؛ ما اشتهر منها: ربيع عام 1948، وصيف عام 1967، وشتاء 1987، وخريف 2000، ..وما دونه التاريخ على مدار قرن وأكثر، منه وعد تشرين الثاني، ولو تتبعنا تاريخ الصراع هنا، لاحتفلنا كل يوم ربما برأس سنة على ما يمرّ من ذكرى في حياة شعبنا.
أظن أننا بحاجة للتفكير والشعور؛ لعلنا نهتم بالهم الوطني العام بما يقترب من الاهتمام بالخاص والفردي، ولعلنا حينما نود الخلاص الفردي، نتذكر أنه لن يكون حقيقيا إلا بخلاصنا معا.
وما دمنا قد اخترنا الطريق، فلربما نحتاج للتفكير: هل سينسجم خطابنا الوطني مع خطابنا الدولي؟
بالرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يرى أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد للوصول إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنه يشير "الى ان الحالة القائمة تشير إلى حل الدولة الواحدة فاما ان تكون اسرائيل يهودية او ديمقراطية لكن لا يمكن ان تكون الاثنتين معا وعلى اسرائيل ان تختار" .
ولأن إسرائيل غير معتادة على الاختيار بل على الجبر، فإنها لا تريد لا دولة ولا دولتين؛ فماذا نحن صانعون؟
حديث وزير الخارجية الأمريكي يوحي بتفكير أمريكي جدي بحل الدولة الواحدة، فهل يمكن البناء عليه؟ فلسطينيا يسهل التفكير بهذا الخيار؛ فالفلسطينيون يرضون بدولة ودولتين وثلاث، ما دام ذلك يأتي في سياق تحرري. أما إسرائيليا، فللأسف لا القيادة ولا الشعب في إسرائيل على استعداد للتفكير بذلك.
حسنا، لكن ذلك لن يكون سهلا على مواصلة الاحتلال، ولعلّ قرار مجلس الأمن الأخير الذي أيدته الولايات المتحدة بطريق غير مباشرة دلالة على نفاد الصبر الأمريكي والدولي وليس صبرنا نحن المكتوين من الاحتلال؛ فالولايات المتحدة هي الأخرى تكتوي من سوء تصرفات الساسة الإسرائيليين الذين لا يستمعون لا للعقل ولا للقلب.
هي معادلة طرفها عنيد، لكن لن يستفيد قادة إسرائيل المضي قدما مستغلين بؤس حالة الإقليم؛ لأنه سيستحيل شطب فلسطين شعبا وأرضا وتاريخا؛ فللزائر في القدس أن يقرأ عمق المدينة الدال على عراقة العروبة هنا، فأي عبث هو تهويد المدينة؟ وأي عبث هو ما يجري من تكلف وتمثيل يومي في ساحات المسجد الأقصى! وللمتأمل المنصف الموضوعي لباقي قضايا الحل النهائي، يرى بسهولة استحالة تحقيق الاحتلال أهدافه، لأن ذلك لن يكون إلا بإبادة شعبنا، فلن نقبل بأن نكون جالية كبيرة تقيم في وطنها تعمل في خدمة الاحتلال مقابل البقاء الذليل.
- لماذا يجب أن تكون سنة 2017 بداية الخلاص لساكني هذه الديار؟
- لأن غير ذلك لن يعني سوى استئناف كل ما هو موجع.
الفلسطينيون أمر واقع وشعب عريق له كرامة له طموحاته الوطنية الطبيعية، فإذا تم التعامل مع هذا المنطق الإنساني، سنجد والعالم طرقا للحل، ولن تكون الكيانية معضلة كبرى، فالمهم هم البشر، وإنما خلقت الكيانات للتنظيم.
وهنا سنرى أن الصوت الأمريكي بخاصة والدولي سيضغط على اسرائيل للاختيار.
صعب ألا تختار إسرائيل!
إنها مجبرة هذه المرة على الاختيار كما قال الوزير كيري: "فاما ان تكون اسرائيل يهودية او ديمقراطية لكن لا يمكن ان تكون الاثنتين معا وعلى اسرائيل ان تختار".
ولما كانت يهودية الدولة غير متحققة داخل إسرائيل أصلا، وسيستحيل تحققها داخل فلسطين التاريخية، فليس أمام إسرائيل بعد أن خربت حل الدولتين إلا أن تختار الدولة الواحدة، وتعمل على ما وضع استحقاقات ذلك.
ولكن لربما بقي هناك هامش لحل الدولتين إن صفت النوايا، وتعاونت إسرائيل في تهيئة الأرض الفلسطينية مكان الدولة الثانية. وكل له استحقاقه: شجاعة وقف الاستيطان وتفكيك معظم المستوطنات، وفحص جدي لتبادل الأراضي، وكل ما يسهم في إنجاح قيام الدولة الثانية.
في كل مرحلة يقال: بداية النهاية، كحديث عقلاني وعملي، يدرك ما تحتاجه النهايات من بدايات..
نعم هي الأرض اليوم مهيأة لبذر البذور..
وما نحتاجه هو التعاون؛ فهل سندرك يوما قريبا هنا قيمة التعاون؟
ما نحتاجه مرحليا في تاريخ الصراع هنا هو إيجاد الدولة الثانية فعلا لا قولا. والأمور سهلة حيث أن الفلسطينيين فعلا قد باشروا ذلك، ويبقى على الاحتلال أن يعترف بذلك ويساهم في حدوثه. فإذا حدث وقامت تلك الدولة التي تحلص الفلسطينيين والإسرائيليين، فالناس هنا وما يختارون في المستقبل لا ما تختار العقلية الكولينيالية التي لم تتحرر من الماضي كما ينبغي لمستقبل إنساني.
على قادة إسرائيل اليوم أن يصغوا للمستقبل، للعقل والإنسانية، ليس اختيارا بل جبرا، لأن السائرين/ات في طريق الظلم لن يقطفوا غير الظلام.
لعل الزمان يدور دورته؛ فتأتي الأعوام علينا بخير، وتصبح المناسبات ذكريات وتاريخا مضى يثير التأمل به الحرص على ما نأمل أن يكون من مستقبل إنساني يتحرر فيه البشر من البشر.
وحتى تأتي الذكرى الثالثة والخمسون لحركة التحرر الوطني، وما بعدها، لعلنا نبدأ بداية النهاية الحقيقية، فيستجيب الإسرائيليون شعبا وقيادة لصوت الإنسانية، فيبادرون لبناء الدولة الثانية، والتي إن صفت النوايا ستكون يوما مدخلا سياسيا وإنسانيا لتأسيس الدولة الواحدة الديمقراطية التي ينشغل مواطنوها ومواطناتها بالإبداع، واستغلال الثروات لرفاهية الإنسان.
- انت حالم وتحلم!
- لعل العقلانية اليوم إنما تكتمل وتتم فقط بهذا الحلم الرومانسي والواقعي.
للورد رؤوس أعوام، كل وموعد إزهاره..
وللشعب موعد مع الحرية آت رغم ما بالاحتلال من عقد تاريخية.
ذلك هو منطق التاريخ والإنسانية.