لن ننتظر 13 عاما أخرى!
نقطة الارتكاز التي انطلقت منها صحيفة نيويورك تايمز، في ملف نادر استغرق صفحات العدد كانت العام 2003، حينما اعتدت أمريكا على العراق واستباحته، ومنذ تلك السنة بدأت سلسلة انهيارات كبرى، قوضت أو كادت جدران البيت العربي بأكمله!
تحصر الصحيفة ما حل بهذا البيت من خسائر بشرية ومالية بالأرقام، ولو تقديريا، فتقول أنه قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندي وضابط ، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً ، أما الكلفة المالية للحرب على الغالب والمغلوب فقد بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار، بل ترى أن الربيع العربي كان واحدا من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية للكارثة، حيث تقدر مصادر دولية أن خسائر الوطن العربي بلغت 830 مليار دولار، فضلاً عن الدمار الحاصل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا!
الجانب الأكثر خطورة في المشهد الدموي، أن ذلك العدوان والاحتلال الأميركي لم يدمر نظام البعث العراقي فقط، بل دمر الدولة العراقية، كما تقول الصحيفة الأمريكي العريقة، وخلق الظروف الملائمة لولادة داعش وأمثالها من المنظمات الإرهابية، وقضى على العالم العربي وحوّله إلى منطقة ملتهبة، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضرب العالم اليوم ويقض مضاجع البشرية، ما يعني ببساطة شديدة أن الصحيفة تجيب على السؤال الكبير الذي يبحث عنه الكثيرون، ويتمحور حول سبب «التوحش» الذي بات سمة لعصرنا!
عملية تدمير الوطن العربي ما زالت مستمرة، كما تقول الصحيفة، وربما تصدر عدداً آخر بعد 13 عاماً آخر من نكبة الوطن العربي، لأنها ترى أن لا بوادر تلوح في الأفق يمكن أن تكون ال 13 سنة القادمة أفضل، نحترم وجهة نظر الصحيفة، لكن ثمة أشياء ربما هي براعم أمل يمكن رؤيتها من زاوية أخرى للمشهد، لا تخطئها العين، لكنها تحتاج إلى تدقيق بسيط!
بالتأكيد لن ننتظر 13 سنة أخرى لنقرأ عددا خاصا من الصحيفة يرصد «النكبة» العنقودية، فعقب كل عملية انهيار كبرى، هناك تفكير فوري بعملية إعادة البناء، قبل عام غزو العراق واحتلاله واستباحته، لم يكن «البيت العربي» في أوج قوته، ولم يكن سليما من التداعي، الانهيارات والتصدعات كانت ترافق هذا البيت منذ سُلب استقلاله باستقلالات ملتبسة، وجرى تقطيع أوصاله إلى فسيفساء مشوهة، منذ بدايات القرن الماضي، وبدأ رحلة حياة عرجاء شوهاء، يحسبها الأعشى صحيحة وما هي كذلك، ومن يراجع تقارير التنمية البشرية الخاصة بهذا «البيت» لن يجد غير كتل بشرية عالة على الآخر، فثمة ثروات مهدورة وحمى استهلاكية يستوطنها جوع لا يشبع للخراب، وحدود أشبه ما تكون بجروح نازفة في الجسد الواحد، وفتن تنام وتصحو بالريموت كنترول، واستلاب لقوى وأفكار خارج الحدود، وبالمجمل، لم يكن ثمة «نهضة» في زمن نهض فيه الجميع، ولكن كان نهوضهم مبنيا على ذلك الجسد العربي المنهك، وما حدث فيما بعد أن البيت المتداعي بدأ بالانهيار، تارة بتسارع وأخرى رويدا رويدا، إلى أن جاء وقت الانهيارات الكبرى، التي ضربت أركان البيت، لكنها سببت صدمة صحو لساكنيه، هي بداية نهوضه وإعادة بنائه وبناء ساكنيه أيضا، ربما يبدو الكلام رغائبيا أو حتى شاعريا هنا، أمام توحش أرقام الخسائر وهول الواقع، لكننا نعرف جميعا أن أشد ساعات الليل حلكة، هي قبل بزوغ الفجر بقليل!
بالتأكيد لن ننتظر عددا خاصا من نيويورك تايمز بعد 13 عاما، بل ربما تضطر الصحيفة لإصدار عدد خاص في وقت أقرب بكثير، تخصصه لرصد عمليات إعادة بناء ليس لأركان البيت الجديد فحسب، بل لساكنيه وأهله، الذين بدأوا مرحلة «وعي» غير مسبوقة، لا تخطئها عين صاحب كل ذي بصر وبصيرة!