دولة العشائر والعائلات .. رؤية إسرائيلية
15/01/2017
ناهـض زقـوت (*)
أجرى مركز كيدار للأبحاث (وهو مركز إسرائيلي متخصص في شؤون الشرق الأوسط) مقابلة خاصة مع الباحث والمحلل السياسي والخبير في شؤون الشرق الأوسط الدكتور مردخاي كيدار، حول الحل الحقيقي مع العرب في (يهودا والسامرة) الضفة الغربية، وهل حل الدولتين هو الحل الحقيقي الوحيد؟.
قال: "حل الدولتين يضعنا في مشكلة حقيقية، ليس هناك واحد في العالم يمكنه أن يضمن لإسرائيل والعالم أن الدولة الفلسطينية التي ربما تنشأ سوف لن تتحول الى حمستان إضافية، إما عبر صناديق الاقتراع، كما حدث قبل عشر سنوات في عام 2006 عندما فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، هذا من جانب. ومن جانب آخر، حركة حماس استولت على قطاع غزة بالنار والحديد. فهل هناك من يضمن لإسرائيل وللعالم أن الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية سوف لن تتحول الى دولة حمستان.
لذلك نعتقد أن هذا الحل ولد ميتا، لذلك علينا أن نبحث عن حل آخر، وهو في رأيي الحل الوحيد الذي يمكن تطبيقه على أرض الواقع، وهو حل الإمارات الفلسطينية.
نعرف أن إمارة أولى قد قامت في قطاع غزة، وهي دولة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لها حدود، وحكومة، ووزارات، ومنظومة قضائية، وجيش وشرطة، وتصنيع عسكري، فكل مكونات الدولة موجودة في قطاع غزة، هي دولة شئنا أم أبينا، وعلى إسرائيل أن تعترف بدولة غزة، وعلينا أن نأتي معها باتفاقيات مبنية على الردع المتبادل. هذا هو الواقع الذي لا أحد يمكن أن ينكره منذ حزيران عام 2007، بمعنى تسع سنوات دولة غزة قائمة على قدم وساق.
علينا أن نستمر في هذا السياق، الذي بدأت فيه حركة حماس. وننشأ إمارة في الخليل العربية لعشائر الخليل الجعبري وقواسمه والنتشه والتميمي وأبو سنينة. وإمارة أخرى في أريحا لعشيرة عريقات. وإمارة أخرى في رام الله لعشائر البرغوثي والطويل. وإمارة أخرى في نابلس للمصري وطوقان والشكعة. وإمارة أخرى في طولكرم للكرمي. وهكذا في قلقيلية وجنين. بينما على إسرائيل أن تبقى في المناطق الريفية الى أبد الآبدين، وتعرض المواطنة الإسرائيلية على القرويين.
هذا هو الحل الوحيد المبني على المجتمع العشائري الفلسطيني، والعشائرية تجري في عروق الناس في الضفة الغربية. والسلطة الفلسطينية عليها أن تتلاشى، لأنه ليس لها أي حق في الوجود لأنها دولة مثل دولة سوريا أو العراق أو ليبيا فاشلة منذ ولادتها.
وعندما تنشأ تلك الإمارات على أساس العشائر، هذا هو الشيء الحقيقي، لأن هذه العشائر لها حضور وقوة وشرعية، وشيوخ العشائر لهم رؤية صحيحة في كيفية إدارة شؤون المكان، وإدارة شؤون العلاقات مع إسرائيل.
اعتقد أن هذا سيأتي بالسلام لإسرائيل، وبالأمن للفلسطينيين. وهذا هو الحل الوحيد الذي يمكن تطبيقه على أرض الواقع ما بين البحر والنهر". (انتهى كلام مردخاي كيدار)
إن إسرائيل ما زالت ترسم الخطط وتطرح المشاريع بهدف تفتيت الشعب الفلسطيني وإضعافه، ولم ينته تفكيرها في مسألة العشائر والعائلات في جعلها هي المسيطرة والمهيمنة على القرار السياسي والاجتماعي بحكم نفوذ هذه العشائر والعائلات ودورها الأساسي في المجتمع الفلسطيني. ونحن في هذا المقال لسنا بصدد مناقشة أفكار "مردخاي كيدار" بل طرحها لتبيان مدي خطورة ما يطرحه من أفكار على المجتمع الفلسطيني في ضوء الانقسام الفلسطيني.
يتشكل المجتمع الفلسطيني من مكونات اجتماعية متوافقة في قيمة الانتماء، ولكنها متباينة في رؤيتها السياسية والثقافية، وهذه المكونات تتألف من المواطن واللاجئ والبدوي. عاشت ضمن نسيج اجتماعي شديد الحساسية خاصة في قطاع غزة.
في زمن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة حاول زعزعة الثقة بين هذه المكونات باللعب على قيمة الانتماء وعلى مسألة التمثيل المجتمعي والسياسي، بهدف تفتيت المجتمع وجعله في حالة خلافات دائمة، وقد نجح أحيانا، وأخفق كثيرا نتيجة الصراع المتواصل مع الاحتلال. وفي ثمانينات القرن الماضي، طرح الاحتلال فكرة إدارة الضفة الغربية من خلال روابط القرى، وهي مجموعة من العشائر والقبائل، كان مطلوب منها أن تقود التمثيل السياسي والمجتمعي في الضفة الغربية بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن للمواقف المتشددة التي واجهت بها منظمة التحرير والقيادات الوطنية والحكومة الأردنية في ذلك الوقت هذا المشروع التفتيتي، أدى إلى فشله واندثاره مع الزمن.
وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، ونتيجة للتباينات في المكونات الثقافية والسياسية بين العائدين والمقيمين، سعى الاحتلال وأعوانه إلى زرع بذور الفتنة وخلق حالة من الخلافات والصراعات المخفية بين العائدين والمقيمين، وذلك بهدف زعزعة قيمة الانتماء الوطني. ولكنها لم تنجح بحكمة القيادة الفلسطينية آنذاك الرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي استطاع أن يحتوي الكل الفلسطيني في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
أما بعد الانقسام السياسي الفلسطيني وتداعياته وما تبعه من انقسام اجتماعي وثقافي في قطاع غزة، اختلت تماما قيمة الانتماء الوطني، واستطاع العدو أن يخترق جبهة الانتماء ويزعزعها بقوة، حيث أصبح الانتماء للحزب أعلى من قيمة الانتماء للوطن والمشروع الوطني الفلسطيني.
وفي ظل هذه الأوضاع السياسية السائدة في قطاع غزة، انتشرت ظاهرة المخاتير، وهذا لا يعني انه لم يكن ثمة مخاتير، بل المقصود الكثرة والتنوع، وأصبح لكل مجموعة من المخاتير جمعية أو مؤسسة يستند إليها أو ينتسب إليها، وأصبح لدينا غزو ثقافي من البلدان العربية بتشكيل جمعيات واتحادات مرتبطة بالعشائر والقبائل والعائلات. مما خلق حالة من التوازن النسبي بين التنظيمات السياسية وجمعيات المخاتير والعائلات، وهذا ادخل المجتمع في حالة من التباين والصراع والخلافات، على قاعدة من يقود المجتمع، التنظيمات أم المخاتير؟، وأصبح لكل فريق مناصرين ومؤيدين. ويرجع هذا الأمر إلى غياب مركزية السلطة في ظل الانقسام السياسي.
وبالتالي دخلنا من جديد في مزيد من الانقسام والتشرذم، ليس على مستوى المخاتير بل على مستوى عائلاتهم، فكل عائلة أو فرع من العائلة اختار مختارا يتصارع على التمثيل مع مختار آخر من عائلته، كما أصبحت جمعيات المخاتير متعددة ومتباينة الرؤى والمواقف، والكل يدعي أن جمعيته هي القادرة على حل المشاكل، وأن الآخرين مدعين للمخترة.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى قمة الانقسام والتشرذم على المستويين السياسي والاجتماعي. واعتقد أن هذا التشرذم لم يأت من فراغ، بل ثمة جهات معادية تعمل على ترسيخ التشرذم بل زيادة وتيرته بهدف الوصول إلى انهيار المجتمع والدخول في صراعات متواصلة من أجل مسألة التمثيل المجتمعي.
هذا ما دفعنا الى قراءة الرؤية الإسرائيلية لموضوعة العائلات والعشائر، لكي نطلع أكثر على ما يرسم لنا في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، وتأثيره على مستقبل القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني.
وهذه صرخة لكل من يحاول أن يساهم في مزيد من تفتيت المجتمع، أن انتبهوا لما يحاك في دوائر صنع القرار الإسرائيلي. نحن لا ننكر الدور الأساسي والمركزي للمخاتير، حيث يقع على كاهلهم العديد من المسؤوليات الاجتماعية أهمها الإصلاح بين ذات البين، ومساعدة أفراد المجتمع على حل مشكلاتهم الحياتية. ولكن أكثركم حاد عن الطريق وبدأ يأخذ منحى التوجه السياسي بمعنى السعي نحو التمثيل المجتمعي، كبديل للقوى السياسية والتنظيمات، بالإحساس أن هذه القوى قد ضعف وجودها على أرض الواقع ولم تعد ذات تأثير لدى الجماهير، مما جعل بعض المخاتير يسعون لأخذ الدور السياسي لهذه القوى كممثلين للمجتمع الفلسطيني. وهنا تكمن خطورة هذا التوجه، ويجعل ضعاف النفوس عرضة للإغراءات.
وانطلاقا من هذا، ومن صداقتي مع الكثير من مخاتير قطاع غزة، ندعو كل جمعيات المخاتير ورجال الإصلاح والمخاتير غير المنتمين لجمعيات أو اتحادات إلى توحيد جهودهم ورؤاهم المجتمعية في جسم واحد يعتبر عنوانا لكل أبناء شعبنا يلجأ إليه حين يواجه مشكلة أو قضية ما، كما تكونون عونا للسلطة في حل مشاكل الناس وتسهيل مهامها في تنفيذ القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وباحث، مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق.