"الفوبيا": ظروف ومواقف تتطلب المواجهة
“فوبيا الحقن بالإبر” بهذه العبارة بدأت العشرينية رندة العزام حديثها عن “خوفها” قائلة، “بدأت معي هذه الحالة منذ كنت طفلة، ووالدتي ذات الشيء، وأذكر أنني رافقت أختي الصغيرة ذات عمر السنتين إلى المستشفى لأنها كانت تعاني من التهاب معوي حاد، وعندما قابلتنا الممرضة أكدت أنها تحتاج إلى حقنة إبرة كي تستعيد صحتها”.
وتضيف، “من هنا بدأت الممرضة في البحث عن عرق في يد أختي لتغرس الإبر فوقه، ولكن الأمر استمر ما يقارب النصف ساعة، وبدأ يعلو صوت أختي بالبكاء، وبدأ يعلو صوت خوفي من الإبر، وفجأة شعرت بالدوار ومن ثم إغماء”.
لا تعلم العزام أسباب هذا الخوف والرعب، وأحيانا تتجنب الذهاب للطبيب رغم مرضها الشديد خوفا من تلقي العلاج بواسطة الإبر.
ينتاب بعض الأشخاص حالة من الذعر والخوف تجاه مشاهدة شيء ما أو خلال تواجدهم في مكان ما، وقد تتزايد الحالة لتصل إلى البكاء أو الإعياء أو الإغماء، ويفسر علماء النفس هذه الحالة التي يصاب بها هؤلاء الأشخاص بأنها حالة رهاب الشيء أو ما يعرف بـ”الفوبيا” والتي تبقى ملازمة ومرتبطة لصاحبها لفترات طويلة، وقد فسر علماء النفس وجود “فوبيا” عند البعض إلى حدث معين مؤلم أو محزن قد أصيبوا به منذ طفولتهم، وارتبط هذا الحدث أو هذا الشيء في أذهانهم بشكل سلبي حتى أصبح وجوده في حياتهم فيما بعد يسبب لهم الرهاب والخوف.
وتختلف حالة الرهاب من شخص لآخر فقد تكون الفوبيا عند البعض هي طبيب الأسنان أو الحقن بالإبر أو التواجد في الأماكن المرتفعة، وهناك من لديه فوبيا في قيادة السيارة وغيرها الكثير من الحالات التي تكون مرتبطة وخاصة بصاحبها.
يعاني عبدالله فاضل (38 عاما) من “فوبيا” القيادة منذ الصغر وحتى الوقت الحاضر، ويضيف أنه تأثر كثيرا بوفاة أحد الجيران بسبب حادث مروري، ومنذ ذلك الحين وهو يكره قيادة السيارات، بل والتعامل معها تحت أي ظرف.
ويشير إلى أنه لم تفلح محاولات والده وإخوته لتجاوز هذه العقدة، ويذكر أن جميع أشقائه الأصغر منه عمرا تعلموا قيادة السيارة وخدموا أنفسهم والأسرة فيما بعد، ويبين أن والده حاول جاهدا إخراجه من هذه المعاناة، وبذل جهدا كبيرا في هذا الموضوع، حيث ذهب به إلى أحد الأطباء النفسيين، ومع ذلك لم تفلح المحاولة.
وتنتاب هديل سلمان (22 عاما) حالة من الرعب كلما صادفت قطة أو كلبا، وتبين أنها خرجت ذات مرة لأحد المتنزهات مع صديقاتها، وصادف مرور قطة أليفة بجانب طاولتهن، فانتابتها حالة رعب وفرت هاربة لشدة خوفها، فهي لا تنسى كيف خدشت قطة وجهها حين كانت طفلة.
أما الثلاثيني مراد عوض الذي يتميز بتحمل شتى المسؤوليات، فيوضح أنه يشعر بقلق وتردد إبان تفكيره في الإقدام على خطوة الزواج، لما بها من مسؤوليات تتصل بتكوين أسرة، وتصيبه هذه الحالة كلما سمع عن فشل بعض الزيجات.
أما ولاء سعيد (25 عاما) فلديها فوبيا الجراثيم، تقول، “أستحم أكثر من مرة في اليوم، وأغسل يدي عدة مرات قبل الأكل، وحين أذهب للأماكن العامة أضع حاجزا على المقاعد قبل الجلوس عليها، كما أنني أخاف من مسك الأبواب عند فتحها كي لا تلتصق الجراثيم في يدي”.
وتضيف، “تلازمني هذه الحالة منذ سنوات، وأشعر أنني أعاني من فوبيا الجراثيم، وقد حاولت التخلص من بعض عاداتها كالتقليل من الاستحمام المفرط، والجلوس على المقاعد بدون حواجز لأن المحيطين بي ازداد ضيقهم وانزعاجهم من خوفي”.
يعرف الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد “الفوبيا” بأنها خوف كامن مزمن وغير مبرر (غير منطقي) من شيء أو مكان أو سلوك معين يؤدي لقيام المريض بمحاولات واضحة للهروب من موقف لمواجهة الشيء أو الظرف الذي يعتبره المريض خطرا على حياته.
ويبين أعراض “الفوبيا” منها الشعور بالخفقان بسبب سرعة ضربات القلب أو اضطراب نظمها أي اختلاف في انتظام ضربات القلب، نظراً لزيادة افراز هرمونات الخوف “الإدرنالين- نورادرنالين”، وثقل في المعدة والشعور بالامتلاء والانتفاخ وعسر الهضم نتيجة تهيج العصب الحائر والشعور بالغثيان والاسهال.
ويضيف، كذلك معاناة كثرة التبول وفي فترات متقاربة نتيجة اضطراب عمل الجهاز العصبي المستقل والشعور بالضيق والاختناق نتيجة تهيج وزيادة نشاط العصب السمبثاوي، كذلك يحدث احمرار الوجه وتدفق الدم بكثرة في منطقة الوجه نتيجة تمدد الأوعية الدموية السطحية، كذلك يشعر مريض الرهاب الفوبيا بالإعياء الشديد والاجهاد وفتور الهمة وضعف الثقة بالنفس والتردد، وعدم الشعور بالأمن وإضاعة الوقت بعمل ألف حساب لكل أمر وتوقع الشر والانسحاب والاستهتار والاندفاع والسلوك التعويضي.
ويوضح كيفية علاج الفوبيا قائلا، من خلال العلاج السلوكي لأنها أمراض نفسية حقيقية، وان أكثر أنواع وسائل السلوك سائدة هي العلاج بالمواجهة الذي يقوم على قيام المريض وبصحبة الطبيب المعالج للتعرض للموقف أو الظروف التي أدت إلى الخوف “الفوبيا” والهلع، وتكون المواجهة بشكل منتظم ومستمر.