المُسّتَكشف التُّركي "بيري ريس" عالم البحر والحرب
خرائط " بيري" التي أذهلت العلماء، هي مجموعة من الخرائط التي تم العثورعليها - بمحض الصدفة – في 9 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1929م، من قِبَل الألماني جوستاف "أدولف ديسمان"، في قصر الباب العالي (Topkapı Sarayı) بإسطنبول، عندما قامت وزارة التعليم التركية بتكليفه، لتصنيف المحتويات غيرالإسلامية الموجودة بمكتبة القصر.
وتم رسم هذه الخرائط بواسطة البحَّار، وراسم الخرائط العثماني “أحمد محيي الدين بيري”، المعروف باسم “الريِّس بيري” أو“الرئيس بيري”، فكم منا سمع بهذا الاسم!
اسمه الكامل احمد محي الدين بيري، أو "بيري الريس"، وهو اللقب العربي الذي كان يطلقه العثمانيون على القائد البحري، ويعني رئيس البحرية، ولكن بعد ذلك استبدل بـ"القبطان"، المحرفة من الكلمة الإنجليزية "كابتن".
"بيري ريس" هو جغرافي، ورحالة، ومستكشف، ومحارب، وأديب إسلامي، عاش بين القرنَين الخامس عشر، والسادس عشر الميلاديين، ويعتبر أحد أهم القادة العسكريين في تاريخ الدولة العثمانية، على جهل الكثيرين به.
ولد "بيري ريس" في مدينة جاليبولي (Gallipoli)، الواقعة غرب إسطنبول، على الجانب الأوروبي من بحر مرمرة، وكانت هذه المدينة بمثابة المركز الرئيسي، للقوات البحرية الإسلامية.
يقول مفتى الدولة العثمانية، أو شيخ الاسلام "ابن كمال"، عن جاليبولي إن أبناءها أمضوا حياتهم في البحر كالتماسيح، وكانت أسرتهم القوارب، وهدّدتهم البحر والسفن ليلا ونهارا".
التحق الطفل "محيي الدين الريس"، بأحد الكتاتيب، التي كانت موقوفة لتعليم الفتية القرآن الكريم، والعلوم الشرعية، حتى أتم 12 عاما من عمره، ونشأ نشأة دينية، حيث كانت المساجد وبيوت العلم، تملأ المدينة.
وعندما انتهى من تعليمه، كانت طبيعة "جاليبولي" بدورها قد انعكست على حياته، حيث التحق بالأسطول العثماني، لكي يبدأ حياته في البحر كقائد عسكري.
ونشأ في كنف عمه القائد البحري العثماني المشهور "كمال ريس"، كان عمه عملاقا من عمالقة التاريخ، وتتلمذ على يديه الكثير من العلماء.
وعندما استدعى السلطان "ببزيد الثاني"، ابن السلطان "الفاتح" الريس كمال، سلمه تكليفا جهاديا لمحاولة إنقاذ الأندلس من السقوط في الآونة الاخر، وتحرك "الريس كمال" برفقة ابن اخيه "محي الدين"، وبالفعل تمكن برفقة المجاهدين العثمانيين، من تحرير مدينة "ملجا" في محاولة أخيرة لإنقاذ الأندلس.
ولكن الأندلس كانت قد سقطت، وتمكن من نجدة مسلمي الأندلس، حيث قاموا بإنقاذ مئات الآلاف من المسلمين -ومن اليهود كذلك- من المذابح هناك.
"محي الدين بيري"، كان يشارك عمه بكافة المعارك العثمانية البحرية، التي استخدمت المدافع لأول مرة في التاريخ، وأصبح أول وأعظم رسامٍ للخرائط في العالم، والتي أفادت المسلمين في معاركهم وفتوحاتهم، وسط وطأة الهجمات الصليبية الشرسة ضد المسلمين.
في عام 1510، هبت عاصفة هوجاء اجتاحت البحر المتوسط، بينما كان الريس كمال متوجها إلى مصر لإنقاذ المماليك، وغرقت السفن، فغرق الريس كمال وتوفى، ومن ثم تم تعيين "محيي الدين" الريس، قائدا على أسطول السويس العثماني.
ويعتبر "ريس بيري"، هوأول من رسم خريطة لأمريكا، وقبل "كرستفور كولومبس" بحوالي 27 سنة، وقد كتب الريس أن هذه القارة اكتشفت عام 1465م!، ونذكر هنا أنه في عام 1956م، عُقدت في جامعة "جورج تاون" الأمريكية ندوة إذاعية عن خرائط "الريس بيري"، واتفق الجغرافيين المشتركين فيها، بأن خرائط بيري لأمريكا “اكتشاف خارق للعادة”.
وقد أوقعت هذه الخريطة علماء الغرب في ورطة كبيرة؛ لأنها رُسمت قبل الاكتشاف المعروف لكولومبوس بسنوات عديدة؛ لذا نراهم يتجنبون الاعتراف بكون هذه الخرائط مرسومة من قبل "بيري رئيس"؛ لأنهم إن اعترفوا بهذا، معناه أن العثمانيين كانوا يصولون ويجولون في السواحل الأمريكية قبل مولد "كولومبوس"، وهذا الاعتراف يجرد الغرب من كثير من الاكتشافات الجغرافية التي يفخرون بها.
خريطتا بيري لوصف العالمالخريطة الأولى للعالم: والتي انتهي منها عام 1513 م، وفي الجزء الذي وصلنا منها، يصف بيري السواحل الغربية من أفريقيا والشرقية من أمريكا الشمالية.
الخريطة الثانية للعالم: تحمل خريطة العالم هذه تاريخ 1528م، ويضم القسم الذي وصلنا منها الجزء الشمالي للمحيط الأطلسي، وشواطئ الشمال في أمريكا الشمالية من جرينلاند، حتى شبه جزيرة فلوريدا. وأهم ما يميز تلك الخريطة أن الجزر، وبعض الشواطئ، رُسمت بشكل يقرب للواقع، مقارنة بالخريطة الأولى.
الغامض والمحير في خرائط "بيري"، أن هذه الخرائط رُسمت بدقة مدهشة بالنسبة للوقت الذي رُسمت به (القرن السادس عشر). هذه الخرائط تصور الأرض وكأن الراسم صورها من الفضاء، فهي قريبة الشبة من الخرائط المتطورة الحديثة المرسومة بالأقمار الصناعية.
توجد خريطة "بيري" للعالم في الوقت الحالي في مكتبة بقصر الباب العالي في إسطنبول، ونادرًا ما تُعرض للعامة، وفي الأعوام 1999-2005 م طبعت الخريطة على الجزء الخلفي لورقة النقود من فئة 10 ليرة تركية، وفي الأعوام 2005-2009 م تمت طباعتها على الورقة النقدية من فئة 10 ليرة.