أصعب طرق للولادة
دوماً نقول إن إثيوبيا أرض العجائب والغرائب، وهذه الصفة يستحيل أن تفارق هذه البلاد، والسبب هو تعدد الثقافات، واختلافها، وتنوعها.
وما أغربها من عادات وتقاليد! ودوماً المرأة هي أساس المجتمع، وهذه المرة نتجه بكم إلى منطقتَين في إثيوبيا، وفي هاتين المنطقتين أغرب عادات يمكن أن يراها الشخص، أو يسمع أو يقرأ عنها، وأتوقع أن العديد من القراء لم يسمعوا عن هذه الغرابة، المنطقة الأولى هي إقليم بني شنقول قمز، في غرب إثيوبيا، هذا الإقليم الذي يعتبر بوابة إثيوبيا الغربية، وأخص قبيلة القمز، هذه القبيلة الإفريقية، التي تعتبر ثقافتها وعاداتها إفريقية بحتة، ولم تتأثر بالاستلاب الثقافي؛ بل حتى لم تتأثر بأقرب المناطق لها، أو مَن هم بالقرب منها أو على الحدود.
قبيلة القمز لديها ثقافة غريبة تخص المرأة، وخاصة عادات الولادة، فعندما تقترب المرأة من فترة الولادة يتم عزلها، وعندما تحس أن وقت الوضع قد أوشك تذهب بعيدة عن أهلها وزوجها، في منطقة بعيدة وغريبة خارج القرية، وتحمل معها أغراضها التي تحتاجها لعملية الوضع، فتضع مولودها لوحدها دون أن يقف إلى جوارها أي شخص، لا زوج ولا أم ولا أخت ولا قريب، تضع مولودها بعيداً عن أعين الناس، وتقوم بكل عمليات الولادة وحدها وتتحمل جميع الآلام والمعاناة، وتقوم بدور الداية والممرضة لنفسها، دون أن يساعدها أحد، وتقوم بقطع الحبل السري للمولود لوحدها، وتغسل نفسها ومولودها، وتعود لأهلها بعد أن تضع مولودها، وهي تحمل طفلها دون أن يساعدها أحد، وعقب الانتهاء من هذه العملية، تعود دون أن تحمل أياً من الأغراض، التي كانت تستخدمها في الوضع من أوانٍ وملابس وقماش، فتقوم برمي جميع تلك الأدوات في البر، ولا يسمح لها بأن تعود بالأواني التي استخدمت في الولادة.
وعندما تعود لأهلها، يتم عزلها لفترة طويلة هي وطفلها، في غرفة خاصة خُصصت لهما، ويتم إعداد طعامها وكل ما تحتاج إليه من أغراض، ولا يقترب منها أحد في مخدعها، ولا تخرج إلا بعد فترة، وحينها يتم إعداد بعض الأطعمة استقبالاً لها هي ومولودها، فبعد هذه الاحتفالية يمكن لها أن تندمج مع بقية أفراد الأسرة.
فهذه المرأة قد تواجه العديد من الصعاب والمصائب في العراء، أو خارج القرية، ولكن العادات والتقاليد لها حكم، فتجد أن هذه الحياة بالنسبة لهذه المرأة شيء طبيعي، وقد تعودت على هذا نساء القمز في تلك المناطق.
وقبيلة القمز تختلف عن بقية قبائل بني شنقول، من حيث العادات والتقاليد والثقافة، وتضم المنطقة عدداً كبيراً من القبائل، التي تختلف في عاداتها وتقاليدها.
وما زالت بعض القبائل في تلك المنطقة تعتنق الوثنية، ولديها بعض المعتقدات الغريبة عن بقية الشعوب الإثيوبية، ولدى البعض منها معتقد باسم إله موسى، وربما تكون (اليهودية) ما زالت في بعض المناطق، وكذلك هنالك بعض الطقوس مثل الطهور، ومراسم العزاء تختلف عن بقية القبائل في الإقليم وبقية أنحاء إثيوبيا، وهنالك طقس غريب أيضاً يخص المرأة، مثل عندما تبلغ البنت أو تصل لسن الرشد، تعتزل بعيداً عن القرية برفقة صديقتها المقربة، وتحتمي بعيداً حتى انتهاء المحيض الأول لها، وعقب ذلك تعود للقرية بعد حلاقة شعر رأسها، ثم يتم الإعلان عن أنها أصبحت بالغة وقابلة للزواج، وهنا يحضر الشباب وهم يتغنون ويطوفون أنحاء القرية، وبهذا يتم الإعلان عن أن الفتاة أصبحت قابلة للزواج.
وكذلك لدى قومية الهمر في جنوب إثيوبيا، تقوم المرأة الحامل بوضع مولودها خارج القرية والقبيلة، بعيداً عن مرأى الناس، وتعود إلى القبيلة والأسرة عقب الولادة، وبعد ذلك يتم الاحتفال بها، وتعتبر قبيلة الهمر من قبائل جنوب إثيوبيا المتميزة، التي لها عادات وتقاليد تختلف أيضاً عن بقية قبائل جنوب إثيوبيا، التي تبلغ أكثر من 85 قبيلة تقع في إقليم جنوب شعوب إثيوبيا.