عندما نستيقظ نحن الموتى
عندما نستيقظ نحن الموتى، سيكون لِزاماً علينا أن نكنس الكثير من الغبار عن أعناقنا وعقولنا، وعلينا أن ننتظرَ كثيراً لعل عوامل التعرية تساعدنا على كسرِ القيود التي صنعناها لأنفسنا، ونسينا -على الأقل- أن نصنع لها مفاتيح.
عندما نستيقظ، علينا ألا نتفاجأ؛ لأننا لن نَجِد قمراً صناعياً خاصاً بنا، ولا مُفاعِلاً نووياً يَكفينا شر التحالفات.
عندما نستيقظُ نحن الموتى، سنجد كتب أجدادنا الفارابي وابن سينا والرازي بصيغتها المترجمة قد وصلت بالعَجَمِ إلى القمر، في حين أن أُصول تلك الكتب قد صنعنا منها قَراطيس "تِرمِس وفول".
سَنجِدُ أن التاريخَ يُكتَبُ بالمعادلات الرياضية، وليس بأَطول ناطحة سحاب، ولا أعرض (مول)، يَعترفُ تاريخ البشرية بالعُلماء والباحثين ورِجالات السياسة المُحَنَّكين وليس بصاحب الخامة الصوتية واليُخوت الغالية والأَسِرَّة الذهبية.
عندما نستيقظ، لن نجد جيلاً ينتظرنا؛ لأنهم كانوا قرابين حروب سوريا وليبيا وفلسطين، لن تكونَ هناك أنثى وَلود؛ لأن أرحامهن قد جَفّت، ولا شباب لا ينقصه على حمل لقب (أستاذ ودكتور) إلا سنة دراسية؛ لأنهم يتقاتلون في صف من صفوف المسابقات الغنائية.
عندما تَستَيقظون ارتَدوا ملابسكم الثمينة، وانتَعِشوا بعطركم الغالي، وتَباهَوا بسياراتكم وحساباتكم البنكية، اغتصبوا هذه بِدعوى التحرر، واغتصبوا تلك بدعوة الإعجاب، وانهبوا واسرقوا.. وفي المساء عودوا إلى منازلكم، كُلوا واشربوا، وناموا.
ناموا فالرجال قد انقرضوا وماتوا تحت دُروعِهِم وبين أحضانِ خُيولهم وخِيامهم.. ولم يبقَ إلا أشباه الرجال، بلَ أقل، بَل أدنى من ذلك.
نَصيحة: "لا تَستشيروا بوصلة الجُبن، فهي تُشيرُ دائماً إلى بلادِكم"، و"لا تتهكموا على النعامة، فهي تكتفي بوضع رأسها -فقط- في التراب".
كالعادة، لن أجعل خاتمة مقالي نُقطة (.)، بل علامة استفهام كبيرة.
فماذا لو أننا طورنا خرائط الإدريسي التي وصلت إلى 70 خريطة؟ ماذا لو اتبعنا الطُّرقات والأقاليم التي كانت في أَدَق خرائط التاريخ التي وضعها المسعودي؟ حتى إن شُعَراءنا كانوا أعلم منا في وصف الأرض والشاهد قول امرئ القيس:
قِفا نبكي من ذِكرى حبيب ومنزل ** بسِقطِ (اللِّوى) بينَ (الدَّخول) (فحَوْملِ)
* الكلمات بين قوسين هي أسماء أماكن.
أين وصلنا ببحوث ابن سينا في الطب النفسي، الذي كان أول العارفين به؟ ماذا وقع لاكتشاف ابن النفيس، وطب التشريح ما كان ليصل إلى ما وصل إليه دون اكتشاف الدورة الدموية الصغرى لابن النفيس؟
أين كنا عندما كان العالم يتسابق على ترجمة كتب وبحوث واكتشافات الزهراوي والرازي وغيرهما والتهافت كان في أوجه في القرن 17؟
أما في الرياضيات، فالخجل يعتريني من أساتذة النحو وشيوخ الجبر.
فَعن أي فرحةٍ بعام ميلادي جديد نتحدث؟