الضمان الاجتماعي.. هل علينا أن نقلق؟!
استوقفتني تصريحات المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي السيدة ناديا الروابدة الأخيرة، والتي قالت فيها إن مجلس الوزراء سيصدر قريبا قرارا يمنح بموجبه الحق لموظفي القطاع العام، المعارين للخارج أو المجازين من دون راتب، المدرجين على قانون التقاعد المدني، بالانتقال اختياريا إلى مظلة الضمان الاجتماعي.
وأشارت الى أن المؤسسة نسّبت بتحويل المدرجين على قانون التقاعد المدني إلى مظلة الضمان، واعتبار الخدمة فعلية بشرط دفع الاشتراكات والفوائد للمؤسسة، وإن المؤسسة ووزارة المالية تضعان حاليا آلية التحويل مع تحمل وزارة المالية لعائدات التقاعد التي تخصم من الموظفين، بتحويل العائدات التقاعدية لهؤلاء الموظفين التي كانت تقتطع منهم لغاية التقاعد المدني وأن يتحمل الموظف باقي المبالغ المترتبة عليه، لقاء تحويل فترات خدماته للضمان.
بطبيعة الحال، فإن مرد الاستغراب لا يكمن في ضم تلك الفئة لمظلة الضمان الاجتماعي، فربما يكون الخيار النهائي أن يكون الضمان هو المظلة التأمينية الوحيدة بالمملكة مستقبلا، ولكنني وأنا أطالع الخبر استذكرت دراسة اكتوارية سابقة ربما في بداية الألفية الجديدة كانت قد حذرت من مغبة ضم التأمينين المدني والعسكري لمظلة الضمان، قبل القيام بدراسات اكتوارية مسبقة وواضحة ومبنية على معطيات مالية دقيقة، ودراسة كافة الجوانب، وأبرزها المخاطر المالية في حال تم اتخاذ مثل ذاك القرار، فالأصل في الضمان الاجتماعي الاستدامة وتأمينه لجيل بعد جيل.
ولذلك، لا بأس أن تقوم المؤسسة بالتخطيط والاستحاطة من المتغيرات على المدى المتوسط والبعيد، واستباق الأزمات والإعداد لها، فالأردن كأي بلد فتيّ في العالم يمر بتغيرات ديمغرافية واقتصادية حقيقية، تستدعي أن يُدرس وضعه ومستقبله المالي، وقانون الضمان الاجتماعي طلب من المؤسسة إجراء دراسة اكتوارية كل خمس سنوات لمستقبلها.
ولان الدراسة الاكتوارية هي عبارة عن دراسة لمقارنة النفقات التأمينية بالإيرادات على مدى 10، 20، 30 سنة... الخ، ولأن المتغيرات الديمغرافية باتت واضحة وجلية، فإنه علينا أن نعرف أنه سيأتي وقت يصبح فيه عدد المتقاعدين يساوي عدد المنتسبين، وهو أمر يتوجب الاستحاطة له قبل حدوثه، وبالتالي من واجب المؤسسة إحاطتنا بتفاصيل دراساتها الاكتوراية وخاصة فيما يتعلق بالتقاعد المدني ورأي الخبراء في الموضوع.
فالفاتورة الشهرية للرواتب التقاعدية اليوم بلغت 72 مليونا و700 ألف دينار، لحوالي 194 ألف متقاعد، فيما بلغ العدد الإجمالي للمشتركين الفعّالين مليونا و215 ألفا، منهم 513 ألفا يعملون في القطاع العام، و629 ألفا في القطاع الخاص، وحوالي 73 ألف مشترك اختياريا، وبلغ عدد المشتركين غير الأردنيين 145 ألفا، وبطبيعة الحال فإن عدد المتقاعدين سيتضاعف كلما زاد عمر المؤسسة، ولذا بات من الواجب تكثيف قراءة مستقبل المؤسسة بشكل يمنعنا من القلق.
وقبل أن أقع في شرك توضيح من لدن الصديق النشط موسى الصبيحي، مدير المركز الإعلامي والناطق الرسمي باسم المؤسسة، فإنني أستبق ذلك للتأكيد على أنني أعرف أن كلام مدير عام المؤسسة كان واضحا في طريقة التعامل مع المنتقلين من الخدمة المدنية إلى مظلة الضمان، وأعرف أنها تحدثت عن آلية التحويل بالاتفاق مع وزارة المالية، ولكني أردت استذكار الدراسات الاكتوارية التي تعلقت بالموضوع، والتذكير بضرورة أن لا يتم التوسع في زيادة الأعباء المالية على المؤسسة، التي نحرص أن تكون بمعزل عن أي تعثر لا قدر الله، وبمعزل عن معالجة التشوهات في التقاعد المدني على حساب المؤسسة ومنتسبيها مستقبلا، وأن يحافظ الضمان الاجتماعي على مركزه المالي الذي سينعكس بالضرورة على مصلحة المؤمَّن عليهم.
نحن لا نريد أن يبدأ القلق يتسرب إلينا على مستقبل الضمان من الآن، كما أننا لا نريد أن نورّث أبناءنا قلقا مضاعفا مع قادم الأيام، عندما يتساوى عدد المتقاعدين مع عدد المؤمّن عليهم، وهو الأمر الذي يتوجب معالجته وتوسيع قاعدة الاستثمارات المربحة حتى نكون بمعزل عن أي قلق مستقبلي