معاناة الغزاوي في الأردن
محمد عايش
أصبح يتوجب على كل فلسطيني تعود أصوله إلى قطاع غزة ويقيم في الأردن أن يدفع 200 دينار (300 دولار) من أجل تجديد جواز سفره المؤقت، الذي يتوجب تجديده مرة واحدة كل عامين، وذلك بدلاً من 25 ديناراً هي الرسوم السابقة طوال السنوات الماضية، ما يعني أن كلفة حمل الجواز الأردني المؤقت أصبحت 150 دولاراً سنوياً، أو بمعنى آخر 13 دولاراً في الشهر، وهو مبلغ يعادل فاتورة كهرباء أو مياه أو هاتف أو ما شابه ذلك من أعباء الحياة اليومية المختلفة.
ومع ذلك فإنَّ كلفة الـ13 دولاراً في الشهر تظل نظرية، لأنه لا توجد عائلة في الأردن – لا غزاوية ولا غيرها- تتكون من فرد واحد فقط، وإنما متوسط أفراد العائلة الواحدة بين خمسة إلى سبعة أشخاص، وهو ما يعني أن العائلة التي تضم خمسة أشخاص وتحتاج لخمسة جوازات سفر، يتوجب عليها «تحويش» 65 دولاراً كل شهر، لتتمكن من تجديد جوازات سفرها مرة كل عامين، بكلفة إجمالية تبلغ ألف دينار أردني تُسدد دفعة واحدة نقداً عند التجديد.
أزمة تكاليف جوازات السفر نتجت عن قرار حكومي جديد برفع رسوم تجديد جواز السفر الأردني المؤقت ثمانية أضعاف دفعة واحدة، فبات يتوجب على الفلسطيني الذي يحمل جوازاً أردنياً مؤقتاً أن يدفع 200 دينار بدلاً من 25 لتجديد جوازه كل عامين، بينما ارتفعت رسوم تجديد الجوازات الدائمة العادية من 25 ديناراً الى 50 ديناراً تُدفع مرة واحدة كل خمس سنوات. ويختلف الجواز المؤقت عن غيره بطبيعة الحال، لأنه يتوجب على حامله دوماً أن يكون ساري المفعول، بسبب أنه لا يوجد أي بديل عنه سوى بطاقة هوية لا تصدر هي الأخرى، إلا بموجب الجواز ساري المفعول، كما لا تقبل المدارس أو الجامعات أي طالب من حملة الجوازات المؤقتة ما لم يكن جوازه ساري المفعول، ما يعني أنه من غير الممكن الاستغناء عن تجديد الجواز أو تأجيل تجديده.
الأزمة الجديدة ليست سوى حلقة واحدة فقط من مسلسل معاناة طويل يعاني منه الفلسطيني الغزاوي في الأردن، فقبل شهور قليلة فرضت الحكومة على أبناء غزة في الأردن الحصول على تصاريح خاصة من أجل العمل، وهي تصاريح تستوجب رسوماً مالية باهظة أيضاً، فضلاً عن أنها تشكل قيداً جديداً يعيق دخولهم إلى سوق العمل. أضف إلى ذلك أن «الأردني- الفلسطيني» من حملة الجوازات المؤقتة، الذين تعود أصولهم إلى قطاع غزة لا يُتاح لهم العمل في العديد من المهن، كالطب والهندسة والمحاماة، وتحظر القوانين عليهم الانضمام الى النقابات المهنية إلا على أساس أنهم «أجانب»، كما لا يُسمح لهم بامتلاك العقارات، بما في ذلك شقة سكنية لغايات الاستخدام الشخصي.
المرعب في مأساة هذه الشريحة المنسية أن أغلبهم من المولودين في الأردن، حيث يوجد في الأردن نحو 150 ألف فلسطيني من أبناء غزة يحملون الجوازات الأردنية المؤقتة، أكثر من 70% منهم من مواليد الأردن، ولا يتيح لهم الاحتلال الإسرائيلي العودة إلى غزة أو الضفة أو أي من الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن أن مصر تمنع دخولهم أراضيها أو مرورهم بها، أو حتى ركوب طائراتها ولو كانت متجهة إلى مكان آخر من الكون، ما يعني أنهم موجودون في الأردن كلاجئين بحكم الأمر الواقع، وعودتهم إلى بلادهم الأصلية غير ممكنة، وأغلبهم أمضى معظم حياته أو كلها في الأردن، ولا يعرف بلداً آخر غير الأردن، ومع ذلك فعندما يذهب للبحث عن عمل يُقال له بأنه «أجنبي» وأن عليه الحصول على تصريح عمل، وجواز سفر ساري المفعول، وكلاهما يحتاج لموازنة مالية تزيد من تكاليف حياته وأعبائه اليومية. أوضاع أبناء غزة في الأردن تعيد الى الأذهان أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفي كلا الحالتين فاننا أمام معاناة كبيرة لا يوجد أي مبرر لها، وليس من اللائق بالأشقاء العرب أن يتعاملوا مع الفلسطينيين بالتضييق عليهم على هذه الشاكلة بدلاً من دعم صمودهم، ودعم تمسكهم ببلادهم وأرضهم.
ما معنى أن يكون الفلسطيني ممنوعا من الانضمام للنقابات المهنية، وممنوع من العمل في قائمة طويلة من المهن بما فيها سائق سيارة أجرة ومعلم صف، وممنوعا من امتلاك منزل يسكن فيه، أو سيارة «بكب – نصف نقل» للعمل عليها كعتّال أو موزع بضاعة، وما معنى فرض ضرائب مالية باهظة (تتم جبايتها على شكل رسوم) من أشخاص ممنوعين من العمل والحركة والتملك والعديد من الحقوق الإنسانية الأساسية؟ ما معنى كل هذا؟ ولماذا تريد الأنظمة العربية «تطفيش» الفلسطيني ودفعه دفعاً نحو الهجرة الى أي مكان بعيد آلاف الكيلومترات عن أرض فلسطين؟
كاتب فلسطيني