إعادة النظر في «الاعتراف» بإسرائيل.. أحقاً؟
يقولون في المأثور: إذا كنتَ تريد فعلاً ان «تضرب» خصمك, فتحدث بصوت هادئ ولكن إِبقِ يدك خلف ظهرِك مُمسكة بـ»الهراوة»... وفي الحال الفلسطينية, لا يبدو ان ذلك «الشيء» حدَث أوسيحدث وخصوصا بعد اوسلو, الذي كان صكّ على بياض لقادة الدولة العنصرية الكولونيالية، «يسارهم» قبل يمينهم، كي يمضوا قُدماً في زرع المزيد من المستوطنات في اراضي الضفة الغربية المحتلة, التي يصفونها على الدوام, في تصريحاتهم وادبياتهم ومخاطباتهم بـ»يهودا والسامرة»,وعدم التوقف عن مشروع تهويد القدس والطمس على طابعها العربي,الاسلامي والمسيحي, والعمل بتسارع من اجل تكريس اغلبية يهودية في القدس (الموّحدة) التي زادت مساحتها بأضعاف مضاعفة تلك المساحة التي كانت عليها قبل عدوان حزيران 67، ليس فقط من اجل التوّفر على مساحات كبيرة من الارض, وانما ايضا لإيجاد «اتصالّ» جغرافي مع اكبر مستوطنة يهودية في الضفة الغربية مساحة ومستوطنين, وهي مستوطنة معاليه ادوميم (الخان الأحمر) المكونة من ثلاث مستوطنات متلاصقة, تحمل الاسم ذاته ولكن بأحرف أ,ب وج, والتي لا تفصلها عن القدس الكبرى (عاصمة اسرائيل الأبدية, كما يتحدث الاسرائيليون.. ويُصرّون)... سوى المنطقة التي باتت معروفة بـ»المنطقة A» والتي هي موضع خلاف بين الولايات المتحدة واسرائيل (دع عنك السلطة وباقي العرب فهم في غير هذا الوارد او الاهتمام من قِبل واشنطن وتل ابيب)، حيث عارضت ادارة اوباما اي بناء استيطاني فيها، فيما تسعى اسرائيل بكل الطرق, لشطب هذه المنطقة (عبر الاستيطان) كي تكون مستوطنة معاليه ادوميم متصلة بالقدس الكبرى، وعندها لا تصبح اي امكانية (على الإطلاق) لقيام دولة فلسطينية, ذات تواصل جغرافي بين «مناطق» الضفة الغربية, التي ستكون مقطّعة الأوصال وكانتونات «مُطوّقة», ومزروعة بالمستوطنات حتى بين تلك الكانتونات (إقرأ المعازل), وبذلك تُطوى صفحات اوسلو ويُهال التراب عليها, ولا يبقى لدى المتمسكين به والمدافعين عنه, اي ذريعة او حجة او وسيلة للإحتجاج او الترزّق او البقاء على رأس سلطة وهمية, لم تنجز شيئا على ارض الواقع سوى تحويل «السلطة», الى مزارع وامتيازات للمحاسيب والابناء والاحفاد والفاسدين.
فهل نحن امام تطور جديد يستدعي التلويح بـ»إعادة» النظر في اعتراف السلطة... بإسرائيل؟
نعم... إذ خرج علينا عضو اللجنة المركزية الجديد في حركة فتح محمد اشتيه, بتصريح يبدو في ما يستنبطه انه آخر طلقة في جعبة السلطة، قبل ان يصبح تهديد دونالد ترامب الموشك على تسلّم منصبه بعد اسبوع ، أمراً واقعاً ويأمر بنقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة، ليقول لنا السيد اشتيه: إن «القيادة الفلسطينية ستُيعد النظر في اعترافها بإسرائيل, في حال قيام الولايات المتحدة بنقل سفارتها الى القدس».
صحّ النوم... أي قدس تعني القيادة الفلسطينية؟ أليس من حق الشعب الفلسطيني أن يعرف اي قدس هذه التي تستدعي «إعادة» النظر؟ ان كانت «الغربية» فالكل يعلم انها «يهودية» بالكامل, يقيم على أراضيها المحتلة (التي لا تعترف بإسرائيليتها الأمم المتحدة)... الكنيست، ومقر رئاسة الدولة الصهيونية ومؤسسات تنفيذية وأمنِية وقضائية, ولم يجرِ التطرق إليها في اتفاق أوسلو أو المسّ بها. اما عن «الشرقية» التي احتُلَّت قبل نصف قرن، فقد جرت عليها تغييرات هائلة, كان آخرها القطار الخفيف الذي بنته شركة فرنسية (ويحدثونك عن فرحتهم بقرب انعقاد مؤتمر باريس), وباتت سلوان «مدينة داود» وأرض المتنزهات واستيطان «شرعنته» محكمتهم.. العليا, وهناك قيد الانشاء «تلفريك» يربط جبل الزيتون بِاسوار القدس, فيما تتعرض الاحياء الفلسطينية داخل الاسوار و»خارجها لمزيد من التنكيل والترحيل وسحب الهوّيات وفرض الضرائب الباهظة بدءا بالأرنونا وليس انتهاء برخص المحال التجارية وتدهور اوضاع مدارسها ومعظمها آيل للسقوط والانهيار ، ناهيك عن تدشين مرحلة جديدة من «أسرَلَة» المناهج التدريسية التي ربطتها سلطات الاحتلال بالمساعدة «المالية», ما اجبر «بعض» المدارس على الخضوع للشروط الاسرائيلية, وبدء التدريس بالمناهج اليهودية، دون اهمال عدم وجود مادي ملموس لأي مؤسسة فلسطينية, في تلك المدينة الشهيدة.. المُستباحة يهودياً.
ألا يكفي كل هذا التهويد الاسرائيلية والطمس على الطابع العربي والاسلامي والمسيحي للقدس الشرقية، كي يُعيد اصحاب اوسلو النظر في اعترافهم باسرائيل؟ وألا يكفي ارتفاع نسبة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بعد اوسلو, الى ما يزيد عن ثلاثماية بالمائة مقارنة ما قبله، كي تُوقِف السلطة تنسيقها الأمني على الاقل؟ أَوَ ليس كل هذا البطش المتمادي في سفك الدم الفلسطيني, والاعدام الميداني التي ينفذه جيش الاحتلال بحق الشباب والفتيات الفلسطينيات, كاف كي تعيد السلطة «النظر» بأوسلو, اتفاقا وثقافة وسلطة واسلوب حياة «هانئة» للذين يدافعون عنه... ويتاجرون به؟.
في السطر الأخير.. لا نحسب ان ترامب سيأخذ هذا التهديد «الفلسطيني» بإعادة النظر في عين الاعتبار، اذا ما قرّر المضي قدما في تنفيذ وعوده الإجرامية هذه، وهو إن لجأ الى «التأجيل» وهو احتمال ضعيف، فلن يكون ذلك سوى استماع مؤقت منه لمستشاريه و»خبراء» المنطقة في ادارته الجديدة، اما غير ذلك.. فلا اسرائيل قلِقة من تهديد كهذا, وبالتأكيد ليس واشنطن على قلق. اما عرب اليوم وخصوصا جامعتهم المُحْتَضَرَة, فهم اقل اهتماما بهذا الموضوع «العابر», ما بالك ان لا وزن لهم لدى ادارة عازمة على إدارة ظهرها لهم، ولن تحفل كثيرا.. بخطابهم الإنشائي؟.