الخليج العربي أم الفارسي؟ صراع يتجاوز الاسم
تداولت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية أخباراً عديدة تتعلّق بالنزاع الجاري بين العرب والإيرانيين حول تسمية الخليج الذي تطل عليه إيران من الشمال، وعُمان من الشرق، والإمارات العربية المتحدة وقطر من الجنوب، والسعودية من الجنوب الغربي، والكويت والعراق من الشمال الغربي كما تقع ضمنه عدد من الجزر بينها البحرين، وقشم وبوبيان الكويتيتين، وتاروت السعودية، ودلما الإماراتية.
من هذه الأخبار أن شركة «غوغل» العملاقة أقامت استفتاء على الانترنت ليقوم الناس بالتصويت على الاسم وهو ما أدى إلى فوز تسمية «الخليج الفارسي» بنسبة 56.8 بالمئة من الأصوات، بينما حصل «الخليج العربي» على 43.2 بالمئة في التصويت الذي شارك فيه أكثر من مليون ومئتي ألف شخص.
ضمن هذه الأخبار أيضا شكاوى طلاب وأولياء أمورهم إلى وزارة التربية والتعليم في الإمارات من وجود تسمية «الخليج الفارسي» في كتاب مدرسيّ وردّت الوزارة بأن أي أخطاء في المناهج يتم تداركها فورا عبر تعديل النسخة الالكترونية وتزويد المدارس بملصقات لتعديل الخطأ.
وقبل ذلك كانت شركة الخطوط الجوّية العمانية أعلنت في أيلول/سبتمبر الماضي إيقافها نظاما لعرض الخرائط على بعض طائرات وردت فيه تسمية «الخليج الفارسي» بدلا من «الخليج العربي»، وحذّرت إيران قبلها شركات الطيران التي تستخدم تسمية «الخليج العربي» من أنها لن تسمح باستخدام مجالها الجوّي.
يستخدم الطرفان، العرب والإيرانيون، العديد من الأدلّة التي تؤكد عربية أو فارسيّة الخليج، منها التاريخيّ والجغرافي ومنها المنطقيّ، ويحاول كل طرف ممارسة نفوذه على العالم لتثبيت التسمية خاصته وهو أمر يعزّزه الصراع السياسي المحتدم في المنطقة والذي تبدو فيه كفّة إيران أكثر وزناً وفاعلية وتأثيراً من مجموع الدول المختصمة معها على الخليج.
الأدلة المستخدمة تدعمها من جهة إيران مفاعلاتها النووية وصواريخها الباليستية وتحالفاتها العابرة للدول وتجييشها للشيعة العرب في أكثر من بلد وهندستها الاجتماعية والسياسية الخطيرة للمكوّنات الاجتماعية في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وتدعمها من جهة الدول الخليجية ثروات هذه الدول وتحالفاتها الدولية والعربية، وخوضها لحرب شرسة ضد حلفاء طهران في اليمن وتصدّيها لها في سوريا ولبنان وغيرها، وبالتالي فالصراع على اسم الخليج هو صراع سياسيّ أكثر منه تاريخيّ ـ جغرافيّ، ولا أحد في العالم، ينتبه مثلاً إلى أن الخليج مسكون بعرب في ضفّتيه، فمن جهة هناك الدول العربية التي تحيط به، وهناك الأهواز (والأصح الأحواز أي الأملاك) أو عربستان (وهي تسمية العهد الصفوي للمنطقة) وتسكنها قبائل عربية مثل إياد وأنمار وربيعة وبكر بن وائل وتميم وتغلب، وفي تاريخها القديم أن قورش الأخميني غزا المنطقة عام 539 قبل الميلاد وشن حملة إبادة ضد العرب غير أن حكام فارس لم يستطيعوا بعدها إخضاع أهل المنطقة فبقي الساحل ملكاً للعرب الذين كانوا يسيطرون على السواحل البحرية من مصب الفرات إلى الهند، وقد بقي الإقليم تحت حكم الخلافة الإسلامية حتى أيام الغزو المغولي وبعدها نشأت دولة عربية مستقلة وصولا إلى عام 1925 وكان حاكمها آنذاك هو الشيخ خزعل الكعبي حين اتفقت بريطانيا مع إيران على إقصائه وضم الإقليم لإيران وأصبحت الأهواز محل نزاع إقليمي لاحق بين العراق وإيران.
من الأمور الشديدة المغزى أن إيران منذ ذلك الحين وهي تسعى لزيادة نسبة غير العرب في الأهواز وتغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار فمدينة المحمرة، عاصمة الإقليم، على سبيل المثال أصبحت خرمشهر.
ضمن هذا السياق التاريخي فإن تسمية الخليج العربي لا تتعلّق فقط بنزاع بين إيران والدول العربية القريبة بل كذلك بنزاع داخليّ يكشف أزمة دولة ثيوقراطية تقوم على غلبة الفرس على القوميّات الأخرى، وغلبة الشيعة على الطوائف الدينية، وغلبة الموسويين (أحفاد الإمام السابع موسى الكاظم) على غيرهم من الشيعة، وغلبة بعض المدن على بقية المدن والأرياف.
وهذا هو جوهر المسألة!